"طرف السُّوط هبشهم"؛ بهذه الجملة يلخّص منتج مسلسل "ود المك"، مصعب عمر، الضجة التي أثارتها شخصية الشيخ الرفاعي في المسلسل، وهي شخصية تُظهر رجل دين مهووس بالنساء يتلطف إليهن، بينما يقهر أسرته ويتعامل معها بالعنف ويبخل في الصرف عليها، على الرغم من مقدرته المالية وعدم توانيه في إرسال الأموال عبر التطبيقات البنكية إلى الفتيات.
ولا يتورع الشيخ الرفاعي عن التدخل في حرّيات الآخرين الشخصية، وإظهار تلذذه بملذات الدنيا، وربما يظل مشهد تعنيف الشيخ الرفاعي لزوجته وابنته، لمجرد أنه وجد قطعاً ناقصةً من كمية الباسطة (نوع من الحلويات)، التي كان يضعها في الثلاجة، راسخاً في أذهان السودانيين فترةً طويلةً، خاصةً بعد تداول هذا المشهد على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرجع هذا التداول الواسع إلى اعتقاد معظم السودانيين بأن شيوخ الدين، لا سيما السلفية أصحاب التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية، يحبون الباسطة حبّاً شديداً.
وأثارت شخصية الشيخ الرفاعي، في مسلسل "ود المك"، الذي يُبث على قناة البلد الفضائية، وقناة "زول سغيل"، على يوتيوب، جدلاً واسعاً في السودان، بين رافض لها بدعوى أنها تشويه لصورة رجال الدين والأئمة والدعاة، وسط اتهامات بتلقّي أموال لتنفيذ هذا العمل، وبين مؤيد لها بحجة أنها نموذج موجود في المجتمع، فيما يقول آخرون إنه عمل فني يُقيَّم وفق مفاهيم النقد السينمائية المعروفة.
هل الدين في السودان هش لدرجة أن يشوهه دور ممثل في مسلسل رمضاني!
استدلال واقعي
يقول رجل الدين محمد هاشم الحكيم، في تدوينة له على حسابه في فيسيوك، إن الممثل صلاح أحمد الذي جسّد شخصية الشيخ الرفاعي أساء إلى المتدينين بما ليس فيهم، مجارياً موجة العلمانية.
ومضى في انتقاده قائلاً: "أصبحت أول مخلب يطعن في خاصرة الدين عبر الدراما، لقد أفسدت بدلاً من الإصلاح".
ويضيف في حديثه إلى الممثل: "يبدو أنك لم تسمع برقّة مشايخنا، وحب الناس لهم. لم ترَهُم في منازلهم وسط الزوجات والبنات والأهل".
ويملك الصحافي محمد الأقرع، رأياً نقيضاً لرأي الحكيم، إذ يقول إن الشيخ الرفاعي موجود في الأوساط السودانية، ومهمة الدراما محاربة هذا الانفصام الجمعي الذي يعاني منه أدعياء الطهرانية وشيوخ السلطان والدجالون.
واستدلّ الأقرع بمواد صحافية نُشرت في أوقات متفرقة، عن ضلوع رجال في اغتصاب أطفال وفي تجارة المخدرات وحمل الأسلحة.
نموذج من المجتمع
ويقول الممثل مصعب عمر، وهو صانع محتوى تفاعلي يبثه على قناته "زول سغيل" في يوتيوب، لرصيف22: "إن شخصية ود الرفاعي موجودة في الحياة اليومية وفي الأحياء والمناطق والمدن".
ويشير إلى أنه جرى إيقاف بث الحلقات يومي الجمعة 31 آذار/ مارس والسبت 1 نيسان/ أبريل الماضيين، قبل أن يُستأنف البث في اليوم التالي، بعدما استهدفت مجموعة من الناس موقع العمل، كما تلقّى فريق العمل والممثلون تهديدات تتضمن استخدام العنف ضدهم في حال لم يتم إيقاف بث المسلسل، لكنه أكد على أنهم لن يوقفوا بثّه.
