من قلب المحنة، كثيراً ما تظهر مواقف القوة والشجاعة. وعام 2023، على المستوى العربي، كان مليئاً بالأزمات الاستثنائية التي أظهرت خلالها الكثير من النساء العربيات شجاعةً وأشكالاً من المقاومة اللافتة.
في تقريرنا لهذه السنة، اخترنا 10 سيدات تجسد كل واحدة منهن واقع شرائح من بنات جنسها ووطنها ومجالات عملها، وتبرز المواقف والتضحيات التي قدمتها دوراً مؤثراً لأجل مجتمعها، على رغم رمزيتها أحياناً، وعظمتها أحياناً أخرى.
1- مراسلة قناة "تي آر تي" التركية في غزة، رُبى العجرمي
موقف شديد الصعوبة عاشته الصحافية الفلسطينية حيث كانت تقدم رسالة إخبارية على الهواء مباشرةً بينما قُصِفَ منزلها وكانت لا تعلم شيئاً عن مصير زوجها وأطفالها.
إحداهن حُكمت بالإعدام عقاباً على نشاطها الحقوقي، وأخرى تكتب من قلب النار والدمار في غزة، وغيرها تخطت ألمها الشخصي لمساعدة الآخرين… 10 نساء عربيات أثّرن فينا عام 2023
وبينما وقفت رُبى العجرمي تبث خبر القصف الإسرائيلي لمنطقة "أبراج حمد" السكنية المكتظة التي أُقيمت بتمويل من دولة قطر قبل سنوات، عاندت دموعها وهي توضح أنها وأسرتها من سكان هذه المنطقة، مستدركةً بأن زوجها وأطفالها كانوا في المنزل ولا تعلم مصيرهم. لاحقاً تبيّن أن أسرتها ظلت بخير.
رُبى هي واحدة من عشرات الصحافيات والمراسلات اللائي يؤدين عملهن في ظروف استثنائية للغاية في غزّة في وقت هن أحوج فيه لأن يبقين قرب أطفالهن وذويهن لطمأنتهم والاطمئنان عليهم ورعايتهم. علاوة على أنهن عُرضة دائماً لسماع أخبار غير سارة ومؤلمة عن ذويهن ومعارفهن خلال تغطية أخبار الحرب. وتعرضت إحداهن على الأقل - وهي مراسلة الجزيرة يُمنى السيد - إلى تهديدات مباشرة من الجيش الإسرائيلي بإخلاء منزل أسرتها في ما يُعتقد بأنه انتقام بسبب عملها.
2- الباحثة والناشطة الحقوقية السودانية هالة الكارب
في وقت ينشغل العالم بالحرب الإسرائيلية الوحشية على غزّة، وتنتهز القوات المتصارعة في السودان، وخاصةً قوات الدعم السريع، ذلك لارتكاب الجرائم المروعة، تُبقي هالة الكارب العيون مسلطةً والصوت عالياً بشأن ما يحدث في السودان، على نحو خاص الانتهاكات والاعتداءات الجسدية والجنسية من الدعم السريع بحق النساء.
عبر وسم "#KeepEyesOnSudan"، وباللغتين العربية والإنكليزية، تنقل هالة الأخبار الموثوق بها حول أبرز تطورات الصراع في السودان، مع إبراز الضرر الواقع على النساء والأطفال، مناديةً في الوقت عينه إلى التآلف والتحالف من أجل السودان ومن أجل مستقبل بلا حروب أو فقر.
3- الشاعرة والناشطة الصومالية نعيمة قورني
تُعد الشاعرة الصومالية واحدة من أبرز الوجوه الشابة النشطة في الشأن السياسي والتي تجاهر بمواقفها المعارضة للحكومة منذ عام 2018. خلال الأشهر الماضية، كانت نعيمة بين ضحايا الهجمات الرقمية في البلاد على خلفية نشاطها السياسي والحقوقي.
قالت نعيمة إن حسابها الذي يتابعه عشرات الآلاف عبر فيسبوك تعرض أولاً للاختراق، ولم يعد بإمكانها الوصول إليه، قبل أن تظهر عبارة "في قلوبنا" عليه، في إشارة إلى وفاتها بخلاف الحقيقة.
بعد الاستعانة بمتخصصين، واستعادة حسابها، أصرت نعيمة على استئناف نشاطها بذات الجرأة المعهودة بها ودون رهبة.
تجدر الإشارة إلى أن نعيمة كانت قد حُكمت بالسجن 3 سنوات عام 2018 من قبل محكمة في صوماليلاند بسبب دعوتها إلى وحدة الأراضي الصومالية. لكن أُطلق سراحها لاحقاً بعد تدهور وضعها الصحي.
4- رائدة الأعمال العراقية الأمريكية هدى قطان
سخّرت خبيرة التجميل وسيدة الأعمال صاحبة ماركة "هدى بيوتي"، منذ بداية الحرب على غزة، حسابها في انستغرام الذي يتابعه نحو 4 ملايين شخص، لدعم الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف النار فوراً وبشكل دائم لحقن الدماء وحماية حق الأبرياء في العودة إلى منازلهم.
في وقت تنشغل المنطقة العربية بالحرب على غزة، تُبقي هالة الكارب العيون مسلطةً والصوت عالياً بشأن ما يحدث في السودان، على نحو خاص الانتهاكات والاعتداءات الجسدية والجنسية من الدعم السريع بحق النساء عبر وسم
لم تسلم هدى من حملات التحريض والتشويه والدعوات إلى مقاطعة منتجاتها من قبل إسرائيل وداعميها. اعترفت أنها مُنيت ببعض الخسائر التي أعقبها ارتفاعاً طفيفاً في المبيعات قبل استقرارها نسبياً. لكنها لم تتوقف ولم تتراجع عن دعم أهل غزة.
وصل الأمر إلى تهديد حياتها ليس عملها فقط لإسكاتها. أقرت هدى بأنها تخاف من التهديدات، مستدركةً بأنها تخشى أكثر ألا تقف مع الحق وألا تدعم حق الأبرياء الذين فقدوا كل شيء.
لم يقتصر الدعم الذي تقدمه هدى لأهل غزة على رفع الصوت ونقل الرواية الفلسطينية للغرب عبر حساباتها، بل أعلنت عقب مرور شهر على الحرب عن تبرعها بمليون دولار لصالح المنظمات الإنسانية العاملة في غزة. وحين هددتها معلقة أمريكية بوقف شراء منتجاتها ردت عليها هدى: "لا أحبذ تلقي الأموال الملوثة بالدماء".
5- الناشطتان في مجال حقوق الحيوان في ليبيا، رابعة وابتسام بن عمران
في ظل الظروف التي تعيشها ليبيا، تبقى حيوانات الشوارع من أكثر الفئات عرضة للعنف والجوع والأذى. كما أن الناشطين والناشطات في مجال حماية الحيوانات والدفاع عن حقوقها لا يسلمون من الأذى والملاحقة وإن بتهمٍ واهية.
هذا ما حدث للناشطتين والشقيقتين رابعة وابتسام بن عمران اللتين تعرضتا للاعتقال واتهمتا بـ"ممارسة السحر والشعوذة" نهاية آذار/ مارس 2023. جاء ذلك عقب مداهمة السلطات للجمعية الليبية للرأفة بحيوانات الشوارع، التي تديرها الشقيقتان وترعيان فيها ما لا يقل عن 200 كلب وقطة، إثر حديثهما عن تعرض حيوانات للاغتصاب والذبح. لكن ذريعة الاعتقال كانت "إبلاغ بعض سكان المنطقة عن تضررهم من طقوس غريبة وأصوات مزعجة تصدر من المكان".
بعد نحو أسبوع من التوقيف، الذي أثار غضب مجتمع رعاية الحيوانات في ليبيا، أُفرج عن الشقيقتان بكفالة، ولاحقاً تمت تبرئتهما تماماً. مع ذلك، كانت الملاحقة والتوقيف دليلاً آخر على العنف ضد النساء وملاحقة النشطات منهن في الشأن العام والحقوقي.
6- المسعفة والناشطة الاجتماعية الليبية نورهان الطشاني
خلال أزمة إعصار دانيال وتبعاته الكارثية على مدينة درنة، تطوعت الناشطة المدنية الليبية نورهان الطشاني في الهلال الأحمر لأجل تقديم الدعم - قدر إمكانها - لأبناء شعبها المنكوب، على الرغم من حجم التحديات التي واجهت جهود الإغاثة آنذاك.
ومما زاد عظمة المثل الذي ضربته نورهان أنها فقدت شقيقها وعدداً كبيراً من أهلها، بمن فيهم عمها وابن عمها وابنة عمها وابنة خالها و"نصف أفراد قبيلتها بالكامل" على حد قولها، في الكارثة. لكنها اعتبرت أنه "لا وقت لحزن" وأن مد يد العون للآخرين والمساهمة في إنقاذ ما/ من يمكن إنقاذه أولى.
ومع انخفاض الاهتمام بوضع درنة، بعد مرور بضعة أشهر على الكارثة، تحرص نورهان على التذكير بالتبعات الممتدة للكارثة البيئية على المدينة وأهلها عبر وسم "#راكم_تنسوا_درنة". وجه لها العديد من الليبيين النشطين عبر الإنترنت الشكر حديثاً على جهودها لأجل درنة وأهلها.
على الرغم من الهجوم عليها وعلى علامتها التجارية الشهيرة "هدى بيوتي"، تواصل هدى قطان دعم أهل غزّة. أقرت هدى بأنها تخاف من التهديدات، مستدركةً بأنها تخشى أكثر ألا تقف مع الحق وألا تدعم حق الأبرياء الذين فقدوا كل شيء
7- المدافعة السورية عن حقوق الإنسان لبنى القنواتي
في وقتٍ يزداد التطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه عقب سنوات من القطيعة والحصار العربي والدولي، تحدثت لبنى، نائبة رئيسة منظمة النساء الآن للتنمية، خلال جلسة مخصصة لسوريا في مجلس الأمن عن اندلاع الاحتجاجات الشعبية مرة أخرى ضد النظام السوري في المحافظات الجنوبية بسبب الأوضاع المعيشية السيئة وتفشي الفقر والمخدرات والجريمة والقمع.
لبنى، التي تصنف نفسها ناجيةً من الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013، نددت بـ"الإعادة القسرية" لسوريين إلى البلاد بذريعة ما يُعرف بـ"مناطق آمنة"، وتطرقت إلى حال المرأة السورية بعد 12 عاماً من الثورة والحرب الأهلية المستمرة.
ساهمت جهود لبنى وسوريين وسوريات آخرين/أخريات في جلب مسؤولين سوريين إلى المحاكمة في دول أوروبية.
8- الناشطة الحقوقية والنسوية الغزّية زينب الغنيمي
عبر ابنتها الكاتبة والشاعرة فرح برقاوي، وعدد من المنصات والمواقع المحلية، تُصر المناضلة الفلسطينية على رواية واقع مدينة غزّة التي ترزح تحت حرب وحشية دخلت شهرها الثالث دون أية جهود حقيقية لوقف نزيف الدم الفلسطيني.
زينب التي ناهزت السبعين من عمرها، ويحدق بحياتها خطر داهم، وتضطر للنزوح مراراً وتكراراً من آن لآخر، وتكافح لأجل توفير المياه للشرب ولأغراض النظافة الشخصية، والحصول على الطعام للبقاء على قيد الحياة، ترى في الكتابة والنشر، رغم الانقطاع المتكرر والطويل للإنترنت، شكلاً مهماً من أشكال البقاء ورفض طمس الصوت الغزّي والفلسطيني. وهي تضرب بذلك مثالاً رائعاً لـ"المقاومة".
ومن أحدث ما كتبت زينب، في اليوم الـ63 للحرب: "نحن في قطاع غزة، من نزحوا منّا أو من بقوا في مدينتهم وبيوتهم، الشهداء والأحياء على السواء، لم نختر يومًا الموت أو الدمار، بل كانت لنا أحلامُنا وأمالُنا نساءً ورجالًا كبارًا وأطفالًا، وكنّا نحرص دومًا على الركض وراء حلمِ العيش الهانئ، ولكن هذه الحياة وهذا العيش إن لم تكن ويكن بكرامة فلا معنى له، لذلك نسعى، نحن الصامدون الصابرون في قطاع غزة، في كلّ لحظةً متبقية للحفاظ على العيش بكرامة لكي نستطيع أن نسمّي حياتنا بالحياة".
9- الناشطة الحقوقية اليمنية فاطمة العرولي
مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قضت المحكمة الجزائية الحوثية في صنعاء بالإعدام تعزيراً بحق فاطمة العرولي التي تنشط في الدفاع عن حقوق الإنسان في البلاد وتعزيز حقوق المرأة، بتهمة "التخابر مع الإمارات" إثر محاكمة "غير قانونية وغير نزيهة" استندت إلى "اعترافات انتزعت تحت التعذيب" كما أكد ناشطون حقوقيون. علماً أن فاطمة من مواليد الإمارات وقد اعتادت السفر إليها بعد زواجها واستقرارها في اليمن لزيارة أهلها.
اعتقل الحوثيون فاطمة في آب/ أغسطس 2022، وتعرضت لانتهاكات عديدة بينها الإخفاء القسري في غرفة تحت الأرض والحبس الاحتياطي المطول مع الحرمان من زيارة أهلها، بحسب منظمة العفو الدولية التي تقول نائبة مديرة مكتبها الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غراتسيا كاريتشيا، إن قضية فاطمة "تذكير صارخ آخر بكيفية استغلال الحوثيين للمحكمة الجزائية المتخصصة كأداة للقمع فيما يشكّل استهزاء بالعدالة".
10- الفنانة التونسية هند صبري
في أعمالها الفنية وأنشطتها التجارية والإنسانية، تحرص هند صبري دائماً على أن تضرب المثل والقدوة وتنحاز إلى حقوق الإنسان سيّما النساء.
وقبل بضعة أسابيع، أعلنت هند استقالتها من منصبها كسفيرة للنوايا الحسنة في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، عقب 13 عاماً من الانضمام إليه، بسبب "الإحساس بالعجز" عن "منع استخدام التجويع كسلاح حرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين