شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بعضها خسر حليفاً وبعضها خسر عدواً... سقوط نظام الأسد وارتداداته في المغرب العربي

بعضها خسر حليفاً وبعضها خسر عدواً... سقوط نظام الأسد وارتداداته في المغرب العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

لم يقتصر تأثير سقوط نظام بشار الأسد على دول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل امتد أيضاً إلى الدول المغاربية بشمال إفريقيا والتي اختلفت مواقفها من نظام بشار الأسد.

فالجزائر كانت مند عقود حليفاً استراتيجياً للنظام السوري، فيما تميزت علاقة الرباط ودمشق بتوتر بلغ ذروته في سنة 2012 في فترة اندلاع الثورة السورية ،وأقدم المغرب على إغلاق سفارته في دمشق وطلب إغلاق السفارة السورية في الرباط.

فيما عرفت العلاقة بين تونس وسوريا تذبذباً وعدم استقرار منذ اندلاع الاحتجاجات في 2011، واتخذ الرئيس السابق المنصف المرزوقي قراراً في شباط/ فبراير 2012 بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق احتجاجاً على قمع الاحتجاجات ، ثم عادت العلاقات تدريجياً في 2014 خلال فترة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي إلى الحكم.

المغرب الرسمي مع "الشعب السوري"

أكّد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في تصريح صحافي تناقلته وسائل الإعلام المغربية غداة سقوط نظام بشار الأسد، أن المملكة المغربية تتابع باهتمام كبير التطورات المهمة والمتسارعة في سوريا، معرباً عن أمل المغرب في أن تساهم هذه المستجدات في تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الاستقرار والتنمية. 

وأوضح بوريطة في التصريح نفسه أن المغرب، يتمسك دائماً بموقف ثابت يقوم على احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية لسوريا، إضافة إلى الحفاظ على وحدة شعبها. 

الجزائر كانت مند عقود حليفاً استراتيجياً للنظام السوري، فيما تميزت علاقة الرباط ودمشق بتوتر بلغ ذروته في سنة 2012 في فترة اندلاع الثورة السورية بسبب موقفها من الصحراء الغربية، وأقدم المغرب على إغلاق سفارته في دمشق وطلب إغلاق السفارة السورية في الرباط 

وقال لرصيف22 المحلل السياسي يوسف دافقير "لدى المغرب كل الأسباب التي تدفعه للاحتفاء بسقوط نظام الأسد، فهذا الأخير كان طرفاً نشطاً في المحور المعادي لوحدة أراضيه وسيادته الوطنية، وفي آب/ أغسطس 2012 عبر عن مواقف سلبية من طبيعة النظام السياسي والملكية ومن نظام البيعة".

وحول التحفظ المغربي وتريثه في اتخاذ موقف سياسي من سقوط الأسد، اعتبر دافقير أن "العقيدة الدبلوماسية المغربية التي بلورها الملك محمد السادس لا تقوم على ردود الأفعال التي تنطلق من اعتبارات شخصية وذاتية، وتجاهل الاستفزازات في الحالة الجزائرية، مثال على ذلك، وفي الوقت عينه لا ينخرط المغرب في سياسة المحاور ولعبة الاستقطابات الحادة سواء مع خصومه أو أصدقائه".

وأضاف: "المغرب لديه قيم ومبادئ ثابتة تقوم على احترام وحدة أراضي الدول وسيادتها الوطنية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إنه ينسجم من جهة مع ما يطالب به الآخرين في صحرائه، وينطلق أيضاً من أن اللحظة الراهنة ليست لحظة انتقام شخصية بل لحظة وقوف في وجه المخاطر التي تستهدف الشعب السوري في ترابه وسيادته ووحدة أراضيه، كما أن المغرب يراقب الوضع فيما يتعلق بالوافدين الجدد على حلبة التنافس على السلطة في سوريا، فالمستقبل السوري غير واضح، والتعاملات والمواقف تكون مع الدول وليست مع الهيئات والتنظيمات المسلحة".

من جهة أخرى، تفاعل رئيس الحكومة المغربية السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، سعد الدين العثماني، مع الأحداث في سوريا، وشبّه في تدوينة له على موقع إكس عملية "ردع العدوان" التي قادتها الفصائل السورية المسلحة بعملية "طوفان الأقصى" التي قادتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، واعتبر القيادي الإسلامي أن كلتيهما تنشدان الحرية والكرامة وأن الأحداث الجارية في سوريا سيكون لها تأثير في المستقبل "إذا خلصت النيات".

وأثارت تدوينة العثماني جدلاً كبيراً، وانتقادات واسعة، وفي هذا الإطار نشر الحقوقي الأمازيغي أحمد عصيد شريط فيديو بعنوان "هل فقد الدكتور سعد الدين العثماني صوابه؟"

وأكد عصيد ذو التوجه الأمازيغي العلماني أن تدوينة العثماني تثير الكثير من الاستغراب، وذلك باعتبار هيئة تحرير الشام خليطاً من مسلحي داعش والقاعدة وفلول جبهة النصرة التي تشكلت بدعم من قوى خارجية لتصفية حساباتها والانتقام من بشار الأسد. 

تفاعل رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، مع الأحداث في سوريا، مشبّهاً عملية "ردع العدوان" بعملية "طوفان الأقصى"، الأمر الذي عزاه البعض لتوجهه الإسلامي. 

واعتبر أن اختيار الجماعات المسلحة لتوقيت تحركها بعد وقف إطلاق النار في جنوب لبنان ليس بريئاً، وتساءل لماذا تشارك هذه المجموعات المسلحة في الدفاع عن فلسطين التي تتعرض لحرب إبادة في غزة من قبل الجيش الإسرائيلي. واتهم عصيد القيادي الإسلامي سعد الدين العثماني بأنه فقد صوابه ولا يدرك أن الشرق الأوسط يتعرض لمؤامرة لتقسيمه.

وتعليقاً على تدوينة رئيس الحكومة المغربية السابق والجدال الذي أثارته، رأى دافقير أن "الحماسة العاطفية هي ما دفع سعد الدين العثماني إلى تشبيه عملية (ردع العدوان) بعملية (طوفان الأقصى)، مثلما أن الحماسة الوطنية هي ما جعلته يبرر موقفه من المعارضة السورية المسلحة بموقفها الإيجابي من الصحراء المغربية".

ولفت إلى أن تدوينة العثماني تعود لسببين :الأول يرتبط بالسياق الشخصي، فقد سبق لسعد الدين العثماني لما كان وزيراً للخارجية أن تواجه مع وزير خارجية سوريا في مجلس الأمن، وتهجم هذا الأخير بشكل فج على المغرب والمغاربة، والسبب الثاني هو أن العثماني كزعيم سياسي إسلامي لديه روابط مع الإسلاميين خصوم الأسد في سوريا، كما هو الحال في بلدان أخرى، وقد عانى هؤلاء كثيراً من القمع الدموي لنظام بشار خلال الثورة السورية، ومن الطبيعي أن يتبادل معهم مشاعر الابتهاج بالنصر على خصم مشترك.

وعلى المستوى الإستراتيجي، يرى دافقير أن سعد الدين العثماني والتيار الإسلامي يعتقدون أن هناك إمكانية لاستعادة عافيتهم بعد خساراتهم في "الربيع العربي"، ويتمسكون بتقدم الإسلاميين في انتخابات الأردن كمؤشر أمل ويحاولون تقويته بإمكانية حصولهم على السلطة أو على الأقل تقاسمها في سوريا، ويضعون كل ذلك في طبق إن حرب غزة خلقت حالة عاطفية يمكنهم جني ثمارها.

خسارة حليف استراتيجي للجزائر

الجزائر -خلال أيام قليلة- غيّرت من موقفها ولهجتها في الموضوع، فوصفت في بلاغها الأول الجماعات المسلحة بالإرهابية، غير أنه بعد هروب الرئيس السابق بشار الأسد وسقوط نظامه أصبحت تدعو الجماعات المسلحة نفسها للحوار والتعايش .

قبل سقوط نظام بشار الأسد ببضعة أيام، أجرى وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطاف مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية والمغتربين في نظام بشار الأسد بسام صباغ ، وحسب نص بيان للوزارة فقد أكد الوزير الجزائري على "موقف الجزائر الثابت وتضامنها المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة، دولة وشعباً، في مواجهة التهديديات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها".

ومباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد ودخول المعارضة إلى دمشق أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بياناً في 8 كانون الأول/ ديسمبر تدعو فيه "كافة الأطراف السورية إلى الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه"، كما أكد البيان "الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق الذي تربطه بالشعب الجزائري صفحات نيرة من التاريخ المشترك القائم على التضامن والتآزر"، وفي ختامه دعت وزارة الخارجية الجزائرية إلى "الحوار بين أبناء الشعب السوري بجميع أطيافه ومكوناته، وتغليب المصلحة العليا لسوريا الشقيقة والحفاظ على أملاك البلاد والتوجه نحو المستقبل لبناء وطن يتسع للجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري بعيداً عن التدخلات الأجنبية". 

غيّرت الجزائر خلال أيام قليلة من موقفها ولهجتها في الموضوع، فوصفت في بيانها الأول الجماعات المسلحة بالإرهابية، غير أنه بعد هروب الرئيس السابق بشار الأسد وسقوط نظامه أصبحت تدعو الجماعات المسلحة نفسها للحوار والتعايش  

قال دافقير : "الجزائر لم تتمكن من قراءة تقلبات المشهد الشرق أوسطي بشكل استباقي، ووضعت كل رهانها على المحور الايراني و نظام بشار، وتورطت في القتال الى جانبه ضد شعبه". وأضاف :"من دون شك خسرت الجزائر موقعها في المستقبل السوري، فقد دافعت عن نظام كان يقتل شعبه، وقاتلت إلى جانبه ضد الثوار الذين أسقطوه، الشعب السوري وقواه الوطنية لن ينسوا هذا التورط الشنيع، فالجزائر الرسمية اختارت أن تكون دائماً خارج الصف العربي في الموضوع الفلسطيني، وأن تعقد تحالفات ابتزازية للمحور السعودي الإماراتي في الشرق الأوسط، هي لم تقرأ خارطة تحولات المنطقة جيداً، ومن الواضح انها مصدومة اليوم بالواقع الشرق أوسطي الجديد".

وأكمل: "على المستوى المغاربي خسرت الجزائر حليفاً استراتيجياً في حربها على المغرب وسيادته ووحدته الترابية، إذ استعانت دائماً بسوريا وايران وحزب الله في تدريب وتسليح البوليساريو، وكشف المغرب مراراً عن التواطؤات الحاصلة في هذا الملف، ولذلك قرر إنهاء علاقاته الدبلوماسية مع نظام الملالي في طهران ونظام بشار الاسد في سوريا".

هل تنبعث ثورة الياسمين بهروب الأسد؟

ومعروف أن الرئيس قيس سعيد من أكثر الرؤساء العرب دعماً لبشار الأسد، وقد شكل حدث هروب الأخير وانهيار نظامه خبراً غير سار لقصر قرطاج، وكانت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج قد أصدرت بياناً قبل يومين من سقوط نظام بشار الأسد، تعلن فيه أن" تونس تندد بشدة بالهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سوريا، وتعرب الجمهورية التونسية عن تضامنها التام مع الجمهورية العربية السورية وتدعو المجموعة الدولية لمساندة هذا البلد الشقيق حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره و وحدة أراضيه".

غداة سقوط النظام استدركت تونس موقفها وأصدرت خارجيتها بياناً ثانياً تؤكد من خلاله على موقفها "المتعلق بضرورة التفريق بين الدولة من جهة والنظام السياسي القائم داخلها من جهة أخرى"، معتبرةً أن "النظام السياسي شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، وهو وحده له الحق في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي". 

خسر الرئيس التونسي قيس سعيّد حليفاً له بسقوط النظام، إلا أن المعارضة رحّبت بهذا التغيير، وقال الرئيس السابق منصف المرزوقي إن دولاً أخرى مؤهلة للانفجار، وإن من أسماهم بالـ"استبداديين" يجلسون على فوهة بركان.

وعن تأثير سقوط نظام بشار الأسد على حليفه في قصر قرطاج، يقول دافقير إن "قيس سعيد مجرد ظاهرة صوتية تستعرض بلاغة اللغة، والعالم يعامله على هذا الأساس و خسائره أقل من الجزائر، بسبب عدم وجود روابط أمنية وعسكرية ومصالح مشتركة بينه وبين النظام السوري. سعيّد يمكن أن يتضرر من زاوية أن إسقاط النظام الدموي في سوريا قد يكون بداية حالة استدراكية لتصفية الحسابات العالقة مع ما يسمى بـ(الثورات المضادة) بعد الربيع العربي، لقد انقلب قيس على ثورة الياسمين، ولم يقدم بديلاً تنموياً أو ديمقراطياً مقنعاً".

إذا كان الرئيس التونسي قد خسر بسقوط نظام بشار الأسد حليفاً له، فإن المعارضة التونسية رحبت بهذا التغيير، فقد اعتبر الرئيس السابق منصف المرزوقي أن قصة الربيع لم تنته وهي في بداية البدايات، ورأى في تصريحات صحافية أن مشاهد تجمّع السوريين في الساحات احتفالاً وابتهاجاً بسقوط نظام الأسد تذكر بمشاهد بداية الثورة التونسية سنة 2010 قبل أن تنتقل إلى مصر وليبيا ثم اليمن.

وشدد على أن "الثورة المضادة اعتبرت النموذج السوري محبِطاً بعد إجهاض الثورة. لكنها انبعثت من جديد رغم البطش والظلم وانتصرت، مما سيساهم في تحرير شعوب عربية أخرى وإخراجها من اليأس والإحباط".

واعتبر أول رئيس يحكم تونس بعد ثورة الياسمين أن الأسباب نفسها من القمع والاستبداد تؤدي إلى النتائج نفسها، مؤكداً أن دولاً أخرى مؤهلة للانفجار وأن من أسماهم بالـ"استبداديين" يجلسون على فوهة بركان، داعياً إياهم إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين وفتح حوار سياسي لتفادي عواقب انفجار الأوضاع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image