وتحدث مصعب عمر، عن أن المسلسل أُنتِج بشكل مشترك، إذ تكفّل هيثم الأمين بالتأليف، ومصعب قيزان بالتصوير، فيما تكفّل هو ببقية تفاصيل الإنتاج.
ولفت ممثل شخصية الشيخ الرفاعي، الممثل صلاح أحمد محمد، في تصريح صحافي، إلى أن الشخصية تحدثت عن المسكوت عنه في ما يتعلق برجال الدين، مشدداً على عدم وجود شيء يعفي من الحديث عن الفاسدين منهم.
ويضيف: "مثلما يُعالج رجال الدين القضايا، نحن نفعل كذلك من خلال الدراما، ونحن أقرب إلى وجدان الناس من الخطب. نحن نحارب الفساد المجتمعي".
وفنّد الممثل صلاح اتهامات تلقّيهم أموالاً من أجل إنتاج المسلسل، لتشويه صورة رجال الدين، وقال إن فريق العمل لم يتقاضَ حتى الآن أجره، مشيراً إلى أنه مثّل في المسلسل، من أجل دعم الشباب.
وفق معايير الفن
وعلّق الروائي حامد الناظر، على الدجل الذي أثاره مسلسل "ود المك"، بأن "الفنون تملك حق تقديم هذا النمط من الشخصيات حتى لو أغضبت من تمثّلهم، فالفن أبداً ينهض على مخالفة الواقع إلى أقصى حدود ممكنة، وعلى المبالغة في تخيّل كل شيء والسخرية منه لأنه فن ولأنه خيال، ولن يحقق المتعة طالما أنه يقدّم الصورة المتوقعة ويتحرك في الهامش الآمن الذي لا يزعج المجتمع. لا بدّ للفن أن يزعج الجميع ويربكهم ويغضبهم أيضاً بأسئلته وجرأته ونزقه".
ويقول إن الأعمال الدرامية تُفحَص بمدى امتثالها للشروط الفنية في بناء هذه الشخوص، وتقاطعاتها مع الشخوص الأخرى ومنطقية الأحداث في تسلسلها وترابطها وسلاسة حركتها في الفضاءَين المكاني والزماني، فضلاً عن مهارتها في مزج العناصر الفنية الأخرى من صورة وحركة وصوت وإضاءة وتقديم عجينة درامية متماسكة في النهاية.
ويذهب الناقد عبد الله علي، في حديثه لرصيف22، إلى صعوبة تقييم المسلسل من خلال 8 حلقات، لكنه عاب على المؤلف والممثل عدم إظهار الاضطرابات الاجتماعية والأزمات النفسية التي عاشها الشيخ الرفاعي، والتي دفعته إلى استغلال الدين لتحقيق مآرب شخصية.
ويتوقع أن ترتفع وتيرة الجدل حول حلقات المسلسل المتبقية، خاصةً أن الانتقادات التي وُجهت إليه جعلت نسبة مشاهدته عاليةً جداً، لكنه يظل علامةً فاصلةً في حاضر الدراما السودانية التي باتت تجذب شريحةً واسعةً من الشباب لإنتاج مسلسلات بأقل التكاليف، وربما في مستقبلها.
الفنون تملك حق تقديم كل الانماط حتى لو أغضبت من تمثّلهم
المشايخ خط أحمر
تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد دراسات اجتماعية عن الدين في السودان، لكن من واقع الملاحظة، نجد أن معظم السودانيين يعتقدون في صلاح رجال الدين، خاصة في شهر رمضان الذي يرتفع فيه معدل الورع الديني، وربما لهذا يرون أن انتقادهم بمثابة نقد شخصي لهم.
وعمل النظام السابق 1989—2019، الذي استند إلى تفسير متشدد للشريعة الإسلامية، لا سيما في سنواته الأولى، على رفع شأن أئمة المساجد، مما أثر في الذاكرة الجمعية حيث أصبح أي شيء يتعلق بالانتقاص من الدين مثار شد وجذب كبير
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...