شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تهملهم الحكومة ويعتبرهم القانون فاقدو أهلية… عزلة قسريّة على الصمّ في العراق

تهملهم الحكومة ويعتبرهم القانون فاقدو أهلية… عزلة قسريّة على الصمّ في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 6 ديسمبر 202402:59 م

أُنجز التقرير بإشراف مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن منحة مقدمة من CFI. 

تهملهم الحكومة ويعتبرهم القانون فاقدي أهلية… العزلة الخيار الوحيد أمام الصمّ في العراق

بنين الياس

شمس أحمد غني (30 عاماً) من بغداد، فاقدة لحاسة السمع منذ الولادة، ومعها فقدت قدرتها على النطق، وهي تعيش مضطرة في عزلة حيث المجتمع لا يستوعب بسهولة ذوي الإعاقة، كما تقول. 

تواصل رصيف22 مع شمس في اتصال عبر تطبيق واتساب في وجود مترجم لغة الإشارة مصطفى ميران. فأخذت بملامحها الجادة، وتلك النظرة الواثقة من عينيها خلف عدستيّ نظارتها وحركات أصابع يديها الرشيقة، تُعبّر عن نفسها، بأنها تخرّجت من معهد الصمّ في حي الشعلة عام 2009، بعد رحلة شاقّة بدأتها عام 2003.

شمس في المخبز

شمس في المخبز.

تروي شمس كيف أن حافلةً خاصةً كانت تنقلها من منزلها في حي الإعلام بالعاصمة بغداد إلى مقر المعهد، مسافة 40 كيلومتراً ذهاباً وإياباً، لفترة وجيزة، قبل أن تتوقّف الحافلة عن نقلها وزملائها، وبات عليهم الاعتماد على جهود ذويهم. 

"تخيّلي صعوبة أن يعلِّمك شخص غير مختص. لقد تخرّجت من المعهد وأنا لا أعرف أغلب إشارات اللغة، ولم أحصل على المعلومات الكافية التي تؤهّلني لمواصلة حياتي والاندماج مع الآخرين الأصحاء"... الحرمان من التعليم المناسب يضع الصمّ بالعراق في حالة عزلة قسرية

يقول ميران مترجماً إشارات شمس: "هذه المسافة ربما تكون قصيرة في مدنٍ أخرى غير بغداد حيث الزحام يكون كبيراً ويحتاج المرء لقطعها أحياناً إلى ساعات، وبتوقف الحافلة، فقدت العديد من الأصدقاء، بسبب بعد منازلهم عن المعهد، وأوضاع عائلاتهم الصعبة وعدم قدرتهم على نقلهم يومياً، كما فعلت عائلتي معي". هذا فضلاً عن معاناتها في المعهد ذاته، كونه يفتقر إلى كوادر تدريسية متخصصة بلغة الإشارة، كما تقول.

لقطة من المحادثة عبر واتساب في حضور المترجم

صورة من المحادثة مع المترجم وشمس. 

تحرك يديها بانفعال، ويترجم ميران: "تخيّلي صعوبة أن يعلِّمك شخص غير مختص. لقد تخرّجت من المعهد وأنا لا أعرف أغلب إشارات اللغة، ولم أحصل على المعلومات الكافية التي تؤهّلني لمواصلة حياتي والاندماج مع الآخرين الأصحاء".

لا يجد طالب معهد الصمّ سبيلاً لمواصلة دراسته بعد التخرج منه، كما يحدث في دول أخرى بعضها مجاور مثل تركيا وإيران ومصر. لهذا، سيطرت العزلة لبعض الوقت على شمس التي كان حلمها أن تتدرج أكاديمياً، بدراسة المرحلة المتوسطة والإعدادية، ثم الحصول على شهادة جامعية.

"لماذا نُحرَم من هذا الحق؟ إن تعلّمنا لغة الإشارة وعرفنا القراءة والكتابة، لماذا نُمنَع من إكمال مشوارنا الدراسي؟ المعهد يعادل فقط الشهادة الابتدائية، وهذا تعليم متدنٍ"، تضيف شمس. 

وتعدّد شمس المشاكل التي يواجهها الأصمّ على مستويي الأسرة والمجتمع، فقد واجهت هي شخصياً التقييد الذي فرضته عائلتها عليها، لكن إصرارها جعل ذويها يتقبّلون فكرة تعاملها مع المحيط الخارجي، وهي تدعو العائلات التي فيها أفراد من ذوي الإعاقة، أياً كان نوعها، إلى دعمهم ومساندتهم ومتابعتهم لحين يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم. 

وفي ما يتعلّق بأفراد المجتمع، توجه شمس رسالة مفادها: "كفّوا عن التنمر علينا… نحن نشعر باستهزائكم، وحتى نظرات العطف التي ينظر بها بعضكم إلينا، إنها تجرحنا، عليكم أن تعلموا أننا جزء من هذا العالم ولنا أحلامنا التي نرغب في تحقيقها مثلكم تماماً".

الخروج من العزلة

وفقاً لمؤشرات المسح الوطني للإعاقة، الذي جرى عام 2016، فإن هناك 156.959 معاقاً بالسمع في العراق يشكلون 9.2% من نسبة ذوي الإعاقة في البلاد. وتعكف وزارة التخطيط على إجراء مسح جديد، منذ آب/ أغسطس 2023. 

شمس هي واحدة من هذا العدد الكبير من فاقدي السمع، لكنها بخلاف الكثيرين من أقرانها، رفضت الاستسلام لحياة العزلة، وأصرّت على السير في حياة رسمتها لنفسها. تقول إنها سألت كثيراً قبل أن تعثر على تجمّع ذوي الإعاقة الذي يترأسه موفق الخفاجي، لتنضم إليه عام 2018، وبعد مشاركتها في العديد من فعاليات الجمعية وأنشطتها، حصلت مع 17 من ذوي الإعاقة على عمل في مخابز باب الآغا في بغداد، ونالت ترقية سريعة لتصبح المسؤولة عن صنع "اللحم بعجين".

لا تُخفي الشابة العراقية معاناتها قبل التأقلم، بسبب صعوبة التواصل مع الآخرين، ولكونها تجربتها الأولى خارج نطاق المنزل ومعهد الصم، لكن وبمرور الأيام اندمجت في عملها، وساعدها في ذلك، محاولة زملائها تعلّم بعض الإشارات ليتواصلوا معها.

شمس في المخبز

شمس مع زميلة لها من (الصم) في المخبز.

ترى شمس أن خروجها للعمل واستقلالها المادي، جعلا أسرتها تتيقن من أنها باتت قادرة على الاعتماد على نفسها، ويبدو أن الثقة بالنفس هذه تعزّزت كثيراً، إذ تشارك بين حينٍ وآخر في وقفات احتجاجية للمطالبة بحقوق ذوي الإعاقة. وتخطّط للمشاركة في العملية السياسية من خلال ترشيح نفسها في انتخابات برلمانية مستقبلية من أجل إيصال معاناة أقرانها إلى أصحاب القرار في الحكومة مباشرة. 

شريحة مُهمَلة

يحصل ذوو الإعاقة من الصمّ على مبلغ شهري مقداره 120 ألف دينار عراقي، من الرعاية الاجتماعية، وهو بحسب العديد منهم فضلاً عن شمس، غير كافٍ لتغطية أجور النقل. 

وهم يطالبون الحكومة التي يتهمونها بإهمالهم، بتوفير وظائف مناسبة لهم، كما كان معمولاً به قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لأنهم يجدون التوظيف وسيلة للاندماج في المجتمع والأهم من ذلك أنه حق من حقوقهم. 

كما يطالبون بتوفير مترجمين متخصصين في لغة الإشارة في الدوائر الحكومية لإنجاز معاملاتهم بدلاً من الاعتماد على شخص من العائلة، يكون وصيّاً عليهم، وفقاً لما هو معمول به من إجراءات حالياً. وألّا تقتصر الدراسة في معهد الصمّ على ثمان مراحل دراسية فقط وفقاً للنظام المتبع حالياً، لأن الكثيرين منهم لديهم طموح شخصي في الحصول على شهادات عليا.

بناءً على تجربته الخاصة، يعتقد الموسوي أن الأطفال يدفعون ثمن إعاقة آبائهم بالصمم، ويحصلون على نصيبهم من التنمر في المجتمع، قائلاً: "في طفولتي، وعند زيارة والدي إلى المدرسة كنت أتغيّب بعدها أسبوعين أو أخفي نفسي وقت الاستراحة بين الحصص هرباً من التنمر الذي كنت أتعرّض إليه… كان بعض التلاميذ يقولون لي والدك أخرس أو يصيحون هذا ابن الأخرس"

وكذلك رفد المعهد بمدرسين متخصّصين، قادرين على تعليم لغة الإشارة بنحو جيّد للصم، لأنها وسيلتهم المباشرة في التواصل مع الآخرين، وهو ما يؤكده المترجم علي الموسوي رئيس منظمة دجلة للمترجمين إذ يقول إن هناك نحو 50 معهداً للصمّ موزعة في محافظات العراق، تُسمّى جميعها "معهد الأمل" وهي مجتمعة تعاني من نقص الكوادر المتخصصة والسبب أن "التعيينات لا تراعي التخصّص لأننا لا نملك جامعات أو معاهد تُخرِّج مدرسين متخصصين بلغة الإشارة، والتعيين في هذه المعاهد يكون لسد الحاجة فقط من غير المتخصّصين، من خرّيجي الكليات الإنسانيّة، الذين يتم تعيينهم في المعهد دون مراعاة الاشتراطات".

ويستدرك الموسوي: "لكم أن تتخيلوا الأستاذ لا يعرف لغة الإشارة، فماذا يتعلم التلاميذ هناك؟ وكيف يتواصلون معه ومع الآخرين؟". كما يُبيّن أن لغة الإشارة غير صوتية، تعتمد على حركات اليدين وأصابعهما للتعبير عن الأرقام والحروف، وتعابير الوجه لنقل المشاعر والميول، والأخيرة تقترن بحركات اليدين لتعطي تراكيب للعديد من المعاني، إضافة إلى حركات الشفاه التي يصفها بأنها "مرحلة متطوِّرة من قوة الملاحظة إذ يقرأ الأصمّ الكلمات من الشفاه مباشرة".

ويشير الموسوي إلى أن لغة الإشارة قد تكون محلّية أو عربية أو عالمية، وأنه في عام 2007 تطوّرت لغة الإشارة على النطاق العربي، بإطلاق دولة قطر قاموس الإشارة العربي، وأن جميع الدول العربية شاركت بلجان موفدة إلى قطر، متابعاً "على الرغم من مشاركة لجنة من العراق، إلا أنها لم تحقّق أي فائدة للصمّ في البلاد، لأنه أفراد اللجنة كانوا غير متخصّصين، وذهبوا إلى قطر لغرض السياحة والاستجمام، والدليل أن أغلب اللجان العربية الأخرى التي عادت إلى بلدانها، عملت تسويقاً إعلامياً للقاموس، أما العراق، فلم يستورد نسخاً من القاموس لتوزيعه على الصمّ أو على الأقل تدريسه في معاهدهم".

لغة الإشارة مقابل الحروف العربية 

علي الموسوي يعد لغة الإشارة لغته الأم، إذ تعامل بها لسنوات طويلة، لأن والده من الصم، وقد طوّر قدرته على التحدّث بها بمرور الأيام ولا سيّما من خلال الاحتكاك اليومي بوالده أو عندما يرافقه إلى تجمعات الصمّ من المناطق العامة كالمقاهي. 

الحروف الأبجدية بلغة الإشارة

يقول عن ذلك: "من بين أشقائي الأربعة، أنا الوحيد الذي تعلّم لغة الإشارة، في حين أنهم رفضوا التعامل بها بسبب خجلهم، وتنمّر المجتمع". وإلى جانب تدريبه اليومي من خلال حديثه مع والده، فإن الموسوي كان قد التحق عام 2002 بمعهد للصمّ في الأردن، وعمل هناك مترجماً للغة الإشارة فترة من الزمن تطوّرت خلالها إجادته للغة الإشارة، كما يذكر. 

