هناك من يسافر بقصد الاستجمام والراحة، ومن يرتحل بحثاً عن القوت اليومي. بين من يسافر رغبة في السفر، ومن لا اختيار له غير الهجرة، يوجد السائح ويوجد المهاجر بالرغم من أنفه، الأول يسافر ليحترق بأشعة الشمس والثاني يحترق وهو لا يزال في طريق السفر.
في تحدي الأزمنة واقتحام الأمكنة، تظل الفئة الثانية الأكثر نشداناً للغربة. هم من يطلق عليهم باللغة المغربية ''الحراكَة''، وهم المهاجرون غير النظاميين. يقدمون أنفسهم على أن موتهم في توقفهم عن المحاولة، ويؤمنون أن المحاولة تستدعي قياس المساحات، كأنهم يرددون عنوان أحد المؤلفات الفكرية: ''لا أملك إلا المسافات التي تبعدني''.
من مطار الدار البيضاء إلى غابات بلغاريا
حينما لا يوجد أي شيء يمكن القيام به، أو لم يعد هناك عمل يتيح لك إمكانية الاستقرار لضمان لقمة عيش كريمة داخل بلدك، يبدأ الاشتغال بالتفكير في الضفاف الأخرى، عبر اقتحام الحدود. هذا ما أقدم عليه ياسين (28 عاماً) وهو اسم مستعار لشاب مغربي، هاجر علناً من مطار الدار البيضاء إلى تركيا، وسراً إلى أوروبا على متن خطوط المهاجرين السريين.
يستقل ياسين باص من العاصمة إسطنبول إلى إسنيورد: وهي من المناطق السكنية التي تشهد نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، يقول في تصريح له لرصيف22: ''استأجرتُ سريراً بـ 50 يورو، بعدما قابلت أحد الأصدقاء في ميدان تقسيم، مكان يكتظ بأكثر من 70 مهاجراً نازلاً، تخترقه روائح كريهة وصراصير. كما أنه غير قانوني، لكن يبقى أحد الأماكن التي نتعرف فيها على مستجدات الهجرة''.
وجد ياسين بعد أسابيع من البحث، ''خطاف ركاب''، سيقله رفقة مهاجرين سريين مغاربة، واحد من مدينة الدار البيضاء وآخر من وجدة، وثلاثة آخرون من القلعة، بسعر 100 يورو على مسافة 700 كيلومتر، إلى نقطة الهجرة.
يقول: ''انطلقنا في الساعة السادسة مساء، بعد وصولنا لحمزة بيلي في حدود بلغاريا وتركيا الساعة الثانية صباحاً، و نحن تحت رحمة البرد القارس ومشاهد الرعب''.
كانت كل تحركات مجموعة ياسين مدروسة. ينطلقون مجدداً على الساعة الخامسة صباحاً، يرشدهم أحد تطبيقات الخرائط، التي تعمل بدون توفر شبكة الانترنت، وفي الحدود قطعوا مسافة 20 كيلومتراً تحت الأمطار وسط الغابات الكثيفة، وبين سياج الحدود، ''أثناء سيرنا لمحنا أحد حراس حدود بلغاريا، كنا في ورطة كبيرة، هرب ثلاثة منا وبقيت أنا والبيضاوي والوجدي، أما بقيتنا فلحقهم الحارس وهو يطلق رصاصاته''.
ظل ياسين في الغابة، كمن يبحث عن نجمة في سماء غائمة، إلى أن وقع في قبضة السلطات البلغارية، الذين سلموه لعسكر الحدود، يقول:'' فتشوا كل أغراضي، واستلقيت على بطني ممدداً كي لا أتعرف على الطريق''.
الهجرة المكسورة والصعقات الكهربائية
لم يكن القبض على ياسين سوى استئناف لما سيأتي، إذ صارت المجموعات العسكرية تتقاذفه فيما بينها، يقول ياسين: ''خلعوا ملابسي وبقيت بقميص وسروال قصير، بعد أن أشبعوني ركلاً وضرباً. يكاد جسدي يخرج مني كلما تعرضت لصعقة كهربائية بالصاعق الكهربائي، تلحقه صرخات عالية''.
سافر ياسين من المغرب إلى تركيا ليتمكن من العبور إلى أوروبا، حيث عثر على ''خطاف ركاب''، سيهربه برفقة مهاجرين مغاربة آخرين، بسعر 100 يورو على مسافة 700 كيلومتر، إلى نقطة الهجرة خلف الحدود البلغارية
سَلٌَم هذا الفوج العسكري ياسين ومعه باقي المهاجرين السريين، بعد أن انتهوا منهم، لمصير آخر، استوعبوه حين استقبلتهم المجموعة الأخرى بالعصي والجلد، حتى كادت لحومهم تفقد ألوانها البشرية.
يتذكر ياسين جيداً كيف ألقي به بعد أن سَلِمَت منه القوات العسكرية، للغابة وسط الأشجار الباسقة، مصدوماً، وحيداً كتمثال من حجر، لم يع بعد ما يدور حوله، يواصل الحديث:' 'سرت 7 كيلومترات أرتدي قنينتين بلاستيكيتين، كان علي أن أعيد مجدداً كل الطرق التي كنت قد سلكتها''.
على جنبات إحدى الطرق المؤدية، إلى حيث لا يدري، يلوح وينادي، إلى أن أقلته سيارة لأسرة تركية لإحدى محطات الوقود، لا يعرف ياسين من اللغة التركية سوى كلمة واحدة، وهي SU التي تعني المياه، ظلت لاصقة في ذهنه كما يقول، لأنه ينطقها نفسها باللغة الأمازيغية، والتي تعني ''إشرب'' ، لتقله مجدداً سيارة لفريق الهلال الأحمر تصادف معها إلى إديرنا.
لم تنته الطريق التي قشّرت رجليه من شدة السير، وبعد وصوله إديرنا لوح لسائق شاحنة، يقول:'' لم يوصلني فقط، بل قدم لي أكلة وملابس مع 50 ليرة، وسافرت معه مسافة 400 كيلومتر إلى إسطنبول''.
على ياسين أن يتذكر بناية كبيرة في الميدان فوقها إشهار كبير، وبالقرب منها مقهى يدعى ''كازا بلانكا"، كما يقول، لم يستسغ عودته مجدداً إلى وسط الروائح الكريهة مع الصراصير. يقول:'' فقدت كل شيء في رحلتي، الهاتف، الملابس، الباكتاج و30 يورو''.
جرى كل هذا لياسين في أسبوع واحد، وبالرغم من خسارته كل شيء، يقول:''بين من تطرحهم السلطات، لا يعود كل المهاجرين سالمين، إما أن تكون ملوناً بالكدمات كما حدث معي، أو مكسوراً، إما أن تعود فاقداً لأحد أطرافك، لكن المهاجرين هنا لا ييأسون، هناك من عاد 11 مرة ولا زال يحاول''.
ياسين: "بعد هروبي من الشرطة، سرت 7 كيلومترات أرتدي قنينتين بلاستيكيتين، كان علي أن أعيد مجدداً كل الطرق التي كنت قد سلكتها".
وجد ياسين بعد أيام من البحث عملاً يمكن أن يحصل فيه على قوت يومه، وفّر 250 يورو في أسبوعين، أحياناً في المزارع أو غسل الأواني. ثم قرر العودة للمغرب، بعد أن قضى شهراً كاملاً في تركيا وحدودها وغاباتها، والندم يتملكه.
''ها أنذا أعود لجحيم أكبر من جحيم صربيا وبلغاريا، وصلت مطار محمد الخامس، في أجواء الحجر الصحي لكورونا، والكل يسألني عن الكمامة/ وأنا في حسرة وندم شديدين على هذه العودة، لكني سأعيد المحاولة من جديد، لا يمكنني أن أبقى هنا''. هكذا أنهى ياسين قصته معنا.
عبد الصمد والحلم المعلق
يقول استطلاع للبارومتر العربي لسنة 2024، إن أكثر من نصف المغاربة، يرغبون في مغادرة المغرب، حتى لو لم تتوفر لهم الأوراق والتصاريح اللازمة لذلك، وتصل نسبتهم لـ53 في المائة.
الشباب والمتعلمون جامعياً من الأكثر إقبالاً على الهجرة بنسبة 35 في المائة. لكن، يتفوق عليهم الحاصلون على التعليم الثانوي أو أقل منه، ومن بينهم عبد الصمد (21 عاماً)، الذي حزم حقيبته لمدينة الفنيدق مباشرة بعد اجتيازه لامتحان التكوين المهني بمدينة أكادير.
جزء كبير مما مر به ياسين، حدث مع عبد الصمد، لكن الأخير تمكن من العبور إلى أوروبا، وهو يعمل ويكد، منتظراً حصوله على أوراق الإقامة. فقد سافر مع صديقيه إلى طنجة كي يهاجر بشكل غير نظامي من مدينة الفنيدق نحو أوروبا. يقول لرصيف22: ''كنا سنهاجر من الفنيدق، بعد أن تفاوضنا مع (الحراك) وهو سمسار في الهجرة، اشترط علينا أن نسبق له المال، لكننا شممنا رائحة احتيال، فألغينا الاتفاق''.
كانت طريقه، مثل طريق ياسين، أوصلته الطائرة إلى تركيا على الساعة السابعة صباحاً، بتذكرة سعرها 300 دولار، يقول: ''لأننا غرباء في المكان، يحاول دائماً سائقو سيارات الأجرة النصب علينا من خلال عداد الأجرة، ويطلبون منا 3 إلى 5 آلاف ليرة، لم نغادر المطار حتى الساعة الرابعة بعد الزوال بواسطة باص إلى إسطنبول''.
استأجر عبد الصمد غرفة لمدة خمسة أيام، مع جزائريين وتونسيين بفضل أحد معارفه، في منطقة مصطفى كمال، وتبعد عن إسنيورد مدة 20 دقيقة في القطار. يوضح لنا: ''أغلب سماسرة الهجرة هنا، يمكن أي ينصبوا على المهاجرين، فإذا اتصلتُ بأحدهم، يصبح رقمي رائجاً في أوساطهم، فيظلون يقترحون خدماتهم".
طريق اليونان و جشع الوسطاء
جلس مصطفى ورفيقاه يتفاوضان بحذر مع أحد السماسرة، الرجل الذي يحمل في جيبه مفاتيح الأمل وأبواب المخاطرة. أمامهم طريقان فقط: طريق اليونان أو طريق بلغاريا، كل منهما يحمل في طياته مخاطر لا تحصى. وبعد نقاش طويل ووجوه متجهمة، وقع الاختيار على طريق اليونان، الرحلة كانت قد بدأت حتى قبل أن تطأ أقدامهم الحدود.
عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، كانت مجموعة المهاجرين تتقدم نحو إديرنا، تلك المدينة التي تقف على تخوم الحدود التركية، وكأنها شاهدة على قصص لم يُكتب لها أن تكتمل. انضم ثلاثة تونسيين، إلى عبد الصمد ورفاقه الثلاثة. لكن سرعان ما عادت المجموعة التونسية أدراجها، حينما رأوا النهر الذي يفصل بين الحدود، جامحاً في تياره، يهدد بابتلاع أي جسد يقفز في مياهه.
