شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
25 ألف إصابة… ماذا نعرف عن الانتشار الوبائي لـ

25 ألف إصابة… ماذا نعرف عن الانتشار الوبائي لـ"بوحمرون" في المغرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 28 يناير 202503:03 م

يعيش المغرب على وقع أزمة صحية غير مسبوقة، بسبب تفشّي "مرض الحصبة"، أو ما يُعرف باللهجة المغربية الدارجة بـ"بوحمرون"، الذي أودى بحياة أكثر من 120 شخصاً، فضلاً عن 25 ألف إصابة في مختلف مناطق المغرب، منذ أيلول/ سبتمبر 2023.

وفق أحدث تصريح إعلامي لمدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية، محمد اليوبي، لموقع هسبريس المحلي، الانتشار السريع لمرض الحصبة جعله يتحوّل رسمياً إلى وباء في البلاد، واصفاً الوضعية الصحية الحالية في البلاد بـ"غير العادية".

وفي خضم تفاقم هذه الأزمة الصحية واتّساع رقعة انتشار الحصبة بين المواطنين، يعيش المغاربة حالةً من القلق والخوف على صحتهم وصحة أطفالهم، خاصةً أنّ البلاد لم تشهد من قبل تفشّياً بهذا المستوى لمرض الحصبة، الذي كان يُعدّ تحت السيطرة بفضل برامج التلقيح الوطنية.

يدفع هذا كثيرين إلى التساؤل عن أسباب هذا التفشّي المتسارع، وعمّن يتحمّل مسؤولية هذه الأزمة الصحية التي تهدّد الصحة العامة بشكل غير مسبوق، وهي الأسئلة التي نسعى إلى الإجابة عنها في تقريرنا هذا.

أودى بحياة أكثر من 120 شخصاً، فضلاً عن 25 ألف إصابة في مختلف مناطق البلاد منذ أيلول/ سبتمبر 2023… ما سبب التفشّي الوبائي لـ"بوحمرون" في المغرب، بعدما كانت البلاد على وشك إعلان القضاء عليه في 2019؟

انخفاض معدلات التطعيم

تكشف النقاشات حول تفشّي الحصبة في المغرب في الآونة الأخيرة، عمّا وصفتها مصادر ومواقع محلية، بـ"زعزعة ثقة الأسر والمواطنين بالتلقيح إبان فترة جائحة كورونا"، إذ عدّ الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلّف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحافي أعقب اجتماع المجلس الحكومي نهاية الأسبوع الفائت، أن انتشار المعلومات المضلّلة والمغلوطة عن اللقاحات، من أسباب انتشار الحصبة في البلاد.

وفي هذا السياق، يقول الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي، لرصيف22: "يرتبط تفشّي وانفجار حالات الإصابة بالحصبة (بوحمرون) في الآونة الأخيرة، وكثرة الوفيات بين الأطفال المصابين، بانخفاض ملحوظ في معدلات التلقيح لدى الأطفال، حيث انخفضت نسبة التغطية في بعض المناطق من 95% إلى 60%، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الترصّد الوبائي لهذه الأمراض".

من جانبه، يرجّح الأخصائي في الأمراض الصدرية والحساسية والمناعة، الدكتور جمال الدين البوزيدي الإدريسي، في حديثه إلى رصيف22، أن يعود انتشار الحصبة في المغرب وانخفاض معدلات التلقيح، إلى ضعف التغطية الشاملة باللقاحات، مردفاً: "بعض المناطق النائية تعاني من صعوبة وصول الخدمات الصحية الأساسية، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة الصحة، إلا أنّ هناك مناطق لا تزال تعاني. أيضاً من بين الأسباب التي أدّت إلى تفشّي الوباء تداعيات أزمة كوفيد19، التي ساهمت في تأخير حملات التطعيم ضد أمراض أخرى من بينها الحصبة، في ظلّ تركيز الجهود على مكافحة فيروس كورونا".

يرى الإدريسي، أنّ هذه العوامل "أدّت كلها إلى اتساع الفجوات المناعية المجتمعية، بالإضافة إلى مسألة التردّد اللقاحي حيث يتردّد بعض المواطنين في أخذ اللقاح بسبب ما يتم ترويجه وتداوله من معلومات مغلوطة حول سلامة اللقاحات وآثارها الجانبية المزعومة".

في سياق متّصل، يقول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، علي لطفي، لرصيف22: "من الواضح أن هناك نقصاً في تغطية اللقاحات الروتينية، خاصةً في هوامش المدن والمناطق النائية أو الفقيرة، وهو ما أدّى إلى تراكم أعداد كبيرة من الأشخاص غير المحصّنين، وكذا التأخُّر في الكشف عن الحالات الأولى وعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحدّ من انتشارها خاصةً في المدارس ومختلف أماكن الاكتظاظ مثل السجون ودور الأطفال والفتيات والعجزة والتجمّعات السكنية في دور الصفيح".

من الأسباب الأخرى الرئيسية وراء هذا التفشّي، وهو أمر سياسي يتعلّق بالحوكمة وطريقة إدارة الأزمة والتخطيط للطوارئ، عملية وضع إستراتيجيات وترتيبات وإجراءات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الأزمات، تحسّباً لأزمات محتملة لحماية الأشخاص. وقد تخلّفت وزارة الصحة ومديرية الأوبئة، عن هذه الأمور المهمة، ولم تقم بأيّ تدابير استباقية للتصدّي للحصبة برغم التحذير المبكّر من قبل منظمة الصحة العالمية عام 2023.

أي دور لعبته "زعزعة ثقة الأسر والمواطنين بالتلقيح إبان فترة جائحة كورونا" في التفشّي الأخير غير المسبوق لوباء "بوحمرون" في المغرب؟

وضعية وبائية خطيرة ومقلقة

ويقف الصيدلاني ورئيس جمعية الوقاية والتغطية الصحية والخبير في اقتصاد الصحة، عبد الحفيظ ولعلو، عند خطورة الوضع الصحي الذي تشهده البلاد على خلفية الأرقام المقلقة المتعلّقة بانتشار الحصبة، قائلاً: "نحن بالفعل الآن أمام وضعية صحية خطيرة ومقلقة بسبب مرض لا يُستهان به. فمرض الحصبة هو مرض فيروسي خطير تتجلّى خطورته في أنّه شديد العدوى، ويمكن للمصاب الواحد أن ينقل العدوى إلى ما بين َ15 و18 شخصاً، ناهيك عن كونه يؤدي إلى الوفاة".

ويضيف ولعلو، لرصيف22، أنّ بداية انتشار الحصبة في المغرب ظهرت في جهة سوس ماسة، خاصةً في المناطق المتضررة من زلزال عام 2023، حيث أدّى عدم احترام الأسر لمواعيد تلقيح أطفالها إلى تفشّي المرض".

كما يرى أن "التحدّيات الاجتماعية التي واجهاتها الأسر بعد الزلزال، جعلتها تغفل عن التطعيم الذي يرتكز على جرعتين أساسيتين. ونتيجةً لذلك، انتشر الفيروس بسرعة لينتقل من تلك المناطق إلى مختلف جهات المملكة. لذلك ندعو إلى التعامل مع هذا المرض الفيروسي بجدّية وصرامة، والالتزام بالتلقيح لأنه السبيل الوحيد والفعّال للحدّ من انتشار الوباء".

بدوره، يؤكد رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة، أنّ الوضع الوبائي لمرض الحصبة في المغرب "مقلق جداً، بالنظر إلى عدد الوفيات المسجّلة جراء المرض والذي يُعدّ غير مسبوق منذ أكثر من ربع قرن، خصوصاً أن المغرب كان قريباً جداً من تحقيق هدف القضاء على مرض الحصبة في عام 2019، قبل أن يشهد المرض عودةً قويةً ومخيفةً منذ عام 2023".

ويشدد لطفي، على أنّ الوضع تفاقم بشكل حاد خلال عام 2024، وبداية عام 2025، حيث سُجّلت موجات ارتفاع خطيرة في أعداد الإصابات، ووفاة العديد من الأشخاص غالبيتهم من الأطفال دون سنّ 12 عاماً، بالإضافة إلى عدد من كبار السنّ، وهذا غير الحالات الحرجة التي لا تزال تتلقّى الرعاية الصحية في أقسام الإنعاش في المستشفيات بسبب المضاعفات الخطيرة، ومنها الالتهاب الرئوي والتهاب الدماغ.

من يتحمّل المسؤولية؟

وسط تفاقم أزمة "بوحمرون" في المغرب، تواجه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية موجةً من الانتقادات كونها أحد الأطراف المسؤولة عن تفشّي المرض، حيث يُرجع العديد من المختصين والباحثين في مجال الصحة مسؤولية الارتفاع المقلق للإصابات، إلى قصور واضح في التدابير الوقائية والاستباقية التي كان ينبغي اتخاذها من قبل الوزارة قبل تفاقم الوضع إلى ما هو عليه الآن.

في هذا الصدد، يرى الدكتور ولعلو، أنّ المسؤولية عن الوضع الوبائي الراهن هي مسؤولية مشتركة بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالدرجة الأولى، ثم وزارة التربية الوطنية والتعليم، ومن بعدهما وزارة الداخلية، شارحاً: "صحيح أنّ الجميع يتّفق على أنّ وزارة الصحة مع الأسف تعاملت بنوع من التراخي مع الوضع ولم تتعامل بجدية كافية منذ بداية ظهور المرض، فضلاً عن التقصير المتمثّل في غياب الإجراءات الاستباقية التي كان من المفترض أن تُتخذ قبل الوصول إلى هذه الأرقام المخيفة من الإصابات والوفيات، والتي طالت أطفالاً كان من الممكن حمايتهم لو تم تفعيل التدابير اللازمة في وقت مبكر".

يتابع ولعلو، متسائلاً: "كيف يُعقل أن وزارة الصحة لم تبادر منذ شهر أيلول/ سبتمبر 2023، أي قبل انطلاق الموسم الدراسي، إلى تنظيم حملات واسعة لمراقبة دفاتر الصحة الخاصة بأطفال المدارس، سواء في المدارس العمومية أو الخاصة، والتأكد من تلقّيهم الجرعات اللازمة من التطعيم، بدلاً من التأخّر والانتظار حتى شهر كانون الثاني/ يناير، لإطلاق حملات التلقيح، بعد أن انتشر المرض بشكل مقلق وأصبح يشكّل خطراً على صحة المواطنين؟".

من جانبه، ينتقد لطفي، تعامل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية مع الوضع، واصفاً إياه بأنه "غير مفهوم ويطرح أكثر من علامة استفهام، خاصةً مع ارتفاع عدد الوفيات. لا ندري لماذا لم تتحرّك مديرية الأوبئة إلا بعد زيادة عدد الوفيات وانتشار الفيروس بشكل كبير، وإعلان حالة الطوارئ الصحية، فيما سبق وحذّرنا كمجتمع مدني من خطورة الوضع، ونبّهنا إلى النقص في التواصل الفعال مع المواطنين حول خطورة المرض وأهمية التلقيح، حيث كانت الاستجابة الأولية للوزارة بطيئةً وغير كافية، وهو ما أدّى إلى تفاقم الوضع؟".

يقول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة، إنّ الأمر يتطلّب تعزيز التغطية التلقيحية، والمواجهة الصارمة للأخبار الزائفة والمضلّلة وثقافة التخويف والاستهتار بصحة حياة المواطنين وتعزيز التواصل الشفّاف، وأن تكون وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أكثر شفافيةً في نقل المعلومات للمواطنين للتصدّي لخرافات تجّار الأزمات

ويضيف لطفي أيضاً: "سجّلنا غياب الوزارات الأخرى كوزارات الداخلية والتعليم والجماعة الترابية والجهات، عن تحمّل مسؤولياتها في تفادي فقدان طفولة بريئة، وسجّلنا اليوم مرةً أخرى نقصاً في الشفافية حول عدد الحالات والمعطيات والإجراءات المتخذة، بما يثير القلق لدى المواطنين".

ما الذي يجب فعله لتفادي تفاقم الوضع أو تكراره مستقبلاً؟

ويؤكد الطيب حمضي، على ضرورة معالجة الأسباب المباشرة التي أدّت إلى هذه الأزمة لتفادي تفاقم الوباء من جهة، وتكرار انتشاره في المستقبل من جهة أخرى، وبالنسبة إلى أزمة ضعف معدلات التلقيح، يقول: "على الوزارة أن تبحث عن أسباب تدنّي نسب التلقيح خلال سنوات عدة، لأنه لم يأتِ فجأةً. فهل يتعلّق الأمر بضعف تقديم الخدمات، أو بنقص الموارد البشرية، أو بالإضرابات، أو بالجائحة؟".

أما في ما يتعلّق بما وصفه بـ"التراخي في المراقبة الأبديميولوجية للأمراض"، فيرى أنه "تجب إعادة تفعيل وتطوير المراقبة للأمراض بشكل عام، خصوصاً الأمراض التي تُصيب الأطفال، ومنها الحصبة بشكل خاص".

"تجب إعادة تفعيل وتطوير المراقبة للأمراض بشكل عام، خصوصاً الأمراض التي تُصيب الأطفال، ومنها الحصبة بشكل خاص".

من جانبه، يقول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة، إنّ الأمر يتطلّب تعزيز التغطية التلقيحية، وضمان وصول اللقاحات إلى جميع المناطق، بما في ذلك المناطق النائية والفقيرة، بالإضافة إلى تعزيز حملات التوعية للمواطنين بأهمية اللقاحات والإجراءات الوقائية والمواجهة الصارمة للأخبار الزائفة والمضلّلة وثقافة التخويف والاستهتار بصحة حياة المواطنين وتعزيز التواصل الشفّاف، وأن تكون وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أكثر شفافيةً في نقل المعلومات للمواطنين للتصدّي لخرافات تجّار الأزمات.

وختاماً، يؤكد ولعلو، على أن تدبير أزمة تفشّي مرض الحصبة في المغرب، يتطلّب تكاتف الجهود وتحمّل الجميع المسؤولية، لأنها مسؤولية مشتركة بين مختلف الفاعلين من سلطات، وقطاع صحي وجمعيات مجتمع مدني، ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها، مشيراً إلى أهمية اتّباع النهج نفسه الذي اعتُمد في إدارة جائحة كوفيد19، من خلال تكثيف وتعزيز حملات التوعية بـ"بوحمرون"، وبأهمية الوقاية والتلقيح لأنهما السبيل الوحيد للقضاء على هذا المرض.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image