لم يمرّ على فرحة السوريين بسقوط نظام الأسد شهر كامل، رأوا فيه آمالاً واقعية في أن يُبنى وطنهم ويتوحد، حتى تناقلت مصادر إعلامية إسرائيلية تقاريرَ تشير إلى تفكير إسرائيل الرسمي في دعم الأكراد في شمال شرق سوريا؛ الأمر الذي ترك عند كثيرين تساؤلات حول مرامي هذا الدعم وانعكاسه على القوى الإقليمية، سيما تركيا، خصم الأكراد التاريخي الأكبر.
وربما ذهبت بعض التقارير، ومنها الإسرائيلية، إلى أبعد من ذلك، في تكهن مطامع إسرائيلية تسعى إلى تقسيم سوريا إلى دويلات. لكن قد تتكشف في مستوى المستقبل المنظور إن كانت هي مطامع استراتيجية أم تكتيكية تسعى إلى إحكام السيطرة على حدود سوريا الجنوبية والشمالية، وبالتالي حماية نفسها من أي تهديدات محتملة، أو إلى رفع السبابة في وجه أردوغان، وتحذيره من خطوات سياسية وعسكرية قد تؤذي إسرائيل.
وعلى الرغم من حضور هذه التصريحات الإسرائيلية في الإعلام، إلا أن محللين يرون أنها لا تتجاوز عن كونها مجرد "مناكفة" لتركيا، في ظل العلاقات المتوترة بين الطرفين.
هل هو دعم صوريّ؟
شرعت تقارير إعلامية إسرائيلية تحلل الواقع السوري الحالي، وتكتب عن تفكير إسرائيل في دعم الأكراد. فركز موقع "إسرائيل هيوم"، على سبيل المثال، على موقف أردوغان العدائي تجاه إسرائيل، والذي وصل إلى أدنى مستوياته بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ووقوفه إلى جانب حماس، حسبما يقول التقرير، الذي أكد أن هذا الموقف دفع أصواتاً داخل إسرائيل تطالب بمساعدة أعداء الرئيس التركي، أي الأكراد، في الساحة السورية.
وتزعم هذه الأصوات، أن "تعزيز الحكم الذاتي الكردي، والمجموعات الأخرى المعادية للميليشيات الموالية لتركيا، سيضعف نفوذ القوات المدعومة من تركيا، ويمنعها من ترسيخ وجودها على الحدود السورية مع إسرائيل. كما أن هذه الخطوة ستوضح لأردوغان أن إسرائيل لن تتغاضى عن محاولاته لتعزيز التحركات المناهضة لإسرائيل على الساحة الإقليمية والعالمية".
صريحات المسؤولين الإسرائيليين، كرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول دعم الأكراد، ليست سوى تصريحات إعلامية لا ترتبط بمواقف عملية أو تحالفات حقيقية
ويتابع التقرير: "الأهم من ذلك، فإن دعم الأكراد سيجعل أردوغان يتردد في التحرك لتنفيذ التهديد بغزو إسرائيل، من خلال دعم الجماعات الجهادية العاملة في المنطقة. وعليه، يتعين على إسرائيل أن تقدم المساعدات العسكرية للجماعات الكردية، التي تتلقى بالفعل دعماً كبيراً من الأمريكيين، وبالتالي تحسين موقفها على الأرض، بل حتى توسيع سيطرتها في شمال وشرق سوريا".
من جهة أخرى، تظلّ هذه التقارير الإسرائيلية مؤشراً على نوايا إسرائيل وحدها. إذ يقول د. فريد سعدون، الباحث السياسي من القامشلي، إن "التقارير الإعلامية الإسرائيلية ليست جديدة، بل هي جزء من سياسة إسرائيلية قديمة تهدف إلى استغلال الظروف لتدعيم أمنها".
وأضاف أن "تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، كرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول دعم الأكراد، ليست سوى تصريحات إعلامية لا ترتبط بمواقف عملية أو تحالفات حقيقية".
تأمين الحدود
يتبين من ذلك، أن إسرائيل ربما ترى أن الهدف الأساسي من دعم الأكراد، هو تأمين نفسها من ناحية الشمال السوري، بالإضافة إلى السيطرة على الجنوب من خلال تواجدها في الجولان المحتل وفي العمق الذي تقدمت فيه فور سقوط نظام الأسد.
"وبالتالي تسيطر على أطراف كبيرة من الدولة، ومعها بالطبع محاولات لاحقة للتقسيم. لكن في الوقت نفسه، يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة؛ في ذلك معضلات تواجه تل أبيب في تنفيذ لك".
هذا ما أشار إليه تقرير نشره معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، موضحاً أن التطورات في شمال شرق سوريا، خلقت معضلات لإسرائيل، أبرزها يتعلق بإمكانية سحب القوات الأمريكية في سوريا، والتي يبلغ عددها 2000 جندي أمريكي في سوريا. فمن مصلحة إسرائيل بقاء هذه القوات، كونها ساعدت في قطع الجسر البري الإيراني عبر العراق وسوريا إلى حزب الله في لبنان.
ووفق المعهد، فإنه من ضمن المعضلات التي تواجه إسرائيل في الشمال السوري، علاقتها بتركيا، مشيراً إلى أنه إذا دعمت إسرائيل قوات سوريا الديمقراطية، ستنظر أنقرة إلى ذلك باعتباره تحولاً كبيراً في سياسة الأولى، الأمر الذي يستلزم دراسة متأنية للعواقب المترتبة على مثل هذا القرار.
ويؤكد التقرير على أن "أيّ تحدّ إسرائيلي لمصالح تركيا في شمال سوريا، قد يزيد من احتمالات نشر القوات التركية في جنوب سوريا. وحينها، ستبرر تركيا ذلك بحجة الدفاع عن السيادة السورية ودعم الجيش السوري، الذي يعيد الآن تنظيم نفسه، وسيتلقى معدات من صناعة الدفاع التركية.
رهان على الحصان الخطأ
وفي هذا السياق، ذكر موقع "إسرائيل هيوم"، أن "هناك أصوات تحذر من اتباع مسار دعم الأكراد، خاصة أنه قد يؤدي إلى تفاقم الصراع مع الأتراك ويعرض المصالح الإسرائيلية للخطر، مشيراً إلى أنه سوف يجري تفسير دعم الأكراد في أنقرة على أنه يعطي دفعة للتهديد الكردي لسلامة أراضي تركيا".
وترى هذه الأصوات، أن "العداء في موقف تركيا تجاه إسرائيل، على الرغم من حدته الحالية، قد يتفاقم أكثر، وليس من الحكمة دفع أردوغان في هذا الاتجاه"، وسط مخاوف من خطوات مقابلة أبرزها عدم السماح بمرور النفط القادم من أذربيجان والمتجه إلى إسرائيل عبر تركيا.
ربما ترى إسرائيل الهدف الأساسي من دعم الأكراد، هو تأمين نفسها من ناحية الشمال السوري، بالإضافة إلى السيطرة على الجنوب من خلال تواجدها في الجولان المحتل وفي العمق الذي تقدمت فيه فور سقوط نظام الأسد
ويعترف تقرير الصحفية الإسرائيلية، بأنه "إذا عمدت تركيا إلى تعميق نفوذها في سوريا، لا سيما إذا شنت عملية عسكرية أخرى لتفكيك الحكم الذاتي الكردي- وفقاً لتهديدات أصدرتها مؤخراً- فإن فرص خروج الأكراد ذوي اليد العليا منخفضة للغاية. وفي مثل هذا السيناريو، فإن ما يبدو على أنه استغلال للفرص من جانب إسرائيل، قد يتبين أنه رهان على الحصان الخطأ".
إسرائيل تدعم استقلال الأكراد
ولم يكن الحديث عن دعم إسرائيل للأكراد، وليد اللحظة، فللعلاقة جذور تاريخية. في كتابه المعنون بـ"العلاقات التركية الإسرائيلية 2016–2022"، يقول أحمد خالد الزعتري، إن "الوجود الإسرائيلي في كردستان العراق يشكل مصدر قلق دائم لتركيا، خاصة أن علاقات إسرائيل مع الأكراد تؤثر بشكل سلبي على علاقات الدولتين القائمة منذ عام 1949، لما لهذه القضية من حساسية لدى الحكومات التركية المتعاقبة".
ويؤكد الزعتري على أن تركيا تخشى أن يؤدي الدعم الإسرائيلي للأكراد في شمال العراق إلى قيام دولة كردية، ما يشجع الأكراد في جنوب شرق تركيا على الانفصال عنها، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أنقرة.
وتؤكد الحكومة التركية، بحسب ما ذكره المؤلف، أن هناك علاقة بين إسرائيل وأكراد العراق، تعود إلى عام 1967. وتشير بعض المصادر إلى أن الأكراد بدأوا بالعمل على الاتصال بشكل مباشر مع إسرائيل منذ عام 1963، لتساعدهم في تحقيق حلم الأكراد في بناء حكم ذاتي.
وبعد ذلك، أصبح لملف الأكراد أهمية خاصة في إسرائيل، فقد اعترف مناحيم بيجن، الذي كان رئيساً لحكومة إسرائيل عام 1981، في 29 أيلول/سبتمبر من العام نفسه، أن إسرائيل "ساعدت الأكراد بالأسلحة والمال، وأن الخلافات التي كانت تقع بين الفصائل الكردية تسبب لها الإزعاج".
كما دعمت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، استقلال الأكراد عام 2014؛ فخلال حديثه مع معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي آنذاك، قال: "علينا أن نؤيد الجهود الدولية لدعم التطلعات الكردية من أجل الاستقلال. فالأكراد شعب مناضل أثبت التزامه واعتداله السياسي، ويستحق الاستقلال".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر عام 2024، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إلى تعزيز العلاقات مع الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة الأكراد، ووصفهم بأنهم "حليف طبيعي، يتعرضون للقمع من قبل تركيا وإيران"، مشدداً على "ضرورة تعزيز إسرائيل للعلاقات معهم".
ما غرض إسرائيل من دعم الأكراد؟
ولا يمكن بأي حال، فصل أهداف إسرائيل الحالية من التفكير في دعم الأكراد، عن أهدافها السابقة. إذ تشير رنا خماش، في مؤلفها المعنون بـ"العلاقات التركية–الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية"، إلى أن إسرائيل كانت تدعم الأكراد للحصول على استقلالهم الذاتي لإبعاد العراق عن الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين، من خلال تشتيت تركيزه واستنزاف طاقاته وموارده في النزاع مع الأكراد.
وتعلق الكاتبة على ذلك هذا الدعم قائلة: "بينما تمد إسرائيل الأكراد في العراق بالسلاح لتقرير مصيرهم والانفصال عن العراق، صادرت هي نفسها هذا الحق من الفلسطينيين".
ويؤكد عيدان برير، الباحث في منتدى التفكير الأقليمي بجامعة تل أبيب، في تقرير سابق لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "إسرائيل تحتفظ بعلاقة تاريخية مع الأكراد منذ الستينيات والسبعينيات، عندما عمل عملاء المخابرات الإسرائيلية في كردستان العراق بالتعاون مع الملا مصطفى البارزاني".
تصريحات إسرائيلية بهذا الصدد، قد تؤدي إلى تعزيز العداء ضد الأكراد في العالم العربي والإسلامي، مما يعرقل الحلول السياسية للمسألة الكردية في سوريا
ويشير الباحث إلى أن "إسرائيل ترغب في أن تكون لها شراكة في المنطقة مع دول ليست بالضرورة عربية، وهذه مصلحة واضحة".
بالطبع، هذه التحركات أثارت قلق تركيا. فعبّر فاتح أربكان، رئيس حزب "الرفاه من جديد"، عن مخاوفه بشأن ما يحدث في سوريا، متوقعاً أن يجري تقسيم سوريا إلى أربع دويلات، وتشكيل منطقة حكم ذاتي لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، و"وحدات حماية الشعب" الكردية، على الحدود التركية.
وأشار أربكان إلى تقارير في الصحف الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية، تتحدث عن وجود مفاوضات بشأن تقسيم سوريا إلى دويلات، عبر التخطيط لإقامة أربع مناطق حكم ذاتي، على اعتبارها خطوة من خطوات مشروع الشرق الأوسط الكبير.
من جهته، شدد الرئيس التركي على رفضه أي تقسيم لسوريا بعد سقوط بشار الأسد، قائلاً: "لا يمكننا أن نسمح، تحت أي ذريعة كانت، بتقسيم سوريا، وفي حال لاحظنا أدنى خطر يشي بحصول ذلك، فسنتخذ سريعاً الإجراءات اللازمة".
وكانت تركيا، خلال السنوات الماضية، قد دخلت في عداء كبير مع الأكراد؛ ما يعني أنه إذا حدث أي تقارب في العلاقات بين إسرائيل والأكراد، ستظل أنقرة في حالة تأهب لمواجهة أي تحركات. كما أن إسرائيل تؤجج بذلك الصراع في المنطقة، وتقسم سوريا إلى طوائف متعددة، بعد محاولات التقرب من الدروز في الجولان، وحزب العمل الكردستاني في الشمال.
ومن ناحية أخرى، يعتقد د. سعدون أن "تصريحات إسرائيلية بهذا الصدد، قد تؤدي إلى تعزيز العداء ضد الأكراد في العالم العربي والإسلامي، مما يعرقل الحلول السياسية للمسألة الكردية في سوريا".
وربما ينضوي هذا الأمر تحت سياسة إسرائيل المعهودة في دق الأسافين داخل المجتمعات متعددة الأعراف والأعراق في المحيط العربي، لأجل حفظ مصالحها وسيطرتها، حتى لو كان ذلك على المستوى الدبلوماسي فحسب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
astor totor -
منذ يوميناسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ يومينفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ أسبوعالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته