مع بداية كلّ عام، يجد الكثيرون أنفسهم أمام فرصة مثالية للتغيير وتحقيق أهداف جديدة.
إن اتخاذ قرارات جديدة مع بداية العام ليس مجرد تقليد، بل خطوة تعكس رغبةً حقيقيةً في تحسين الذات وإعادة ترتيب الأولويات. هذه الأهداف تحمل قوةً رمزيةً، إذ تمنحنا شعوراً بصفحة جديدة وفرصة للبدء من جديد، سواء كان ذلك في حياتنا الشخصية أو المهنية.
ولكن، لماذا تبدو هذه القرارات مغريةً في هذا التوقيت من السنة؟ وكيف يمكننا تحويلها من وعود عابرة إلى إنجازات ملموسة؟
لماذا تُعدّ بداية العام فرصةً مناسبةً للقرارات؟
تشرح المعالجة النفسية سارة روكز، لرصيف22، أن اتّخاذ قرارات في السنة الجديدة يُعدّ نقطة تحوّل رمزيةً تعزّز الإحساس بالتجديد وتُساعد في إعادة تقييم مسار الحياة: "علمياً، تشير الدراسات إلى أن الأحداث الزمنية، مثل بداية العام، تلهم الأفراد للتفكير في تطلعاتهم واتخاذ خطوات نحو تحقيق الذات".
إن اتخاذ قرارات جديدة ليس مجرد تقليد، بل خطوة تعكس رغبةً حقيقيةً في تحسين الذات وإعادة ترتيب الأولويات. هذه الأهداف تحمل قوةً رمزيةً، إذ تمنحنا شعوراً بصفحة جديدة وفرصة للبدء من جديد، سواء كان ذلك في حياتنا الشخصية أو المهنية
في دراسة أجراها كل من إدوين لوك وغاري لاتهام، عام 2002، تبيّن أن الأهداف المحدّدة والصعبة تؤدّي إلى أداء أفضل مقارنةً بالأهداف الغامضة أو السهلة.
ووفقاً لأبحاث علم النفس الإيجابي، التي قدّمها مارتن سيليغمن في كتابه "السعادة الحقيقية" عام 2002، فإن تبنّي عقلية إيجابية والتركيز على نقاط القوّة يُعزّزان من شعور الفرد بالرفاهية. وعليه، فإن بداية العام الجديد تمثّل فرصةً مثاليةً للاستفادة من هذا الزخم العاطفي لوضع خطط مدروسة تُساهم في تحقيق النموّ الشخصي.
قرارات صغيرة أو كبيرة؟
"ليس من الضروريّ أن تكون القرارات كبيرةً ومصيريةً"؛ هذا ما تؤكّده سارة روكز، عادّةً أن القرارات الصغيرة المتراكمة تساهم بشكل كبير في إحداث تغيير ملموس على المدى الطويل: "التغييرات الصغيرة تساعد في تقليل القلق الناتج عن التحوّلات الكبرى المفاجئة".
عند مواجهة أهداف متعدّدة، تنصح سارة بتقييم كل هدف بناءً على أهميّته والموارد المتاحة لتحقيقه: "من المهم تقسيم الأهداف إلى خطوات صغيرة واضحة والبدء بهدف واحد قبل الانتقال إلى الآخر، ما يضمن التركيز والفعالية".
"كلّ لحظة في حياتنا هي فرصة جديدة للسعي نحو أهداف أكبر وأحلام أوسع"
من ناحية أخرى، توضح بأنّ التركيز على قرار واحد غالباً ما يكون أكثر فعاليةً لأنه يساعد في تنظيم الجهود وزيادة فرص النجاح. لكن في بعض الحالات، قد يكون تنويع القرارات مفيداً ويمكن تحقيقها.
"كلّ لحظة في حياتنا هي فرصة جديدة للسعي نحو أهداف أكبر وأحلام أوسع"؛ هذا ما يؤكّده باخوس عبده، لرصيف22.
بالنسبة لهذا الشاب اللبناني، فإن الأحلام لم تكن يوماً مرتبطةً بنهاية عام أو بداية آخر، بل إنّها مسيرة مستمرّة يدوّنها في عقله أو دفتر ملاحظاته دائماً: "ليس هناك حلم حلمت به لم أحقّقه. هذه ليست جملةً أقولها للتفاخر، بل حقيقة تحمل الكثير من التحديات والانكسارات. بلدنا يضعنا في مواجهة صعبة مع الواقع، وكل حلم يحتاج إلى إرادة صلبة والكثير من العمل".
ويتابع: "مررت بلحظات استسلام، لكنني كنت أعود أقوى. كلّ هدف أريده كنت أسعى إليه، وأعرف أن الطريق شاقّ، لكن إيماني بنفسي لا يتزعزع".
اليوم، باخوس راضٍ عن نفسه وعن الطريق الذي سلكه، لكن لديه الكثير من الأحلام الجديدة. الإيمان بالذات والعمل الدؤوب هما مفتاح تحقيق أي حلم، مهما كانت الظروف صعبةً. وهو هنا اليوم، في مواجهة كل التحديات، مستعدّ للانطلاق نحو أحلامه بثقة وإصرار.
ويختم باخوس: "إيماني بأمّي (رحمها اللّه)، ودعاؤها لي هما سرّ استمراري ونجاحي. علّمتني أهمية الأهداف والعمل لتحقيقها، وكانت دائماً مصدر قوّتي في مواجهة التحديات. كلّ ما أحقّقه اليوم هو بفضل إيمانها بي".
بدورها، تشارك ماغي، وهي سيّدة أعمال، رصيف22، تجربتها في وضع الأهداف السنوية، حيث تركز على خسارة الوزن، ممارسة الرياضة وتنظيم قوانين جديدة في المنزل. في مجال العمل، حققت خطوةً كبيرةً العام الماضي بفتح عملها الخاص وتطويره.
وبرغم بعض العثرات، إلّا أنّها لا تستسلم بل تستمر في المحاولة: "بالنسبة لي، تنظيم الأمور ووضع أهداف واضحة يمثّلان مفتاح النجاح، و90% من الأهداف التي أعمل عليها أُنجزها، وقد يكون ذلك إمّا بفضل الحظ أو بفضل دعم الآخرين لي أو مجهودي الشخصي".
لماذا تفشل الأهداف مع مرور الوقت؟
تشير سارة روكز، إلى أن غياب الخطة الواضحة والتشتت بين أهداف عدّة وعدم واقعية الأهداف، كلها أسباب رئيسية لعدم تحقيق القرارات، كاشفة أنه في بعض الأحيان تكون العوامل الخارجية عوامل إضافيةً للفشل.
من هنا، لضمان تحقيق الأهداف، من المهمّ وضع قرارات واضحة وقابلة للقياس؛ تحديد وقت زمنيّ لتحقيق كل هدف، تحفيز الذات بمكافآت صغيرة عند تحقيق كلّ خطوة، أو طلب المساعدة عند الحاجة.
في السياق عينه، يوضح المعالج النفسي جوناثين ألبيرت، في كتابه Be Fearless: Change Your Life in 28 Days، لموقع Blog.experiencepoint، أنّ هناك 3 أسباب رئيسية تجعل القرارات تفشل:
• غياب الوضوح في القرار: إذا كان القرار عاماً وغير محدّد، مثل "ممارسة الرياضة أكثر" أو "فقدان الوزن"، فإنه يفتقر إلى عناصر التحديد التي تجعل قياس التقدّم ممكناً. القرارات التي تفتقر إلى الوضوح غالباً ما تفقد قوّتها التحفيزية مع مرور الوقت، ما يجعل من الصعب الالتزام بها.
• صياغة القرار بلغة سلبية: عندما تتمّ صياغة القرار بطريقة تركّز على ما يجب التخلّي عنه، مثل "التوقف عن هدر المال" أو "عدم تناول الطعام غير الصحي"، فإن هذا يؤدّي إلى التفكير المستمرّ في الشيء الذي نحاول تجنّبه. هذه الصياغة السلبية تخلق مقاومةً داخليةً، وقد تجعل من الصعب تحقيق الهدف.
• عدم ارتباط القرار بالرغبات الشخصية: يتّخذ بعض الأفراد قرارات لا تعكس ما يريدونه حقاً، بل ما يعتقدون أن الآخرين يتوقّعونه منهم. قد يكون ذلك واضحاً في قرارات مثل اتّباع نظام غذائي معيّن أو تحقيق أهداف مهنية تتماشى مع توقعات المجتمع. عندما يكون الهدف غير نابع من الذات، يصبح من الصعب الالتزام به على المدى الطويل.
يقول جوناثين ألبيرت، إنّه يمكن جعل الهدف أكثر تحديداً. على سبيل المثال في ما يتعلّق بخسارة الوزن، يمكن القول: "سأشارك في سباق جري في شهر آذار/ مارس"، أو "سأفقد 10 أرطال بحلول نهاية شهر نيسان/ أبريل"، إذ إن إضافة جدول زمني يعزّز الشعور بالمسؤولية ويسمح بتحديد معايير قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لقياس التقدّم.
لا تتردّدوا/ ن في وضع أهداف جديدة مع بداية كل عام، حتى لو بدت الظروف معقّدةً. اجعلوا/ ن من العام الجديد فرصةً لإعادة تقييم مسار حياتكم/ نّ، وحدّدوا/ ن أهدافاً قابلةً للتحقيق، مدعومةً بعقلية إيجابية وزخم البدايات، لتخطوا/ ين خطوات فعّالةً نحو حياة أكثر توازناً ونجاحاً
كذلك، بدلاً من صياغة القرار بلغة سلبيّة، حاولوا/ ن تبنّي عبارات إيجابية تُحفّز السلوك الذي ترغبون/ ن في تحقيقه. مثلاً، بدلاً من القول: "سأتوقف عن تناول الطعام غير الصحي"، يمكن القول: "سأتناول الجزر وزبدة الفول السوداني كوجبة خفيفة صحية"، اللغة الإيجابية لها تأثير قوي على الدافع الشخصي والصورة الذاتية، ما يزيد من الحماسة لتحقيق الهدف.
من ناحية أخرى، غالباً ما يُصاب البعض بالإحباط عند محاولة تحقيق أهداف تتأثّر بما يفعله الآخرون، أو بما يمليه المجتمع.
وبالتالي، لتحقيق نجاح حقيقي، يجب التركيز على وضع أهداف تتماشى مع المهارات الشخصية والظروف الخاصة. على سبيل المثال، إذا كان المرء مبتدئاً في ممارسة الرياضة، يجب أن يبدأ بخطط تناسب مستواه الحالي، مثل المشي لمدّة 20 دقيقةً يومياً، بدلاً من محاولة تقليد أشخاص أكثر خبرةً. عندما تكون الأهداف واقعيةً ومستندةً إلى القدرات الشخصية، تزداد فرص تحقيقها.
لماذا نخاف التغيير؟
الخوف من الفشل، الشك في الذات، والخوف من الحكم السلبي، هي أبرز العوائق التي تمنع العديد من الأفراد من اتخاذ قرارات جديدة، إذ توضح سارة روكز أن مثل هذه الأفكار السلبية تولّد قلقاً يدفع الأفراد للتمسّك بالروتين والبقاء في منطقة الراحة.
للتغلّب على هذه العوائق، يمكن تقسيم الأهداف إلى خطوات صغيرة وواقعية لتخفيف الضغط، وتذكير أنفسنا بأن الأخطاء جزء طبيعي من التعلم، كما أن تحديد وقت يوميّ للتفكير ثم إيقاف التفكير بعد ذلك يُساعدان في تخفيف القلق.
خلاصة القول، لا تتردّدوا/ ن في وضع أهداف جديدة مع بداية كل عام، حتى لو بدت الظروف معقّدةً. اجعلوا/ ن من العام الجديد فرصةً لإعادة تقييم مسار حياتكم/ نّ، وحدّدوا/ ن أهدافاً قابلةً للتحقيق، مدعومةً بعقلية إيجابية وزخم البدايات، لتخطوا/ ين خطوات فعّالةً نحو حياة أكثر توازناً ونجاحاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...