شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أولئك الذين

أولئك الذين "طاردوا خيطَ دخان"… ماذا يروي الشباب المغربي عن الهجرة والمطاردة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"الوطن ليس هنا"؛ لم أجد غير هذه العبارة لبدء الحديث، وهي عنوان لرواية الكاتب المغربي مراد الضفري. "الوطن ليس هنا، بل خلف البحر حيث هناك أفق أرحب". كان هذا حديث شبان تركوا خلفهم أمهاتهم وأوطانهم بحثاً عن محاولة عيش أخرى.

في ظل واقعٍ مرير، وفي صراعٍ بلا هوادة مع البطالة واليأس، وجد الشباب المغاربة أنفسهم عالقين بين ضفتي الأمل والخيبة. كان البحر هو السبيل الوحيد الذي ظنوا أنه سينقلهم إلى حياةٍ أفضل، لكنه تحول إلى مشهدٍ مليء بالمخاطر والمطاردات. قصصٌ من الكفاح اليومي، تروى على الشواطئ وفي الأزقة الضيقة، حيث تحطمت أحلام الهروب أمام جدران الواقع التي يصعب تجاوزها.

عشرون قصة بؤس ونهاية يائسة

رضوان (اسم مستعار) شاب قررَّ الهجرة وتلبية نداء 15 من أيلول/سبتمبر 2024. لم يكن مروان يدرك أن ليلة 15 أيلول/سبتمبر 2024 ستكون ليلة "المحاولات اليائسة". كانت الأيام عنده تمر بطيئة ومتشابهة. البطالة كانت تثقل كاهله كحجرٍ على صدره، وبدأت فكرة الهجرة تتغلغل في عقله، لكنها كانت حلماً بعيد المنال لعدم حصوله على مبلغ يسمح له بالهجرة، حتى انتشر هاشتاغ "الهجرة الجماعية" على الفيسبوك.

في صراعٍ بلا هوادة مع البطالة واليأس، وجد الشباب المغاربة أنفسهم عالقين بين ضفتي الأمل والخيبة. كان البحر هو السبيل الوحيد الذي ظنوا أنه سينقلهم إلى حياةٍ أفضل، لكنه تحول إلى مشهدٍ مليء بالمخاطر والمطاردات 

"عندما رأيت المنشورات تتزايد، شعرت وكأن هناك طريقاً للخلاص"، يقول مروان في حديث لرصيف22: "لم تكن مجرد دعوات ومقاطع فيديو عبر الفيسبوك، بل كانت دعوة للفرار من واقع مرير وبشكل مجاني".

في تلك الليلة، قرر مروان تلبية النداء. جمع حقيبته البسيطة، ومضى إلى حلمه. "لم أكن أعلم إلى أين ستأخذني قدماي، لكني كنت واثقاً أنني سأصل إلى سبتة". وصل مروان إلى الفنيدق، حيث تجمعت الحشود في الظلام، قلوبهم مفعمة بالأمل والخوف. لكن الأمور لم تسِر كما كان يعتقد.

الشباب المهاجرون

"شاهدت أعين القوات الأمنية تراقبنا من كل زاوية. كنا مثل الطيور المحاصرة في شبكة، نحاول الهرب في كل اتجاه". يروي مروان لحظات الليلة الأولى وكأنها مشهد من فيلم سينمائي: "عندما رأيت الشرطة تقترب، أدركت أن النهاية قريبة. لكن الهروب كان الخيار الوحيد".

بجسده النحيل، حاول مروان الهرب عبر الأزقة الضيقة، مستغلاً الظلام: "سمعت صرخات خلفي، وقلبي كان يخفق بسرعة لم أشعر بها من قبل. لم يكن هناك مجال للتفكير، كان عليَّ الركض فقط". انتهت تلك الليلة بهربه وسطَ الغابة وتوفيق مئات الشباب الآخرين، ولم يصل إلى سبتة ليعرف في النهاية أنه كان "يُطارد خيط دخان".

الهجرة: امتداد في التاريخ وبؤس في الحاضر

عاد الهدوء تدريجياً إلى الفنيدق، وعاد الاستقرار قليلاً، غير أن الأسئلة العالقة حول الهجرة والهروب من الوطن لا تزال عالقة لدى كل من تابع هذه الأحداث.

