أحاول منذ مدة ليست بالقصيرة أن أكتب شيئاً عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ موضوع "اهترا" كما نقول بالعامية الشامية، أو قُتل بحثاً واستهلك إعلامياً بشكل مستفز أحياناً، ومثير للشفقة والغثيان أحياناً أخرى.
دخلت مواقع بعض المؤسسات التي أعرفها كقارئ، وأعمل معها كصحافي ومحرر منذ سنوات، فلم أجد سوى عدد من المواد التي يُطلق عليها "قصص نجاح"، تتحدث عن تفوق شخص ما، أو قدرة آخر على تجاوز الصعاب، فيما أطلقت عليه أنا والأصدقاء "جماعة تغلّبَ"، أو تقارير إنسانية تظهر الحالة المرضية للشخص ومدى حاجته للدعم والتعاطف، والنظر في الحق الطبي في تلك الدولة، أو حق العلاج في الخارج.
حالة!
"حالة"... هو الوصف الذي تطلقه وسائل الإعلام على ذوي الإعاقة، سواء أظهرتهم بصورة الأبطال تحت بند جماعة "تغلّبَ"، أو كعاجزين مكسورين بحاجة إلى المساعدة.
لم أجد - وهذه تجربتي فقط - تقريراً أو مقالاً يتحدث عن ذوي الإعاقة بوصفهم مواطنين ومواطنات، لهم حقوقهم وحقوقهن، وعليهم وعليهن الواجبات المنوطة بالآخرين.
كما لم أرصد تغييراً حقيقياً على واقعهم عبر التاريخ، إلا في بعض الدول التي أحدثت اختراقاً ملحوظاً وطورت قوانينها في هذا الاتجاه. تلك الدول التي نطلق عليها اسم "الدول المتقدمة"، أو "دول العالم الأول". لكن في حقيقة الأمر، قلّما نظر أحد منذ بدايات الحضارات في ماهية الهوية الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة؛ الهوية التي تتضمن بيئتهم وتأهيلهم وتعليمهم، وكل ما يتفرع عن الهوية من تعقيدات اجتماعية وسياسية.
دخلت مواقع بعض المؤسسات التي أعرفها كقارئ، وأعمل معها كصحافي، فلم أجد سوى عدد من المواد التي يُطلق عليها "قصص نجاح"، تتحدث عن تفوق شخص ما، أو قدرة آخر على تجاوز الصعاب، فيما أطلقت عليه أنا والأصدقاء "جماعة تغلّبَ"، أو تقارير إنسانية تظهر الحالة المرضية للشخص ومدى حاجته للدعم والتعاطف
إننا عندما نسهب في النظرة الأولى والثانية والثالثة للأشخاص ذوي الإعاقة؛ فلن تكفينا مئات، بل آلاف المدونات، للحديث عن نظرة البشر تطورياً واجتماعياً لهم، على أنهم فاقدو الأهلية، أو أطفال كبار، أو قاصرو المعرفة والمقدرة.
منتصف المقال... ما الذي أردت قوله؟
وصلت إلى منتصف مقالي، ولم أدرك بعد ما الذي أود الحديث عنه بشكل مركز، لأنني يائس من واقع أعيشه يومياً، ومن نظرات الناس لي في الشارع، ومن استغرابهم لصوت الناطق الذي أستعمله في أجهزتي الإلكترونية، وصولاً إلى رغبتهم في التقليل من شأن كل ما يمكنني القيام به.
سأخبركم بسر يجهله 70% من المشغلين الذين أعمل معهم: أنا من ذوي الإعاقة البصرية، ولا أكتب تلك الصفة في سيرتي الذاتية، ولا أضعها في نماذج التقدم للعمل أو للمنح، ولا أذكرها إلا إذا تطلب الأمر ذلك مع المشغلين أونلاين.
ولكن ماذا لو أخبرتهم؟ ماذا لو قلت لهم إنني أحتاج إلى بعض التهيئة في الأمور التي لا تمكنني إعاقتي من الوصول إليها؟ ماذا لو قلت لهم إنني أريد ملف (Word) بدلاً من (PDF)؟
الإجابة الأكثر رجاحة - وليست مطلقة ولا عامة - أنهم غالباً سيعتذرون بأشد العبارات تأثراً، لكنهم لن يتعاملوا بشكل يناسب الجميع، بل قد يستبعدونني من المهمة الصحافية التي هي من صلب تخصصي، فقط لمعرفتهم بإعاقتي.
قد يجد القارئ في ذلك مبالغة، لكن صدقوني: جربت كل الطرق والوسائل لإثبات ذاتي أمام معظم المؤسسات الإعلامية، بشكل لا يخفي إعاقتي، فكان الاعتذار أولاً والاستبعاد ثانياً. ينطبق ذلك على كثير من المؤسسات العالمية والمرموقة والمعروفة. ولو جئت لإحدى المؤسسات بقصة نجاح شخص من ذوي الإعاقة في مهنة الصحافة، الأرجح أنه سيتم قبولها دون النظر في تحريرها أصلاً، لأنها تجذب اللايكات والتعاطف على جميع المنصات.
سأخبركم بسر يجهله 70% من المشغلين الذين أعمل معهم: أنا من ذوي الإعاقة البصرية، ولا أكتب تلك الصفة في سيرتي الذاتية، ولا أضعها في نماذج التقدم للعمل أو للمنح، ولا أذكرها إلا إذا تطلب الأمر ذلك مع المشغلين أونلاين
هذا التشعب في المواضيع هو مجرد فوضى ذهنية في عقل صحافي كفيف، اعتاد التهميش والاستبعاد والتمييز، بشكليه الإيجابي والسلبي.
هامش
المؤسسات الإعلامية، تحياتي وبعد
أكتب هذه السطور للفضفضة ليس أكثر، لكني على استعداد تام للعمل معكم، حتى وإن كنتم ممن أصابتهم "طرطوشة" من كلامي. أنا آسف وأسحب أقوالي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
حوّا -
منذ يومشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ يوميناي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياموحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...
mahmoud fahmy -
منذ أسبوعكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم