حدائق أنطونيادس… هل يهدّد الربحُ واحة الإسكندرية التاريخية؟

عشرون جنيهاً مصرياً تكفي لتُريحوا العقلَ والروحَ قليلاً بعيداً عن زحام العالم والضغوط اليومية، سواءً من العمل اليومي أو أي ضغوط عائلية أو نفسية، وتُمتعوا عيونكم بالمساحات الخضراء الشاسعة وتتأملوا أنواعاً من الأشجار التاريخية التي تعود إلى العصر البطلمي. ذهبتُ في زيارة لحدائق انطونيادس بالإسكندرية، وذلك بعد أن أثار فضولي كثرة الجدل حول ما جرى بها من تطوير أدى إلى قطع وإزالة عدد من الأشجار التاريخية بالحديقة وتقليص للمساحات الخضراء بها.

تعدّ أنطونيادس مجمعَ حدائق تبلغ مساحتها 98 فدان تقريباً، وتجاور حديقة الحيوان بالإسكندرية. ينقسم المجمع إلى ثلاث حدائق رئيسية، هي: حديقة النزهة وتضم مساحات واسعة للزراعات، وحديقة أنطونيادس التي تضم القصر التاريخي والصوبة الملكية، وحديقة الورد التي تم تطويرها بتصميم هندسى متناظر وتحوي أنواعاً من الأزهار النادرة.

حدائق أنطونيادس

ما جذبني حقاً كانت حديقة الورد، ولا أعلم لماذا! هل لهدوئها الزائد عن باقي الحدائق؟ أم لتعدد واختلاف ألوانها وأشكال الورود الرائعة ورائحتها الجذابة؟ لا أعلم السبب الحقيقي الذي جذبني لقضاء معظم يومي فيها، ولكن تنظيمها وهدوءها وعشقي للورد والتقاط الصور له، قد لفتني أكثر من أي شيء آخر. حتى في نظافتها كانت براقة أكثر من باقي حدائق أنطونيادس. كما أنها هي الحديقة الوحيدة التي يحتاج دخولها إلى تذكرة أخرى قيمتها خمسة عشر جنيهاً. وربما لهذا السبب تقل الحديقة ازدحاماً عن غيرها.

 أعيد إحياء منطقة حدائق أنطونيادس عقب شق ترعة المحمودية في عهد محمد علي باشا، فوصلت ملكيتها إلى الخديوي إسماعيل، ثم تم بيع جزء منها إلى أحد كبار تجار القطن اليونانيين، جون أنطونيادس، في سبعينيات القرن التاسع عشر

وكان قد أكد المدير العام لحدائق أنطونيادس في تصريحات صحافية بعدما أُثير على وسائل التواصل الاجتماعي حول التخوف من فكرة التطوير وتأثيره على الحدائق، أن أعمال التطوير شملت كل أجزاء الحديقة، سواءً من الحدائق والأشجار مع الحفاظ على النباتات النادرة والمعمرة، أم إنشاء وتجديد المباني الخدمية على الطراز المعماري الروماني.

بالإضافة إلى تجديد التماثيل ذات القيمة التاريخية الرخامية بعضها لرحالة وأخرى رومانية وعلى رأسهم تمثال للآلهة فينوس إلهة الجمال عند الإغريق، والتي عمل عليها عدد من أساتذة كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، ضمن خطة التطوير التي شهدتها الحديقة، نظراً لمكانتها الكبيرة والتي حظيت بها بسبب التماثيل التي يرجع تاريخها إلى عهد الخديوي إسماعيل.

 وشاهدتُ خلال تجولي بالحديقة عدداً كبيراً من الأسر تقضي يومها بين الحدائق مع أطفالها يلعبون ويمرحون هنا وهناك مع ألعابهم. وأيضاً توجد أماكن مخصصة لقيادة الدراجات الهوائية والسكوتر ولعب الكرة وغيرها من التسالي. كما أنه مسموح أيضاً بدخول المأكولات والمشروبات، لذا، يمكن مشاهدة التجمعات العائلية وتجمعات الأصدقاء وإقامة أعياد الميلاد فيها مع التقاط الصور التذكارية وسط هذه المساحات من النباتات والأشجار التاريخية.

تصوير زفاف في حدائق أنطونيادس

وما جعلني في حالة من السعادة كان رؤيتي لتوافد عدد من العرائس والعرسان على الحديقة قبل وقت قليل من غروب الشمس لالتقاط صور الزفاف وسط هذه الأجواء الطبيعية الساحرة، بالرغم من تذمر البعض على وسائل التواصل الاجتماعي من ارتفاع تذكرة دخول المصورين حاملي أدوات التصوير للحصول على جلسة تصوير خاصة بالزفاف داخل الحديقة والتي تختلف عن سعر تذاكر زوار الحديقة، وتبلغ حوالى ألف جنيه مصري.

تفتح الحديقة أبوابها منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، وغالباً ما يمتد العمل بها 24 ساعة. وأحياناً تستقبل الحفلاتِ الغنائية لكبار النجوم، وأيضاً حفلات تخرّج بعض الكليات في الجامعة. كما يوجد داخل الحديقة عدد من التعليمات التي يجب على الزوار اتباعها، ومن أهمها: عدم نزع أو قطف أي نوع من أنواع الورود أو النباتات، والتأكيد على نظافة الحديقة وإلقاء القمامة في الأماكن المُخصصة لها، والحفاظ على سلامة المنشآت وعدم التسبب في أي تلفيات.

تاريخياً، قد أعيد إحياء منطقة حدائق أنطونيادس عقب شق ترعة المحمودية في عهد محمد علي باشا، فوصلت ملكيتها إلى الخديوي إسماعيل، ثم تم بيع جزء منها إلى أحد كبار تجار القطن اليونانيين، جون أنطونيادس، في سبعينيات القرن التاسع عشر، وهو الذي بدأ في تعمير الأرض وتشييد قصر عليها بتصميم مميز، واستعان بالمهندس الفرنسي، بول ريشار، لتصميم الحدائق على الطراز الفرنسي.

حدائق أنطونيادس

وأوصى أنطونيادس بإهداء ملكيتها إلى بلدية الإسكندرية بعد وفاته عام 1895، فنفذ نجله أنطونيس وصيته، وتم نقل ملكية الحدائق عام 1918. ومن ثم أصبح القصر يستقبل كبار الزوار ويستضيف الأحداث المهمة. انتقلت ملكية حدائق أنطونيادس بين محافظة الإسكندرية ووزارة الزراعة أكثر من مرة، وقد شهد القصر إبرام معاهدة جلاء الإنكليز عن مصر عام 1936 بين الحكومتين المصرية والبريطانية، والاجتماع التحضيري لإنشاء جامعة الدول العربية عام 1944 واختيار مصر مقرًاً لها.

من ضمن أهم الأنشطة والفعاليات بحدائق أنطونيادس هو استقبال الزيارات العلمية للتعريف بتاريخ الحدائق وإظهار الجوانب العلمية لها وتأثيرها على البيئة وارتباط الحدائق بالتغيرات المناخية بزيادة المساحات الخضراء والأشجار

كما شهد أول اجتماع للجنة غوث اللاجئين، وأول لجنة أوليمبية في مصر، بالإضافة إلى استضافته ملوك ورؤساء خلال إقامتهم في الإسكندرية، منهم ملوك ورؤساء كلّ من اليونان وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألبانيا، وكذا أقامت فيه الأميرة فوزية وزوجها محمد رضا بهلَوي، شاه إيران السابق، بالقصر، خلال الشهور الأولى من زواجهما.

حدائق أنطونيادس

لذلك نجد أن من ضمن أهم الأنشطة والفعاليات بحدائق أنطونيادس هو استقبال الزيارات العلمية للتعريف بتاريخ الحدائق وإظهار الجوانب العلمية لها وتأثيرها على البيئة وارتباط الحدائق بالتغيرات المناخية بزيادة المساحات الخضراء والأشجار، كان آخرها استقبال الحدائق لوفد من خبراء الزراعة من دول قارة إفريقيا بالتعاون مع الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وزارة الخارجية، والمركز المصري الدولي للزراعة، وزارة الزراعة، لزيارة معالم الحديقة بعد التطوير.

وخلال الفترة الأخيرة انتشر الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي الرسمية الخاصة بحدائق أنطونيادس عن تخصيص أماكن بالحدائق لإقامة حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، مما أثار حفيظة أهل الإسكندرية وتساؤلهم عن أسباب تحول هذا المتنزه المهم بالنسبة لهم إلى مشروع ربحي لتنظيم الحفلات بمقابل مادي كبير، وإن كان سيؤثر ذلك على المساحات المخصصة للتنزه وألعاب الأطفال، فيما دعم البعض الآخر الفكرة لما تدره من عائد مادي قد يُفيد الحدائق.