إيمان بلامين، صحافية متخصصة في قضايا الهجرة، واحدة من الصحافيات اللواتي تابعن هذا الحدث، كما أنها اشتغلت على ملفات الهجرات، تقول إيمان في حديث لرصيف22 إن المغرب كان دائماً أرضاً للهجرة، والهجرة جزء لا يتجزأ من تاريخه.

حسب المتحدثة، فإن الهجرة تُغَطى في وسائل الإعلام غالباً من زاوية الهجرات الأجنبية، بينما تُهمل قضايا ذات أهمية كبيرة، مثل المغاربة المفقودين في البحر والمغاربة المرشحين للهجرة غير النظامية.

وفي الحقيقة موضوع الهجرة في المغرب يحتل مكانة هامة في النقاش العمومي، خاصة في ما يتعلق بالهجرات إلى المغرب، وإشكالية المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء وغيرها. وقد وثّقت إيمان مراراً وتكراراً محاولات الهجرة على الحدود مع إسبانيا.

محاولات الهجرة من قبل المغاربة لم تتوقف أبداً، ولكنها لم تكن بهذا الحجم الكبير في الماضي. ومع ذلك، تظهر التقارير المتعلقة بالهجرة أن هناك دائماً شباباً يسعون لتحسين ظروفهم، يخاطرون بحياتهم للوصول إلى "الجنة الأوروبية"، كما يسمونها. أرقام المهاجرين المفقودين في البحر، على سبيل المثال، هي أحد الدلائل على ذلك، حيث لا يزال المغرب يتصدر قائمة دول شمال إفريقيا من حيث نسبة المفقودين أو الموتى في البحر.

تضيف إيمان بلامين: "هذه الإشكالية ناتجة عن سياسات اقتصادية ومشكلات هيكلية تدفع الراغبين في الهجرة إلى تبني خطاب وحيد، وهو إنقاذ الأسرة من البطالة وإعالتها لتلبية أبسط احتياجاتها".

الشباب المهاجرون

حسب المتحدثة، يتضح اليوم أننا أمام مغربَين يسيران بسرعتين مختلفتين؛ أحدهما يسير بسرعة جيدة وهو المركز، العاصمة واستعدادات المونديال، بينما يسير الهامش بسرعة أخرى، وربما هو الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.

بعد تجربة عسيرة في تغطية أحداث الفنيدق تقول المتحدثة: "عندما يصبح الوطن سجناً يريد أبناؤه الهروب منه، فهذا يعكس وضعاً صعباً: شباب يائس وواقع محبط. في الوقت الذي يجب أن يكون الطفل أو الشاب في المدرسة، نجده قد عقد العزم على الهروب بأي وسيلة كانت". هذا نتيجة لقلة فرص العمل، غلاء الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة. كلُّ هذه الأسباب وغيرها تدفع الشباب للهجرة دون التفكير في العواقب، وهو ما وثقته إيمان بلامين ميدانياً. والأخطر من ذلك وفق حديثها، أن هذه المحاولات ليست كالسابقات عبر الزوارق وغيرها، فنحن أمام محاولة دخول سبتة بأي وسيلة دون التفكير في النتائج.

تورد إيمان في حديثها أن الحكومة المغربية تبحر في قارب آخر غير الذي نبحر فيه نحن، وتستمر في صمتها، وتتناقض مع خطاب اليأس المتسرب للشباب الذي أصبح اليوم ضحية للسياسات العامة التي تنتهجها الحكومة المغربية.

إدانة حقوقية ومُساءلات سياسية

المتحدثة شددت على أنَّ هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على الحدود، وهو ما وثقته من خلال عملها على قضايا الهجرة بشكل موسع. تقول إيمان: "نحن أمام انتهاكات من كلا الجانبين، وغالباً ما يكون ضحيتها شباب وأطفال، مما يتطلب دق ناقوس الخطر ووقف الترحيلات القسرية للقاصرين لحمايتهم في هذه المناطق الحدودية، خاصة وأن جزءاً كبيراً منهم هم أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و14 عاماً".

في هذا السياق، دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب (وهو مؤسسة رسمية مغربية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، تأسست سنة 1990) ضحايا الانتهاكات خلال الأحداث الأخيرة إلى التواصل معه، كما دعا في بلاغ له "من كانوا موضوع انتهاك لحق من حقوقهم، للتواصل مع المجلس، وذلك من أجل الاستماع إليهم في سياق التحريات التي يباشرها مركزياً أو جهوياً".

تظل قصص هؤلاء الشباب شاهدة على صراع بلا هوادة مع واقع قاسٍ، وأحلام لا تزال عالقة بين أمواج البحر وجدران الوطن. فبينما يتبدد الأمل في كل محاولة للهروب، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا النضال غير المعلن؟

وكانت إطارات حقوقية وسياسية وحزبية قد عبرت عن استيائها من الوضع في الفنيدق، وكذلك تعامل السلطات مع المهاجرين. فيما طالبت النائبة البرلمانية عن حزب فدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، الحكومةَ المغربية بتوضيح التدابير التي تعتزم الحكومة اتخاذها لإنقاذ الشباب الذين حاولوا الهجرة.

إشكالات سوسيواقتصادية وأزمات بنيوية

يشرح صلاح المعيزي، وهو صحافي وباحث متخصص في الهجرة وقضايا اللجوء وحقوق الانسان لرصيف22 أن الصورة لم تتضح بعد، ولا يُمكن تقديم تفسير شامل لما وقع في الفنيدق.

ويورد الباحث: "إننا أمام معطيات محلية وجزئية، وإغلاق معبري الفنيدق وبني أنصار (مدينة حدودية مُتاخمة لمدينة مليلية)، وتغيير شروط الدخول بالنسبة لسكان المدينتين منذ 2016، ثم منع التهريب المعيشي للساكنة التي تعيش على التبضع من السلع الإسبانية".

يربط الصحافي والباحث بين إغلاق المعبر الحدودي، ومنع التهريب، والسخط الشعبي المحلي والإقليمي أمام الغليان الذي شهدته المنطقة خلال الأيام الماضية. يقول المتحدث: "المدينة عاشت صدمة اقتصادية واجتماعية، وفي ظرف وجيز وجدت المدينة نفسها بدون أي بديل اقتصادي وفي ظل استمرار إغلاق معبر سبتة المعيل الوحيد للساكنين".

حسب المتحدث، فقد شهدت المدينةُ ذاتها، سنة 2022 . احتجاجَ مجموعة من النساء على خلفية استمرار إغلاق المعبر الحدودي مع سبتة، وضدّ التهميش والإقصاء الذي تعاني منه المدينة.

المهاجرون والشرطة في سبتة

يقول المعيزي: "المغرب اليوم سقط في هذا الوضع الشائك، ولا أعتقد أنَّ ما حدث كان بإيعاز من الدولة، والواقع أن الأمر تحصيل حاصل لواقع مرير. وهذا في ظل العلاقات المغربية الإسبانية الجيدة".

بالعودة إلى سنة 2021 فقد استطاع عدد من الشباب دخول إسبانيا والبحث عن مورد للاستقرار، وهو ما زاد من حدة الرغبة في الهجرة، غير أن المحاولات كانت بعضها يائسة، مما يعمق الجراح لدى الكثيرين.

يقول المعيزي: "يحضُر العامل الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب العامل الإعلامي من خلال الدعوات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تدعو للهجرة في يوم موحد. هذه المحاولات ولدت رغبة لدى الشباب المغربي في الهجرة وهو ما تُرجم يوم 15 أيلول/سبتمبر الجاري".

وفق المتحدث فهاته الفئة هي من الشباب هي من ضمن الطبقات المُفقرة من بينهم شباب وبعضهم قاصرون، القاسم المشترك أنهم أبناء الهامش الذين لا قدرة لهم على سلك سبل أخرى للهجرة غير هذا السبيل المجاني.

هكذا، تظل قصص هؤلاء الشباب شاهدة على صراع بلا هوادة مع واقع قاسٍ، وأحلام لا تزال عالقة بين أمواج البحر وجدران الوطن. فبينما يتبدد الأمل في كل محاولة للهروب، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا النضال غير المعلن؟


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image