شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الأسباب المنطقية لتحوّل بلكونة لشباكين، ولوجود حمّام ببابين

الأسباب المنطقية لتحوّل بلكونة لشباكين، ولوجود حمّام ببابين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 23 نوفمبر 202411:44 ص

تصميم حروفي لكلمة مجاز


دور أول علوي بدون بلكونة

 بعد حريق الشقة، اختفت البلكونة، وحلّ محلها شباكا خشب متلاصقان، شديدا الارتفاع، وأصبح يقطن في الشقة أسرتان بدلاً من الأسرة الأولى التي تشاءمت من الحريق وغادرت، إحداهما تحتل الغرفة التي فيها الشباكان شديدا الارتفاع، بالإضافة لغرفة أخرى صغيرة ملحقة بها. يطلق على الغرفة الكبيرة الملحق بها غرفة صغيرة "أوضة بخزنة"، وتقطن الأسرة الثانية في غرفتين داخليتين لا شبابيك لهما، غرف حبيسة.

الأم في كلتا الأسرتين تدعي "مصرية" . مصادفة غريبة لا أعلم كيف تحقّقت، ربما بسبب الحريق.

جري العرف في المناسبات الاجتماعية أن تتم الدعوة لها عن طريق ارتداء صاحبة المناسبة ثوب ملون جميل، وتصطحب ابنتها معها لتطوف بها نهاراً على بيوت المدعوين. لا تصعد صاحبة المناسبة وابنتها لبيت المدعوين. ذلك مرهق للأم وللبنت، وقاتل للفرحة والبهجة، بل تنادي صاحبة المناسبة من الشارع على ربة المنزل باسمها، فتخرج المدعوة من البلكونة، لتبارك وتؤكد على تلبية الدعوة في هواء البلكونة الطلق، بالصوت الحياني والشمس على وجوه الجميع.

بعد استبدال البلكونة بالشباكين، تغيّر العرف، فأصبحت صاحبة المناسبة تقف أسفل الشباكين لتنادي بصوت برئ واثق: "مصريتي"، فتطل أم الأسرة التي لديها شباكين في غرفتها من أحد الشباكين، وتأتي أم الأسرة القاطنة في الغرف الحبيسة مسرعة لتطل من الشباك الآخر، فيصبح لديك "مصريتي" في شباكين متلاصقين، تناجيان امرأة في ثوب ملون وابنتها، في مشهد ينسيك وجع الحريق.

لا تتحول البلكونة إلى شباكين متلاصقين مرتفعين بعد الحريق، إلا عندما يكون المشهد الذي كانت تكشفه البلكونة مشهداً ثابتاً. صورة لا تتغير، قد تكون لشارع ضيق لا يكفي لمرور السيارات وعربات الكارو للباعة الجائلين، أو سور عال لحرم سكة الحديد بمنطقة لا يمر منها العديد من القطارات، المهم أنه  مشهد غير مسل، لا يمكِنَك السرحان فيه أو أن تصبح  بداخله جزءاً من  ضخم، صاخب سائل. هنا تصبح البلكونة مساحة للتدبر، للتأمل وليست للترويح عن النفس.

تحاول بعض الأسر التي لديها بلكونات بمشهد ثابت أن تكسر هذا الجمود، بالاستماع  لشرايط "كوكتيل"، بها أحدث الإصدارات الغنائية، بدون ذوق أو لون محدد، من  كاسيت موضوع على سور البلكونة، يعمل في الفترة ما بين الرابعة عصراً وحتى السابعة مساء. تصنع صخباً يعوض الجمود، ويصنع ذكريات قد لا يوفرها المشهد الثابت.

تصبر على الألم الذي تسببه بلكونة بمشهد ثابت، فيعوّضك الله إما بشباكين متلاصقين، وتكسب بقية مساحة البلكونة وتضمها للغرفة، أو يتحول المشهد الثابت ليصبح سطحاً لبيت مكون من طابق أرضي وطابق علوي فقط، يعلوه السطح مباشرة. سطح مكشوف بلا سور، تقام عليه مناسبات "التنجيد" الخاصة بالزفاف، وهذه هي غاية الصبر.

تنادي صاحبة المناسبة من الشارع على ربة المنزل باسمها، فتخرج المدعوة من البلكونة، لتبارك وتؤكد على تلبية الدعوة في هواء البلكونة الطلق، بالصوت الحيّاني والشمس على وجوه الجميع... مجاز

يجلس المنجّد على حصيرة خضراء متهالكة ومعه مساعد، على حافة السطح غير المسور مع تهديد دائم بالسقوط. يتناثر حولهم القطن وقماش التنجيد. تحيط بهم سيدات للغناء والاحتفال ومراقبة أعمال التنجيد. تكوّن السيدات شبه دائرة تحيط بالمنجّد ومساعده والقطن والقماش، بالإضافة لأطفال مدللين لدرجة أن تسمح لهم أمهاتهم بالصعود للسطح غير المسوّر، للفرجة على المنجّد، مع تحمّل كل القلق الناجم عن احتمالات السقوط.

هناك دائماً بجوار المنجّد زجاجات "فانتا" برتقال، وكوبان فقط، واحد للمنجد والثاني لمساعده، أما الباقي فيشرب "الفانتا" من فوهة الزجاجة مباشرة.

يصادف طقس التنجيد على السطح سطوع غير معتاد للشمس، فيحتفظ سكان الطابق العلوي الذي هو أسفل السطح مباشرة، بقماش أحمر رقيق عليه رسومات ذهبية، ليعلق على بعض أسياخ الحديد البارزة في السطح، فيكون ما يشبه مظلة للمنجّد ومساعده. ينفذ ضوء الشمس من المظلة، فيكوّن ظلالاً حمراء وذهبية على وجه المنجّد ومساعده والقطن وقماش التنجيد. يتمنّى الأطفال المدللون لو يتمكنون من الجلوس على الحصيرة الخضراء بجانب المنجّد، لتقع الظلال الحمراء على وجوههم، ولكن لتدليل الأطفال حدود نهايته حصيرة المنجد.

تظهر على مسافة خلف السطح غير المسور، فيلا محاطة بأشجار خضراء، لا يظهر من الفيلا إلا الجزء العلوي من شباك مفتوح دائماً. الغرفة التي تظهر من الشباك هي لغلامين نسمع أصواتهما فقط في لحظات السكوت. غرفة لا ترى منها سوى السقف ورفوفاً قريبة من السقف، عليها كرات زجاجية زرقاء صغيرة. رف قريب من السقف بمحيط الغرفة كلها، متراصة عليه كرات زجاجية زرقاء... شيء بديع.

مع انشغالك بالتنجيد أو بالغرفة التي بها الكرات الزرقاء، لن تهتم ما إذا كنت تتفرّج على هذا المشهد من بلكونة أو من شباكين متلاصقين شديدي الارتفاع.

حمام بأرضية إسمنتية بالدور الأول

في الدور الأول بنفس البيت، حمام مختلف في جغرافيته عن الذي موجود بالدور الأرضي، له باب واحد وهو نفسه مقسوم لغرفتين تطلان على طرقة، ويفصل بينهما جدار صغير، غرفة بها "قعدة عربي"، والغرفة الأخرى للاستحمام، والطرقة لاستقبال المحبين التائهين. يعلو الغرفتين "صندرة" غائمة، لا يمكن تبيّن شيء بها إلا ببصيرة وقدرة على تحمل إطالة النظر. لم يكن بالطرقة سوى حنفية منخفضة بدون حوض. لم يكن في غرفة الاستحمام سوي حنفية منخفضة بدون دش. لم يكن بالحمام كله صرف صحي، فقط فتحة "القعدة العربي" هي المصرف الوحيد للحمام، لذا تم عمل فتحة في الجدار الفاصل بين غرفة الاستحمام وغرفة "القعدة العربي" لتصريف مياه الاستحمام.

في مرحلة لاحقة، تم تركيب حوض مرتفع بطرقة الحمام، به صنبور يخرج ماء هائجاً، تمّت تهدئته بخرطوم قصير مثبّت على فوهة الصنبور بأستك أسود، لونته مشاعر الخوف من الانزلاق على أرضية الحمام الإسمنتية، التي تعلوها طبقة سميكة من زوائد بشرية، تسبح في مياه لا تعلم مصدرها ولا تجد لها مصرفاً سوى فتحة "القعدة العربي" البعيدة.

دائماً هناك نار مشتعلة على بابور يغلي مياهاً لتنظيف ملابس بيضاء، ولنتف ريش طائر ما مذبوح. لا تجد الطائر، بل تجد الريش في وعاء فخاري، يسيل منه دم الطير وزهرة زرقاء ومسحوق رديء... مجاز

لغرفة "القعدة العربي" باب، بينما غرفة الاستحمام مفتوحة بحرية على الطرقة. إذا أردت استخدام "القعدة العربي"، فيمكنك ترك باب الحمام الخارجي مفتوحاً، وتغلق عليك بابك فقط، لتبكي على خطيئتك وتترك باقي الحمام للآخرين، أما في حالة الاستحمام فلا بد من غلق الباب الخارجي وحرمان الجميع.

للحمام لمبة صفراء واحدة فوق الحوض، وذلك لبثّ الاضطراب وعدم اليقين في غرفة القاعدة وغرفة الاستحمام. هل استحممت حقاً؟ هل غسلت تحت إبطي؟ هل إبطي نظيف الآن؟ هل خرطوم القاعدة العربي نظيف أم ملوث من استخدام سابق؟ هل القاعدة نفسها نظيفة؟

الطرقة واسعة، تستوعب الحوض الجديد نسبياً والحنفية المنخفضة، وتستوعب أدوات غسيل خطرة زلقة. دائماً هناك نار مشتعلة على بابور يغلي مياهاً لتنظيف ملابس بيضاء، ولنتف ريش طائر ما مذبوح. لا تجد الطائر، بل تجد الريش في وعاء فخاري، يسيل منه دم الطير وزهرة زرقاء ومسحوق رديء.

للحمام شبشب بلاستيك صلب، لونه أبيض في الأصل، وترسّبت عليه طبقات من دهن وصبغ للآكلين. ابتسامة حزينة تعتريك، فأنت لن تلبسه، وفي نفس الوقت لن تطأ أرضية الحمام الإسمنتية السابح بها زوائد بشرية برجلك الحافية. ستتخلى عن حلمك، وستنظر للصندرة التي تعلو الغرفتين، فتكتشف كرسياً خشبياً مكسوراً، وصفيحة سمنة، وروايات سلسلة "المكتب رقم 19" وبوستر لخيول تجري على رمال شاطئ نظيف لامع.

حمام بمدخل البيت

بنفس البيت الذي به الشقة التي استبدلت فيها البلكونة بشباكين متلاصقين، يوجد حمام في مدخل البيت، بجوار السلم. حمام مشترك لشقتين بالدور الأرضي. للحمام بابين، باب لكل شقة. عند دخولك للحمام، تغلق عليك بابك وباب الحمام الخاص بالشقة الأخرى، حتى لا يقتحم عليك الحمام أهلك من جهة أو جيرانك من الجهة الأخرى. تدخل الحمام وتغلق بابين: "جعلت قولي نصحاً لحالي، احذف لامين وافهم سؤالي... اغلق بابين وافهم سؤالي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image