شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الإشادة بسوزان مبارك… هل تناست مصر ثورة يناير في حبّ القراءة؟

الإشادة بسوزان مبارك… هل تناست مصر ثورة يناير في حبّ القراءة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

 بعد مرور أربعة عشر عاماً على ذكرى ثورة 25 كانون الثاني/يناير المصرية، التي ثار خلالها الشعب المصري على الرئيس الأسبق محمد حسني مُبارك، وتسلط على المصريين في تلك الفترة الشعورُ بالغضب، والنقمة عليه، وعلى كل أفراد عائلته، عادت سوزان مبارك لتصدُّر المشهد الآن لتحتل ترند غوغل في مصر، بسبب  الإشادات التي وجهها لها الشعب المصري، بسبب مشروعَي "القراءة للجميع"، و"مكتبة الأسرة" اللذين قامت بإنشائهما خلال فترة حكم مُبارك، وقد أحيا ذكراهما نجل الرئيس الأسبق مُبارك، عبر حسابه الشخصي على منصة "إكس".

فقام علاء مبارك بكتابة تدوينة بالتزامن مع انطلاق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الحالي، نشر بها صورة والدته مُعلقاً: "بمناسبة معرض الكتاب 2025 نتذكر مشروع غني عن التعريف، ومن أهم المشاريع الثقافية، وهو مشروع 'القراءة للجميع' الذي عمل على توفير ملايين الكتب بأسعار زهيدة، بل وصل إلى توفرها مجاناً، كما تم في حملة 'المليون كتاب' حتى يكون الكتاب في متناول الجميع، ويساهم في نشر المعرفة والثقافة. كل عام وحضرتك بخير. متعك الله بالصحة والعافية".

حسني وسوزان مبارك

وبمجرد نشرها أدت هذه التدوينة إلى تفاعل كبير بين المصريين عبر مواقع التواصل الإجتماعي بهاشتاغ  "#ماما_سوزان"، و"#سوزان_مبارك"، وأشادوا بدورها في تعزيز القراءة والثقافة، خلال فترة كونها سيدة مصر الأولى، وعبّر الكثيرون عن تقديرهم لهذه الجهود التي ساهمت في تشكيل الوعي الثقافي للأجيال السابقة.

عادت سوزان مبارك لتصدر المشهد، واحتلت ترند غوغل في مصر، بسبب  الإشادات التي وجهها لها الشعب المصري، بسبب مشروعَي "القراءة للجميع"، و"مكتبة الأسرة"، اللذين قامت بإنشائهما خلال فترة حكم مُبارك، وأحيا ذكراهما نجل مُبارك

كما أيد الكثير من المثقفين تدوينة علاء مبارك، مؤكدين على أن مبادرات سوزان مبارك أحدثت تأثيراً كبيراً من الصعب تكراره، وبأنها تظل رمزاً للإرث الثقافي المصري، بل دعوا أيضاً إلى تبني مبادرات مشابهة تعيد للثقافة دورها الأساسي في بناء المجتمعات.

فكانت سوزان مبارك وراء إطلاق مبادرة "القراءة للجميع" سنة 1990، بهدف نشر الثقافة ورفع وعي القراءة بين الشباب في مصر خاصة خلال الفترة الصيفية، ثم أطلقت بعدها مبادرة "مكتبة الأسرة" عام 1994، وتم خلالها توفير مجموعة واسعة من الكتب بأسعار منخفضة لتناسب الجميع، لجعل الكتب والمعرفة متاحة لشرائح واسعة من المجتمع، وقد قدم كلّ من المشروعين أعمالاً أدبية، وموسوعات كبرى للحث على التثقيف.

ما يثير الغرابة في ما يحدث هو أن اعتلاء سوزان مبارك الترند، والإشادة بها، جاء في التقويم ذاته الذي قامت فيه الثورة المصرية ضد مُبارك، وعائلته، أي يوم 25 كانون الثاني/يناير، بل وجاءت مشاعرهم الآن على نقيض ما كانوا يشعرون به في نفس اليوم منذ أحد عشر عاماً، فكان الشعب حينها ناقماً على الرئيس الأسبق وعائلته جميعاً، وصاروا من بعد تنحيه ينفرون من كل ما يتعلق بتلك العائلة الحاكمة من ذكريات وآثار، لدرجة رفضهم لمشروع "مكتبة الأسرة" بسبب كونه من توقيع زوجة الرئيس الأسبق.

سوزان مبارك

فكانت الكتب الخاصة بذلك المشروع، مرفوضة من قبل المصريين، بعد الثورة، لمجرد أن غلافها يحمل صورة قرينة الرئيس الأسبق، مما يثير استيائهم، لدرجة أن الهيئة العامة للكتاب كانت تحاول التخلص من تلك الكتب التي تملأ مخازنها باستماتة، بسبب عدم الإقبال على شرائها، فلجأت إلى تخفيض ثمنها لتحاول الترويج لها بأي شكل، وقد وصل بهم اليأس إلى التفكير في التخلص منها عن طريق الحرق؛ فكان لا أحد يفكر في الإفادة التثقيفية التي ستعود بها تلك الكتب عليه، لطالما تذكره بفترة حكم مُبارك.

ويُذكر أن الهيئة العامة للكتاب قامت خلال أول معرض كتاب تمت إقامته بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير، في عام 2011 بمنطقة فيصل، بطرح آلاف الكتب التي تنتمي لمشروع "مكتبة الأسرة"، المطبوع على غلافها صورة زوجة الرئيس الأسبق، وتوقيعها، وحينها رفض المصريون شراء أي كتاب يحمل صورة سوزان مبارك، حتى إن كان زهيد الثمن، وكان بعض زوار المعرض تتملكهم الحيرة بين الرغبة في الشراء، والاستياء من وجود صورة سوزان مبارك على الغلاف، ثم يقررون في النهاية شراء الكتاب، ثم نزع الغلاف عنه، وإلقاءه أرضاً.

 وقد أكد الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب حينها، أنه قرر تخفيض سعر الكتب التي تحمل صورة زوجة الرئيس السابق، وبيعها بجنيه واحد فقط خلال هذا المعرض، للتخلص منها، حيث أن مخازن الهيئة مُكتظة بها، ولأن الهيئة كانت لا تستطيع تغيير غلاف الكتاب بسبب التكلفة العالية التي ستفوق سعر الكتاب نفسه.

وفي عام 2015، وبعد ثلاث سنوات من معرض فيصل، حاول الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب مُجدداً بيع تلك الكتب، والترويج لها، آملاً في التخلص منها مرة أخرى، فقام بتوزيعها بخيمة "سور الأزبكية" التي تبيع الكتب المُستعملة، والزهيدة الثمن، وتبعد خطوات قليلة عن باب معرض القاهرة الدولى للكتاب المُقام في ذلك التوقيت، حتى يجد من يُقبل عليها.

مشروع القراءة للجميع

وقد لاقى رد الفعل نفسه، فأثارت حينها أيضاً صورة سوزان مبارك، استياء عدد من رواد المعرض بسبب وجودها على غلاف الكتب المعروضة، فتجنبوا شراءها؛ مما جعله يصف مثيري الجدل حول الصورة بأنهم "أشخاص يتصيدون في الماء العكر"، لأن كان عليهم رؤية سنة الإصدار. وأكد مرة أخرى بأن هذه الكتب قديمة، وما زالت موجودة بالمخازن، لهذا تم عرضها للبيع بأسعار مخفضة، وبأنه كان أمام خيارَين؛ الأول هو التخلص من هذه الكتب بالحرق، والثاني هو بيعها بسعر منخفض.

 وفي العام ذاته أيضاً حاول عرض بعض تلك الكتب الخاصة بـ"مكتبة الأسرة" بجناح الهيئة المصرية العامة للكتاب بالمعرض، ولكنها لم تجد إقبالاً كالمعتاد، وأكد العاملون بالجناح على أنهم مضطرون لبيع تلك الكتب، حتى لا يتم إلقاؤها في سلة المهملات، وحاولوا إقناع الزوار بشرائها، موجهين لهم الدعوة للاستفادة بها، حتى وإن كانوا غير راضين عن من قدّمها لهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.

سوزان مبارك

اما الآن فلقد تبدل الحال، وتحولت موجة الغضب والكراهية في مصر تجاه عائلة مُبارك، والنفور من مجرد صورة سوزان مبارك على غلاف كتاب، إلى وابل من الإشادة بجهودها، والاعتراف بفضلها في تنمية ثقافة الشعب المصري، من قبل كثير من المصريين. فما هو سر ذلك التحول في المشاعر على الساحة المصرية بعد 11 عاماً من الثورة؟ هل هي ذاكرة السمك التي جعلت الشعب يتناسى الأحداث تدريجياً بمرور الوقت؟ أم إنها الفكرة التي جاءت بعد سكرة الغضب، فعندما انتهت تلك السكرة عادت العقول لتُمعن النظر في القرارات والآراء التي تم اتخاذها خلال فترة غياب العقلانية في التفكير. فتذكر الناس فائدة مشاريع سوزان مبارك التثقيفية فجأة، وقرروا منح كل ذي حق حقَّه؟