انتظرت مجموعة عبد الصمد طويلاً حتى يهدأ تيار النهر، كأنهم يراقبون إشارة من القدر نفسه. يبوح لنا عبد الصمد، بصوت يحمل آثار تلك الليلة: "في تلك الأثناء، وصلت مجموعة أخرى مكونة من 17 مهاجراً يحملون زورقاً مطاطياً صغيراً ومهترئاً. أدركنا أنه لن يحملنا بأمان. لم نكن نرغب في المخاطرة، لذا قررنا أن نبدأ بعبور النساء الثلاث ومعهن الأغراض التي كانت في حوزتنا."
بهدوء ودقة، ساعدوا المهاجرات على العبور، بينما تبعهم الآخرون ممن لا يجيدون السباحة. أما عبد الصمد ورفاقه، فقد اختاروا أن يخوضوا معركتهم مع المياه بأنفسهم، عابرين النهر سباحة، وكل ذرة أمل تسحبهم نحو الضفة الأخرى، حيث يبدو المستقبل معلقاً على خيط رفيع بين الحياة والموت.
انتظرت مجموعة عبد الصمد طويلاً حتى يهدأ تيار النهر، في تلك الأثناء، وصلت مجموعة أخرى مكونة من 17 مهاجراً يحملون زورقاً مطاطياً صغيراً ومهترئاً. أدركوا أنه لن يحملهم بأمان، ولم يرغبوا في المخاطرة، لذا قرروا أن تبدأ النساء أولاً بالعبور ومعهن كل الأغراض التي كانت في حوزة المجموعة
وسط تردد المهاجرين، الجدد وخوفهم من عبور النهر الجارف، يتذكر عبد الصمد كيف كان ''الحراك'' الذي يتلقى اتصالاتهم من بعيد، يتعامل مع تلك المجموعة. ولأنه الوحيد الذي يمسك بخيوط الرحلة، كان يرفض تقديم أي مساعدة إضافية. يقول عبد الصمد بصوت ممزوج بالخيبة والغضب: "لم يستجب لطلبهم بإرسال القارب المطاطي لهم، رغم أنهم كانوا في أمس الحاجة إليه، حتى الخطاف الذي يمكن أن يسهّل عبورهم، لم يحرك ساكناً لتوفيره لهم''.
"تدبروا أمركم بأنفسكم" كان الرد الوحيد الثقيل والقاسي، الذي يتلقونه في كل مرة يطلبون منه شيئاً. شعور مرير بالخذلان، لم يكن أمامهم سوى المضي قدماً. كانت تلك اللحظات بمثابة اختبار قاسٍ للعزيمة، حيث كل خطوة تعني مواجهة المجهول. وحدهم، دون سند.
هروب من البوليس
تفرقت المجموعات لحظة العبور، وكانت الملاحقات البوليسية تنتظر مجموعة عبد الصمد، الذين كانوا برفقة رجل في الأربعين من عمره، يشدون يده ويخوض تجربة الهجرة أيضاً. على الساعة الرابعة صباحاً، لاحقتهم السلطات إلى أن اختبأوا في المرة الأولى في إحدى القرى، وفي المرة الثانية في الغابة، حيث مكثوا فيها من الساعة الرابعة إلى العاشرة صباحاً.
يقول: ''كان عامل المطر مساعداً، إلى أن وصلنا لإحدى السكك الحديدية، بعد ملاحقات السلطات ومراقبة الطائرات بدون طيار، ونمنا فيها، لنجد أنفسنا حين استيقظنا في قبضة السلطات".
أعيد المهاجر عبد الصمد إلى الحدود لكنه لم يستسلم، فاضطر ليعيد 64 كيلومتراً مجدداً، وفي إحدى طرق السيارات قبضت عليهم السلطات للمرة الثانية وأعيد للحدود مع رفاقه، يقول:'' لم نتوان عن التقدم، بالرغم من أننا أعدنا المحاولة مرتين، وحين دخلنا صربيا تابعونا بالدرون، وصلنا إلى منطقة ريفية في مقدونيا، تم القبض على رفاقي بينما وليت أنا هارباً، كنت متيقناً أنهم سيعودون، لذا عدت إلى السكة الحديدية أنتظرهم مدة ثلاثة أيام، إلى أن عادوا''.
دفع عبد الصمد لشبكات الهجرة وسماسرة الطريق ما يقارب 4500 يورو، ليتفادى بعض الأخطار. هو يتدبر أمر الحدود، والباقي على السماسرة، يسترسل في كلامه: ''دفعت أنا ورفاقي 3 آلاف يورو للفرد، بعد وصولنا لليونان، وفي مقدونيا دفعت 500 يورو، وفي صربيا إلى النمسا 1000 يورو، وحين وصلنا إلى إيطاليا ساعدتنا كثيراً إحدى جمعيات المجتمع المدني".
تبدأ الشكوك من الوقوع في الاحتيال كما يقول عبد الصمد، عندما يصر ''الحراك'' على تسبيق المال له منذ البداية، خصوصاً أن الخطر يكون بين تركيا واليونان إلى مقدونيا.
من الحراكة من تعقد معهم صفقة الدفع لحظة الوصول. يضيف عبد الصمد: ''تقيم معهم في بناية لمدة خمسة أيام حينما تصل، حيث تُجبر على دفع ثمن كل شيء: الطعام، الإقامة، وحتى سكونك. كل ما حولك أشبه بسلسلة من الأوامر، وحين ترفع رأسك، لا تجد إلا نظرات فارغة وناقصة. عيون تراقبك، الحركة مستحيلة في الداخل، هناك أربعة أشخاص يحرسون المكان وفي الخارج أيضاً، تفاديا لهروب المهاجرين.''
حينما تخون الصفقة أو تخالف قواعدها، تصبح رهينة لديهم، يتفاوضون عليك ويساومون مع عائلتك، ويتحول مصيرك إلى سلعة يتاجَر بها على الطاولة: ''كم مهاجر قطعت رجله أو أحد أطرافه الأخرى بسبب هذا الأمر''. يؤكد عبد الصمد.
السماسرة أذكياء جداً، شبكتهم عابرة للحدود، من الصعب تعقب أثرهم. يفسر لنا عبد الصمد، أن طريقة دفعه للمال مرت عبر شبكات مختلفة: ''أرسلت عائلتي المال لفتاة بالدار البيضاء، الأخيرة ترسلهم لمدينة الرباط، ومنها نحو تركيا، ومن تركيا إلى شخص مجهول الهوية''.
بين شمال المغرب وإسبانيا
الممر الحدودي بين الناظور ومليلية، ممر تاريخي للهجرة. منذ سنين إلى الآن، وتطورات الهجرة تتابع فيه، وعرف عدة تحولات مهمة بعد الهجرة التي كانت في السنوات الماضية، لأفارقة جنوب الصحراء بأعداد كثيرة، والذين كانوا يستوطنون الغابات القريبة من مليلية وخاصة غابة كوروكو، وإحدى جمعيات المجتمع المدني التي تتابع ملف الهجرة في هذا الممر، فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الناظور.
عمر الناجي مكلف بملف الهجرة واللجوء، في فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الناظور، يقول لرصيف22: ''حالياً لم تعد الهجرة نشطة في هذا المعبر الحدودي، بعدما أحرقت مخيمات المهاجرين في الغابات وتم طردهم منها من قبل السلطات. الآن توجهت هجرة أفارقة جنوب الصحراء، إلى الجنوب -عبر المدن الجنوبية - نحو جزر الكناري. لكن ما بقي الآن في ممر الهجرة بين الناظور ومليلة هي هجرة مغاربة عبر البحر إلى إسبانيا مباشرة أو مدينة مليلية المحتلة، عبر قنوات تخضع لتسيير شبكات الهجرة''.
وحول المبالغ التي تفرضها هذه الشبكات يقول: ''أثمان جد مرتفعة، تراوح ما بين 11 و 12 مليون سنتيم لكل فرد (من 11 إلى 12 ألف دولار)، نحو مليلية أو إسبانيا، وباستعمال في بعض الأحيان وسائل جد متطورة، كمراكب الفانتوم، التي كانت تستعمل من قبل شبكات تهريب المخدرات، على اعتبار أن الهجرة أصبحت جداً مربحة، فإذا كان القارب يحمل 50 إلى 60 شخصاً، تصبح مداخيل هذه الهجرة المؤدى عنها أكثر من مداخيل تجارة المخدرات''.
على حدود سبتة والناظور
وعن المعبر ما بين سبتة والناظور، يقول الناجي إن هناك ارتفاعاً في هجرة القاصرين المغاربة، حيث ينتشر الأطفال فيه بشكل دائم تحديداً في بني نصار والناظور، محاولين الهجرة بجميع الطرق، في بعض الأحيان بطرق خطيرة، سباحة أو الاختباء داخل المركبات من أجل الولوج إلى الميناء أو إلى مليلية، ولا يتعلق الأمر بالذكور فقط الذكور بل حتى الإناث.
عبدالصمد: "دفعت أنا ورفاقي 3 آلاف يورو للفرد، بعد وصولنا لليونان، وفي مقدونيا دفعت 500 يورو، وفي صربيا إلى النمسا 1000 يورو، وحين وصلنا إلى إيطاليا ساعدتنا إحدى جمعيات المجتمع المدني.''
يواصل الناجي حديثه: ''لاحظنا تعاملاً قاسياً، خاصة فيما يتعلق بالقاصرين المغاربة، إذ تطاردهم السلطات وتقوم بحملات عنيفة تجاههم خلال اعتقالهم وتوقيفهم داخل أماكن نعتبرها في الجمعية غير قانونية، كما هو الحال مع التوقيفات في مخافر خاصة في باشاويات بني النصار والمقاطعة الثالثة بالناظور. ومن هناك يتم ترحيلهم، مباشرة، دون حتى إخبار عائلاتهم في حافلات إلى الدار البيضاء، وهذا ما نعتبره في الجمعية خرقاً للقانون''.
ويتساءل: ''كيف يتم ترحيل قاصر دون إخبار عائلته؟ وكيف يتم ترحيله إلى الدار البيضاء علماً أن الكثير من القاصرين لا يسكنون فيها؟ من الممكن أن يسكنوا في وجدة. وفي ظروف احتجاز صعبة وقاسية، تصل إلى حرمانهم من الأكل، يتركون هناك بدون اية مساعدة''.
أين القانون؟
تَعتبر الجمعية المغربية غير الحكومية، الهجرة حقاً إنسانياً مكفولاً في المواثيق الدولية، كما يؤكد لنا المكلف بملف الهجرة واللجوء أن حق التنقل هو حق صادق عليه المغرب. يقول: ''نحن لا نسمي الهجرة سرية أو غير سرية، بل نتكلم عن هجرة غير نظامية، وفي الجمعية نعتبر أن الهجرة ستبقى لأنها حق، وطلب اللجوء كذلك حق من حقوق الإنسان''.
ويضعنا المتحدث أمام الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة موضحاً: ''هي تعبير من التعبيرات عن سياسة الإقصاء الموجودة وسياسة إغلاق الحدود، التي تنتهج في حق شبيبتنا، وسكان المغرب بصفة عامة، وسيرورتها نتاج للسياسات الاقتصادية أو الاجتماعية، الممارسة طوال السنين في المغرب، والتي أنتجت لنا جيلاً من الشباب والأطفال كذلك، يريدون مغادرة هذا الوطن، نحو أوروبا''.
ويضيف: ''منذ سنة 2016، لاحظنا أن شبكات الهجرة، بدأت تهتم بهذا المجال النشط، وهذا جاء نتيجة سياسات الهجرة المغربية الإسبانية التي أغلقت الحدود بصفة نهائية، وحتى فيما يخص الحدود مع مليلية، إذ تم بناء السياجات الأربعة، وبالتالي شبه مستحيل على المهاجرين الوصول لمدينة مليلية، علما أن الهجرة إلى مليلية كانت مجانية، كما لم تكن مميتة".
ثمن الهجرة
بعدما قامت السلطات المغربية ببناء السياجات، توجهت الهجرة إلى البحر، وفي سنة 2016، وقع تحول يصفه لنا عمر: "بعد إغلاق الحدود صارت الهجرة تتسبب بضحايا كثر وبارتفاع عدد الوفيات، وهي الحالات التي يستقبلها المستشفى الحسني بالناظور، خاصة بعد مجزرة المهاجرين باريو تشينو، في اليوم 24 من شهر حزيران/ يونيو سنة 2022 ، حين راح ضحيتها 27 مهاجراً، إضافة إلى 70 مفقوداً إلى حد الآن ما زلنا نبحث عنهم منذ تلك اللحظة، من بينهم طالبي اللجوء السودانيين''.
''ثمن الهجرة صار مرتفعاً جداً، وأصبحت فئات المهاجرين، غير محصورة بين الفقراء فقط، بل حتى الطبقات الوسطى، القادرة على أن تؤدي 12 إلى 11 مليون سنتيم، وليس كل من يغرق ويموت يتم انتشال جثته، في صفحة الجمعية، ننشر العديد من الأسماء لمهاجرين تبحث عنهم عائلاتهم''.
وينبه إلى أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، طالما دعت لاحترام القوانين المغربية أولاً، واحترام المواثيق الدولية التي صادق المغرب عليها، والتي تؤكد على الحق في التنقل والحق في طلب الحماية الدولية بالنسبة لطالبي اللجوء.
ويرى أن "المقاربة الإنسانية الحقوقية لهذه الظاهرة هي الحل الأمثل، إضافة إلى أن السياسات الأوروبية أساساً، فيما يخص التأشيرة يجب أن تجد حلاً، كي تصبح هذه التأشيرة ممكنة لأغلبية الذين يطلبونها، بعيداً عن سياسات إغلاق الحدود وبناء السياجات، التي لم تعط أي نتيجة، سواء في تقليص أعداد المهاجرين، أو في تقليص الضحايا''.
بدر... وسؤال الهجرة
من المدن الساحلية التي تحولت إلى محطة انطلاق مئات الأحلام، مدينة العيون، التي تقع على المحيط الأطلسي، إذ يتسلل إليها المهاجرون عبر البحر، كي يعبروا منها إلى إسبانيا، وأحد هؤلاء بدر، شاب مغربي، من نشطاء الحركة الطلابية، والحاصل على شهادة في الفلسفة من جامعة القاضي عياض. والذي يروي لرصيف22 قصته منذ وصوله سنة 2020 لإسبانيا.
بدأ كل شيء مع بدر، بسؤال من والدته له، بينما كان جالساً معها في البيت: "هل ستبقى أم ستهاجر؟" يقول بدر:"أجبتها ببساطة أني ليس عندي أي إشكال حيال الأمر، ثم نادتني والدتي شعيب وهو من أبناء المدينة، وقرر الخروج أيضاً في تلك الليلة، وكانوا في حاجة للركاب''.
ودع بدر والدته، واستقل سيارة سوداء فاخرة مع أشخاص مجهولين، الواضح أنهم من شبكات الهجرة، يقول بدر:''صرنا نتبادل الأحاديث، ونتعرف بعضنا على بعض، نبحث عن مشترك في أصولنا الصحراوية، أوشكنا على الدخول للعيون، ومعي ''جوج بريكات ونص''، أي 2500 دولار. قال لهم شعيب: "المال في حوزتكم. ظننت أن اللعبة احتيالية، ولكن أعرف شعيب جيدا".
لا يحشر شعيب أنفه في شيء يعلم أنه غير مضمون، دفع لهم بدر 2000 دولار، والـ500 دولار الأخرى أكد أنه سيدفعها حينما يصل. قبل السماسرة بالعرض، بعد أن أكد مجدداً أنه قريب لهم، وليس من مدينة بعيدة. أخبرتهم الشبكة أن يحجزوا فندقاً، حتى يتصلوا بهم.
يواصل بدر حديثه:'' نزلنا في العيون، مدينة يمكن أن تجد فيها جميع اللوازم من زعانف السباحة، إلى كل ما يمكن أن ينقذك أثناء الغرق"، ويصف بدر رحلته بالمجهولة: ''لا نعرف حقاً إن كنا سنصل أم لا؟".
لم يبق بدر ورفيقه خلال الأربعة أيام، التي قضوها في الفندق، مكتوفي الأيدي، بل أرادوا أن يشاركوا أنفسهم في صناعة أقدارهم، يقول: ''تفرغنا في الفندق لمراقبة الجو وحالة الطقس والبحر وأماكن الرادارات، كانت أربعة أيام استغرقناها في اكتشاف التطبيقات''.
"ألْمْنَزْلَة''، بلكنة صحراوية يلفظها بدر، وتعني في المناطق الصحراوية، ويقول ''حالة الطقس داخل البحر في تلك الساعة التي ستخرج فيها، ما بين الساعة والأخرى، وفي أي نقاط يكون البحر هائجا''، وبالرغم من أن بدر لا يعرف نقطة الخروج أين ستكون، إلا أنه على يقين أن لا مجال للخطأ مع تكنولوجيا التطبيقات. ويؤكد بدر أن الشيء الوحيد الذي يعرفه أنه سيخرج للبحر، مسترسلا: ''لو وجدت حالة الطقس غير مستقرة أو غير مناسبة في الوقت الذي سننطلق فيه، فإني سأرفض الرحلة، حتى لو دفعت المال".
في اليوم الخامس، جاء اتصال لبدر وشعيب، كي يخرجوا تلك الليلة، العديد من المقبلين على الهجرة، يرمقهم بدر يتمشون حاملين حقائبهم، كل واحد له سمساره الخاص وكل سمسار له زبائنه. واصلنا المسير، ونحن برفقة أحد السماسرة الذي كان برفقة ثلاثة مهاجرين آخرين، حتى وصلنا لبناية مهجورة، لا فراش فيها ولا شيء، بناية كان المهاجرين يلجؤون إليها، هناك من نزل فيها 15 يوماً، كما يوجد من نزل فيها 3 أشهر.
يتابع شرح المصطلحات التي تدور وسط الحريك أو الهجرة غير النظامية، أحدهم يقول: ''التبردة'' وتعني الذين أعادتهم السلطات، وهؤلاء لا يذهب مالهم، عليهم فقط انتظار استرجاع الحراك لرأس ماله، كي ينضم لمجموعة جديدة، هذا ما حدث معنا حين التحق بنا شخصين، باءت رحلتهم بالفشل".
سيارات مكدّسة بالمهاجرين
مع دخول بدر والمهاجرين للمنزل المهجور، بدأت 6 سيارات رباعيات الدفع، سوداء، زجاجها غير شفاف، تتوافد على المكان نفسه وتصطف: يقول بدر: ''أصبح المكان يتكدس بالمهاجرين، ولم تكن هذه السيارات تسير في الطريق العادية، بل في طريق وعرة، حتى وصلنا لنقطة الانطلاق. وهي عبارة عن مكان ساحلي يقع بين العيون وطرفاية، وهي منطقة ليست مراقبة وغير متوقعة الخروج منها''.
عليهم حمل الباتيرة Patera لأربعة كيلومترات، مع محركاتها ووقودها، وهي نوع من القوارب البدائية يستخدمه المهاجرون غير الشرعيين، ''هؤلاء الناس مافيا ويحفظون الطريق جيداً، ونحن داخل السيارات لا فكرة لدينا يصرح بدر عن مصيرنا، هل سنلقى حتفنا أم سنهاجر أم سنصير رهائن".
مع دخول بدر والمهاجرين للمنزل المهجور، بدأت 6 سيارات رباعيات الدفع، سوداء، زجاجها غير شفاف، تتوافد على المكان نفسه وتصطف، في مكان ساحلي يقع بين العيون وطرفاية، وهي منطقة ليست مراقبة وغير متوقع الخروج منها.
فرقة أخرى توافدت على خط المسير، تحمل الأسلحة البيضاء، وتحتفظ بالبنادق في سياراتهم الخاصة. أكدوا لهم أنهم فقط يؤمنون الطريق، كي لا يلتحق بهم شخص آخر، وبعد وصولهم لنقطة الانطلاق. أنزلوا الباتيرة، ومعها الوقود ومحركان: الأول من صنف 15، والثاني 25، وأخذوا في نفخها بالكهربائي.
الانطلاقة المشؤومة
يحكي بدر عن تلك الليلة الطويلة التي عاشها: "محركات الباتيرة وحدها تزن 80 كيلوغراماً، ونحن نسير في الرمال وتارة نصعد إحدى الجبال، كان العدد المخصص لكل باتيرة، والتي يكون طولها 8 أمتار، 60 مهاجراً''.
المهاجرون يدفعون الباتيرة داخل البحر، ويجرونها حتى لم تعد أقدامهم تلامس اليابسة وهم متمسكون بالحبال، يتذكر: '' كانت معنا ثلاث إناث، واحدة من الدار البيضاء، والثانية من الفقيه بن صالح، والثالثة صحراوية قادمة مع حبيبها بعد أن رفضت عائلتاهما زواجهما واضطرا للهرب معاً، ونحن على استعداد للانطلاق، إذا بنا نسمع صوت تنفس الباتيرة، الكل يصيح: يا جماعة إنها تتنفس "أي مثقوبة"، لنعد أدراجنا. وأغلبية الذين كانوا في المقدمة من الفقيه بنصالح وبني ملال''.
''عفط!" الكلمة الوحيدة التي يرددها بدر بلا توقف، ومعه بعض المجموعات. في معناها العربي، تعني ببساطة "إدهس" لكن في قواميس مثل هذه اللحظات فهي تشير إلى عدم التردد والتقدم للأمام، هذا ما فعلته هذه المجموعة، ومعها شحبت وجوه المجموعات الأخرى هلعاً، وأمام الثقب الحاصل في الباتيرة، لم يتردد 6 من بين 60 شخصا في النزول، وبقي الآخرون يصارعون موج البحر، الذي يهز الباتيرة كأنها لوح خشبي.
ما الذي يحدث في البحر؟
الحرّاك الذي يركب البحر، كالجندي المتوجه لساحة الحرب، كلاهما لا يعرف إن كان سيصل أو سيعود. يصور لنا بدر شعوره وهو على سطح البحر قائلاً: ’"كمثل بضاعة يتبادلها طرفان، شريط حياتي كله يمر أمامي، كشخص على حافة العدم، لا هو حي ولا ميت، وأتذكر معها لحظات الطفولة الجميلة".
يقول "أحسست بالطمأنينة حينما رافقنا أحد الدلافين، في تقاليدنا توحي هذه الرفقة على فأل خير للصياد، وبشرى جميلة له وهو ذاهب ليلتقط قوت يومه".
الواحدة ليلاً وسط البحر، والباتيرة تسبح في ظلام دامس، لا صوت يلوح في الافق غير ضوضاء المحرك وهمسات المهاجرين. أضواء المنارة تراقبنا بين الفينة والأخرى، لكنهم لا يقومون بشيء، كأن مسارنا قد اشتري مسبقاً: يضيف لنا بدر، لكن كان ممنوعاً على المهاجرين تشغيل هواتفهم، تحسباً لأي طارئ، يمكن أن يكشفه الرادار.
تتوارى اليابسة والجبال عن أنظارهم، كانت وجهتهم لانزاروت، وهي جزيرة تقع في أقصى شرق جزر الكناري، إلا أن البحر كان له رأي آخر في جرهم إلى اتجاه لاس بالماس، وهي العاصمة الثانية لجزر الكناري، كانت الساعة وقتئذ تشير إلى الساعة السابعة مساء، نام بدر قليلاً وبصعوبة، بعد أن أزعجته المسافة التي لا تتغير، بالرغم من تقدمهم. يقول: "الشخص الذي كان يقود الباتيرة، بحار محترف قادم من مدينة أسفي، كلنا ثقة فيه".
شتاء عام 2020
فجأة يقول بدر: "ظهرت لنا لانش، وهو قارب صغير، ظل يراقبنا إلى أن أتى زورق أكبر منه، وهو مخصص للـGuardia، وهم حرس البحر، اتجهوا نحونا بسرعة، وداروا حولنا دورتين، وهم يصوروننا، يريدون معرفة المكلف بالقيادة، ومنه يصلون للعصابة".
أسكتنا المحرك، وأمرونا باتباعهم، المهاجرون اتفقوا على كذبة واحدة، يتفق عليه جميع الحراكة، تقول: "سائق الباتيرة، أتى مع دراجة مائية حمراء، وعادوا في حال سبيلهم، والسائق كانت له حقيبة سوداء". على الجميع أن يقول ما تقوله الجماعة، أن تخرج من المعمعة معناه السقوط في ورطة حقيقية. ويصف لنا بدر فرحته وهو في المياه الإسبانية، قادماً إلى لانزاروت، فرحة أنسته ارتعاشة البرد، خصوصاً حين وجدوا منظمة الهلال الأحمر، تنتظرهم.
"نحن في زمن بدايات فيروس كورونا، لم تكن هذه المجموعة من الحراكة، الوحيدة من ركبت البحر، أدركنا بعد وصولنا أننا لسنا وحدنا، حين شاهدنا حافلات عديدة أخرى، كانت في انتظار مهاجرين أفارقة، كانوا خلفنا، وصلوا بعد لحظات من وصولنا".
"كأني ولدت من جديد"، يواصل بدر الحديث عن شعوره، وقدماه تلامس إسبانيا، واصفا إياها بأجمل الأيام التي يعيشها الحرّاك في بداياته. قدم لهم الهلال الاحمر كل ما يحتاجونه، كالملابس ولوازم النظافة، وهم في طوابير طويلة، كل ينتظر دوره في ركوب حافلات الحرس.
ويتذكر بدر الذي هاجر منذ 4 سنوات مضت، كيف يجتاز المهاجرون الاستجواب، مع مترجم عليك أن تتكلم معه بحذر شديد.
الوجهة: مدريد
غادر الحراكة بعدها في بواخر الحرس مدينة لانزاروت إلى لاس بالماس، التي استقبلتهم فيها جمعية أكسيم ACCEM، بعد أن تسلمتهم جمعية الهلال الأحمر، ثم تسلمتهم جمعية للاجئين والمهاجرين، التي تكون في الصفوف الأمامية في البحر، وهم مستعدون لنقل المهاجرين واللاجئين إلى مخيم، تحيطه أسوار عالية وشائكة، حيث كل خيمة فيه تتسع لـ30 لاجئاً ولاجئة.
يكمل: "الشرط الوحيد الذي كان عند جمعية أكسيم، أن تبقى في المخيم ما لا يقل عن 3 أشهر، والجمعية هي من تتكلف بنقلك إلى إسبانيا، لكن أغلب المهاجرين يغادرون"، وأحدهم بدر الذي بقي 15 يوماً في المخيم، بعد دخوله في مشاحنات مع المكلفين به يقول: "كانوا يتعاملون معنا بعنصرية واستعلاء". لتقله بعدها الجمعية إلى إسبانيا، على متن الطائرة.
يصف بدر فرحته بعد وصوله المياه الإسبانية قادماً إلى لانزاروت، بأنها فرحة أنسته ارتعاشة البرد، خصوصاً حين وجدوا منظمة الهلال الأحمر، تنتظرهم.
"كان خيلراً سيئاً وخاطئاً للغاية"، يقول بدر: "حين خيروني بين قرطبة وفالنسيا، اخترت الاخيرة، ثم التقيت هناك بأشخاص سيئين جداً، لكني بقيت مع الجمعية حتى وفرت لنفسي عملاً". وانتقل بعد فترة وجيزة إلى مدريد.
لم يتبق لبدر غير طريق واحد فقطـ، أن يحصل على أوراق الإقامة، لكن عليه أولاً أن يجد من يساعده كي يحصل على شهادة السكن، يقول: "يتم شراؤها أحياناً بـ300 يورو، لكني تدبرت أمري، فعلى المهاجر ألا تكون لديه أية سوابق‘‘.
ويختم بدر قصة هجرته: "الحياة هنا صعبة في الجانب المتعلق بأوراق الإقامة، ولكن سهلة للعيش فيها".
يصنف تقرير المنظمة الدولية للهجرة لسنة 2024، شمال إفريقيا نقطة لآلاف المهاجرين على طول غرب ووسط البحر الأبيض المتوسط، ويعتبرها الطرق الأكثر فتكاً على مستوى العالم، حيث توفي أو اختفى أكثر من 20 ألف مهاجر على طول هذا الطريق بين عامي 2014 و 2022، يقول التقرير.
ويسجل نفس التقرير الانتهاكات الإنسانية والحقوقية للمهاجرين في هذه الرحلات، من بينها المعابر الحدودية التي غالباً ما تحدث فيها الهجرة، سواء التي تربط المغرب والجزائر بإسبانيا، أو طريق غرب أفريقيا الأطلسي، أي البلدان الساحلية في غرب أفريقيا والمغرب إلى جزر الكناري.
في عام 2022 وحده، تم تسجيل ما يقارب 2800 حالة وفاة واختفاء، على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، وطريق غرب أفريقيا الأطلسي، وطريق غرب البحر الأبيض المتوسط وطرق أخرى في غرب ووسط أفريقيا.
وبحسب التقرير فإنه بسبب محدودية عمليات البحث والإنقاذ، من المحتمل جداً أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع، إذ يشكل طريق غرب إفريقيا الأطلسي خطراً كبيراً بسبب طول الرحلة، حيث يكون المهاجرون في الغالب عالقين في البحر لفترات طويلة على متن قوارب غير ملائمة، كما تفتقر مناطق المحيط الأطلسي إلى عمليات إنقاذ مخصصة.
في عام 2022 وصل أكثر من 29 ألف مهاجر من غرب ووسط إفريقيا إلى أوروبا على طول هذه الطرق، 58% إلى إيطاليا، و17% إلى إسبانيا، بينما يصل 21% إلى قبرص ومالطة، أما اليونان فيصلها 4% فقط.
أقدام صغيرة تائهة
بحسب المنظمة الدولية للهجرة للمغرب، يفيد تقرير لها للسنة الجارية 2024، فقد هاجر من المغرب في عام 2020 حوالي 106 آلاف مهاجر دولي، بمن فيهم المهاجرون غير النظاميين والنظاميون وطالبو اللجوء.
ويشير التقرير إلى أن معظم الأطفال الذين وصلوا إلى إسبانيا في عام 2020 جاؤوا من المغرب ومالي والجزائر والسنغال.
وفي نيسان/ أبريل 2022 حددت المنظمة الدولية للهجرة في المغرب ما يقارب 7264 طفلاً غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم، 70% منهم أتوا من 6 مدن مغربية، مع الإشارة إلى أن الأطفال والمهاجرين هم الفئة الأكثر عرضة لأشكال الجريمة والاتجار والعنف والاستغلال والعزلة.
وحسب تقرير اللجنة الوطنية لتنسيق تدابير مكافحة ومنع الاتجار بالبشر، الذي نشر عام 2020، شهد المغرب ارتفاعاً في حالات الاتجار بالبشر زادت سنة 2018 لـ200%.
ووفق التقرير نفسه يمثل القاصرون ذكوراً كانوا أو إناثاً، نسبة مرتفعة وصلت إلى 47.41% من إجمالي الضحايا خلال السنوات الماضية.
وكشف تقرير منجزات وزارة الداخلية المغربية 2024 أن الجهات المعنية بمحاربة شبكات تهريب المهاجرين، تمكنت في الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية 2024، من تفكيك 210 شبكات إجرامية، وإحباط قرابة 49 ألف محاولة لتهريب المهاجرين.
وأضاف التقرير أن البحرية الملكية المغربية، تمكنت خلال الفترة نفسها من السنة الجارية من إنقاذ 14 ألفاً و260 شخصاً من الغرق من جنسيات مختلفة، وذلك أثناء محاولتهم العبور خلسة عبر القوارب نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
خلف هذه الحكايات، جراح لا ترويها الأرقام أو الإحصائيات، بل تروى على وجوه مهاجرين مغاربة، كل وجه يبحث عن نفسه في بلاد لا تملك له ضمانات، سوى لحظات الانتظار القاتلة، فالهجرة لا تقتصر فقط على مجرد انتقال جغرافي أو عبور حدود بين بلد وآخر، بل هي لحظات الانتزاع من الواقع الثقيل، ووجهة مجهولة تمنح بعض الأمل لمن يغامرون فيها.
ياسين وعبد الصمد وبدر وآلاف غيرهم، يعبرون من حلم إلى حلم، وهم يحملون في جيوبهم وقلوبهم ما لا يرى: آمال مشروعة فقدت تحت وطأة واقع مرير. وفيما تقيم الدول الجدران والأسلاك الشائكة، يواصل هؤلاء الحالمون الرحلة. فهم لا يبحثون عن الحلم الأوروبي، بل عن معنى جديد لحياة لم يعد فيها ما يحتمل.
وإن اختلفت المسافات أثناء الوصول إلى ضفاف البحر أو أطراف الجبال أو الغابات، أو حتى إلى قاعات المحاكم في بلاد ما وراء الحدود، لا يخفى على أحد أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم: حلم وطريق واحد. ربما في نهاية المطاف يعود كل مهاجر إلى جدرانه وأرضه، لكن ليس كما كان. فالرحلة تترك في الروح أثراً عميقاً، لأن الهجرة ليست مجرد انتقال جسدي، بقدر ما هي رحلة داخل الذات، وتنقل يجعل من كل نقطة وصول بداية جديدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه