شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أمي التي عرّفتنا على نكهة فلسطين في

أمي التي عرّفتنا على نكهة فلسطين في "سندويشة الزعتر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 11 نوفمبر 202405:11 م

نُشر هذا النص للمرة الأولى في كتاب بعنوان "عبق الحنين"، في طبعة محدودة بدبي. وقد كُلفت هناء نصير بترجمته قبل الكاتبات.

نص: جمانة كاظم التميمي  

ترجمة: هناء نصير 

مرت سنوات عديدة منذ أن أتممت امتحانات المدرسة الثانوية، وتخرجت بتفوق. عندما أتفكر في تلك الأيام، التي تبدو الآن كماضٍ بعيد، أتذكر فقط مواقف قليلة من كنز التذكارات. 

لا أرى سوى القليل من اللمحات، أقل من عدد أصابع يدي، ذكريات الأيام الطازجة بدأت في التراكم، لتزيح الذكريات القديمة، ولكن ليس تلك التي حرصنا على التمسك بها.  

ما زلت أتذكر رغبتي في التركيز، في جو من الصفاء والهدوء التام. وأذكر أيضًا بقائي مستيقظة طوال ليالي الامتحان، وأرى والدتي تطلب مني كل صباح تناول بعض الطعام، "حتى لقمة واحدة فقط"، قبل الذهاب إلى الامتحان.  

"الزعتر يقوي الذاكرة" كانت تقول لي لتحفزني على تناول الطعام. وتأمل أن يملأ بعض الخبز بزيت الزيتون والزعتر جزءًا من معدتي، ويعطني بعض الطاقة اللازمة للاختبار، حتى أعود للبيت وأنضم إلى التجمع الأسري لتناول الغداء.  

طقوس أمي والزعتر بزيت

لا يزال مشهد وقوف أمي بجانبي، كل صباح في تلك الأيام، حيًا في ذاكرتي، كأنه يحدث الآن. أرى وجهها الجميل المشرق، وعينيها العسليتي اللون، ويمكنني أن أسمع صوتها يرن في أذني.  

"كم ساعة نمتِ؟" تسألني كل صباح.  

والجواب: "ولا ساعة".  

كنت أتبع بعض الطقوس أثناء دراستي. وفقًا لجدولي الزمني، فأنام بضع ساعات بعد تناول الغداء. وعندما أستيقظ، أبدأ في مذاكرة دروسي في غرفة نومي التي كنت أتشاركها مع أختي الكبرى.  

اعتدت أن أشتكي عندما يطرق أحد أفراد العائلة باب الغرفة -والذي يظل مغلقًا طوال وقت وجودي بالداخل - حتى لو كان السبب تزويدي بفنجان من الشاي، أو بعض الفواكه. وحتى هذا اليوم، أعشق الهدوء عند التركيز على القراءة والكتابة. بفضل التقدم التكنولوجي، أستخدم وسائل أخرى، بما في ذلك سماعات الأذن، لعدم التشتيت، بدلًا من مطالبة الآخرين بالصمت.  

اعتدتُ طوال تلك تلفترة نشر أوراق الملاحظات وملخصاتي لمواد الامتحان على كل سطح مستوٍ: على الأرض، أو على السرير، أو المكتب، أو الوسادة، وفي كل مكان في الغرفة يمكنني الوصول إليه. أضع الكتب والأوراق بعيدًا، ولكن في متناول يدي، في أجزاء مختلفة من الغرفة، وأسحبها عندما أحتاجها. 

وعندما يذهب أفراد عائلتي للنوم في المساء، كنت أجمع الأوراق بسرعة وبترتيب معين، وأنقلها بسرعة إلى غرفة المعيشة، وأنشرها مرة أخرى في كل مكان: على الأرائك، وعلى الكراسي، وعلى السجاد، وعلى طاولات القهوة. ثم أستأنف الدراسة والمراجعة.  

لقد برمجت نفسي لإنهاء جميع الاستعدادات للمراجعة والامتحان قبل أن تستيقظ أمي وتبدأ في إعداد قهوة الصباح. في بعض الأيام، أراجع معها بعض المعلومات التي أعتقد أنها مهمة، وقد أقنعت نفسي أنها مهمة بما يكفي لإدراجها في أسئلة الامتحان. وبينما تعد والدتي القهوة والإفطار للعائلة، كنت أتبعها ذهابًا وإيابًا في جنبات مطبخ منزلنا في أبو ظبي. كانت تومئ، وكأنها تتفق مع كل ما أقوله.  

عندما ننتهي "نحن" من المراجعة، وآخذ فنجان القهوة، أطلب منها أن تدعو لي وتذكرني في الصلوات، فتمطرني بأدعيتها. وعندما أهم بمغادرة المنزل والذهاب إلى المدرسة، تبدأ في ملاحقتي مصرة أن آكل شيئًا. 

في بعض الأحيان، كان قلقي من الامتحان يقلص شهيتي للأكل. وتتوقف درجة التوتر على طبيعة الامتحان، فإن كان من بين الموضوعات الصعبة، مثل قواعد اللغة العربية أو النحو. 

منذ عام 1977، فرضت إسرائيل حظرًا على قطف الزعتر والميرمية والعكوب.

أعود إلى الزعتر الذي بدأت به. تجاوبًا مع إصرار والدتي كنت أمسك بملعقة كبيرة، وأغترف من جرة الزعتر الأخضر الممزوج ببذور السمسم والسماق والتوابل الأخرى، وأضعها في فمي "الزعتر يقوي الذاكرة" كانت تلك الملعقة إفطاري. وبتناولها، أكون أخذت بنصيحة أمي، وحققت رغبتها في الوقت نفسه.  

كانت جدتي لأبي ترسل لنا الزعتر المستخدم في منزلنا، والذي اعتادت أن تعدّه بنفسها، محافظة بفخر على هذا التراث الثقافي والاجتماعي والغذائي الذي ورثته عن والدتها وجدتها.  

وعلى الرغم من طلبنا الدائم كل صباح، أخواتي وأنا، الحصول على أنواع مختلفة من الشطائر في حقائبنا المدرسية كوجبة خفيفة للاستراحة، كنا نطلب دائمًا شطيرة الزعتر وزيت الزيتون - نسميها شطيرة الصعتر. وظلت المفضلة لدينا، كما بقيت الجواب في كل مرة تسأل والدتي: "ماذا أعد لك من شطائر؟". عادةً نشرب كوبًا من الحليب في المنزل كإفطار، تتبعه شطيرة الزعتر بعد نحو ثلاث ساعات، خلال الفسحة المدرسية. 

لا يزال "ساندويش الزعتر" المفضل لرحلاتنا. 

الساندويشات الأخرى من الجبن أو اللبنة أو المربى تصبح طرية وندية بعد فترة. ولكن مع زيت الزيتون والزعتر، يظل الخبز مقددًا ولذيذًا. وأفترض أن هذا هو السبب وراء شعبيتها.  

"الزعتر يقوي الذاكرة" كانت أمي تقول لي لتحفزني على تناول الطعام. وتأمل أن يملأ بعض الخبز بزيت الزيتون والزعتر جزءًا من معدتي، ويعطيني بعض الطاقة اللازمة للاختبار

أكملت دراستي العليا، وبدأت مسيرتي المهنية. وظلّ الزعتر مكونًا رئيسيًا على مائدة الإفطار والعشاء. زاوية من الرفوف في مطبخ عائلتي تشمل، دائمًا، ذلك الإناء. كان إناء الصعتر المصنوع من الزجاج أو الفخار، والمزين برسوم مبهجة بألوان مختلفة، موجودًا دائمًا. وفي بعض الأحيان ينقسم هذا الإناء إلى قسمين: واحد لزيت الزيتون، والآخر للزعتر. كان هذا الإناء هو الأول الذي تضعه والدتي على الطاولة، عند إعداد وجبة الإفطار. الآن وقد نضجت وأنشأت مطبخي الخاص، أضع مثل هذا الطبق من زيت الزيتون والزعتر أيضًا. 

