هاجرت العديد من العائلات اللبنانية بلدهم بفعل تداعيات العدوان الإسرائيلي، وبحسب تصريحات وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج حسن، تخطّت أعداد النازحين، حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مليوناً و400 ألف. اختار 20 ألفاً منهم اللجوء إلى العراق، عبر مطارات بغداد والنجف، ومنفذ القائم الحدودي مع سوريا.
نزوح بعض اللبنانيين إلى العراق، يرجع إلى التسهيلات التي أقرتها الحكومة العراقية منذ مطلع الأزمة في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، إذ وجّه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في 28 أيلول/سبتمبر الماضي، وبالتنسيق مع السفارة اللبنانية في بغداد، بمنح وثائق سفر سريعة للبنانيين الراغبين بالنزوح إلى العراق، وإعفائهم من شرط الحصول على سمة الدخول، كما أوعز بتمديد إقامات المواطنين اللبنانيين الموجودين في العراق، وإعفاء المخالفين لشروط الإقامة، وتوفير الخدمات الطبية والتعليمية لهم بالمجان.
تسهيلات حكومية
ساعدت الحكومة العراقية وبالتعاون مع العتبتين الحسينية والعباسية، في إسكان عدد من العوائل اللبنانية داخل محافظة كربلاء، واستغلّت "مدينة الزائرين"، -وهي مجمعات سكنية خاصة لإيواء الزائرين في المناسبات الدينية تبلغ طاقتها الإستيعابية 3000 شخص- من أجل استقبال العائلات النازحة من جنوب لبنان.
كما يتم التخطيط لإعادة فتح مخيمات النازحين السابقة التي استخدمت إبان الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بعد إعادة تأهيلها من جديد لإيواء أكبر قدر ممكن من الوافدين اللبنانيين إلى العراق.
بحسب تصريحات وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج حسن، تخطّت أعداد النازحين، حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مليوناً و400 ألف. اختار 20 ألفاً منهم اللجوء إلى العراق، عبر مطارات بغداد والنجف، ومنفذ القائم الحدودي مع سوريا
ابنة مرجعيون، فاطمة فنيش (65 عاماً) عاشت في قريتها آمنةً، لكن القدر لم يترك لها خيارًا سهلاً، فقد حطمت قذائف الحرب أحلامها وذكرياتها.
حينما كانت تنظر إلى بيوت جيرانها المدمرة، أدركت أن البقاء لم يعد ممكناً، فاضطرت لمغادرة مكان نشأتها إلى منطقة السيدة زينب في سوريا، حيث عاشت في شقة مهجورة وشبه مدمرة.
إلا أن أحد أقربائها نصحها بنزوح آخر، هذه المرة من سوريا نحو العراق، واستجابت فاطمة لهذا النداء، هرباً من سكنها البالي. فعبرت الحدود على متن باصات العتبات الدينية، التي خصصت لنقل النازحين إلى كربلاء.
هناك، من داخل أحد مجمعات العتبة العباسية، شعرت بشيء من الأمان كما تقول لرصيف22: "كنت أسكن في دار لا تصلح حتى للأشباح، لا تستطيع احتواءنا أنا وأحفادي سوياً، ولكن سكني داخل مجمع العتبة العباسية أشعرني بنوع من الهدوء".
تعيش فاطمة اليوم مع ابنتها ذات الـ31 عامًا، وأحفادها الثلاثة، في مكان يمزج بين ماضي كانت تعيشه أثناء زياراتها الدينية إلى العراق، ومستقبل يحمل أمل عودتها إلى بلدتها.
يُذكر أن ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أعلن عن تشكيل لجنة عليا لإغاثة الشعب اللبناني، وأكد استعداد العتبة الحسينية لاستضافة العوائل المنكوبة، والاستمرار في عمليات الإغاثة الإنسانية.
وكانت العتبة الحسينية قد استأجرت 5 فنادق في منطقة السيدة زينب في سوريا لإسكان العائلات اللبنانية النازحة، إضافة إلى إيفاد فرق طبية للعمل الإغاثي، كما تم التكفّل بنقل العديد من الجرحى جواً من أجل العلاج في مستشفيات العتبة في محافظة كربلاء.
لم تقتصر الجهود العراقية في نقل وإسكان الوافدين اللبنانيين على الحكومة والعتبتين، بل وظّف "الحشد الشعبي" إمكانياته من أجل نقلهم عبر باصات خاصة من منطقة السيدة زينب في سوريا إلى مُدن مختلفة في العراق، ومنها محافظة ديالى وقضاء الدجيل في محافظة صلاح الدين، إضافة إلى مناطق أخرى.
العثور على عمل
في زوايا الذاكرة، تجلس صور بحنينها، تحتضن أمواج البحر التي تلامس شواطئها كأنها تذكر الحكايات التاريخية القديمة، وفجأة تنقلب الألوان من الأزرق إلى الرمادي بفعل القذائف التي خطفت هدوء المدينة وتركت خلفها أشلاء تاريخها.
كريم حماد الخليل (26 عاماً)، يعمل في أحد المطاعم البحرية في مدينته صور، وكان يأمل افتتاح مطعمه الخاص يوماً ما، ولكنه وجد نفسه في زوبعة الإعتداءات الإسرائيلية التي طالت شارعه مطلع تشرين الأول/أكتوبر، فغادرها إلى سوريا مثل الكثيرين، بحثاً عن مأوى آمن.
في سوريا حاول أن يُعيد بناء حياته، وبحث طوال أسبوعين عن عمل ما، لكن الأبواب أُغلقت في وجهه، فاقتصاد سوريا مدمر بدوره، لذا توجه نحو بغداد. واستقر في فندق بمدينة الكاظمية، حيث عُرف بأنه لبناني.
انتقلت الستينية فاطمة من مرجعيون إلى سوريا نحو العراق، فعبرت الحدود على متن باصات العتبات الدينية، التي خصصت لنقل النازحين إلى كربلاء. هناك، من داخل أحد مجمعات العتبة العباسية، شعرت بـ"شيء من الأمان" كما تقول
لم يختم كريم يومه الرابع في العراق، حتى عرض عليه أحد رواد الفندق، بعد أن عرف قصته ومهنته، أن يعود معه إلى محافظة البصرة للعمل في مطعم يملكه ابن عمته. وبالفعل باشر عمله الجديد، يقول لرصيف22، وكأن الجسور قد مُدّت بيني وبين الناس "أتيت من الجنوب إلى الجنوب، ومن البحر إلى النهرين وخليجهما"، قالها وكأنه يعيد رسم خريطة جديدة لحياته.
ويضيف أن صاحب العمل الجديد سمح له بالسكن داخل المطعم، وعرّفه على مجموعة من الشباب البصري من أجل مساعدته على التأقلم في المدينة.
يقول: "على الرغم من صعوبة التفاهم مع اللهجة البصرية، أجد في عيون الناس ذلك الشغف بالمساعدة، يخففون من لهجتهم المحلية ويزيدون من الفصاحة حين الحديث معه".
والجدير بالذكر أن أعداد اللبنانيين الذين يعملون في العراق حتى من قبل العدوان الإسرائيلي قُدرت بحوالي 25 ألفاً.
هناك في قلب ضاحية بيروت، كان فادي حيدر (34 عاماً)، يقف في ورشته الصغيرة التي يعمل فيها على إصلاح الأجهزة المنزلية. يقول لرصيف22: "أسست ورشتي في مطلع العام الحالي، بدماء وتعب 3 سنوات عشتها سابقاً في العاصمة العراقية، حيث كنت أعمل في أحد مصانع الأجهزة الكهربائية المحلية، عشت خلال هذه السنوات باقتصاد شديد، جمعت كل ما جنيته من أجل أن أُسس مشروعي الخاص، ولكن الرياح لم تسر وفق ما تشتهيه سفينتي، فلم أكد أتم عامي الأول في الورشة الجديدة، حتى دمرها العدوان الإسرائيلي".
وعلى وقع الصدمة، قرر فادي العودة إلى العراق، هرباً من الحرب، لاجئاً إلى بلد يعرف طباع أهله وجغرافيته في آن واحد. فقد كان على تواصل دائم مع مديره السابق، مما سهل عليه العودة إلى عمله القديم في بغداد، وبراتب 650 ألف دينار عراقي (500 دولار شهرياً)، ولكنه عانى في إيجاد مسكن مناسب يحويه وأمه وزوجته وطفليه.
يضيف: "في البداية لم أتمكن من إيجاد سكن مناسب لعائلتي، فسكنت في فندق متواضع في شارع السعدون وسط بغداد، وبعد بحث مرهق تمكنت من إيجاد شقة بإيجار 200 ألف دينار عراقي، أي حوالي 130 دولاراً".
أحلام فادي لم تقتصر على الأمن، فهو عازم على تأسيس ورشة في بغداد ثم في الضاحية الجنوبية بعد انتهاء الحرب وعودة الحياة لها.
من الزراعة إلى الزراعة
كان أبو حسن، المزارع الذي تجاوز الستين من عمره، يقضي أيامه في قرية العباسية، حيث يعتني بأرضه، يقول لرصيف22: "لم أكن أتخيل يوماً أن أغادر أرضي، ولكن همجية الغارات الجوية الإسرائيلية الحالية، وإمكانية أن تطالنا قذيفة تقتلني برفقة عائلتي، قلبت الموازين، ودفعتني لترك أرضي هرباً".
في البداية، لم يكن يدري إلى أين يهرب. كانت الأحداث تتسارع والأوضاع تتغير بسرعة البرق، والخيارات ضئيلة، فإما سوريا أو العراق، فاختار أن يكون العراق وجهته بعد انتقال صديقه الذي زوّج ابنته لأحد العراقيين فيها قبل سنوات.
دخل أبو حسن العراق أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، واتجه فوراً نحو محافظة ديالى، وسكن في بيت ريفي منحه إياه أحد أنسباء صديقه، وعمل منذ دخوله في أحد مزارع الرمان والحمضيات، ويقول: "روحي خضراء لا أستطيع ترك هذه المهنة، إنها جزء مني، تعيد لي الحياة".
ومع ذلك، لا يخلو الأمر من صعوبات فهذه أول غربة يعيشها، وأول مرة يترك أرضه ومدينته، حتى أنه رفض أن يغادرها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، ولكن الأقدار شاءت أن يحصل ذلك، وعلى الرغم من محاولاته للتأقلم مع الوضع الجديد، فإن الحنين لأرضه لا يفارقه في سره وعلنه".
صعوبة الاندماج
ليس الاندماج في مجتمع جديد بالأمر السهل، فعلى الرغم من الالتقاء الثقافي العربي بين الشعبين العراقي واللبناني، إضافة إلى موروثات أخرى، ولكنهما مختلفان اجتماعياً، فالبيئة العراقية غير مألوفة للبنانيين، ولكن محاولات عديدة تُبنى لكسر هذه التحديات، ومنها تدشين مدارس جديدة وفقاً للنظام التربوي اللبناني.
وكان وزير التربية العراقية، إبراهيم النامس الجبوري، قد وافق أثناء لقائه بالسفير اللبناني في العراق، علي الحبحاب، على افتتاح عدد من المدارس اللبنانية في المحافظات التي تشهد حضوراً لبنانياً متزايداً. هذا بالإضافة إلى الموقف الشعبي المتضامن.
أوعزت الحكومة العراقية بمنح وثائق سفر سريعة للبنانيين الراغبين بالنزوح إلى العراق، وإعفائهم من شرط الحصول على سمة الدخول، وبتمديد إقامات المواطنين اللبنانيين الموجودين في العراق، وإعفاء المخالفين لشروط الإقامة، وتوفير الخدمات الطبية والتعليمية لهم بالمجان
تبدي سهير سعد النعيمي (31 عاماً) من بغداد، ترحيبها بالضيوف، وتقول: "العراق عاش فترات صعبة خلال السنوات الماضية، وشهد نزوح العديد من أهله، وعشنا فترات النزوح إبان الاقتتال الطائفي في عام 2006 بين سوريا ولبنان، ولم نشعر وقتها بالغربة، واليوم نسدد ما بذمتنا من دين للأخوة في لبنان".
كذلك يقول سعد طالب وهو ضابط في الجيش العراقي من محافظة بغداد، إذ يبدي تفهمه للمأساة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، إذ عاش البلدان فترات حروب خارجية وداخلية وموجات نزوح كثيرة، ويقول لرصيف22 إنّ الوجود اللبناني يساهم في تسريع الانفتاح العراقي على العالم وتبادل الثقافات.
من جهته، يستنكر عبد المحسن الناصري (59 عاماً) من محافظة صلاح الدين، إطلاق تسمية الضيوف أو النازحين على اللبنانيين في العراق، ويقول، "كانوا أهلنا قديماً يقولون في الترحيب بمن يدخل دارهم (عين غطة وعين فراش)، وهو مثل عراقي، يعني استعداد صاحب الدار لمنح أحد عينيه غطاء للضيف والعين الأخرى فراشاً يغفو عليه، دلالة على أهمية الضيف وتلبية كل احتياجاته.
أما زيد رحيم الشمري (52 عاماً) من محافظة كربلاء، فيرى أن وجود اللبنانيين بينهم يستند إلى الأخوة العربية والدينية، ويؤكد أن العراق يستضيف خلال الزيارات الدينية الملايين من الزوار، وهو قادر على استقبال اللبنانيين وتوفير كل احتياجاتهم حتى عودتهم سالمين إلى بلدهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم