شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"سنبني خياماً جديدة فوق الحطام"... ماذا سيفعل الغزيون في اليوم الأول لوقف إطلاق النار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

دخل اليوم الأحد 19 كانون الثاني/يناير 2025، عند الثامنة والنصف صباحاً، اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حيّز التنفيذ. لحظة قال عنها الكاتب الغزي محمود جودة، إنها لحظة "الفرح الحزين".

فالغزيّون، الذين انتظروا هذه اللحظة طويلاً، يعيشونها فوق خراب قطاعهم وحياتهم الجماعية والفردية، وبمشاعر الفقد أو الإصابة أو الجوع، التي لم تنته.

هكذا انتظرها الشاب محمد أبو زيد. انتظرها حتى يصل إلى منزل عائلته في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.

هناك، سيبدأ بالحفر والبحث عن جثث شقيقه وزوجته وأطفالهما الثلاثة، الذين استشهدوا إثر قصف استهدفهم في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

نزح محمد برفقة عدد من أفراد أسرته، فيما ظلّ أخوه حمدي وعائلته في منزلهم في جباليا، خلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت شمال قطاع غزة يوم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبعد أسابيع بقائهم هناك، قتلوا جميعاً بغارة جوية. وظلّت جثثهم تحت الأنقاض، نظراً لتحييد إسرائيل لعمل طواقم الدفاع المدني والإسعافات في تلك المنطقة.

شعرت بغصة شديدة لحظة سماع إعلان الاتفاق. فكم كنت أتمنى أن يكون شقيقي حمدي وعائلته بيننا ليشهدوا هذا اليوم

"منذ استشهادهم، وأنا أنتظر بألم شديد، لحظة انسحاب الجيش الإسرائيلي، أو لحظة اتفاق لوقف إطلاق النار، حتى أتمكن من استخراج جثثهم ودفنها. هكذا أكرمهم حسب أصول الشريعة والإنسانية"، يقول محمد لرصيف22.

ويتحدث عن التنافضات التي جلبها خبر وقف إطلاق النار في قلوب الغزيين، قائلاً: "غابت فرحة الإعلان عنا بشكل كامل. فالحرب حصدت روح شقيقي وأسرته ودمرت منزلهم الذي كان يأويهم".

وكانت خلافات قد ظهرت في اللحظة الأخيرة حالت دون توقيع الاتفاق، حتى بعد أن أُعلن الأربعاء الماضي في الدوحة عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ثم حُلّت الثغرات وصادقت الحكومة الإسرائيلية ليلة الجمعة 17 كانون الثاني/يناير 2025، على الاتفاق وصفقة التبادل.

إنه يوم العودة

وستبدأ عودة النازحين بعد اليوم السابع من بدء سريان الاتفاق، مشياً على الأقدام. وبعدها بنحو أسبوعين، سيتمكّنون من العودة من خلال المركبات، حيث سيتم فحصها من قبل إسرائيل عبر آليةٍ تم التوافق عليها.

العائدون يعرفون أنهم سيعودون إلى مناطق منسوفة، وربما لن يتعرّفوا إلى ملامح بيوتهم وأحيائهم. إلا أن كثيرين منهم قالوا إنهم سينصبون خياماً فوق حطام بيوتهم.

"حتى آخر لحظة، كنت لا أصدق أننا قريبون من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، حتى تم الإعلان عنه بشكل رسمي. فالتجارب السابقة أثبتت الفشل، ولم تثمر اتفاقاً ينهي الإبادة التي حصدت أرواح وممتلكات الفلسطينيين على مدار 15 شهراً وأكثر"، يقول محمد.

ويردف: "شعرت بغصة شديدة لحظة سماع إعلان الاتفاق. فكم كنت أتمنى أن يكون شقيقي حمدي وعائلته بيننا ليشهدوا هذا اليوم، فقد كانوا من أكثر التواقين له، ودائماً ما تحدّثوا عن أمنياتهم بعد انتهاء الحرب".

أما إبراهيم المصري، فقد انتظر هذه اللحظة، حتى يتمكن من العودة إلى بلدته "بيت حانون"، التي تقع أقصى شمال قطاع غزة، والتي تعرضت على مدار أيام حرب الإبادة لعمليات تدمير ونسف ممنهجة على يد الجيش الإسرائيلي.

"سنعود إلى بيت حانون حتى لو كانت ركاماً"، يقول إبراهيم لرصيف22. ويتابع: "سنعمر خيامنا فوق أكوام الركام ونعيش فيها، لأنها المكان الأحن علينا في هذا العالم"، مضيفاً: "لا شيء أكثر أمناً من أن يكون الإنسان في مسقط رأسه وبين أهله وناسه، حتى لو كان يفترش الأرض ويلتحف السماء".

ويشير إبراهيم إلى ما شاهدوه خلال الأسابيع الماضية من صور نشرها الجيش الإسرائيلي، تظهر كيف حوّل بلدتهم إلى ركام ورماد ولم يُبق فيها أي معالم أو منازل تصلح للحياة. ويعلق قائلاً: "رغم هذا الدمار، نحن مصرون على العودة، مهما كان الظرف".

وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قال إن "الخسائر المباشرة للحرب قدّرت بـ37 مليار دولار". وهي خسائر لم تُحسب ضمنها الخسائر الفردية المعنوية أو المادية التي ستستمر تبعاتها على حياة الغزيين في المستقبل المنظور. وعليه، فإن العودة إلى الحياة "الطبيعية" كما كانت قبل الحرب، تحمل تحديات من الصعب حصرها.

فرحة منقوصة

مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، طلب الجيش من مئات آلاف المواطنين في منطقة "شمال وادي غزة" المغادرة إلى جنوبه، بزعم أن المنطقة تعتبر حاضنة لعناصر حركة حماس، وتمهيداً لتدميرها بشكل كامل.

سنعمر خيامنا فوق أكوام الركام ونعيش فيها، لأنها المكان الأحن علينا في هذا العالم

وتحت تهديد السلاح، ووطأة النار، خرج مئات الآلاف من الغزيين، وظل نحو نصف مليون صامدون في منطقة الشمال، رافضين المغادرة رغم الضغط العسكري الإسرائيلي.

ويعاني النازحون في جنوبي قطاع غزة من ظروف معيشية صعبة، تجسدت في انتزاع مقومات الحياة الأساسية منهم، في ظل الحصار المطبق وتدمير البنى التحتية والنظام الصحي، ما جعلهم يحلمون باللحظة التي تنتهي بها الحرب، فيتمكنون من العودة إلى منازلهم.

أماني العطار، تسكن في خيمة في منطقة "مواصي خانيونس" في الجنوب. تقول لرصيف22: "اتفاق وقف إطلاق النار بالنسبة لي هو بمثابة إعلان حياة جديدة، رغم الألم والفقد الكبير الذي شهدته غزة طيلة أيام الحرب".

وتردف: "بدأت بتجهيز نفسي وأغراضي برفقة أولادي للعودة إلى مسقط رأسنا في بيت لاهيا. سننصب هناك خيامنا، فوق أراضينا. سنسكنها وسنزرع أرضنا التي جرفها الاحتلال من جديد".

"أسوأ ما في الأمر هو عدم مرافقة زوجي محمد لنا في رحلة العودة، بعد إصابته الخطيرة أثناء الحرب، ومغادرته مطلع عام 2024 للعلاج في الخارج، ولا يزال هناك حتى اليوم"، تضيف أماني بحسرة.

"سيعود جثمان أخي معنا"

من مدينة غزة، إلى محافظة رفح، ثم إلى مدينة دير البلح في المحافظة الوسطى، نزحت عائلة الفيري بعد شهر من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

عاشت العائلة ظروفاً قاسية وسكنت في الخيام لأشهر طويلة وعانت من شدة الحرارة والبرودة الشديدةز كما فقدت أحد أبنائها في قصف إسرائيلي طال خيام النازحين قبل نحو شهرين.

يقول أنس الفيري، أحد أبناء العائلة، لرصيف22: "مع بدء سريان وقف إطلاق النار، سنعود إلى بيتنا في مدينة غزة وسنحمل معنا جثمان أخي الذي دفن في أحد مقابر دير البلح، لندفنه بالقرب منا حتى نتمكن من زيارته دائماً".

سنعود إلى بيتنا في مدينة غزة وسنحمل معنا جثمان أخي الذي دفن في أحد مقابر دير البلح، لندفنه بالقرب منا حتى نتمكن من زيارته دائماً

ويزيد: "هذه غصة كبيرة في القلب. فكم كنا نأمل أن نعود جميعنا سالمين إلى بيتنا. لكن هذه هي الحرب، وهذا حصادها الذي دمر كل شيء، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة، إلا وأتى عليها".

ويلفت أنس إلى أن "منزلهم في مدينة غزة لا يزال قائماً رغم تعرضه لأضرار جزئية"، مشيراً إلى أنهم "بعد الوصول إليه، سيرتاحون من حياة الخيام والمآسي التي ترافقها".

"كنا نعد الأيام ونطلب من الله في كل صلاة أن يحفظ لنا بيتنا"، يقول.

قررت عائلة أنس أن تعود إلى غزة مشياً على الأقدام، فور السماح لهم بذلك، ولن تنتظر موعد السماح بدخول المركبات، لأن "الشوق لغزة ولبيتنا فاق كل الحدود ولا يمكننا تحمل أكثر من ذلك"، يؤكد أنس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image