شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تطبيقات المراهنات الإلكترونية...

تطبيقات المراهنات الإلكترونية... "فيروس" يغزو البيوت في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 17 ديسمبر 202412:51 م

في غضون أقل من عامين، أنفق البعض في مصر أكثر من مليارَي دولار على تطبيقات المراهنات الإلكترونية، كنِتاج طبيعي لظاهرة تفشّت بوضوح في السنوات الأخيرة، وباتت رائجةً بشكل أكبر بين فئة الشباب والمراهقين/ ات، قبل أن تتفجر الأزمة مع ظهور لاعب منتخب مصر وفريق بوروسيا دورتموند الألماني السابق، محمد زيدان، في إعلان ترويجي لإحدى الشركات التي تعمل في مجال المراهنات الإلكترونية، باعتباره ممثلاً لها في مصر، مع الزعم بحصول الشركة على رخصة من جانب وزارة الشباب والرياضة للعمل محلياً.

وعلى الرغم من نفي الوزارة المصرية إصدار أي ترخيص لصالح شركة المراهنات، وتأكيدها أن لوائحها تمنع إشهار رخصة لأي شركة يتعلق مجال عملها بالمراهنات، سواء بشكل مباشر أو بطريق المساهمة مع شركات أخرى، إلا أن الأزمة تصدرت المشهد، في الوقت الذي تشير فيه إحصائيات إلى ممارسة نحو 4.5 ملايين مصري للمراهنات في العام الماضي 2023.

جاءت أزمة زيدان وشركة المراهنات ووزارة الرياضة المصرية، بعد نحو شهر واحد على "قضية المراهنات الكبرى"، حيث ضبطت وزارة الداخلية المصرية عصابةً مكوّنةً من 25 متهماً بحوزتهم 441 شريحة هاتف محمول و100 هاتف، بالإضافة إلى محفظة مالية إلكترونية فيها قرابة المليون جنيه، وذلك في نطاق محافظتَي أسيوط والوادي الجديد. وعليه، فإن هذه العصابة تقوم بالاستيلاء على أموال المواطنين/ ات تحت مظلة إدارة وترويج المراهنات الإلكترونية.

تلك الأزمات فتحت الباب للحديث عن تطبيقات المراهنات وطرق النصب والقمار الإلكترونية، والتي انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة داخل الشارع المصري، حيث سقط في براثنها الملايين.

وجه آخر للنصب الإلكتروني

"بداية الكارثة كانت عبر ربح 60 جنيهاً، بعدما جاءتني رسالة عبر الواتساب للعمل في تقييم المنتجات على مواقع التسوق الإلكترونية، مقابل الحصول على مبلغ نظير الشراء الوهمي للمنتج ورفع تقييمه، والمهمة الأولى كانت بـ3 منتجات"؛ هذا ما يقوله الشاب العشريني محمد علوان، الذي دفعته حاجته الشديدة إلى الأموال للسقوط في براثن النصب، وهذه المرة عبر ما يُسمّى "التداول"، وهو أحد أشكال القمار الإلكتروني.

بعدما جاءته رسالة بفرصة لكسب الأموال نظير استخدام هاتفه ليس أكثر، وجد نفسه يحقق مكسباً يصل إلى 2،000 جنيه في غضون ساعة واحدة فقط، وهو قابع في منزله.

في غضون أقل من عامين، أنفق البعض في مصر أكثر من مليارَي دولار على تطبيقات المراهنات الإلكترونية، كنِتاج طبيعي لظاهرة تفشّت بوضوح في السنوات الأخيرة، وباتت رائجةً بشكل أكبر بين فئة الشباب والمراهقين/ ات

يقول علوان، وهو من سكان محافظة القاهرة، في حديثه إلى رصيف22: "بعدما أنجزت المهمة الأولى وحصلت على الأموال، تم إغرائي بزيادة نسبة الأرباح مقابل دفع مبلغ مالي يُستخدم لشراء وهمي لبعض المنتجات، على أن يُسترد هذا المبلغ مضاعفاً، وبالفعل دفعت المبلغ وحصلت على ضعفه بعدما أنجزت مهمة الشراء المُسندة إليّ، وهكذا استمر الحال لكن بزيادة قيمة الأموال التي أدفعها وكذلك أرباحها".

وجد خريج "بكالوريوس تجارة"، نفسه يدفع 17 ألف جنيه، وهو كل ما يمتلكه، قبل أن يشترط عليه تجار القمار الإلكتروني عبر تطبيق "التلغرام" دفع 50 ألف جنيه، مع وعد بإعادة المبلغ مضاعفاً، إلا أن قدرته المالية لم تتِح له ذلك، وحينما توجه لتقديم بلاغ لدى مباحث الإنترنت لم يجد استجابةً جديةً لشكواه، ليعود متحسّراً على أمواله التي ضاعت.

حيلة مراهنات العملات المشفرة

لم يختلف حال ناهد أشرف (اسم مستعار)، عن حال محمد علوان، حيث سقطت مع شقيقها وصديقه الذي يعمل مرشداً سياحياً، ضحايا تطبيقات "العملات المُشفرة".

"تم إغراء أخي بالحصول على 20 دولاراً (1،000 جنيه) تقريباً، مقابل كل فرد يجذبه للمراهنة على العملات المُشفرة، وهكذا أصبحت العائلة جميعها تمارس المراهنات، وجمعوا كل ما يمتلكوه من أموال لشراء تلك العملات والرهان عليها، ومن وقت إلى آخر تأتي السائحة الإيطالية إلى مصر لمقابلتهم في أحد المطاعم"

تقول ناهد: "تعرفت سائحة إيطالية على صديق أخي المرشد السياحي في الهرم، باعتبارها مديرة إحدى الشركات التي تعمل في مجال البورصة والعملات الإلكترونية في كوريا الجنوبية، وعرضت عليه دخول عالم المراهنات بـ50 دولاراً في البداية، وبدوره أقنع أخي بالتداول والمراهنات على العملات المشفرة".

تضيف لرصيف22: "تم إغراء أخي بالحصول على 20 دولاراً (1،000 جنيه) تقريباً، مقابل كل فرد يجذبه للمراهنة على العملات المُشفرة، وهكذا أصبحت العائلة جميعها تمارس المراهنات، وجمعوا كل ما يمتلكوه من أموال لشراء تلك العملات والرهان عليها، ومن وقت إلى آخر تأتي السائحة الإيطالية إلى مصر لمقابلتهم في أحد المطاعم، حتى وصل الأمر بها إلى زيارتهم في المنزل، إلا أنها كانت تطالبهم دائماً بعدم سحب أموالهم لمضاعفة الربح، واستمر الأمر نحو 6 أشهر".

وتتابع ناهد (28 عاماً)، متحدثةً عن حجم الكارثة التي حلّت بهم: "امتلك أخي 50 ألفاً، وصديقه 125 ألفاً، بخلاف أموال بقية العائلة وأصدقائها التي جميعها بالدولار، لنفاجأ بأن السائحة أغلقت غروب التليغرام، وحساباتها كافة على مواقع التواصل، واختفت ومعها الأموال، دون أن نجد وسيلةً للوصول إليها، أو إثبات مستحقاتنا".

صدفة قادته إلى عالم المراهنات

الشاب أحمد موسى، قادته الصدفة لدخول عالم المراهنات والألعاب الإلكترونية، رغبةً منه في الانتقام لصديقه الذي كاد يفقد حياته وأسرته بسبب خسائر المراهنات، قبل أن يسقط بنفسه في مصيدة المراهنات ويتعرض لخسارة كبيرة، ويتحول من مجرد لاعب هاوٍ، إلى ناشط لا هدف له إلا محاربة وجود تلك التطبيقات في مصر، وكشف خباياها وأكاذيب المكاسب الوهمية، حتى أنه دشّن مجموعةً على منصات التواصل لتوعية الذين ينشطون في عالم المراهنات.

يقول موسى (مهندس مدني)، في حديثه إلى رصيف22: "تنشط تطبيقات المراهنات عبر التليغرام، حيث تختفي الرقابة، وبسهولة يمكن اختفاء الوسطاء والوكلاء دون إثبات أي دليل إدانة عليهم، وجميعها باختلاف مسمياتها تخضع للشركة الأمّ 1xbet، ويمكن بسهولة الانضمام إلى العمل في تلك التطبيقات، والأمر يتم بنظام نسبة من الأرباح"، شارحاً أن هناك عدداً كبيراً ينضم إلى تلك التطبيقات بسبب ارتفاع العائد الذي يحصلون عليه شهرياً: "بعض الأشخاص أصبحوا مليونيريين من وراء ذلك العمل، ولذلك يضخون أموالاً تصل إلى 100 ألف جنيه في إعلانات مُمولة لتلك التطبيقات عبر منصات التواصل والدردشة المختلفة، سعياً إلى جذب المزيد من المستخدمين".

"المكسب السريع يدفع المراهنين الذين يتركزون بشكل أساسي في فئة المراهقين والشباب، للمغامرة والرهان بمزيد من الأموال، قبل أن يتعرضوا لخسارة جميع أموالهم، إلا أن شهوة الربح تدفع هؤلاء للاستمرار في المراهنات حتى لو اضطروا إلى الاستدانة أو السرقة، فالأمر يتخطى مرحلة اللعب ويصبح إدماناً حقيقياً"

وعن طرائق النصب، يقول: "تتعدد طرائق النصب الإلكترونية، فالبعض يحاول إغراء المستخدمين بادّعاء أنه هاكر يعرف خبايا وثغرات الألعاب وتطبيقات المراهنات، والبعض يحاول استغلال خسارة البعض عبر الشقّ الديني، والزعم بأنه يساعد فقط، بالإضافة إلى وكلاء ووسطاء التطبيقات، الذين يحصلون على نسبة 40% من خسارة المُراهنين، مؤكداً أن تلك الشركات تقوم بالأساس على خسارة المراهنين/ ات لتحقيق أرباحها: "المكسب الضخم في تلك التطبيقات يكاد يكون نادراً، وفي حال كان الوسطاء على عِلم بثغرات التطبيقات والألعاب الإلكترونية، فالأولى لهم استغلال تلك الثغرات بأنفسهم بدلاً من جذب مُراهنين جدد لخسارة أموالهم".

استدراج بالمكسب

يلخص أحمد جمال (اسم مستعار)، الذي سبق له العمل كوسيط في أحد تطبيقات المراهنات التي تنشط في مصر، كيفية جذب الأشخاص إلى تطبيقات المراهنات والقمار الإلكتروني، فيقول: "الفكرة تبدأ في الغالب عن طريق الإعلانات المُمولة على منصات التواصل الاجتماعي أو رسالة نصّية على أحد تطبيقات الدردشة، وبمجرد اجتذاب أحد الأشخاص، تتم مساعدته في تحقيق مكسب سريع، فالـ100 جنيه تتحول إلى 1000 جنيه في دقائق معدودة على سبيل المثال؛ لذلك يعود الشخص للدخول في رهان جديد، وتتم مساعدته في تحقيق مكسب آخر عن طريق الوسيط بينه وبين إدارة التطبيق، حتى تترسخ الفكرة في ذهنه، ويداوم على ممارسة المراهنات، ويصل الأمر إلى جلب أصدقائه وأقاربه للمشاركة في المراهنات".

يضيف لرصيف22: "المكسب السريع يدفع المراهنين الذين يتركزون بشكل أساسي في فئة المراهقين والشباب، للمغامرة والرهان بمزيد من الأموال، قبل أن يتعرضوا لخسارة جميع أموالهم، إلا أن شهوة الربح تدفع هؤلاء للاستمرار في المراهنات حتى لو اضطروا إلى الاستدانة أو السرقة، فالأمر يتخطى مرحلة اللعب ويصبح إدماناً حقيقياً".

يسرد صاحب الـ27 عاماً، والذي حقق مكاسب كبيرةً جراء عمله كوسيط لتطبيق من تطبيقات المراهنات في مصر، أهم الخسائر التي مرّت عليه: "أحد الأشخاص ورث 100 ألف جنيه عن والده، ليراهن بها ويخسرها، قبل أن يبيع منزلهم، وينتهي به الأمر بخسارة مليون و800 ألف جنيه، وآخر حقق مكسباً كبيراً في البداية، قبل أن يخسر 50 ألف جنيه، لتدفعه شهوته لتعويض الخسارة إلى بيع سيارته بنصف مليون جنيه من أجل الرهان، قبل أن يخسرها أيضاً".

غياب المساءلة القانونية للمراهنات الإلكترونية

يشير خبير التشريعات الرقمية، الدكتور محمد حجازي، إلى أن "القمار والمراهنات التقليدية الموجودة في الكازينوهات وخلافها، مُجرّمة وفقاً للقانون المصري، إلا أنه بالنسبة إلى المراهنات الإلكترونية وتطبيقاتها، لا يوجد نص محدد وواضح في أي قانون يُجرمها ويمنع ممارستها"، مؤكداً أن قانون العقوبات وكذلك "قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية"، بحاجة ماسة ومُلحة إلى تعديلات تشريعية تنص بشكل واضح وحاسم على تجريم القمار والمراهنات الإلكترونية.

وبحسب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المصري رقم 175 لسنة 2018، تنص المادة رقم "14" على عقاب كل من يدخل عمداً، أو دخل بخطأ غير عمدي وبقي من دون وجه حق، إلى مواقع أو أنظمة معلوماتية محظورة بالحبس لمدة لا تقلّ عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (1،000 دولار)، ولا تزيد عن 100 ألف جنيه (2،000 دولار)، مع تشديد العقوبة لتصل إلى سنتين حبساً، حال إتلاف أو تغيير أو نشر بيانات ومعلومات موجودة على الحساب أو النظام المعلوماتي المحظور.

"المكسب الضخم في تلك التطبيقات يكاد يكون نادراً، وفي حال كان الوسطاء على عِلم بثغرات التطبيقات والألعاب الإلكترونية، فالأولى لهم استغلال تلك الثغرات بأنفسهم بدلاً من جذب مُراهنين جدد لخسارة أموالهم"

واللافت أن قانون العقوبات المصري لا يختلف كثيراً عن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بشأن عدم احتوائه على نص واضح يُجرم المراهنات الإلكترونية، حيث تنص المادة (352) من قانون العقوبات، على عقاب كل من أعدّ مكاناً لألعاب القمار وهيّأه لدخول الناس إليه، هو وصاحب المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه (20 دولاراً) وتضبط جميع النقود والأمتعة في المحال الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها.

في الختام، يتحدث الدكتور محمد حجازي، عن الحلول المتاحة لمواجهة تلك الظاهرة التي تفشّت بشكل كبير في المجتمع المصري، بالقول إن هناك شقين لتلك الحلول من الناحية التقنية: الأول يتمثل في حجب المنصات وتطبيقات المراهنات كافة من الظهور في مصر، والثاني قيام البنك المركزي المصري بإغلاق الأكواد كافة التي يستخدمها الوكلاء والوسطاء والمُراهنون، في استقبال وتحويل الأموال إلى تلك التطبيقات، معتبراً أن تلك الحلول التقنية لن تتمكن من القضاء على تلك الظاهرة بشكل كامل، إلا أنها ستساهم في تشديد الخناق على المراهنات وممارسيها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image