شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
شركات الألعاب الإلكترونية… هل تتربّح من صمتها على التحرّش باللاعبات؟

شركات الألعاب الإلكترونية… هل تتربّح من صمتها على التحرّش باللاعبات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 7 نوفمبر 202409:51 ص

أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج.

غرف افتراضية على الإنترنت، تجمع لاعبين من جنسيات وأعمار مختلفة؛ لكنّ اللعب الإلكتروني ما هو إلا حيلة يستخدمها بعض رواد هذه الغرف، لاستدراج اللاعبات إلى فخ العنف والابتزاز الإلكتروني.

كانت البداية يوم 16 شباط/ فبراير 2024، حين قرأتُ خبراً نشرته صفحة "قاوم" - المعنية بقضايا الابتزاز الجنسي في مصر - على منصة فيسبوك، يفيد بأن فتاة لم تُكمل عامها الرابع عشر، طلب منها لاعب على "لودو" إجراء مكالمة فيديو جنسية، بعد أن علم بعمرها، مُهدّداً بفضحها إذا لم تستجب.

تساءلتُ عمّا تتعرض له الفتيات داخل غرف الألعاب عبر الإنترنت (الأونلاين)، وإجراءات الأمان التي تتبعها شركات الألعاب العالمية لحماية اللاعبات، فقررت خوض هذه التجربة.

خلال الفترة بين آذار/ مارس وحزيران/ يونيو من عام 2024، خضتُ رحلتي مع الألعاب الإلكترونية، بعد مطالعة الإحصائيات وشهادات اللاعبات المصريات حول خمس ألعاب إلكترونية عالمية، لا أخفيكم شعوري حينها برهبة ممّا أنا مقبلة عليه.

لعبتُ الزهر مع لاعبين أجانب، وأثناء الجولة ظهر لاعب يضع العلم المصري تحت اسمه، وسألني فجأة: "لونه إيه؟". شعرت بارتباك شديد؛ قلت له لا أفهم مقصدك، سألني بعدها عن عمري، ثم قال لي: "ما أنتِ عارفة"، وأوضح أنه يقصد "ملابسي الداخلية". هنا توقفت عن الرد

في الثاني من حزيران/ يونيو، بين السابعة مساء وحتى الثانية والنصف صباحاً، وبعد مُضي سبع ساعات ونصف من اللعب المتقطع في لعبتي إلقاء الزهر الأونلاين "لودو"، وألعاب "توب توب"، تعرضتُ لتحرّش لفظي، وإلحاح لإجراء محادثات جنسية هاتفية، وإرسال صور إباحية على حسابات التواصل الاجتماعي.

أشهر الألعاب الإلكترونية في 3 دول عربية

الجولة الأولى… نرد "لودو"

لعبة "لودو" تضم أربعة أقسام، اخترت القسم الكلاسيكي لرمي الزهر أو النرد. أسفل الشاشة، توجد غرفة دردشة، كُتب أعلاها "ستؤدي إساءة الاستخدام والمضايقة إلى حظر الدردشة". تبدو الجملة مطمئنة؛ ما يعني أنها قد تكون مراقبة بشكل ما من إدارة اللعبة، لكن ما حدث كان مربكاً.

لعبتُ الزهر مع لاعبين أجانب، وأثناء الجولة ظهر لاعب يضع العلم المصري تحت اسمه، وسألني فجأة: "لونه إيه؟". شعرت بارتباك شديد؛ قلت له لا أفهم مقصدك، سألني بعدها عن عمري، ثم قال لي: "ما أنتِ عارفة"، وأوضح أنه يقصد "ملابسي الداخلية". هنا توقفت عن الرد.

بعدها دخل "محمد"، لاعب مصري آخر إلى الدردشة، من دون سابق معرفة، وطلب رقم هاتفي، وحينما رفضت وعززت رفضي بارتباطي؛ كرّر طلبه ثلاث مرات قائلاً: "إيه المشكلة نتعرف؟!". سألته عن سبب إلحاحه، فقال مباشرة: "عايزك تكوني في حضني"، في هذه الليلة أخذ جسدي وضع الجنين، ونمت منكمشة.

يرى الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب بجامعة الأزهر، أن "التحرش الأونلاين قد يتسبب في حدوث صدمة نفسية، خاصة عند التعرض لصور أو مقاطع فيديو أو ألفاظ بذيئة"، مشيراً إلى أن بعض الناجيات قد يعانين الاكتئاب أو صدمة جنسية تؤثر في علاقتهن الزوجية.

تعرّف هالة دومة، المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، التحرش بأنه "أفعال أو إشارات وإيماءات ذات طبيعة جنسية، بغير رضا الطرف الآخر"، موضحة أن التحرش من خلال الإنترنت يحدث بأنماط مختلفة: مثل إرسال الصور والمقاطع والألفاظ والتعبيرات الصريحة وغير الصريحة.

وتضيف أن التحرش الإلكتروني: "مُعترف به كجريمة التحرش عن طريق وسائل التكنولوجيا الحديثة، مقترناً بجريمة ثالثة، هي إنشاء أو إدارة حساب إلكتروني، بغرض ارتكاب جريمة".

انتهى الشوط بيننا، لكنّه استمر في إلحاحه بالحصول على رقم هاتفي، كان يراودني سؤال: هل تنتهي الدردشة لو صرح اللاعب بألفاظ خادشة للحياء، وتتخذ إدارة اللعبة إجراء ضده، مثل حظره مثلاً؟

انتهت الجولة بيني وبين "محمد"، لكنّ لاعباً مصرياً آخر يحمل اسم "محمود" بدأ بمحاولة التعارف، فأعطيته بيانات خاطئة عني، ثم سألني عن تفاصيل جسدي، وأرسل لي حسابه على انستغرام، بحثت عنه فوجدته حساباً وهمياً.

يراوح توقيت الجولة الواحدة بين دقيقتين إلى أربع دقائق، لكن مع المماطلة في اللعب تصل إلى 12 دقيقة، خلال هذا الوقت بحثت عن طريقة للإبلاغ السريع عن الإساءة، لكن من دون جدوى.

وبعد انتهاء الجولة، بحثت عن وسيلة اتصال بمطوِّري "لودو" داخل اللعبة، لكن من دون جدوى أيضاً.

أرسلت للشركة عبر بريدها الإلكتروني مرتين: مرة كلاعبة تعرضت لتحرش لفظي من إيميلي المزيف، والأخرى عن طريق "أريج"، للرد على ما توصل إليه التقرير، لكن لم نتلقَ رداً حتى تاريخ النشر.

العنف الرقمي

الجولة الثانية… تشويه سمعة مَلَك في "إيفوني"

في 29 أيّار/ مايو عام 2022، تعرضت مَلَك (اسم مستعار، 28 عاماً) إلى تشويه سمعتها، في بيت أحد أقاربها وشريكها في لعبة "إيفوني" القتالية. "لاعب مصري قال لقريبي إني مش تمام... وتوقعت أنه قال له إني ببعتله صوري"، تقول ملك.

تعرضت لاعبة مغربية إلى طريقة تشويه السمعة نفسها على الشات الجماعي لـ"إيفوني"، من اللاعب المصري ذاته، بحسب ملك، التي تقول إنها تعرضت إلى ثلاث مضايقات في غرفة الدردشة الجماعية للعبة؛ من لاعبين يحملون جنسيات عربية وأمريكية: "أول واحد دخل على شات اللعبة الجماعي، بعدها بدأ يلاحقني على فيسبوك وانستغرام".

تطلب الألعاب الأونلاين بعض الشروط للدخول، مثل التسجيل بالبريد الإلكتروني، أو بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ فاختارت ملك الدخول بفيسبوك، للحفاظ على ترتيبها كلاعبة. تتكون هذه الألعاب من غرف جماعية، لإقامة تحالفات قتالية، ووضع خطط استراتيجية لإدارة المعارك الافتراضية ضد آخرين.

يؤكد أحمد حجاب، خبير السلامة الرقمية، أن النساء هن الأكثر تهديداً بالعنف الجنسي داخل الألعاب التشاركية: "تتعرض الفتيات لأنواع كثيرة من المضايقات منها التحرش والتعقب (...) فلو كتبت اللاعبة معلومات شخصية مع الإيميل الحقيقي، سيكون من السهل تتبع حساباتها على فيسبوك وانستغرام".

كشفت الدراسة - التي شملت 400 شخص، تبلغ أعمارهم بين 18 و35 عاماً، بمحافظتي القاهرة والجيزة - عن الألعاب الإلكترونية الأكثر ممارسة بين العينة، وهي: الألعاب القتالية وأبرزها بابجي، وألعاب الأكشن والمغامرة GTA، وحصلت ألعاب المغامرة على المركز الأخير بين عينة الدراسة

الجولة الثالثة… إنذار بالتحرش

طوّرت الألعاب الإلكترونية استخدام الشات الجماعي من الكتابة إلى الصوت؛ لنقل التجربة الاجتماعية كما هي، إلا أن اللاعبين كان يستغلون هذه الميزة بطريقة سلبية. توضح اللاعبة والمحامية هالة دومة: "في بابجي كنا بنفتح المايك حتى لو مقفول بتسمعي… كانوا بيركزوا على إن فيه بنت نازلة (اللعبة)، بعدها يبدأ التحرش؛ في حد سمعته بيعمل أصوات جنسية وإيحاءات وتأوهات".

بين عمر 18 و19 عاماً، كانت تجربة هالة الأولى في الألعاب العالمية الأونلاين، من خلال لعبة بلياردو شهيرة، لكنّها لم تسلم من المضايقات. "لو اللعبة مربوطة بالبروفايل الشخصي، بتعرّض لمطاردات وتعليقات إباحية لمّا كنت حاطة صورتي، ومديح غير مُرحَّب به، أو عبارات جنسية صريحة في شات اللعبة"، توضح هالة دومة.

يُرجع الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب بجامعة الأزهر، سبب التحرش إلى الكبت الجنسي، قائلاً إن المجتمعات التي تعاني الكبت الجنسي وغياب الثقافة الجنسية، تمارس الكبت في الخفاء؛ على عكس المجتمعات التي تتعامل مع الجنس على أنه طبيعة بيولوجية، يضعون له قوانين مثل عدم ممارسته مع الأطفال، أو من دون رضا الطرف الآخر.

وأظهرت دراسة المجلة العربية لبحوث الاتصال والإعلام الرقمي، المنشورة في كانون الثاني/ يناير 2022، أن 68.3% من العينة، أفادوا بحدوث التحرش اللفظي أثناء اللعب.

وكشفت الدراسة - التي شملت 400 شخص، تبلغ أعمارهم بين 18 و35 عاماً، بمحافظتي القاهرة والجيزة - عن الألعاب الإلكترونية الأكثر ممارسة بين العينة، وهي: الألعاب القتالية وأبرزها بابجي، وألعاب الأكشن والمغامرة GTA، وحصلت ألعاب المغامرة على المركز الأخير بين عينة الدراسة.

ونوه محمد الحارثي، خبير أمن المعلومات والإعلام الرقمي، إلى أن هناك شكاوى ضد بعض الحسابات على الألعاب الأونلاين، التي يعتمد فيها المبتز على استدراج الضحايا عبر محادثات من خلال الميكروفون أثناء اللعب، للحصول على معلوماتهن الشخصية منهم، وكذلك حساباتهن على المنصات المختلفة.

الجولة الرابعة… ما دور الشركات في حماية اللاعبات؟

في الثاني من حزيران/ يونيو 2024، استكملتُ جولتي في لعبة "توب توب"، المكونة من مجموعة ألعاب مثل ورق اللعب (الكوتشينة)، والنرد، بالإضافة إلى غرف دردشة صوتية. دخلتُ غرفة دردشة تضم مجموعة من اللاعبين العرب، بعد الترحيب بي، كتب أحدهم لي عبر الشات الخاص، وكان "عُماني" حسب قوله، وسألني عن عمري واسمي، وبعد ذلك سألني عن التوصيف الدقيق لجسدي: "ضعيفة أو متينة، طويلة أو قصيرة، بيضة أو سمرة؟". حين سألته عن السبب، أخبرني أنه مجرد "فضول"، قلت له إن اللعبة تحذرني من أن المحادثة غير لائقة؛ فاقترح إلغاء الصداقة.

بالفعل ظهرت رسالة على التطبيق تخبرني أن المحادثة غير لائقة، وتخيرني بين حظر لاعب "توب توب" أو إكمال المحادثة، وقمت بحظره. لكن قبلها دخلت على حسابه للتأكد من وجود تحذير مكتوب أو علامة حمراء على الحساب -كما تفعل بعض تطبيقات الاتصال- لكن لم أجد شيئاً.

بحسب ملك، فإن اللعبة لم تعد تهتم بمكافحة التحرش على النسخة المجانية: "التواصل مع فريق الدعم صعب، لأن اللعبة تهتم بشكاوى الناس اللي بتدفع مقابل اللعب… ده عميل VIP".

أرباح شركات الألعاب الإلكترونية في 9 دول عربية

يقول الحارثي: "هناك سياسات في الألعاب العالمية للإبلاغ والتعامل مباشرة مع الحسابات، لكنها لا تتمّ إلا في نطاق ضيق يصل إلى 10% من مراجعة البلاغات".

تقول ملك إن علاقتها تدهورت بأسرتها: "قريبي اتكلم بعدها بأسلوب سيء وزعقلي وشتمني في الشات الجماعي". هذا السلوك يأتي منسجماً مع ما كشفته "دراسة الإعلام الرقمي"، بأن الألعاب الإلكترونية أثرت في التفاعلات والسلوكيات الاجتماعية.

فيما أخذتُ شهراً للتعافي من الأثر النفسي لهذه الجولات؛ يشير الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب بجامعة الأزهر، إلى ظهور مجموعة من الأعراض الناتجة عن صدمة التحرش، مثل: ضعف الأداء الدراسي للمراهقات، والانسحاب من الأسرة، وارتفاع الشعور بالذنب، مضيفاً: "الضحية دائماً تلوم نفسها على أنها مشاركة في هذا التحرش". وأكد النبوي ضرورة اللجوء إلى طبيب نفسي في حال ظهور أي أعراض نفسية.

الجولة الخامسة… هل تعيق مكافحة التحرش تنامي أرباح الألعاب؟

أرسلتُ من بريدي الإلكتروني الخاص باللعب في 13 حزيران/ يونيو 2024، رسالة إلى شركة "مون فروج" المُطوِّرة للعبة رمي النرد (لودو)، أخبرتهم بتعرضي لتحرشات لفظية من لاعبين، وبغياب الدعم من "إدارة دعم اللعبة". ردت الشركة بعد يومين، وتعهدت بالتحقيق في الإساءة المُبلَّغ عنها، واتخاذ إجراءات صارمة ضد اللاعبين. كما أرسلت عدة إيميلات -بصفتي الصحفية- إلى الشركات الواردة في التقرير؛ لكن لم يصلني أيّ رد حتى تاريخ نشر التقرير.

"تتعرض الفتيات لأنواع كثيرة من المضايقات منها التحرش والتعقب (...) فلو كتبت اللاعبة معلومات شخصية مع الإيميل الحقيقي، سيكون من السهل تتبع حساباتها على فيسبوك وانستغرام"... إلى أي مدى شركات الألعاب مسؤولة عن حماية اللاعبات؟ وإلى أي مدى تلتزم بهذه المسؤولية؟

تتضمن سياسة الأمان ومكافحة التحرش للعبة بابجي، وألعاب أخرى، أن "المضايقات خاضعة لقوانين كل بلد"، وفقاً لما هو مكتوب بسياستها. فعلى سبيل المثال، تتضمن سياسة الأمان في لعبة بابجي، حظر اللاعبين لمدة 30 يوماً فقط، عند ثبوت استخدام "سلوكيات تشكل تحرشاً جنسياً؛ مثل الكلمات البذيئة أو الأوصاف الجنسية".

تقول المحامية هالة دومة: "من الصعب جعل هذه القضايا دولية، لأن قضايا الأفراد تخضع للقوانين المحلية… التحرش داخل الألعاب الأونلاين يخضع للقانون المصري"، مضيفة أن مباحث الإنترنت المصرية لا تعترف بـ"سكرين شوت" أو تسجيل فيديو للعبة؛ لذا عادة ما يكون الإثبات صعباً.

من جهته يؤكد الحارثي أن الشركات المالكة هدفها أن يلعب الجميع؛ لذا عادة ما يكون الإبلاغ موجوداً لكنه مخفي، أو يصعب الوصول إليه من المستخدم العادي.

ويطالب الحارثي بضرورة مكافحة التحرش، من خلال وضع زر للطوارئ، أو الدعم ضد الإساءات، فضلاً عن إضافة تحذير ضد حساب الشخص المسيء.

ويوضح الحارثي أن الشركات العالمية قادرة على وضع معايير لمنع التحرش والإساءات اللفظية، خاصة الصوتية، بعمل حظر للحسابات، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمعرفة نمط التحرش والالتزام بميثاق اللعبة؛ لكنّ الشركات لا تحاول الاستثمار في هذه النقطة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image