شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"حوريات" في مواجهة الاتهامات… هل تُسحب جائزة غونكور من كمال داود؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"بلدنا غالباً ما تنقذه نساء شجاعات، وأنتِ واحدة منهن، مع إعجابي"؛ بهذه الكلمات أهدى الكاتب الجزائري الفرنسي كمال داود إلى سعادة عربان، نسخةً من روايته "حوريات"، الحائزة على جائزة الغونكور، أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية.

فمن هي سعادة عربان وما قصة هذا الإهداء الخاص؟

رواية "حوريات" الصادرة عن دار "غاليمار" الفرنسية، تتناول أحداث العشرية السوداء في الجزائر بين 1992 و2002. الرواية بطلتها الشابة "أوب" التي فقدت قدرتها على الكلام، حيث ذبحها أحد الإرهابيين في 31 كانون الأول/ديسمبر 1999.

غلاف رواية "الحوريات" وسعادة عربان

رئيس أكاديمية غونكور، الكاتب فيليب كلوديل، صرح عند الإعلان عن الجائزة: "أكاديمية غونكور توّجت كتاباً تتنافس فيه القصائد الغنائية مع التراجيديا، ويعبّر عن العذابات المرتبطة بفترة مظلمة من تاريخ الجزائر، وخصوصا ما عانته النساء".

ما علاقة سعادة بكمال داود؟

سعادة عربان سيدة جزائرية من مواليد 16 كانون الاول/ديسمبر 1993 بمدينة الجلفة، متزوجة وأم لطفل٬ هي من ضحايا الإرهاب خلال فترة التسعينيات أو ما يسمى بـ"العشرية السوداء"، والذي خلف ما يقارب 200 ألف قتيل.

عاشت سعادة مأساةً مروعة في سن السادسة من عمرها، حيث هاجمت مجموعةٌ إرهابية مسلحة منزلَ عائلتها، وقتلت جميع أفرادها أمام عينيها. لم تسلم سعادة هي الاخرى، إذ تم ذبحها من الوريد الى الوريد، لكن معجزة حدثت فنجت بأعجوبة٫ حيث انتبه الطاقم الطبي أنها لا تزال على قيد الحياة وهي داخل مصلحة حفظ الجثث.

رواية "حوريات" تتناول أحداث العشرية السوداء في الجزائر بين 1992 و2002. الرواية بطلتها الشابة "أوب"، التي فقدت قدرتها على الكلام، حيث ذبحها أحد الإرهابيين عام 1999

أما كمال داود فهو كاتب وصحافي جزائري وُلد في 17 حزيران/يونيو 1970 بولاية مستغانم، وعمل في صحيفة "لو كوتيديان دوران" الناطقة بالفرنسية، حيث شغل منصب رئيس التحرير من 1994 إلى 2015.

اشتهر داود بكتاباته الناقدة للجزائر، وقد نشر رواية "ميرسو، تحقيق مضاد" عام 2014، والتي لاقت استحساناً نقدياً واسعاً. غادر البلاد إلى باريس عام 2023 . في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فاز بجائزة غونكور، ليصبح بذلك أول جزائري ينال هذه الجائزة الرفيعة.

لم تُعرض الرواية المثيرة للجدل للبيع في الجزائر، حيث مَنعت السلطاتُ الدارَ الناشرة للكتاب "غاليمار" من المشاركة في معرض الكتاب الدولي الذي نظم شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري٬ فالقانون الجزائري يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس وبغرامة مالية، كلَّ من يستعمل من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراحَ المأساة الوطنية.

العلاقة بين سعادة و كمال داود اكتشفها الجزائريون الأسبوع الماضي من خلال مقابلة تلفزيونية، حيث صرحت السيدة سعادة عربان أن كمال داود كتب قصة حياتها دون إذنها، وأن زوجته التي تكون طبيبتها النفسية قد أفشت السرّ المهني من خلال منح زوجها ملفها الطبي. "كنت ضحية استغلال من طرف كمال داود وزوجته، طبيبتي النفسية، التي أفشت السر المهني٬ أنا هنا اليوم لكشف هذا الاستغلال٫ لقد رفضت أن تحول قصتي لعمل أدبي"، قالت سعادة خلال المقابلة.

سعادة عربان

وأضافت: "زوجته كانت طيبتي النفسية منذ 2015. طلب مني كمال داود تحويل قصتي لعمل أدبي ذات مرة في منزله عندما دعتني زوجته لشرب قهوة، لكنني رفضت رفضاً قاطعاً وكانت أمي الراحلة رفضت كل عروض الصحافيين من قبل. بعد وفاة أمي سنة 2022 عاودت زوجة كمال داود طلبَها وقابلته بالرفض مرة أخرى٬ لا وقد حاولتْ إغرائي بعد ذلك من خلال قولها إن القصة قد تتحول إلى فيلم وسآخذ مبلغاً كبيراً قد أشتري به شقة في إسبانيا. زوجته كانت تقول لي أنا هنا لحمايتك، لكن كانت أول من باعني لزوجها".

صدمة التفاصيل

تقول سعادة إن رواية كمال داود "حوريات" تستند إلى تفاصيل حياتها مع تغييرات في الاسم والسياق الزمني. وتوضح: "هناك العديد من النقاط في الرواية تحاكي ما مررت به، مثل الجرح في رقبتي الناتج عن عملية الذبح، أنبوب التنفس، حادثة الإجهاض، الوشوم ومعانيها، العملية التي كنت سأجريها في فرنسا، صالون التجميل الخاص بي، المعاش الذي أتقاضاه كضحية للإرهاب، والصراع مع أمي التي تبنتني، والتي ذكر أنها ذات سلطة. كما أن بطلة الرواية تحب الخيل، وأنا بطلة في رياضة الفروسية. كل هذه التفاصيل التي لم أخبرها لأحد سوى طبيبتي النفسية، ولا يمكن أن تكون عن شخص آخر في الجزائر".

تضيف سعادة: "داود انتظر وفاةَ والدتي لنشر كتابه، لأنها كانت ستتصدى له. لقد أعاد فتح جراح مأساةٍ حاولت أن أتعافى منها طيلة 25 عاماً. هذا الماضي يخصني وحدي، وأنا من يقرر كيف ومتى يُكتب. لدي الأدلة والصور والرسائل وسأقاضيه. لقد انتهك خصوصيتي، وسأرد على كتابه بطريقتي، خاصة من أجل ابني". ويذكر أن وزيرة الصحة الراحلة زهية منتوري شنتوف، قد تبنتها بعد مقتل عائلتها.

صمت داود وردّ غاليمار

لم يرد كمال داود على الاتهامات الموجهة إليه من قبل سعادة عربان. بالمقابل، أفادت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية بأنه رفع دعوى قضائية ضد قناة "وان تي في" الجزائرية بتهمة التشهير، بعد بثّها المقابلة مع سعادة.

من جهتها، استنكرت دار نشر "غاليمار" يوم الاثنين الماضي 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ما وصفته بـ"حملات تشهيرية" تستهدف كمال داود منذ نشر روايته "حوريات". وأكدت الدار أن بطلة الرواية شخصية خيالية تماماً، وأن الهجمات يقودها بعض وسائل الإعلام المقربة من النظام الجزائري.

يُذكر أن قناة "وان تي في" تواصلت مع داود لمنحه حق الردّ وتوضيح موقفه، لكنه اختار التزام الصمت.

هل تُسحب جائزة غونكور من داود؟

نظّمت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم يوم الخميس 21 تشرين الثاني/نوفمبر، بحضور موكلتها سعادة عربان، ندوة صحافية بأحد فنادق الجزائر العاصمة، استعرضت خلالها تفاصيل قضية موكلتها، وأعلنت عن رفع دعوى قضائية ضد كمال داود وزوجته بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر بمحكمة وهران، بتهم "الكتابة دون إذن، وانتهاك الحياة الشخصية، وإفشاء السر الطبي" عبر روايته "حوريات".

كمال داود

وقالت المحامية إن بعض أعضاء لجنة جائزة غونكور، الذين رفضوا منح أصواتهم لكمال داود، يطالبون الآن بإعادة النظر في قرار الجائزة بعد ظهور هذه المعلومات. وأكدت أن من شروط الجائزة أن تكون القصة خيالية وألا تَمسّ بكرامة الأشخاص، وهو ما ترى أنه لم يلتزم به داود، معتبرةً أنه لا يستحق الجائزة.

كما أشارت إلى دعم العديد من المحامين الفرنسيين الذين وصفوا القضية بالإنسانية والنبيلة، ووجهت اتهاماً لداود بأنه "سرق صوت موكلتها وحياتها وآلامها" متحدثاً نيابةً عنها، مما جعلها تعيش المعاناة مجدداً.

كشفت بن براهم أيضاً عن اختفاء الملف الطبي الخاص بسعادة الذي أودعته لدى طبيبتها، مؤكدة أن التحقيقات القضائية ستكشف ملابساته. وعرضت شهادات طبية تحمل توقيعات عائشة داود، زوجة الكاتب، إلى جانب صور تُظهر سعادة وهي مذبوحة، مما يعزز حججها القانونية في القضية.

تُثير رواية "حوريات" للكاتب كمال داود جدلاً واسعاً يتجاوز حدود الأدب، ليمسّ قضايا قانونية وأخلاقية معقدة، بين من يرون في نجاحه تتويجاً يستحق الاحتفاء، ومن يعتبرون روايته اعتداءً على خصوصية مأساة إنسانية

ويثير كمال داود جدلاً واسعاً منذ سنوات بسبب كتاباته وآرائه، حيث طالب الإمام عبد الفتاح حمداش بإقامة حدّ الردة على داود، لمسّه بالذات الإلهية وإهانة الإسلام.

كما اتُّهم داود بترويج أطروحات تخدم الصور النمطية الغربية عن العرب والمسلمين، حيث تصاعدت الانتقادات ضده مؤخراً بسبب مواقفه المثيرة للجدل تجاه القضية الفلسطينية، خاصةً بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث نُظر إلى مقالاته باعتبارها تماهياً مع الرواية الإسرائيلية وتبريراً لها.

في عام 2020، حصل داود على الجنسية الفرنسية بموجب قرار رئاسي أصدره الرئيس إيمانويل ماكرون. وفي مقابلة مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، التي يكتب فيها عموداً، صرح في آب/أغسطس الماضي: "أنا أتعرض للهجوم في الجزائر لأنني لا أتبنى خطابَ مناهضةِ الاستعمار، ولست معادياً لفرنسا". وأضاف قائلاً: "أنا مصاب بمتلازمة أبولينير، أنا فرنسي أكثر من الفرنسيين".

ما زال الجدل الواسع حول رواية "حوريات" قائماً في الجزائر وفرنسا، وهو قد تجاوز حدود الأدب، ليمس قضايا قانونية وأخلاقية معقدة. فبين من يرون في نجاحه تتويجاً يستحق الاحتفاء، ومن يعتبرون روايته اعتداءً على خصوصية مأساة إنسانية، يجد داود نفسه أمام معركة متعددة الجبهات. وفي ظل صمته الحالي تجاه الاتهامات، تبقى هذه القضية مفتوحة على احتمالات عدة، منها إعادة النظر في جائزة غونكور أو حتى حكماً قضائياً قد يعيد صياغة النقاش حول حدود الإبداع ومسؤولياته.

يرى العديد من المؤيدين لكمال داود أن الحملة التي تُشن ضده تأتي نتيجة نجاحه وإبداعه الأدبي. كما يُعبر الكثير من الجزائريين عن إعجابهم بكتاباته وشجاعته في طرح القضايا الحساسة. وبخصوص رواية "الحوريات" وقصة سعادة، يرى عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الاتهامات الموجهة له تفتقر إلى الدليل، مشيرين إلى أن الرواية لم تذكر اسم سعادة صراحة، مما يجعل تلك الادعاءات غير قائمة. فلنرَ ماذا ستأتي به الأيام المقبلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image