شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الحرب والفقر والنزوح... ثالوث لا يرحم ذوي الإعاقة في لبنان

الحرب والفقر والنزوح... ثالوث لا يرحم ذوي الإعاقة في لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

السبت 9 نوفمبر 202411:40 ص

منذ بداية الحرب، وجدت خديجة -اسم مستعار- نفسها مضطرة لاتخاذ قرار صعب، وهو نزوحها من منطقة حاروف جنوب لبنان، مع ابنتها صبا -اسم مستعار- التي تعاني من إعاقة عقلية وحركية، إلى غرفة في مجمع رشيد الصلح التربوي في الخندق الغميق.

تتكوّم بجانب صبا أغراضها الشخصية من حفاظات، و"زحافة"، وسلة مهملات، نظراً لضيق الغرفة واكتظاظها إذ يشاركها فيها حوالي ستة أشخاص من العائلة، يساعدونها على تلبية حاجات صبا ورفعها عن الأرض بسبب عدم قدرة والدتها المتقدمة في السن على ذلك. 

النازحون من ذوي الإعاقة في لبنان

الأدراج وغياب المصاعد... العذاب الأول 

تقول خديجة لرصيف22: "قرار الخروج لم يكن سهلاً، لأنني أعرف وضع ابنتي، لا يوجد لدينا منزل في بيروت ومراكز النزوح غير مجهزة لها... أنا على علم بهذا الأمر. كنت أفضل البقاء في منزلي معها. لكن أبنائي أصرّوا على خروجنا".

بداية، توجهت خديجة إلى منطقة عرمون حيث مكثت مع ابنتها لأيام قليلة، تقول: "الحمام في المركز كان في الطابق الثاني تحت الأرض، علينا أن ننزلها حملاً على الأدراج لتحميمها أو تغسيلها، وأيضاً أنا لدي مشاكل في ركبتي لا يمكنني صعود الأدراج كثيراً، فضلاً عن وجود 15 شخصاً في الغرفة". 

إجلاء الأشخاص ذوي الإعاقة من مناطق القصف في غاية الصعوبة، لذا تركت بعض العائلات أقاربها من أبناء وأخوة في المنازل تحت القصف، ووردت تقارير عن هذه الحوادث المتكررة، التي تذكّر بما حصل في حرب تموز 2006 

ومع أن المدرسة تبدو خياراً أفضل من المركز في عرمون، فهي أيضاً ليست ملائمة بالشكل الكافي لتلبية احتياجات ابنتها، كعدم توفر سرير، ونوم ابنتها على فرشة "غير طبية" على الأرض، يشكل صعوبة في حملها ووضعها على كرسيها المتحرك معظم الأحيان. ناهيك بعدم وجود مصعد في المدرسة، ما جعل ابنتها حبيسة الغرفة منذ حوالي الشهر: "أحيانا نضعها على الكرسي ونجلس معها في رواق المدرسة، الجلوس على الأرض وعدم الحركة سببا لها آلاماً في الظهر، وهو أمر لم تعانِ منه من قبل". 

في ظل ارتفاع إيجارات المنازل وظهور ما يُعرف بـ"تجار الأزمة"، واجهت عائلة خديجة كغيرها من العائلات صعوبة في العثور على منزل يناسب ميزانيتها المحدودة، خاصةً أن أبناءها فقدوا أعمالهم في الجنوب وهم أيضاً نازحون.

يُذكر أن إجمالي عدد النازحين في لبنان وصل إلى حوالي مليون و400 ألف، إلا أن الأرقام الرسمية حول عدد الأشخاص ذوي الإعاقة من بين النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية والمتوجودين في مراكز النزوح تظل غير متوفرة.

عموماً، يبلغ عدد المعوقين في لبنان الحاصلين على بطاقة المعوّق 114 ألفاً بحسب آخر إحصاء لوزارة الشؤون الإجتماعية عام 2020، منهم 56% يعانون من إعاقة حركية، و29% يعانون من إعاقة عقلية.  

النازحون من ذوي الإعاقة في لبنان

رفض المراكز استقبالهم... العذاب الثاني 

في جولة سريعة على مراكز النزوح، وخاصة المدارس، وفي ساحة الشهداء، يمكن معاينة أن هذه المراكز غير ملائمة لتلبية احتياجات ذوي الإعاقة، وخاصة الحركية منها، وتحديداً من الناحية الهندسية. فلا ممرات خاصة بـ"الكراسي المتحركة"، ولا مصاعد، وفي حال وجدت فلا كهرباء لتشغيلها لصعود النازحين إلى غرفهم، وهو أمر أكدته رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين سيلفان اللقيس لرصيف22، إذ أشارت إلى أن هذه المراكز هي في الأساس مدارس، وكان ينبغي أن تكون مجهزة لتلبية احتياجات الطلاب ذوي الإعاقة، مما يكشف عن تمييز "هيكلي وممنهج" تجاه المعوقين في لبنان.  

عدم تأهيل مراكز الإيواء لاستقبال أصحاب الصعوبات الحركية، وهي مدارس في الأصل، يشير إلى تمييز هيكلي وبنيوي ضد ذوي الإعاقة من الطلاب. 

تحدٍّ آخر يواجه النازحين ذوي الإعاقة الحركية هو رفض بعض مراكز النزوح استقبالهم في حال عدم وجود مرافقين لهم، وهي مشكلة تكررت مؤخراً وتعامل معها الاتحاد.

فعلى سبيل المثال، نزحت امرأة من ذوات الإعاقة الحركية من بلدة حولا في بداية الحرب، لكن مراكز النزوح رفضت استقبالها وطالبتها باستئجار منزل. 

النازحون من ذوي الإعاقة في لبنان

عدم وجود مساعدة شخصية... العذاب الثالث 

تشير اللقيس أيضاً إلى غياب الخدمات الأساسية، مثل توفير مساعد شخصي، قد يحتاجه البعض، خصوصاً الذين ليس معهم مرافقون. والحمامات غير مجهزة، وغالباً ما تكون في طوابق عليا بلا مصاعد، فضلاً عن غياب أسرّة مناسبة لبعض الإعاقات، وللأشخاص الذين لا يمكنهم الجلوس على الأرض ويحتاجون مساعدة لرفعهم.

وأوضحت أن إدارة هذه المراكز يجب أن تكون على دراية بكيفية تلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن هذا الأمر غير متوفر حالياً ولا يتم النظر فيه. تقول: "في بعض مراكز النزوح تجهيزات بسيطة في الطابق الأرضي، وقد تم وضع قائمة بحوالي 25 مركزاً مهيأة للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنه لم تُعطَ الأولوية لسكنهم في الطوابق السفلية، بل تم نقلهم إلى طوابق عليا دون مراعاة للعوائق". 

النازحون من ذوي الإعاقة في لبنان

الافتقار للرعاية الصحية... العذاب الرابع 

غياب الكشف الصحي الدوري للأشخاص ذوي الإعاقة في مراكز النزوح يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية، مثل ظهور "العقور" في أجسامهم والتهاباتها، بالإضافة إلى التهابات المسالك البولية نتيجة عدم تجهيز الحمامات بشكل مناسب. وتذكر حالة شخص معوق أجرى عملية بتر لساقه، وعاد بعد يومين فقط إلى مركز النزوح، لكن غياب الرعاية الصحية والنوم على الأرض وفي بيئة غير معقمة، كل هذا أدى إلى التهاب جرحه وإصابته بمضاعفات أعادته إلى العناية الفائقة في المستشفى.

إجلاء الأشخاص ذوي الإعاقة من مناطق القصف لم يكن سهلاً أيضاً، إذ تركت بعض العائلات أقاربها من أبناء وأخوة في المنازل تحت القصف، ووردت تقارير للاتحاد عن هذه الحوادث المتكررة، التي تذكّر بما حصل في حرب تموز 2006. 

وانعدام التجاوب 

يظهر بوضوح غياب التخطيط وعدم أخذ احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بعين الاعتبار من قبل لجنة إدارة الأزمات والكوارث، خصوصاً أن الحرب كانت قد اندلعت العام الماضي في بعض مناطق الجنوب اللبناني، مما يعني أنه يمكن افتراض وجود وقت كافٍ لوضع خطة لتجهيز بعض المراكز لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، وآلية واضحة لإجلائهم في حال تفاقم الوضع.

تقول اللقيس في هذا الصّدد: "طرحنا على لجنة إدارة الكوارث قبل حوالي عام فكرة تجهيز مركز أو مركزين في كل قضاء في لبنان يكونان ملائمين للأشخاص ذوي الإعاقة، لكن لم يتم التجاوب".  

يحمل ربيع بطاقة الإعاقة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، لكنها  لا تشمل أي دعم لصيانة الأدوات التي يعتمد عليها يومياً، وهو اليوم لا يملك 20 دولاراً لتغيير جلود العكاز وكاوتشوك عجلات الكرسي، بالإضافة إلى نفقات الحرب التي تركته عاطلاً عن العمل 

وتضيف :"الاتحاد تواصل خلال تلك الفترة مع لجان إدارة الأزمة المحلية في البلدات، لكن هذه اللجان كانت صريحة بالاعتراف أنها غير قادرة على تجهيز هذه المراكز، وبدلاً من ذلك ستطلب من ذوي الإعاقة النزوح إلى منازل، وهو أمر كارثي".

في سياق متصل، أقر مجلس النواب اللبناني القانون الرقم 220 في عام 2000، بهدف حفظ حقوق ذوي الإعاقة وتعزيز اندماجهم في مجالات العمل، وينص على ضرورة ملاءمة هندسة المؤسسات لاحتياجات ذوي الإعاقة. ويشمل القانون إصدار بطاقات للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن الثغرات في تنفيذ هذا القانون تؤثر على استفادة الأشخاص المعنيين من حقوقهم كاملة.

في باحة مبنى اللعازارية، يجلس ربيع أيوب على الأرض إلى جانب عكازه وبعض الأغراض التي تمكن من حملها عند نزوحه من منزله في حي السلم. يقول: "نحن الأشخاص ذوي الإعاقة دائماً في آخر سلم الأولويات لدى الدولة. لا أستطيع التنقل للبحث عن مركز للنازحين يمكنه استقبالي مع هذه العكاز أو حتى الكرسي. على الوزارة أن تؤمن لنا مراكز للإيواء".  

النازحون من ذوي الإعاقة في لبنان

والفقر في ظل الحرب 

في بداية نزوحه، لجأ ربيع إلى ساحة الشهداء، حيث أمضى عدة أيام ينام على فراش مهترئ في الشارع، وتعرض للسرقة قبل أن ينتقل إلى مبنى اللعازارية. يقول: "كنت أعمل كبائع متجول لعلب السجائر على الكرسي المتحرك، في الضاحية. يعرفني الزبائن هناك، لكن المنطقة الآن أصبحت خطرة، وقد خسرت مصدر رزقي الوحيد".

ورغم أنه يحمل بطاقة الإعاقة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، يشير إلى أنها لا تشمل أي دعم لصيانة الأدوات التي يعتمد عليها يومياً، مثل العكاز والكرسي المتحرك. ويوضح: "يجب أن أستبدل جلود العكاز، وهذا يكلف حوالي 700 ألف ليرة (8 دولار)، أما كاوتشوك عجلات الكرسي فيكلف حوالي مليون ليرة (11.2 دولار). قد يبدو المبلغ زهيداً، لكنني الآن عاطل عن العمل ولا أستطيع تغطية هذه التكاليف. من حقي أن تغطي الوزارة هذه النفقات".

من جهة أخرى، صرّحت مصادر من وزارة الشؤون الاجتماعية لرصيف22 بأن الوزارة تعمل حالياً على جمع الأرقام المتعلقة بذوي الإعاقة النازحين وتحديث قاعدة بياناتهم. يأتي هذا التوجه في إطار برنامج "البَدَل المادي لذوي الإعاقة"، الذي سيشمل دفع مبالغ مالية لجميع ذوي الإعاقة في لبنان. 

أما عن التدابير المتخذة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة منذ بداية الحرب، فقد أشارت الوزارة إلى تقديم دفعة إضافية بقيمة 100 دولار للأشخاص ذوي الإعاقة في مناطق االحرب، مثل الهرمل، والبقاع، والجنوب، والضاحية الجنوبية، فضلاً عن تقريب موعد الدفعة الشهرية للمستفيدين من البرنامج الذي انطلق قبل 18 شهراً ويستهدف الفئة العمرية بين 15 و30 عاماً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image