في واحدة من رحلاتي للتسوق، وجدت إناءً جميلًا مكونًا من قسمين، ومصنوعًا من الخزف الياباني الجميل. زين الطبق بالورود البرتقالية الصغيرة والأوراق الخضراء، على خلفية بيضاء، وله غطاء بلاستيكي. اشتريت اثنين متطابقين، واحدًا لأمي، وواحدًا لي.  

إنائي في مطبخي، أستخدمه، أملأه، وأعيد ملئه بشكل مستمر. إنه هناك، حتى لو لم آكل منه يوميًا. كان لي معه علاقة خاصة، علاقة محبة. أحبه لأن أمي تحبه. أحبه لأنه يحتوي على الزعتر الذي تحبه أمي. أحبه لأنه يحيي ذكرياتي مع أمي. ولأنه جزء من ثقافتي. فالزعتر مقدر جدًا من قبل الأردنيين والفلسطينيين. وينظر العديد منهم إلى الصعتر كجزء من طعامهم، تراثهم، تجارتهم، وصناعتهم. وخاصة البري الذي أصبح جزءًا من القضية الفلسطينية كذلك.  

قصة الزعتر في ب

الزعتر شتلات صغيرة تنمو بطريقتين. الأولى هي البذر والزراعة، التي تتطلب الري. ويسمى بالعامية "بلدي". والنوع الثاني ينمو في الجبال، دون أي تدخل بشري أو زراعة، ويسقيه المطر. بالعامية يطلق عليه اسم "جبلي"، أو "البري".  

وهو نبات موسمي، من الخريف حتى نهاية الربيع، ولا ينمو في درجات حرارة الصيف المرتفعة. يتمتع الزعتر الجبلي برائحة أقوى، وفوائد أكثر من البلدي.  

بعد اختيار أوراقه، تُغسل وتجفف. بعد ذلك تُطحن الأوراق، وتخلط مع بعض التوابل والمنكهات، مثل السمسم الأبيض والسماق، والتي تعطي نكهة خاصة. كما يضيف البعض أنواعًا أخرى من التوابل إليه، بما في ذلك بذور الشبت.  

يؤكل الزعتر بطرق مختلفة. يفضل العديد من محبيه تناوله مع الحد الأدنى من النكهات. قد يُنثر مع زيت الزيتون على وجه العجين، ثم يُخبز في الفرن. هذه هي الطريقة التي تُعد بها مناقيش الزعتر الشهيرة. وهذه هي طريقة إعداد وجبة الإفطار في آلاف المنازل في الأردن وفلسطين، خاصة في أيام الجمعة والأعياد. اليوم، أصبحت المناقيش حاضرة بانتظام على طاولات الغداء والعشاء في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأجزاء أوسع من العالم.  

يمكن خلط أوراق الزعتر الخضراء الطازجة، أو الجافة مع عجينة الخبز ثم خبزها. ويطلق عليها اسم عجينة الزعتر. وينقع البعض اللحوم والدواجن مع أوراق الصعتر قبل الشيّ، كما تستخدم الأعشاب المنكهة الأخرى، مثل الريحان وإكليل الجبل. 

وقد وصفت لي صديقة غربية كيف أكلت الزعتر الذي أهديته لها، فقررت أن أجرب أسلوبها، وأخلطه مع الزبادي، وأتناوله كوجبة خفيفة. الآن، أستمتع بطريقتها في تناوله.  

بعد أن أحصيت هذا العدد الكبير من محبيه، في دفتر العناوين، وخاصة أولئك الذين يحبون الصعتر الذي ينمو في الأردن وفلسطين على الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن، بدأت أقدم لأصدقائي هدية واحدة محددة: حزمة من الزعتر المحضر منزليًا. كلما زادت درجة قرب الأصدقاء، زادت إمكانية أن تكون الهدية محضرة في المنزل. وبما أنه لا يمكن الحصول على كميات تجارية من الزعتر المعد في المنزل، أتأكد من شراء أفضل أنواعه. 

لي صديقة تعيش في لبنان، البلد الشهير بكرم ضيافة أهله، تطلب مني أن أجلب لها الزعتر من الأردن، كلما سافرت إلى بيروت. وكانت تقول عن هديتي: "طعمه مختلف".  

أكلة الفقراء 

يرجع العديد من كبار السن، ولا أعرف بصدق ما إذا كانوا يمزحون أم هم جادون، شعبية الزعتر المختلط بزيت الزيتون، خاصة في الأردن وفلسطين، لأسباب اقتصادية محددة توافرت منذ عقود. 

الزعتر شتلات صغيرة تنمو بطريقتين. الأولى هي البذر والزراعة، التي تتطلب الري. ويسمى بالعامية "بلدي". والنوع الثاني ينمو في الجبال، دون أي تدخل بشري أو زراعة، ويسقيه المطر. بالعامية يطلق عليه اسم "الجبلي" أو "البري"

كانت الغالبية العظمى من الأسر في ذلك الوقت ذات دخل محدود، وهناك العديد من الحروب والاضطرابات المستمرة التي اجتاحت المنطقة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فهل كان الزعتر حقًا "غذاء الفقراء"، كما هو الحال في المجتمعات والثقافات الأخرى، حيث ينظر إلى الأطباق التي تحوي العدس على أنها غذاء للفقراء؟ لست متأكدة مما إذا كان هذا حال الزعتر مع شعبي الأردن وفلسطين. فقد تتطلب الإجابة دراسة تاريخية وعلمية متعمقة من نوع آخر، وهذا ليس المكان المناسب لها.  

لكن بالتأكيد، لهذا الخليط العديد من الفوائد الصحية لجسم الإنسان. إذ كشف الباحثون أنه  يحتوي على مضادات الأكسدة، التي أثبت العلم أن البشر يحتاجون إليها لحماية أجسادهم من العديد من الأمراض.  

كما يساعد شرب منقوعه الساخن لعلاج لمشاكل الجهاز الهضمي ونزلات البرد والسعال، ويوصى به لعلاج التهاب الحلق. كما أن بعض الناس يشربون الزعتر للحفاظ على الحلق والأحبال الصوتية في حالة صحية. وقد ذكرت إحدى الصديقات أن أعضاء جوقة الكنيسة التي تنتمي إليها، نُصحوا بشرب "شاي" الزعتر، مضافًا له قطعة من السكر الصخري الأبيض أو السكر المتبلور يوميًا، للحفاظ على نقاء الحلق، وحتى يكونوا قادرين على أداء التراتيل على أكمل وجه.  

منذ عام 1977، فرضت إسرائيل حظرًا على قطفه في أراضي 1948، وهي جزء من فلسطين التاريخية التي تأسست عليها دولة إسرائيل في ذلك العام. وامتد الحظر ليشمل الضفة الغربية، مع فرض أشد القيود وأقسى العقوبات خلال الانتفاضة الأولى. ولا يزال الحظر ساريًا في المنطقة باء، التي تخضع لسيطرة مدنية فلسطينية مشتركة، والمنطقة جيم، التي تخضع لسيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية كاملة.  

بموجب ما يسمى قانون حماية النباتات، يشمل الحظر أيضًا نبات المريمية، على أساس أن قطفه يزعج توازن الطبيعة. وتحيل السلطات الإسرائيلية المخالفين إلى المحكمة وتفرض عليهم غرامات باهظة. بالإضافة إلى ذلك، هناك حظر على جمع العكوب، وهو نبات شوكي جبلي شهير في فلسطين والأردن، ينمو في الربيع، ويعتبر واحدًا من أكثر الأعشاب المغذية والمفيدة.  

الزعتر ضارب بعمق في التراث والأدب الفلسطينيين، ويتردد اسمه في القصائد والروايات. ويصف البعض الصعتر بأنه "أغلى نبات" عند الفلسطينيين، وهو أحد أبرز الرموز الوطنية عندما يتعلق الأمر بالغذاء والتراث والثقافة. واحد من العديد من التعبيرات الشهيرة هي مقولة "سنبقى ما بقي الزعتر والزيتون". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image