أم إن ما يحدث هو نوع من متلازمة "ستوكهولم" التي يهيم خلالها الفرد حُبّاً بشخص يشعر نحوه بالعداء، قد أصابت الجموع؟ أم هو الحنين إلى الماضي، فإن فترة ال 29 عاماً التي مكثها محمد حسني مبارك كانت تحمل للجميع ذكريات كثيرة تتعلق بطفولتهم وشبابهم، وسنوات جميلة من أعمارهم، فصاروا يمجدون تلك الفترة ورموزها، تمجيداً لذكرياتهم هُم، ليس إلا؟ 

كانت سوزان مبارك وراء إطلاق مبادرة "القراءة للجميع" عام 1990، بهدف نشر الثقافة ورفع وعي القراءة بين الشباب في مصر، خاصة خلال الفترة الصيفية، ثم أطلقت بعدها مبادرة "مكتبة الأسرة" عام 1994
يقول الكاتب الروائي والمحلل السياسي عمار علي حسن لرصيف22: "بالفعل كانت الناس في فترة ما بعد الثورة المصرية تقوم بالشطب على صورة سوزان مبارك بمجرد رؤيتها على أغلفة كتب 'مكتبة الأسرة'، وكانوا يعمدون أحياناً إلى تمزيق الغلاف، وما يحدث الآن من تصدّرها للترند، وحالة التحول من النقمة عليها للإشادة بها، سببه هو أن الأوضاع الحالية بمصر قد ازدادت سوءاً من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية السياسية أيضاً. فهناك تراجع تام في شكل النظام السياسي؛ الفصل بين السلطات لم يعد موجوداً، والحد الأدنى من احترام الدستور لم يعد موجوداً هو الآخر، والحد الأدنى من الاهتمام بالحريات العامة غاب تماماً. فإن الإنصات إلى المستشارين، والتعددية في صناعة القرار، تحولت إلى انفراد تام، ولقد جُرحت صورة مصر الخارجية جرحاً غائراً، فأصبح هناك فساد في غاية القسوة، جعل قطاع عريض من الناس يتملكه حنين إلى زمن الاستبداد المرن، والفساد الرحيم، أي زمن مبارك".

سوزان مبارك بين أطفال

ويضيف: "في ما يتعلق بمشروع سوزان مبارك الثقافي، نحن نعيش في ظل سُلطة لا تنشغل بالثقافة، ولا تعطيها أي وزن، وتعتبرها قلادة زينة، ولم يتم تبني مشروع على مدار عقد من الزمن ترى فيه الناس مشروعاً حقيقياً للتثقيف والتعليم، بل رأينا أن هناك انسحاباً للدولة من التعليم، وميلاً لتعليم القلة على حساب الكثرة، واعتبار الثقافة شيئاً كريهاً، أو مُهدداً  للاستقرار. هكذا نسمع، والرئيس نفسه لم  يفتتح معرض الكتاب ولا مرة واحدة منذ أن تولى الحكم، على عكس الرئيس مبارك الذي كان يذهب كل عام للقاء المثقفين، حتى لو كان لقاءً شكلياً.

ويردف: "أيضاً في ظل ارتفاع أسعار الكتاب والورق، نتيجة انهيار الجنيه المصري أمام الدولار، أضحت قدرة المصريين على شراء الكتاب مُتدنية، ومن ثم، فإن الناس ربما تتذكر كيف كانت تشتري كتباً لأكبر المفكرين والأدباء المصريين بسعر زهيد جداً في متناول اليد، من خلال 'مكتبة الأسرة' في ما مضى. وهذا لم يعد موجوداً الآن. فإنه حتى سلاسل الكتب التي تخرج من المؤسسات الحكومية على الرغم من أن أسعارها بالفعل أقل كثيراً من أسعار المكتبات الخاصة، لكن عدد الكتب المطبوعه قليل، قياساً إلى احتياجات السوق المصري، أو القارئ المصري.

من أجل هذا يحدث الحنين إلى زمن مبارك، وإلى مشروع 'مكتبة الأسرة' الخاص بسوزان مبارك. وكما دوّنت على منصة 'إكس' تعليقاً على تدوينة علاء مبارك، فإن هذا المشروع، برغم ما شابه من فساد من قبل بعض الإداريين والموظفين والمثقفين والناشرين، إلا انه في المُجمل كان مشروعاً جيداً، وساهم في تثقيف جيل من المصريين".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image