وبناءً على تجربته الخاصة، يعتقد الموسوي أن الأطفال يدفعون ثمن إعاقة آبائهم بالصمم، ويحصلون على نصيبهم من التنمر في المجتمع، قائلاً: "في طفولتي، وعند زيارة والدي إلى المدرسة بهدف السؤال عن مستواي الدراسي أو لأي سبب آخر، كنت أتغيّب عن المدرسة لأسبوعين أو أخفي نفسي وقت الاستراحة بين الحصص هرباً من التنمر أو التنابز بالألقاب الذي كنت أتعرّض إليه… كان بعض التلاميذ يقولون لي والدك أخرس أو يصيحون هذا ابن الأخرس".

ينتقد الموسوي المجتمع العراقي ويتهمه بالتعامل بنحو غريب مع الشخص الأصم، "البعض ينظر إلى الأصمّ بدهشة، كأنه قادم من الفضاء الخارجي وهبط على الأرض، ولا سيّما عندما يرونه وهو يُعبّر بلغة الإشارة". 

بعض تعابير لغة الإشارة

ويدعو الموسوي الحكومة العراقية، إلى إنشاء معاهد إضافية للصمّ في بعض المحافظات كصلاح الدين والأنبار، الذين ليس في كل من هما سوى معهد واحد فقط. كما دعا إلى تسهيل وصول الصمّ من القرى والأرياف إلى المعاهد في المدن.

ويضيف: "من خلال اطلاعي، وجدت أن الكثير من الصم يعيشون حياة العزلة في القرى والأقضية والنواحي، لعدم قدرتهم على الالتحاق بالمعاهد بسبب بُعد المسافة، وبعضهم مصاب بمشاكل نفسية جراء هذا". ويطالب الموسوي بتعليم بعض الموظفين في الوزارات، وبالأخص وزارة الصحة لغة الإشارة إذ "رصدنا حدوث بعض الأخطاء الطبية التي نجمت عنها وفيات بسبب التشخيص الطبي الخاطئ لمشاكل صحية كان يعاني منها مصابون بفقدان السمع". 

يحثّ أيضاً على توفير مترجمين للغة الإشارة، يغطوّن الأحداث التي تنقلها القنوات الفضائية المحلية، لأن الترجمة المقدّمة في قناة العراقية هي لساعة واحدة فقط، وهو ما يراه غير كافٍ على الإطلاق. 

وعن مؤشِّرات الإهمال الحكومي لشريحة الصمّ في العراق، يقول الموسوي إن أغلب الدول العربية تحتفل بـ"اليوم الدولي للغات الإشارة" الذي يوافق في 23 أيلول/ سبتمبر من كل عام، باستثناء العراق الذي "لا يعيره أهمية ولا يذكره ولا حتّى في خبر بوسائل الإعلام العراقية".

ويشير إلى أن إهمال الصمّ في البلاد ليس أمراً جديداً، بل هو "حالة قائمة منذ سنوات طويلة"، مقارناً وضع الصمّ في الوقت الراهن بما كان عليه قديماً في البلاد: "في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، كان الصمّ يتخرّجون من المعاهد ليدخلوا بعد ذلك في دورات صناعية وحرفية، ومن ثمّ تمنح لهم فرص عمل ويتم توزيعهم على الوزارات، وكانت تسند إلى بعضهم مهام وظيفية في الأمكنة التي تحتوي على مكائن ذات أصوات عالية ومزعجة، كالمولدات والمضخات"، مستدركاً "الآن لا يوجد أي شيء من هذا ّ".

فاقدون للأهلية بحكم القانون

لا يعاني فاقد السمع، وغيره من ذوي الإعاقة من الإهمال الحكومي فحسب، بل حتى من "عدم إنصاف التشريعات القانونية لهم"، كما يرى الباحث القانوني هاشم العزاوي المهتم بقضايا ذوي الإعاقة، والذي يقول إن هناك ثغرات في القوانين العراقية، منها "إحدى مواد القانون المدني التي تشير إلى أن الصم والبكم والعميان لا يستطيعون التعبير عن إرادتهم ويجوز للمحكمة أن تضع لهم أوصياء". وهو يتابع: "هذا يُنافي الاتفاقيات التي وقّع عليها العراق، المتعلقة بذوي الإعاقة، كالرعاية الصحية والتعليم والوظائف وعدم التمييز وغيرها". 

يشير الباحث القانوني بذلك، إلى ضرورة تعديل بعض مواد القانون المدني المقر عام 1959، لكي تتلائم وتطور العصر الحالي، وهذا يتطلب تدخّلاً برلمانياً بوصفه السلطة التشريعية في البلاد.

الحرمان من التعليم

شهادة المعهد تعادل شهادة الابتدائية، وتكون تلك هي حدود الأصمّ التعليمية في العراق، باستثناء مبادرة قامت بها محافظة بابل، باستحداث الصفين الأول والثاني المتوسط في العامين 2021 و2022 تباعاً، أما محافظة الأنبار فقد افتتحت فقط الصف الأول متوسط لأفراد هذه الفئة. 

لا يعاني فاقدو السمع، وغيرهم من ذوي الإعاقة في العراق من الإهمال الحكومي فحسب، بل أيضاً "عدم الإنصاف من قبل التشريعات القانونية"، كما يرى الباحث القانوني هاشم العزاوي الذي يقول إن هناك ثغرات في القوانين العراقية، بينها الإشارة إلى أن "الصم والبكم والعميان لا يستطيعون التعبير عن إرادتهم ويجوز للمحكمة أن تضع لهم أوصياء"

وينتقد موفق الخفاجي، مدير تجمّع الإعاقة في العراق، حرمان الصمّ  من حقهم في إكمال تعليمهم الدراسي، بقوله: "نحن في صراع دائم مع المؤسّسات الحكومية، حتّى أننا نقوم بتجارب ونعد دراسات ونقدّمها للوزارات، لكن دونما أي جدوى".

ويشير إلى أنه زار العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية والأوربية، ووجد أن أغلبها تسمح للصمّ بإكمال مشوارهم الدراسي، إلا في العراق، إذ يقتصر تعليمهم على المعهد فقط. ويذكر أنه في إقليم كردستان، تم تشريع قانون رقم 22 لعام 2011 الذي ينصّ على حق الصمّ في التعليم "إلا أنه بقي حبراً على ورق دون تنفيذ". 

ولحرمان ذوي الإعاقة من حقوقهم الأساسية تبعات نفسية كبيرة عليهم، خصوصاً، عند انعزالهم عن محيطهم الاجتماعي، وهذا تحديداً ما يعانيه هاني (32 عاماً)، من قضاء المناذرة في محافظة النجف جنوب بغداد. فقد كان في طفولته يذهب إلى معهد الأمل للصمّ في المحافظة ويتعلّم فيه لغة الإشارة، وكانت هناك وسيلة نقل حكومية تنقله من المناذرة لمركز المحافظة، إلا أن ذلك توقف بعد 2003، وواجه والده صعوبة في نقله بسبب التكاليف التي لم يقو عليها. 

حينها، أِصيب هاني، وفقاً لما تقوله شقيقته الصغرى رشا (24 عاماً)، بحالة اكتئاب شديدة، وبات يلازم غرفته ويرفض في بعض الأيام تناول الطعام، مؤكدةً أن "تنمّر الأقرباء والجيران كان له أثر كذلك في تدهور حالته إذ كانوا يضحكون عليه ويحركون أيديهم مقلدين حركاته، سخريةً منه". 

رشا نفسها كانت ضحية لما تصفه بـ"عدم تفهّم المجتمع" لوضع شقيقها إذ تواصلت مجموعة من النساء مع والدتها عام 2020، لتحديد موعد لزيارتهم في المنزل، من أجل خطبة رشا لابن إحداهن. صودف وصول النساء وجود هاني في فناء المنزل، وشاهدنه يتواصل مع والدته بلغة الإشارة، والنساء يراقبنه. 

تقول رشا إنهن "جلسن بعض الوقت ثم غادرن دون التطرّق لموضوع الخطبة الذي جئن من أجله، وذلك لاعتقادهن أن حالة هاني تنتقل بالوراثة". وتردف: "لست حزينة لأن خطبتي لم تنجح بسبب هاني، بل حزنت لأجله كثيراً لأن أبي وأمي عنّفاه، بسبب ظهوره أمام النساء في ذلك اليوم، وهذا الأمر حطّمه تماماً، لشعوره بالذنب".

*أنجز التقرير بالتعاون مع مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image