شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ثمن السلام في سوريا ومع سوريا

ثمن السلام في سوريا ومع سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الثلاثاء 10 ديسمبر 202412:36 م

وصل بشار الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو، ووصل أبو محمد الجولاني إلى العاصمة السورية دمشق. الأول لم يتحدث للإعلام ولم يظهر أمام الكاميرات ولا حتى أمام الناس، وترك لرئيس وزرائه، محمد غازي الجلالي، ليصرّح لوسائل الإعلام بما معناه، أن الرئيس فضّل ترك البلاد للفوضى، كما ترك لسفير النظام في موسكو بشار الجعفري، أن يتجاوزه تماماً، وأن يصرّح بلغة لافتة، بأن "فرار رأس هذه المنظومة بهذا الشكل البائس والمهين تحت جنح الظلام وبعيداً عن الإحساس بالمسؤولية الوطنية، يؤكد صوابية التغيير والأمل بفجر جديد".

الثاني، أي الجولاني، وبعد تصريحات عديدة لوسائل الإعلام قبل وصوله إلى دمشق، تصريحات مضمونها ولغتها مبشرين تجاه كافة مكونات الشعب السوري، الدينية والإثنية، وتجاه فكرة الدولة المدنية الحديثة، بعد كل هذه التصريحات، قرّر الوقوف أمام الناس في دمشق وتوجيه حديثه إليهم وجهاً لوجه.

لم يقف الجولاني في ساحة الأمويين، أو ساحة السبع بحرات أو المرجة أو باب توما، بل ذهب إلى المسجد الأموي وألقى "خطبته" الأولى، أو الافتتاحية إن صحّ التعبير، وبهذا فقد قرّر اختيار مستمعيه سلفاً. هؤلاء المستمعون هم من المسلمين السنّة تحديداً، ومن المصلّين بتحديد أكثر، وربما يمكننا القول بشيء من المجاز الساخر: اختارهم من الأمويين في مقابل العلويين والشيعة.

وصل بشار الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو، ووصل أبو محمد الجولاني إلى العاصمة السورية دمشق. الأول لم يتحدث للإعلام، والثاني ألقى خطبته الأولى أمام الناس في جامع الأمويين!

بالإضافة إلى الملاحظة المتعلقة بالمكان، يمكننا الانتباه إلى ملاحظتين تم التطرّق إليهما وتحليلهما جيداً خلال اليومين السابقين من قبل وسائل الإعلام، وهما: اللغة المستندة إلى فكرة الجهاد، أي وصف هذا الانتصار بلغة ومفاهيم جهادية، وليس بلغة سياسية. أما الثانية فهي اعتبار هذا الانتصار كمنجز للأمة الإسلامية وليس للشعب السوري. نضيف إلى هذا، اختيار الجولاني للسيد محمد بشير، وهو مدير سابق للتعليم الشرعي في الأوقاف السورية، رئيساً للحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، حيث إن هذا الاختيار لم يخرج من إطار الفكر الإخواني الذي ينتمي إليه، أو تخرّج من تحت عباءته الجولاني وحركته.

ولا يجب أن يغيب عنا هنا، وذلك من أجل بناء وجهة نظر متكاملة، البيان الذي أصدرته حماس بشكل يتناقض مع كل منطق التحالفات السابقة لها مع نظام الأسد والإيرانيين، حيث أكّدت فيه على "احترام الشعب السوري واستقلاله وخياراته السياسية"، متجاهلة بذلك موقعها ضمن محور للمقاومة مُشكل ومُدار ومدعوم أساساً من أولئك الذين انتفض الشعب السوري على وجودهم على أراضيه.

في حين ترحّب إسرائيل بزوال عدو تقليدي لها في سوريا، فإنها تعلن الحرب على هذا القادم الجديد قبل أن يعلن عن نواياه تجاهها

ما سبق هو زاوية من زوايا الصورة المتشكّلة أو التي في طور التشكّل، وللإنصاف ليس هو الزاوية الوحيدة، فالجولاني وعَد، مع بداية الأحداث، أنه سيحلّ هيئة تحرير الشام وسينقل السلطة إلى جهة مدنية، وهو أرسل رسائل تطمين لكل الأقليات السورية، ورسائل مشابهة إلى دول الجوار، ماداً يده للتعاون. من جانب آخر، فإن دولاً عديدة، على رأسها إنجلترا والولايات المتحدة، وعدت بالنظر الجدي في إمكانية إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة الحركات الإرهابية، وأخيراً لا يمكن عدم تثمين النيّة المُصرّح عنها بالذهاب إلى عفو عام ومصالحة وطنية.

ليس من باب الحكمة التسرّع والبناء على هذه الزاوية أو تلك، لاستنتاج ما قد تكون عليه سوريا الجديدة، خاصة وأن أربعة أيام ليست وقتاً كافياً لتشكيل أرضية صالحة للتحليل. لذلك لا بد من الخروج من سوريا والابتعاد قليلاً لرؤية المشهد من كافة زواياه، أو معظمها المؤثر على الأقل، خاصة وأنه في عالم اليوم لا يُعتبر العامل الذاتي حاسماً لتوجيه دفة الأمور نحو هذا الاتجاه أو نقيضه. أعني أن رغبة هيئة تحرير الشام أو نواياها، أو حتى إرادة الشعب السوري وتصميمه، لا تستطيع لوحدها أن توجه الدفة السياسية حسب الآمال المرجوة، إن لم تتضافر وتتوافق جهود اللاعبين الإقليميين والعالميين، أو على الأقل الحصول على دعمهم وموافقتهم.
لنبدأ باللاعبين الإقليميين حسب الأهمية تصاعدياً، وهذه وجهة نظر شخصية صرفة؛ فتركيا هي الداعم الأساس، أو الظاهر لنا على الأقل، لهيئة تحرير الشام، وكان أحد تصريحاتها متطابقاً مع التصريح الأول لقادة الهيئة، وهو العمل على إعادة اللاجئين السوريين في تركيا والنازحين في المنطقة العازلة إلى بيوتهم. لا شك أن هذا الهدف يستحق الجهد والدعم، لكن ألهذا تقوم تركيا بالدعم والمساندة بالمال والسلاح؟ وما هو الثمن الذي ستقبضه فيما يخصّ قوات سوريا الديمقراطية، والحلم الأزلي بقيام دولة أو كيان مستقل للأكراد، وما هو الثمن المتوخّى كلاعب إقليمي وحليف أول للسعودية بما تمثله من ثقل عربي؟ وما هو الثمن عند الأمريكان كقوة عظمى؟

اللاعب الروسي يبيع ويشتري، فقد يبيع في سوريا إن أصبحت قضية خاسرة، ولا أقصد أن النظام السوري نفسه أصبح قضية خاسرة بالنسبة للروس، بل سوريا "قلم قايم" كموقع استراتيجي في الخط الذي ذكرناه في المقال السابق. أقصد بهذا أنه إن شعرت روسيا أن اللاعب الثالث، وهو إيران، يخسر وقد يذهب للتحجيم أو للتطبيع، فما قيمة سوريا على خط تجاري ليس له أهمية في تجارة المستقبل بين أوروبا وآسيا؟ لذلك فهي ستشتري في أوكرانيا مقابل سلعة خاسرة في الشرق الأوسط.

خلال يومين تم تدمير 250 هدفاً على كامل أراضي سوريا، وقامت آليات الجيش الإسرائيلي باحتلال قمة حرمون في جبل الشيخ وكافة أراضي المنطقة العازلة، بل وزيادة عليها، وهو ما يشكل 5% من مجمل أراضي سوريا
إيران، ومنذ "اغتيال" رئيسها السابق إبراهيم رئيسي، وهندسة وصول رئيس إصلاحي إلى سدة الحكم، لا تفعل إلا محاولة الانخراط في العالم الغربي بمقايضات عبر أوراق قوية في غزة ولبنان وسوريا، لكن غزة تم مسحها، ولبنان خرج من يدها تماماً، وسوريا كطريق نحو حزب الله أغلقت، ولم يبق لها إلا محاولات بائسة للوزير عراقجي من خلال جولات مكوكية لا تنتهي، وهي تعلم أنها خسرت تماماً. الفرق بينها وبين روسيا هو أن الثانية لديها ما تشتريه كبضاعة بديلة، أما إيران فليس أمامها إلا محاولات تقليل الخسارة قدر الإمكان.

إسرائيل لاعب لا يتورّع عن استخدام كل ما لديه من أوراق، بما فيها الدم والنار. ففي حين ترحّب بزوال عدو تقليدي لها في سوريا وتمد يدها للسلام مع القادم الجديد، فإنها تعلن الحرب على هذا القادم الجديد قبل أن يعلن عن نواياه تجاهها، وهذا ليس صدفة أو ارتجالاً على كل حال. لقد بدأ الطيران والمدفعية الإسرائيليين بتجريد سوريا المستقبلية من كافة مخزونها التسليحي، فخلال يومين تم تدمير 250 هدفاً على كامل أراضي سوريا، وقامت آليات الجيش الإسرائيلي باحتلال قمة حرمون في جبل الشيخ وكافة أراضي المنطقة العازلة، بل وزيادة عليها، وهو ما يشكل 5% من مجمل أراضي سوريا.

ترافق ذلك مع تصريحات لنتنياهو ليست بريئة ولا من باب صدفة هي الأخرى، حيث قال "إن (كامل) هضبة الجولان ستبقى إسرائيلية إلى الأبد"، ثم توجه بالشكر إلى "صديقه" ترامب الذي وافق على الاعتراف بالجولان كجزء من السيادة الإسرائيلية. فقط أريد التأكيد أن كلمة "كامل" يتم استخدامها لأول مرة من قبل مسؤول إسرائيلي في معرض الحديث عن الجولان المحتل وغير المحتل.

هل هذا هو ثمن السلام في سوريا قبل أن يكون مع سوريا؟ أرجح ذلك. وهذا ما سيقودنا إلى اللاعب الأساس وهو الولايات المتحدة، وما الذي يريده. نستكمل في المقال القادم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image