شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هل تغيّرات الدماغ خلال الحمل حقيقة علمية أم مجرد أوهام؟

هل تغيّرات الدماغ خلال الحمل حقيقة علمية أم مجرد أوهام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 16 يناير 202510:24 ص

تترافق كلمة الحمل ذهنياً مع عدد من الأعراض الجسدية الشائعة، مثل الوهن، الغثيان، والابتعاد عن بعض الأطعمة واشتهاء أخرى بشدة، غير أن هناك أعراضاً أخرى لا يتم الحديث عنها على نطاق واسع، برغم أنها تحدث لنسبة كبيرة جداً من الأمهات، من أبرزها صعوبة التركيز والنسيان المتكرر وشرود الذهن.

هذا التغييب المتعمد في الكثير من الأحيان لأعراض الحمل والولادة، هو نتاج مزيج من إهمال الدراسات الطبية على النساء بشكل عام، والحوامل بشكل خاص، بالإضافة إلى عدم تصديق النساء عندما يصرّحن بهذه الأعراض، لكن مؤخراً نُشِرَتْ دراسات حديثة عدة ألقت الضوء على تغيّرات المخّ خلال فترة الحمل، لتثبت أنها ليست مجرد أوهام أو كما يشاع "دلال حوامل".

"فقدت قدرتي على التركيز"

تتحدث الكاتبة والصحافية إنجي إبراهيم، عن تأثير الحمل عليها من الناحية الذهنية، وهو التأثير الذي تفاقم لدرجة دفعتها إلى التوقف عن الكتابة. تقول لرصيف22: "أول ما واجهت من أعراض خلال حملي في طفلي الأول، كانت مصاعب في الكتابة للمرة الأولى في حياتي. القراءة والكتابة هما أكثر شيئين أجيد عملهما في هذا العالم. بدأت بكتابة الكلمات خطأ، وكنت أعرف أنها خطأ، لكن لم أكن أملك التركيز الكافي لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها، وبعد الولادة حرصت على تناول المكملات الغذائية، وتحسنت صحياً وتجاوزت مشكلات التركيز، ثم حملت مرةً ثانيةً ليبدأ فصل جديد في حياتي مع اضطرابات النوم وقلة التركيز إلى درجة عجزت معها حتى عن تذكّر تناول المكملات الغذائية".

تترافق كلمة الحمل ذهنياً مع عدد من الأعراض الجسدية الشائعة، مثل الوهن، الغثيان، والابتعاد عن بعض الأطعمة واشتهاء أخرى بشدة، غير أن هناك أعراضاً أخرى لا يتم الحديث عنها على نطاق واسع، من أبرزها صعوبة التركيز والنسيان المتكرر وشرود الذهن

امتدت تأثيرات الحمل حتى اضطرت إنجي إلى التوقف عن الكتابة: "توقفت عن العمل وأنا في الشهر الثالث من الحمل بابني الثاني، عندما فقدت قدرتي على الكتابة والتركيز والبحث".

بدورها، تتحدث مها الديب، وهي مصوّرة، عن ضعف تركيزها خلال الحمل: "زوجي اعتاد على رفض مناقشتي خلال الحمل، وعنده حق، فكفاءة ذاكرتي وانتباهي تختلف تماماً خلال هذه الفترة".

وتضيف لرصيف22: "تحسّن الوضع بعد الولادة، لكن لم أعد إلى حالتي الأولى قط، لأن تركيزي مع الطفل جعلني أتوقف عن التفكير في أي شيء سواه، وتملكني شعور بأن كل طفل يسلبك جزءاً من ذاكرتك ومخك وذكائك مثلما يأخذ من جسدك".

في السياق نفسه، عانت مريم مصطفى (اسم مستعار)، من الأمر نفسه مع الذاكرة الضعيفة: "قلّت مستويات التركيز والذاكرة والرغبة الجنسية لدي خلال الحمل، وتفاقم الوضع مع الولادة وقلة النوم بعدها، واستمر لمدة عام تقريباً، وكان أشدّ وضوحاً مع طفلي الأول لأنه ترافق مع أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، بينما في الطفل الثاني تكررت الأعراض نفسها إنما بصورة أقل حدّةً".

وتتابع: "على الرغم من معرفتي بأن ذلك نتيجة للحمل والولادة، إلا أن هذا لم يخفف من وطأة الموضوع عليّ، أو يجعلني أتعامل معه بشكل طبيعي وأتصالح معه".

أجمعت هؤلاء النساء على أن فقدان التركيز وشرود الذهن والنسيان، كانت أعراضاً مزعجةً للغاية خلال حملهنّ، ما أدى إلى تغييرات كبيرة في مسار حياتهنّ مثل ترك العمل أو الشعور بأن الحمل يسلب المرأة جزءاً من عقلها، ولم يعرفن إلا مؤخراً أن مثل هذه العوارض مثبتة علمياً وهي جزء طبيعي من الحمل.

خريطة المخّ أثبتت تغيّره خلال الحمل

تكشف دراسة صدرت مؤخراً، وأشرفت عليها الطبيبة إيملي جاكوبس، وهي عالمة أعصاب من جامعة كاليفورنيا قامت خلالها مع زملائها برسم خريطة لمخ امرأة حامل استناداً إلى 26 فحصاً لدماغ امرأة تبلغ من العمر 38 عاماً خلال حملها، التغييرات في المناطق المرتبطة بالتواصل الاجتماعي والمعالجة العاطفية، والتي استمر بعضها لمدة عامين بعد الولادة.

وفي حين أن التغييرات الجسدية الهائلة في الجسم في أثناء الحمل معروفة جيداً، إنما لم يكن العلماء يركزون على التغييرات التي تطرأ على المخ في أثناء الحمل، وقد اشتكت الكثير من الحوامل من النسيان أو شرود الذهن أو وجود ضباب في مخهنّ.

"قلّت مستويات التركيز والذاكرة والرغبة الجنسية لدي خلال الحمل، وتفاقم الوضع مع الولادة وقلة النوم بعدها، واستمر لمدة عام تقريباً، وكان أشدّ وضوحاً مع طفلي الأول لأنه ترافق مع أعراض اكتئاب ما بعد الولادة"

وفقاً للدراسة، انخفض حجم المادة الرمادية -وهي الأنسجة التي تتحكم في الحركة والعواطف والذاكرة- في ما يقرب من 80% من مناطق دماغ المرأة محل الفحص، بنحو 4% مع تحسن بسيط فقط بعد الحمل، ولكن كانت هناك زيادات في المادة البيضاء -وهي مقياس لصحة وجودة الروابط بين مناطق الدماغ- في الثلث الأول والثاني من الحمل، والتي عادت إلى مستوياتها الطبيعية بعد الولادة بفترة وجيزة.

تم جمع هذه البيانات عبر تصوير المخ بالرنين المغناطيسي دون التسبب في أي ضرر للأم وطفلها، لأن التصوير بالرنين المغناطيسي لا يستخدم الإشعاع.

الخطوة التالية من هذه الدراسة تمثلت في جمع صور الدماغ التفصيلية لـ10 إلى 20 امرأةً، وبيانات من عيّنة أكبر بكثير في نقاط زمنية مختلفة، لالتقاط مجموعة واسعة من التجارب المختلفة وتحليلها.

تتحدث طبيبة النساء والتوليد، ياسمين أبو العزم، عن المعلومات التي صدرت خلال هذه الدراسة، وتأثير الحمل الفعلي على مخ المرأة الحامل، فتقول لرصيف22: "لا يمكن الاستناد فقط إلى هذه الدراسة دون وضع اعتبار لعوامل مؤثرة في أي دراسة مثل لون البشرة والطبقة الاجتماعية والاقتصادية والوظيفة التي تقوم بها المرأة، غير أنه على الجانب الآخر بالطبع تستطيع هرمونات الحمل القيام بالتغييرات المذكورة في الدراسة، مثل قلة التركيز وشرود الذهن".

وتشرح أبو العزم، الأسباب العلمية وراء هذه التغييرات: "إن الهرمونات وخاصة الأستروجين تزيد من تكاثر خلايا معيّنة، فكما يحدث تغيير في كمية الدم الموجودة في الجسم، تتكاثر خلايا المخ بشكل زائد، وتلك هي التي تظهر في أشعة الرنين المغناطيسي، وبعد انتهاء الحمل والرضاعة الطبيعية يبدأ المخ بالعودة إلى الوضع الطبيعي الخاص به".

وتختم حديثها بالقول: "بالطبع إن الوعي الناتج عن هذه الورقة البحثية سيحدث فرقاً في العديد من الأمراض المتعلقة بالحمل، مثل اكتئاب الحمل واكتئاب ما بعد الولادة".

تتميز هذه الدراسة بتركيزها على تتبّع مخّ الحامل خلال فترة الحمل، غير أنها ليست الوحيدة التي درست هذه التغيرات، ففي العام 2021 صدرت دراسة تتناول "مورفولوجيا الدماغ في فترة ما بعد الولادة المبكرة"، عقدت مقارنةً بين 40 امرأةً لم يلدن من قبل و40 امرأةً ولدن لأول مرة، وكذلك بين نساء أنجبن أكثر من مرة.

وبالمقارنة مع النساء اللواتي لم ينجبن، أظهرت الأمهات انخفاضاً في حجم المادة الرمادية في الحُصين الثنائي/ اللوزة، ومنطقة الفص الجبهي المداري، والتلفيف الصدغي العلوي الأيمن، والمخيخ.

وأشارت هذه الدراسة البحثية بوضوح إلى أن فترة الحمل وفترة ما بعد الولادة، تؤديان إلى تغيير دماغ الأم البشري، وأرجعت الأمر إلى التغييرات الهرمونية.

وفسرت دراسة ثالثة صدرت في العام 2022، نتائج انخفاض حجم المادة الرمادية، موضحةً أن المادة الرمادية تلعب دوراً مهماً في التحكم في العضلات وتنفيذ المهام مثل الرؤية والاستماع ومعالجة الذكريات والعواطف واتخاذ القرارات.

في الختام، تفتح هذه الدراسات الباب للمزيد من الأبحاث المتخصصة لتحديد التأثير المحتمل لهذه التغييرات في مخ المرأة الحامل، الأمر الذي قد يؤدي إلى فهم العلامات المبكرة لحالات اكتئاب ما بعد الولادة على سبيل المثال، وعلى الأقل تعطي هذه الدراسة سبباً علمياً لما تمرّ به ملايين النساء والحوامل حول العالم وتم تجاهله لقرون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image