ما أن تسمعوا بالعراق أو سوريا أو اليمن أو فلسطين، حتى تفكروا بالموت والقتل والحروب. بلادٌ تعتبر اليوم من الأخطر في العالم، حيث استخدام الأسلحة من العيار الثقيل، الإنفجارات، الخطف، التعذيب... لكن هل فكرتم بأن تكون وجهتكم السياحية المقبلة إحدى مناطق تلك البلاد المنفية اليوم سياحياً؟ قد لا تشجعكم المكاتب السياحية على السفر إلى المناطق الأكثر سخونة في العالم، ولكن رحلة مماثلة ستكون بالتأكيد الأكثر تشويقاً في حياتكم. رحلة آمنة...
دمشق، سوريا
في وقتٍ تغمر فيه رائحة الموت ضواحي دمشق، والخطر يهدد كل فردٍ على أرضها، يعزم بعض شبابها على اللهو مهما علت أصوات الصواريخ، مفضّلين فلسفة الحياة على تلك التي تشيد بالموت. شباب دمشق بالتحديد قرروا منذ فترة أن يتحدّوا مرارة طعم الحياة في شوارعهم، من خلال العيش وكأن ما من شيءٍ أقوى من حبهم للحياة.
منذ بضعة أشهر عمدت وكالة فرنس برس على نشر تقريرٍ مصوّر يظهر الحياة الليلية في قلب العاصمة، حيث الشباب يرقصون حتى الفجر لئلا يتسلل الخوف إلى عظامهم. أكثر من 10 نوادٍ ليلية تفتح أبوابها لمن يرفض أن يقفل الباب على نفسه. رقص وغناء على إيقاعات غربية وعربية، تناول المشروبات في محاولة لنسيان عدد القتلى الذي يتزايد عند كل شروقٍ للشمس. عندما سُئل هؤلاء الشبان عن سبب وجودهم في نادٍ ليلي تعلوه القذائف في إحدى زوايا حي الشعلان، أجابوا أنهم يريدون أن يسمعوا الموسيقى بدل الأخبار السيئة، أنهم يريدون أن ينسوا روتين الأسبوع، أن "كل الناس سيموتون يوماً ما، لكن الشعب السوري يحب الحياة، والأهم أنه يحب أن يكون سعيداً".
أمسيات راب خاصة تقام كل أسبوعين من أجل جمع المراهقين، في نادٍ يخشى أن يدلي باسمه مخافة أن يُستهدَف بذريعة أنه لا يجدر بالشباب الاحتفال عندما يموت أناس آخرون. عشية كل يوم خميس يجتمع نحو 200 عاشق لرقص السالسا في أحد فنادق دمشق، للرقص على أنغام الموسيقى الكوبية، وبعضهم يأخذ دروساً مكثفة ليبرعوا في رقص السالسا والتشاتشا والميرينغي والتانغو. في حي المالكي مجموعة من النخبة السورية ما زالت تتمتع ببعض السلام وتعيش حياة الرفاهية في النهار، قاصدة المول الحديث لشراء آخر الإلكترونيات والهواتف الذكية، وأفخر أنواع الجبنة الفرنسية المستوردة وحبات الشوكولا المصنوعة يدوياً!
زيارة دمشق في هذه الأوقات العصيبة ليست إلا دعماً معنوياً وجسدياً لمن يخشى أن يموت في القريب العاجل، هي تذوّق لطعم الحياة القصيرة والشعور بتلك الشعلة التي تشع بكل قوتها رافضةً الموت. إذا كنتم تملكون قلباً شجاعاً ولديكم أصدقاء يعيشون في دمشق، قد تكون فكرة زيارتهم لإمضاء بعض الوقت في سوق الحميدية ومشاركتهم الأطباق السورية ومرافقتهم في سهرات الليل دعماً لهم.
نوعٌ آخر من السياحة لديها زبائنُها في سوريا، سياحة الحرب، للتزوّد بأعلى درجات الأدرنالين على الجبهات القتالية. هذا بالفعل ما قام به السائح الياباني Toshifumi Fujimoto العام الماضي، الذي قرر زيارة سوريا بلباسه العسكري الياباني وكامرتين للتصوير الفوتوغرافي وواحدة لتصوير الأفلام، لأنه ما من مرشد سياحي قد يتنقل معه في ضواحي دمشق. يقول Toshifumi أن ذلك الأدرنالين لا يقترن بأي شيء آخر وأية سياحة في بلد آخر، وأن تلك التجربة الفريدة من نوعها تغيّر من روتين أكل السوشي يومياً. لا يعرف السائح تكلم اللغة العربية، ولكن يؤمن أن لا أحد سيعتدي على سائح مثله. 1900 يورو هو الثمن الذي دفعه لعبور تركيا وصولاً إلى سوريا، وهي ليست المرة الوحيدة التي يزور فيها مناطق خطرة، فقد زار اليمن سابقاً وقت الاشتباكات مع الأميركيين، ومصر بعد سقوط مبارك، وحمص عام 2011، ويخطط لسفرة إلى المناطق الأفغانية الواقعة تحت سيطرة طالبان. ذلك النوع من السياحة مشهورٌ نوعاً ما، تروّج له وكالة السفر البريطانية Hinterland Travel، المتخصصة بسياحة الحرب والكوارث، في العراق، أفغانستان، كاشمير، كردستان، أوزبكستان، القوقاز، وغيرها من المناطق التي خضعت لكوارث...
أربيل، العراق
عيّنت أربيل في كردستان العراق عاصمة السياحة لعام 2014 من قبل المجلس العربي للسياحة، وفازت على بيروت والطائف والشارقة. هناك سببٌ وجيه يقف خلف ذلك اللقب. العديد من المواقع الإلكترونية تشجع على أن يكون العراق الوجهة السياحية المقبلة، معتبرةً بالأخص أربيل "دبي الجديدة" بكل ما قد تقدمه للزائر. أربيل اليوم هي المدينة الغنية بالبترول التي خرجت من حربٍ محلية عنيفة لتصبح مركزاً مهماً للاستثمار والإعمار والسياحة.
موقعها دقيق في العراق، ساعة واحدة فقط تفصلها عن الموصل وكركوك، مع سوريا على بعد 200 كم وإيران علي بعد 100 كم. رغم ذلك يتوقع أن تجذب أكثر من 3 مليون سائح هذا العام، لزيارة مواقعها الأثرية والمكوث في فنادق فخمة حديثة والاستمتاع بأنشطة ثقافية متنوعة. مدينة عريقة عمرها 6000 عام، تملك حضارة قديمة ما زالت معالمها واضحة، مثل قلعة أربيل التاريخية التي أدرجتها اليونيسكو ضمن مواقع التراث العالمي.
مشاريع ضخمة يتم العمل عليها لجذب أكبر عدد من السياح، أكثر من مول حديث ليؤمن تجربة تسوقية بمستوىً عالمي، منتجعات منها ما هو مخصص للتزلج وشقق فخمة وبنوك في منطقة مفتوحة بكل شفافية للاستثمارات العالمية، حققت رقماً يتجاوز 26 مليار دولار بظرف حوالي 6 أعوام. أربيل هي الوجه الآخر للعراق، ووجهة السياحة العالمية للأشهر القادمة.
على ضفاف النيل، مصر
هددت جماعات إسلامية منذ بضعة أسابيع السواح الذي يتنقلون في مصر أن يغادروها ولا يعودوا إليها بمهلة 48 ساعة، وإلا سيكون الموت مصيرهم. حصل ذلك بعد أن تبنّت جماعة أنصار بيت المقدس التفجير الذي استهدف حافلة فيها سواح من كوريا الجنوبية، شهرَ فبراير الماضي. أدخل هذا العمل الإرهابي مصر في حالة ركود اقتصادية وسياحية أكثر حدّة من المرحلة السابقة.رغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلاد النيل، يوجد بعض السواح المغرمون بمصر أكثر من أي وقتٍ مضى، لأنها ببساطة ملكٌ لهم فقط.
في تقريرٍ مثير نشرته The Guardian الشهر الماضي، أوردت أسباب بقاء مصر أمّ الدنيا، وحاولت أن تبرهن، من خلال وصف رومانسي لأجواء مصر، أنها لا تزال ملائمة للسياحة أكثر من أي وقت مضى. السبب؟
إذا كنت مستلقياً على متن “الذهبية” تتجول في عمق النيل، ستشعر أن القارب هو ملكك أنت فقط، كما الأهرامات، لأن ما من سائح آخر غيرك. مصر بلا أي سائح، كما لو كان النيل مجرد من أي نقطة مياه. لكن الخطر لم يمنع بعض السواح من أن يتنقلوا بمفردهم في أرجاء مصر، ليستمتعوا بالأهرامات وعظمة أبو الهول ومعارض توت عنخ آمون. الأقصر تتمتع بالجمال السياحي نفسه، بوادي الملوك الخالي من عجقة السياح المزعجة، ومن يركض خلفهم لكسب بعض الأموال. مصر وجهة فريدة من نوعها الآن، لأنها قد تكون المرة الوحيدة في التاريخ التي ستتواجد خلالها منفرداً مع أبو الهول، في جلسة رومانسية لن يزعجكما فيها أحد.
رام الله، فلسطين
إنه القلب النابض بالثقافة والفن والحرية لفلسطين. رام الله ربما ليست غنية بالمعالم التاريخية كما هي باقي المدن، ولكنها تنعم بروح حية تجعلها مدينة مختلفة عن باقي مدن العالم. منذ الستينات، تجتذب رام الله السياح من كافة أرجاء فلسطين.
موقعbrownbook رسخ في صفحاته لحظات عاشتها فتاة مدة 24 ساعة في رام الله، من خلال كلمات وصور تعبر عن حسن الضيافة وعن عراقة تاريخ تلك المنطقة وعن عمق الثقافة التي تجول في شرايينها. من أولى ساعات الفجر حتى آخر الليل، الحياة في رام الله لا تقع في الملل ولا للحظة، لأن شعبها يعرف ببساطة قيمة الأرض التي تحتضنه.
تبدأ نهارك بقهوة لذيذة من قهوة زمان، نقطة لقاء شباب رام الله، بين صور فاتن حمامة ورشدي أباظة، وعلى لحن فيروزي عذب تتذوق الأطباق التقليدية، في أجواء مثالية. بعد بضع ساعات من الهناء، بإمكانك أن تقصد مركز خليل سكاكيني الثقافي الذي هو عبارة عن تحفة هندسية شرقية، يضم جمعية تهتم بالفنون المرئية والنشاطات الثقافية، من قراءات شعرية ومعارض وعروض أفلام وغيرها. بعد لقاء مميز مع فنانين من مختلف الميادين، تتوجه إلى سوق شراكة، الذي هو مبادرة مجتمعية لحفظ الموروث الزراعي، هدفها دعم المزارعين الفلسطينيين، لتجربة صحن "المقلوبة" واحتساء العصير، وبعدها تقوم بزيارة فنية في أرجاء متحف محمود درويش الأخاذ، قبل الانتهاء في بيت أنيسة للاستماع إلى الموسيقى الحية التي تتوزع بين الإيقاع الفلسطيني المعاصر والجاز والراب وغيرها.
هذه ليست إلا جولة واحدة ليوم واحد، لكن كل يوم يحمل الجديد في رام الله، من معارض فنية وثقافية وحفلات موسيقية ومهرجانات تملأ الساعات على مدار الأسبوع، وحتى الحفلات الخاصة في منازل المدينة، لكي لا يبقى أحدٌ جالساً لوحده يفكر بوحدته.
لبدة، صبراتة وغدامس في ليبيا
تلك هي أسامي المناطق الأكثر أماناً في ليبيا الخالية من أية قوانين، ليبيا "حلم اليقظة". مياه البحر في ليبيا هي التي أصدرت قانوناً خاصاً بها يحافظ على الشفافية الكريستالية الشهية للسباحة تحت أشجار النخيل. الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من البلاد تنصح بعدم التوجه إلى ليبيا منذ أيام القذافي حتى اليوم. أمرٌ جذب 400 سائح العام الماضي لمجموعة السياحة Winzrik Group، في وقت كانوا يسوحون مع 6000 آخرين قبل الحرب. المسؤولون يأملون بتحسن الأوضاع في الوقت الراهن، وبعض السواح الإيطاليين والإسبان يظهرون رغبتهم الزائدة باستكشاف ليبيا، ما يقدم في الحقيقة أملاً للسياحة في بلاد رائدة في تهريب الممنوعات. إذا بحثتم عن صور غدامس أو "لؤلؤة الصحراء" في المواقع الإلكترونية، ستشعرون برغبة لا تقاوم برمي أنفسكم في تلك المشاهد الخلابة، التي تستحق المخاطرة.
صنعاء، اليمن
هنا قلب الصراع بين “حضارة” اسمها القاعدة وأخرى اسمها الغرب. معظم الناس يفكرون أن لا مهرب من الوقوع بين أيادي القاعدة عند التواجد هناك، لكن هل كنتم تعلمون أن فنادق صنعاء تقيم أكثر الحفلات صخباً في المنطقة؟
بعد مغيب الشمس يعود المقيمون والزوار إلى غرفهم، فيقصد بعضهم The Tent أو الخيمة في فندق Sheraton في شارع الحمرا، للاستماع إلى أحدث الأغنيات وتناولالمشروبات الروحية حتى الساعة 1.30 من بعد منتصف الليل، أو التمتع بأجواء بارات إنكليزية مفعمة بالحياة الليلية، بينما على بعد أمتار تكتمل السهرة حتى الفجر في ملهى The Horse Shoe Night Club الذي يقع في فندق Mövenpick، حول فتيات الرقص وبين زجاجات الويسكي الفخمة، كأفخر كباريه في العالم. لم يقل أحد أن الفندق ليس عرضة لاعتداء إرهابي من تصميم القاعدة، بل هو حتى على رأس قائمته. ولكن رغم ذلك، يملأ الزوار الفندق، ويحجزون الغرف الواقعة في الخلف، فقط في حال تمكن الإرهابيون من تخطي حاجز الجيش اليمني عند المدخل ودخلوا الفندق لتفجيره. ربما هذه هي السهرة الأكثر جنوناً التي قد يمضيها سائح في حياته، ومنهم من يرى أنها تستحق التجربة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه