"كاد البيت يحترق"... مخاطر النسيان لدى جيل الشباب

قد تظن أن مشكلة النسيان شيء عادي يتعرض له كل الناس، ولكنه قد يعرّض حياتك للخطر حين يحدث بشكل متكرر، وهذا ما حدث مع سماح محمد، التي تنسى باستمرار الكثير من تفاصيل حياتها اليومية، برغم أنها في عمر الشباب.

"الدخان ملأ الشقّة"

تقول سماح، البالغة من العمر 31 عاماً، لرصيف22: "النسيان أصبح جزءاً أساسياً من حياتي، فقد اشتري شيئاً وأنسى أنني اشتريته وأعيد شراءه من جديد، أو أقابل شخصاً ولا أتذكر اسمه وهو من العائلة، أو أنسى تفاصيل تخصّ الأولاد، ولكن المشكلة الأساسية تحدث لي في المطبخ".

"في إحدى المرات، نسيت اللبن حتى فار، وفوجئت بأن الدخان ملأ الشقة، وجريت لأطفئ النار فوجدت الإناء وقد تفحّم، ذهبت إلى غرفة الأولاد لأتفقدهم من شدة قلقي عليهم بسبب كثرة الدخان. كاد البيت يحترق"

تضيف سماح التي تعيش في محافظة كفر الشيخ: "أنسى باستمرار الطعام على النار، لدرجة أنه يحترق، وفي كل مرة أحاول التركيز وتذكير نفسي بأنني تركت الطعام على البوتاغاز، لا أتذكر. في إحدى المرات، نسيت اللبن حتى فار، وفوجئت بأن الدخان ملأ الشقة، وجريت لأطفئ النار فوجدت الإناء وقد تفحّم، ذهبت إلى غرفة الأولاد لأتفقدهم من شدة قلقي عليهم بسبب كثرة الدخان. كاد البيت يحترق".

وبسبب النسيان دائم، باتت سماح تعاني من القلق المستمر على عائلتها.

النسيان وأسبابه

تعليقاً على موضوع النسيان وأسبابه، يقول المعالج النفسي الدكتور أحمد عزت، لرصيف22: "للنسيان أسباب عضوية وأسباب نفسية، ومن المشكلات العضوية نقص الفيتامينات والمعادن، والاختلال في نشاط الغدة الدرقية، كما أن مضادات الاكتئاب تؤثر على الذاكرة ولكن الأمراض النفسية تؤثر بشكل أكبر وتسبب النسيان، مثل القلق والاكتئاب والتوتر، وكذلك الفصام والاضطراب الوجداني يؤثران على الذاكرة بشكل كبير".

ويتابع: "الشخص القلق أو الذي يتعرض لصدمة، يتعامل مع العالم كمصدر خطر، وتالياً ينسى ما يصيبه بسبب التوتر مع مرور الوقت، فهذا الشخص يرى أن الذاكرة ليست من أولوياته. كذلك ضغوط الحياة تسبب النسيان، فالموضوع بشكل عام مرتبط بالقدرة على التركيز، وأي شيء يؤثر على التركيز يسبب النسيان، فبعد الاكتئاب يحدث النسيان بنسبة كبيرة، سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم".

ويشرح عزت: "بالنسبة إلى المراهقين، هناك عامل أساسي يؤثر على الذاكرة، وهو تعلقهم المستمر والدائم بمواقع التواصل، وكذلك بالموبايلات والإنترنت. يؤثر ذلك على مدى تركيز الشخص ومن ثم يؤثر على الذاكرة، كما يمكن أن يكون الضغط الملقى عليه والرغبة المستمرة في تفوقه الدراسي سبباً في قلقه ونسيانه المستمر، ويصبح الموضوع خطيراً عندما يفقد المراهق قدرته على ضبط الكلام أو التعبير عن نفسه".

"الشخص القلق أو الذي يتعرض لصدمة، يتعامل مع العالم كمصدر خطر، وتالياً ينسى ما يصيبه بسبب التوتر مع مرور الوقت، فهذا الشخص يرى أن الذاكرة ليست من أولوياته. كذلك ضغوط الحياة تسبب النسيان"

في هذا السياق، يذكر موقع Bmcpsychology، أن الاكتئاب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشكلات التي تحدث في الذاكرة والقدرة على التركيز، ولا يوجد فارق في المرحلة العمرية، ففي دراسة قام بها الموقع على 74 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 21 و32 عاماً، تبيّن أن من يعانون من القلق والاكتئاب الحاد أو الأقل حدةً، هم عرضة للنسيان بشكل كبير مقارنةً بمن لا يعانون من أعراض الاكتئاب والقلق، وذلك بنسبة تزيد على 80%.

مشكلة المراهقين

تعاني سمية حسن، مع ابنتها (15 سنةً)، في الصف الثالث الإعدادي بسبب كثرة نسيانها، وتقول لرصيف22: "ابنتي تنسى بشكل مستمر وأتعب كثيراً معها. تزيد مشكلة النسيان مع بداية الدراسة إلى درجة أنها في بعض الأحيان تكون لديها امتحانات وتنسى أن تخبرني، كما أنها لا تتذكر المعلومات المهمة برغم أنها تراجعها باستمرار".

وتضيف سمية: "نصحني البعض بألا أضغط عليها، وحاولت ذلك، ولكن الدراسة تحتاج إلى تركيز شديد، كما أنني حاولت أن أعدل من عاداتها الغذائية وأركز على المكسرات، ولكن المشكلة أيضاً أنها لا تنام بصورة منتظمة، وهذا بسبب كثرة التزاماتها".

في هذا الإطار، تقول أخصائية التغذية العلاجية الدكتورة همسة الخالدي، إن النسيان يكون في بعض الأوقات مرحلةً مؤقتةً يمر بها الشباب والمراهقون بسبب نظام حياتهم الخطأ، والذي قد يتمثل في التوتر أو نقص في الفيتامينات والمعادن، وفي حال حدوث مشكلات في الغدة الدرقية.

وتضيف الخالدي لرصيف22: "النسيان ينتج أيضاً عن عدم وجود تغذية صحية وكثرة أكل الوجبات السريعة والأكل غير الصحي، وهذا بدوره يزيد من نسبة الالتهابات في الجسم، كما أنه يكون خالياً من أي قيمة غذائية. ونقص هذه الفيتامينات والمعادن يؤدي الى الشعور بالنسيان وعدم التركيز، ومن العوامل التي تؤثر أيضاً على الذاكرة، كثرة السهر وعدم النوم ليلاً ما يؤدي إلى قلة التركيز والنسيان".

يذكر موقع العيادة الطبي EmbraceU، أن تعرّض المراهقين للنسيان بصورة متكررة لا يعني أن هناك مشكلةً صحيةً مقلقةً، ولكن الأمر يكون في الغالب ناجماً عن الضغوط المستمرة، والتي تنتج عنها كثرة التوتر والتفكير المستمر في المطلوب والتوقعات التي يضعها الكبار وتكون سبباً رئيسياً للضغط عليهم.

ويرصد الموقع أسباباً أخرى رئيسية لتعرّض المراهقين للنسيان، منها عدم الحصول على قسط وافر من النوم، الإجهاد والقيام بمهام متعددة، عدم تناول العناصر الغذائية اللازمة، الاضطرابات الهرمونية، المشكلات الصحية مثل اضطرابات الغدة الدرقية، وكذلك الاكتئاب والقلق. وينصح الموقع بزيارة الأخصائي/ ة النفسي/ ة في حالة تفاقم حالة النسيان لدى المراهق بصورة مزعجة.

مشكلات في العمل

قد تسبب حالة النسيان مشكلات في مجال العمل، وهذا ما حصل مع رنا ناصر (30 عاماً)، من محافظة الإسكندرية، إذ إن النسيان كان يسبب لها بعض المشكلات في مجال عملها، حيث تختلط عليها مواعيد تسليم الطلبيات في بعض الأحيان.

رنا التي تعمل في إحدى المكتبات الكبرى، وتشرف على صفحات لبيع الكتب، حدث لها أكثر من مرة أن نسيت طلبيةً سبق أن اتفقت عليها مع أحد العملاء، وفق ما تكشف لرصيف22: "النسيان يسبب لي الحرج خاصةً حين يحدث في بعض الأحيان أن أعطي موعدَين في آن واحد، وفي اللحظة الأخيرة أتذكر ما حدث وأضطر إلى أن ألغي أحد الموعدين".

تحاول رنا التغلب حالياً على هذه المشكلة من خلال التدوين وتسجيل المواعيد والطلبيات الخاصة بالعمل، وذلك حتى لا تنسى أي موعد.

إن تعرّض المراهقين للنسيان بصورة متكررة لا يعني أن هناك مشكلةً صحيةً مقلقةً، ولكن الأمر يكون في الغالب ناجماً عن الضغوط المستمرة، والتي تنتج عنها كثرة التوتر والتفكير المستمر في المطلوب والتوقعات التي يضعها الكبار

تنصح أخصائية التغذية العلاجية الدكتورة همسة الخالدي، بأن يتم الالتزام بعدد من القواعد في تناول الطعام، وتشرح ذلك قائلةً: "من أهم العناصر المهمة للذاكرة هي الأوميغا 3، التي تكون موجودةً في الأكل الذي يحتوي على الدهون الصحية، مثل المكسرات والأسماك وزيت الزيتون، ولا بد من تعويض نقص الأوميغا 3، بأخذها عن طريق الأقراص والمكملات الغذائية، وتناول بعض الأطعمة المفيدة مثل اللحوم الحمراء والأوراق الخضراء لاحتوائها على الحديد والزنك، وتناول المشروبات المهدّئة للأعصاب مثل النعناع والشاي الأخضر".

بدوره، يقدّم الدكتور أحمد عزت، نصائح طبيةً مهمةً للتعامل مع مشكلة النسيان لدى الشباب والمراهقين: "علينا أولاً معالجة الأعراض. لو كان هناك اكتئاب أو قلق على المريض/ ة الذهاب إلى طبيب/ ة نفسي/ ة. لو كان هناك نقص في الفيتامينات عليه/ ا أن يتناول طعاماً صحياً ومعادن".

ويختم: "يجب التقليل من استخدام الأجهزة الإلكترونية مثل التلفون والتلفزيون، وأنصح بممارسة الرياضة فهناك تمارين تساعد على تنشيط الذاكرة مثل اليوغا وغيرها".

وعليه، إن النسيان المؤقت ليس مشكلةً خطيرةً إن تم التعامل مع هذه المسألة بالشكل المناسب، والتعرف على الأسباب التي تؤدي إلى فقدان التركيز بالنسبة إلى المراهقين/ ات والشباب، واللجوء إلى المساعدة الطبية لو لزم الأمر.