شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل تُخضِع التهديدات الصحافيات السوريات؟

هل تُخضِع التهديدات الصحافيات السوريات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج.

اتهامات بالفبركة والتضليل، طالت الصحافية لامار أركندي (36 عاماً)، بعد أن نشرت إحدى القنوات العربية تقريراً لها، تتحدث فيه عن وجود "سبايا" في مدينة إدلب، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقاً بـ "جبهة النصرة".

تزامن نشر المادة الصحافية مع فترة تظاهرات شهدتها المدينة، منتصف عام 2023، قادتها مجموعة نساء يُطالبن بالإفراج عن السجناء السياسيين، المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام.

تقول أركندي عن التحقيق الذي نشرته وقتها: "كانت المادة دعماً للسوريات في تلك المناطق، تحدثتُ فيها عن الانتهاكات التي تعرضن لها داخل هذه السجون، وعن وجود سوق للسبايا".

عبر صفحتها الشخصية على فيس بوك، تعرضت أركندي لموجة من التعليقات المسيئة والبلاغات، كما تلقت تهديدات كثيرة بالقتل والخطف والسبي والاعتقال، وفقا لروايتها. تجاوزت التهديدات حدود التشهير بأركندي إلى الدعوة لإصدار مذكرة توقيف بحقها في تركيا ومناطق المعارضة. تقول أركندي: "كانوا يدعون الحكومة التركية لقتلي أو اعتقالي".

"كانوا يدعون الحكومة التركية لقتلي أو اعتقالي"... بسبب تقرير عن "سبايا إدلب"، تعرّضت الصحافية السورية لامار أركندي إلى موجة من التعليقات المسيئة والبلاغات، كما تلقّت تهديدات كثيرة بالقتل والخطف والسبي والاعتقال 

امرأة كردية

تقول الصحافية لامار أركندي إن الهجوم عليها اقترن دائماً بهُويتها الكردية: "أنا إنسانة سورية قبل أن أكون كردية". أركندي ليست الصحافية الوحيدة التي تعرضت لهذا النوع من الهجوم؛ فروناك شيخي (38 عاماً)، مراسلة قناة المشهد بالقامشلي، تؤكد أن انتمائها العرقي سبّب لها الكثير من المشكلات.

تقر الصحافية التي غطت الحرب على تنظيم داعش، وزارت المخيمات التي يقيم فيها عناصر التنظيم، إلى جانب تغطيتها للسجون والمعتقلات، بأن طبيعة عملها الصحافي يُعرّضها للكثير من المخاطر، لكنّها تزداد بطبيعة الحال، كونها امرأة تعمل في منطقة نزاع مسلح.

مخاوف متشابهة لدى الصحافية رزان أحمد (اسم مستعار)، وإن اختلفت الوجهة، حيث تخشى السفر إلى دمشق لاستكمال دراستها، وتعتقد بأن ذلك قد يُعرّضها للاعتقال؛ كونها عملت بإحدى الوكالات المحلية في منطقة الإدارة الذاتية، شمال شرقي سوريا.

أما الصحافي السوري جانو شاكر، فيرى أن تعرّض العاملين في المجال الإعلامي للتهديد والابتزاز إلكترونياً، ظاهرة متصلة بتداعيات "الوظيفة الرقابية" للعمل الصحافي، القائم على كشف الأخطاء وإظهار مواطن الخلل والفساد.

يشير شاكر إلى أن تأثير هذه التهديدات تكون له أبعاد أعمق، عندما يتعلق الأمر بالصحافيات: "لا يشمل التهديد الإلكتروني جانب الأمن والسلامة الشخصية للصحافية فقط، ولكنّه يصل إلى المساس بصورتها الاجتماعية، ومحاولة التشهير بها".

ويضيف: "في مثل هذه الحالات تبدو الصحافيات - مقارنةً بنظرائهن من الصحافيين - أقل حظاً ومقدرة على تحمل مثل هذه التهديدات، ليس لأن التمييز والأعراف الاجتماعية يقفان بجانب الصحافي؛ بل لأنهن في الغالب لا يجدن أيّ آليات مساندة أو إجراءات معروفة، من جانب المؤسسات التي يعملن لديها".

الخوف من التهديدات الرقمية التي تلاحق صحافيات سوريات

"تبدو الصحافيات - مقارنةً بنظرائهن من الصحافيين - أقل حظاً ومقدرة على تحمل مثل هذه التهديدات، ليس لأن التمييز والأعراف الاجتماعية يقفان بجانب الصحافي؛ بل لأنهن في الغالب لا يجدن أيّ آليات مساندة أو إجراءات معروفة، من جانب المؤسسات التي يعملن لديها"

آثار عميقة

تُظهر نتائج استطلاع شمل 714 صحافية، أجراه المركز الدولي للصحافيين بالتعاون مع اليونسكو عام 2020، أن الصحافيات اللواتي ينتمين لفئات عرقية، أو يملكن توجهات دينية معينة، يكنّ أكثر عرضة للعنف الرقمي.

وتؤكد الاختصاصية النفسية روجين شاويش، أن تأثير التهديدات على الأشخاص الأقل مرونة، يكون أكثر تعقيداً مقارنة بغيرهم، مضيفة: "التهديد بالقتل أو الخطف أو الاعتقال، للأشخاص الذين لا يمتلكون مرونة نفسية، قد يسبّب لهم ضغطاً نفسياً أكبر، وينتج عن ذلك الضغط عدة أعراض نفسية أخرى".

وبحسب الاختصاصية النفسية، فإن الضغط النفسي غالباً ما يتطور إلى حالة الصدمة، إضافة إلى أعراض جسدية مصاحبة، كالصداع المستمر، أو آلام المعدة والمفاصل والظهر، والشعور بالوهن العام. وتشير إلى أن الصحافية قد تلجأ إلى العزلة الاجتماعية، وتمتنع أيضاً عن ممارسة الطقوس الدينية المعتادة.

من جهة أخرى، يؤكد عمر الأسعد، مسؤول التواصل لدى المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، أن التهديدات الإلكترونية تؤثر سلباً في العمل الصحافي بسوريا، لأنها تطول الناشطين والناشطات في مختلف المجالات؛ نظراً لانتشار السلاح والفساد وتصفية الحسابات، وغياب البيئة الاجتماعية الحاضنة والداعمة.

هذه التهديدات قد تدفع الصحافيات إلى العمل في مجالات أخرى أكثر أماناً، تجنبهن التعرض لهذه الانتهاكات، وفق الأسعد.

قوانين وآليات محاسبة الجناة

يرى الحقوقي خالد جبر، أن الأزمة السورية فاقمت معاناة الصحافيات؛ لأن التهديدات والانتهاكات التي يتعرضن لها، إما بسبب مواقفهن تجاه قضايا معينة، أو بسبب توجه الوسيلة الإعلامية التي يعملن لديها.

ويؤكد جبر أن مناطق المعارضة السورية تُعدّ من أكثر المناطق هشاشة من الناحية الأمنية والقانونية، كما أن وجود التنظيمات الراديكالية يجعلها بيئة غير آمنة لعمل الصحافيات، مضيفاً أن عدم وجود قوانين للحماية من الاختراقات الإلكترونية، يزيد من حالات التدهور الحقوقي.

"الأزمة السورية فاقمت معاناة الصحافيات؛ لأن التهديدات والانتهاكات التي يتعرضن لها، إما بسبب مواقفهن تجاه قضايا معينة، أو بسبب توجه الوسيلة الإعلامية التي يعملن لديها (...) مناطق المعارضة السورية تُعدّ من أكثر المناطق هشاشة من الناحية الأمنية والقانونية، كما أن وجود التنظيمات الراديكالية يجعلها بيئة غير آمنة لعمل الصحافيات"

ويشير إلى أن إصدار قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، لعام 2022، في المناطق الحكومية، يُعدّ أمراً إيجابياً، وقد يؤدي إلى ردع جرائم الابتزاز؛ لكنّ حالة الفوضى والفساد والانفلات الأمني - بحسب جبر - تمنع تطبيق القانون.

ويُرجع المختص في القانون الدولي، خالد جبر، صعوبة محاسبة الجناة وعدم تطبيق القوانين، إلى الانقسام الحاصل في سوريا، حيث كل منطقة تسيطر عليها جهة مختلفة، وفي حال النزاع أو حتى الأحكام القضائية، فإن القانون الذي يطبق في منطقة الإدارة الذاتية، لا يمكن تطبيقه في مناطق المعارضة؛ كون الجاني في منطقة خارج سيطرتها.

وينوه جبر إلى وجود آلية أخرى للوصول إلى الجناة، خاصة إذا كانوا محسوبين على السلطة التي تدير المنطقة، وهي الاستفادة من الاختصاص العالمي لبعض المحاكم الدولية، كالمحاكم البلجيكية مثلاً، التي يمكن الادعاء أمامها. ويضيف أن الإجراءات القانونية تعتمد على معرفة وتحديد هُوية الجاني: "نواجه أحياناً أشخاصاً وهميين وغير حقيقيين، وبالتالي فإن الضحية قد تكون معروفة، لكنّ مرتكب الانتهاك غير معروف أو العكس".

"تغلّبنا على شعور الخوف من الموت منذ زمن"

تقول أركندي إنها تلقت الدعم من عدة جهات؛ فاتحاد الإعلام الحر، وهو مؤسسة نقابية مهنية مستقلة تعمل في مناطق شمال وشرق سوريا، قد أدلى ببيان استنكار، ونظم وقفة احتجاجية بمدينة الرقة شارك فيها عدد من الإعلاميين والصحافيين من مناطق مختلفة.

ومن جهته، أدان مكتب رصد وتوثيق الانتهاكات في شبكة الصحافيين الكُرد السوريين، الهجوم على الصحافيات في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء تلك التي تنشر بأسماء مستعارة، أو عبر قنوات ومنصات إعلامية محسوبة على الفصائل المسلحة المتشددة والراديكالية. وبحسب ما ورد في البيان، فإن التهديدات باتت شبه يومية، وتتضمن الاغتصاب والتحرّش الجنسي والترويع.

قام الموقع الإلكتروني بحذف تقرير أركندي، بعد ثلاثة أيام من نشره؛ لكن تمّ تداوله في عدد من الوسائل والمنصات الإعلامية الأخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image