على مدار أكثر من عام، تباينت مواقف دول أميركا اللاتينية تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، فبينما قطعت بعضها العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب رداً على جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، أيّدت أخرى إسرائيل في حربها، فيما وقف فريق ثالث من الدول موقفاً حياياً.
آخر هذه المواقف تمثل في إعلان نائبة رئيس نيكاراغوا روزاريو موريلو، أن بلادها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب حربها في غزة، وقالت موريلو إن "الإجراء ليس ضد شعب إسرائيل بل ضد حكومتها".
كذلك دَعت رئيسة المكسيك الجديدة كلاوديا شينباوم إلى الاعتراف بدولة فلسطين تماماً مثل دولة إسرائيل، تحقيقاً للسلام في الشرق الأوسط، كما أدانت الحرب الدائرة في هذه المنطقة معتبرة "أنها لن تؤدي أبداً إلى وجهة جيدة".
وقبل هاتين الدولتين، قطعت عدة دول من أمريكا اللاتينية علاقاتها مع إسرائيل رداً على المذابح التي تُرتكب في غزة، ومنها بوليفيا وتشيلي ومملكة بليز، فيما طردت البرازيل السفير الإسرائيلي لديها، واستدعت هندوراس سفيرها في تل أبيب احتجاجاً على تدهور الوضع الإنساني في غزة.
وبشكل عام، لا يمكن فصل مواقف دول أمريكا اللاتينية من الحرب الإسرائيلية على غزة عن تاريخ طويل تأرجحت خلاله مواقف هذه الدول بين التأييد المطلق لإسرائيل وبين دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما يتناوله التقرير التالي.
في البدء كان الدعم... لإسرائيل
البداية كانت في أربعينيات القرن الماضي، عندما أسهمت دول أميركا اللاتينية بدور كبير في إنشاء دولة إسرائيل، حيث حظي قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 بأصوات غالبية هذه الدول، حسبما يذكر ثائر طاهر فضل، في دراسته "أثر ظاهرة الدومينو السياسية في القارة اللاتينية ودورها في القضية الفلسطينية".
ضمّت الجمعية العمومية للأمم المتحدة آنذاك 57 دولة، 20 دولة منها من أميركا اللاتينية، أي أنها شكّلت أكثر من ثلث أصوات الجمعية.
وبحسب فضل، صوتت 13 دولة لصالح قرار التقسيم، وهي: البرازيل وفنزويلا وبيرو والأورغواي وهاييتي وغواتيمالا وجمهورية الدومينيكان ونيكارغوا وكوستاريكا والباراغواي وبنما والإكوادور وبوليفيا، وامتنعت عن التصويت 6 دول هي الأرجنتين والمكسيك والسلفادور وكولومبيا وتشيلي والهندوراس، فيما صوتت دولة واحدة ضد القرار وهي كوبا.
أعلنت نائبة رئيس نيكاراغوا أن بلادها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب حربها في غزة، كذلك دَعت رئيسة المكسيك الجديدة كلاوديا شينباوم إلى الاعتراف بدولة فلسطين تماماً مثل دولة إسرائيل
وفي عام 1949 صوتت 18 دولة من أمريكا اللاتينية لصالح قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي اعترف بدولة إسرائيل وقبولها عضواً في هيئة المنظمة، بينما امتنعت البرازيل والسلفادور عن التصويت.
ويرى فضل أن أسباب دعم دول أمريكا اللاتينية لإسرائيل يعود إلى تأثير الولايات المتحدة ونفوذها منذ ثورات القارة على الاستعمارين الإسباني والبرتغالي، وتقديم الدعم الأميركي لتلك الدول من أجل التحرر، وبذلك سيطرت أميركا على مجرى الأحداث في معظم بلدان هذه القارة تحت ستار مبدأ "مونرو" عام 1823، والذي نادى بضمان استقلال كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي، وكان من الطبيعي أن ينعكس الترابط الإسرائيلي – الأميركي على مواقف الدول اللاتينية.
وفي المقابل، عملت إسرائيل على تعزيز حضورها في القارة اللاتينية للمحافظة على المكاسب التي حققتها في المحافل الدولية، عبر فتح ممثلية في مونتيفيديو عاصمة الأوروغواي في كانون الأول/ديسمبر 1949 ، وكانت أول ممثلية إسرائيلية في القارة، والرابعة في العالم، ثم افتتحت قنصلية في بيونس آيرس في الأرجنتين، وأُخرى أرجنتينية في تل أبيب في السنة نفسها، وفي سنة 1952 افتُتحت إسرائيلية ممثلية في البرازيل، ثم في المكسيك سنة 1953، وافتتحت كل من الأوروغواي وغواتيمالا والبرازيل خلال سنتي 1952 و1953 ممثليات لها في القدس.
انحياز غير مشروط في حرب 1967
وفي ستينيات القرن الماضي، بدأت إسرائيل تولي أمريكا اللاتينية اهتماماً كبيراً، فأرسلت بعض المسؤولين من وزارتي الخارجية والزراعة لتقديم المساعدة التقنية إلى هذه الدول.
وبحسب جميل مصعب محمود، في دراسته "أميركا اللاتينية واليسار: الابتعاد عن الجار الأمريكي اقتراب من فلسطين"، كانت أولى الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع بوليفيا في سنة 1961، وبحلول سنة 1973 أصبح لديها ما يقارب 18 اتفاقية مع بلاد أميركا اللاتينية.
وبسبب الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية وسياساتها الخارجية تبنت هذه الدول الموقف الأمريكي في الأمم المتحدة خلال الحرب العربية - الإسرائيلية سنة 1967، عندما احتلت إسرائيل أراضي مصر وسوريا والأردن إلى جانب احتلالها أرض فلسطين. وبحسب محمود، كان مشروع قرار أميركا اللاتينية الذي قدمته إلى الدورة الاستثنائية للجمعية العامة التي عقدت في تموز/ يوليو 1967 هو الوحيد الذي وافقت عليه الولايات المتحدة ولم ترفضه إسرائيل.
بسبب الهيمنة الأمريكية على الدول اللاتينية وسياساتها الخارجية تبنت هذه الدول الموقف الأمريكي في الأمم المتحدة خلال الحرب العربية - الإسرائيلية سنة 1967.
كما امتنعت دول أمريكا اللاتينية خلال مناقشات الجمعية العامة عن إدانة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، واتخذت موقفاً يؤكد حق إسرائيل فى البقاء، مبلورة موقفاً أميركياً لاتينياً يتناقض تماماً مع موقف البلاد غير المنحازة، مثل المشروع الألباني والمشروع السوفياتي غير المنحاز.
وفي الوقت الذي قطعت أغلبية الدول الإفريقية والآسيوية علاقاتها بإسرائيل، منحت دول أميركا اللاتينية إسرائيل صفة المراقب الدائم في منظمة الدول الأمريكية، وهو تكريم لبلد من خارج نصف الكرة الغربي لم تحظ به إلا إسبانيا، مع أنها تقع في أوروبا الغربية.
معاداة منظمة التحرير الفلسطينية
لم تكتف دول أمريكا اللاتينية بمعارضة منظمة التحرير الفلسطينية ومقاومة منحها صفة المراقب في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فحسب، بل عارضت أيضاً مشروع القرار الخاص بحقوق الإنسان الفلسطيني وانتهاك إسرائيل هذه الحقوق، وهو المشروع الذي قدمته المجموعة العربية في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي عُقد في طهران سنة 1968، يذكر محمود.
علاوة على ذلك، رفضت الأرجنتين وبتأثير يهودي وأمريكي، المشاركة في لجنة ثلاثية خاصة تعيّنها الجمعية العامة للتحقيق في الأحوال المعيشية للسكان العرب في المناطق المحتلة، كما أن وزير خارجية غواتيمالا الذي كان آنذاك رئيساً للجمعية العامة سعى لعرقلة إرسال هذه البعثة، وناصرت بلاده إسرائيل عند مناقشة مجلس الأمن لشكوى تقدم بها الأردن ضد اعتداءات إسرائيل الجوية عليه في 17 مارس 1969.
وبعد ظهور حركة المقاومة الفلسطينية، بدأت وسائل الإعلام الأمريكية اللاتينية تتحدث عن الفلسطينيين وتصفهم بأنهم "إرهابيون ومتعطشون للدماء"، وأن إسرائيل "هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".
تغيرات جوهرية بعد حرب 1973
وفي أواخر ستينيات القرن الماضي وأوائل سبعينياته، حدثت تغيرات جوهرية في النظام العالمي ونظام الدول الأميركية والمنطقة العربية، أدت إلى حدوث بعض التغييرات لمصلحة القضية الفلسطينية، فعلى صعيد المجال الدولي، كما يذكر محمود، تراجعت السياسة الأمريكية في أميركا اللاتينية بسبب حرب فيتنام، وتداعياتها على المستوى العالمي.
حظي قرار تقسيم فلسطين في العام 1947 بأصوات غالبية الدول اللاتينية التي كان لها دور كبير في تأسيس إسرائيل، فقد ضمّت الجمعية العمومية للأمم المتحدة آنذاك 57 دولة، 20 دولة منها من أميركا اللاتينية، أي أنها شكّلت أكثر من ثلث أصوات الجمعية
وعلى الصعيد العربي حدثت زيادة هائلة في القوة المالية للدول العربية المنتجة للنفط نتيجة تضاعف أسعار البترول بعد حرب 1973، الأمر الذي ترتب عليه اكتساب النفط العربي قوة في السياسة الدولية، ما دفع بعدد من دول أمريكا اللاتينية، وبغرض تخفيف العبء عن كاهل اقتصاداتها، إلى تحسين علاقاتها التجارية بالدول العربية المنتجة للنفط، ما ساهم في زيادة حجم التبادلات التجارية بين الجانبين، وإحداث تغيير واضح في سياسات هذه الدول تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن ثم تزايد الوعي لدى الرأي العام الأميركي اللاتيني بعدالة القضية الفلسطينية.
وبحسب محمود، كانت كوبا من أوائل دول أمريكا اللاتينية التي خرجت على السياسة الأميركية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقطعت علاقاتها كلها بإسرائيل في سنة 1973، وتبعتها غويانا في سنة 1974، ونيكاراغوا في سنة 1979، وتحركت البرازيل وبيرو والمكسيك وتشيلي وفنزويلا وبنما بسرعة في الاتجاه ذاته.
وبينما ظلت غواتيمالا وهندوراس وباراغواي على مواقفها المتصلبة نوعاً ما ضد الفلسطينيين، اعترفت أغلبية أقطار دول أميركا اللاتينية بمنظمة التحرير الفلسطينية، وسمحت بفتح مكاتب إعلامية لها، حتى أن بعض وسائل الإعلام الذي كانت تسيطر عليها المؤسسات الغربية اتخذت موقفاً أكثر تأييداً للقضية الفلسطينية، فصارت منظمة التحرير الفلسطينية توصف بأنها "حركة وطنية"، لا "منظمة شيوعية" ولا "رجعية" كما كانت تُصور من قبل.
تدفق الأسلحة الإسرائيلية على دول أميركا اللاتينية
رغم هذا التغير في سياسة دول أمريكا اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن ذلك لم يؤثر على التعاون العسكري مع إسرائيل. وتذكر نظيرة محمود خطّاب في دراستها "النشاط الصهيوني في أقطار أميركا اللاتينية: مجالاته وأبعاده"، أن النشاط العسكري الإسرائيلي اقتصر في بادئ الأمر على إرسال المستشارين العسكريين لتطبيق تجربة الشباب الطلائعي المحارب "الناحال" في عدة أقطار في أميركا اللاتينية.
وحتى عام 1975 نشط ضباط من "الناحال" في 18 دولة في أميركا اللاتينية، وتركّز نشاطهم بدرجة رئيسية على تشكيل وحدات وكتائب على غرار "الناحال" وكتائب الفتوة "الجدناع". وشُكلت هذه الوحدات في كل من بوليفيا وكوستاريكا والإكوادور وهندوراس ونيكارغوا والبيرو وكولومبيا، وتنوعت مجالات نشاطهم بين التدريبات الرياضية وتعليم الحرف، إضافة إلى الندوات والمحاضرات السياسية، فضلاً عن التدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والهبوط بالمظلات واجتياز الموانع.
وواكب تدفق هؤلاء الخبراء العسكريين تدفق آخر للأسلحة المصنوعة في إسرائيل، والتي بدأت تصل منذ الستينيات، خاصة رشاشات العوزي ومدافع الهاون والألغام والمفرقعات وطائرات حرب العصابات والدبابات ومعدات إلكترونية، ومع مرور الوقت تحولت إسرائيل إلى أكبر مصدر للأسلحة إلى دول أمريكا اللاتينية. وتنقل خطاب عن مجلة "شحاكيم" الناطقة بلسان الصناعة الجوية الإسرائيلية، أن إسرائيل باعت أسلحة إلى تلك الدول بين عامي 1970 حتى 1983 بأكثر من ثلاثة مليارات دولار.
كانت كوبا من أوائل دول أمريكا اللاتينية التي خرجت على السياسة الأميركية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقطعت علاقاتها كلها بإسرائيل في سنة 1973، وتبعتها غويانا في سنة 1974، ونيكاراغوا في سنة 1979، وتحركت البرازيل وبيرو والمكسيك وتشيلي وفنزويلا وبنما بسرعة في الاتجاه ذاته
وتذكر خطّاب، أن ما ساهم في تحول أقطار أمريكا اللاتينية إلى أكبر سوق مستهلكة للأسلحة الإسرائيلية تلك الشهرة التي تحققت لهذه الأسلحة بفضل الدعاية التي روّجت لها ونشرت هالات حول دورها في الانتصارات التي حققتها إسرائيل في حروبها ضد العرب.
ومن أجل توسيع قائمة زبائنها في أميركا اللاتينية، اتجهت الصناعات العسكرية الإسرائيلية إلى تعديل منتوجاتها من الأسلحة بما يتلاءم وطبيعة أسواق هذه الدول، وجعلها أكثر ملاءمة لمتطلبات مكافحة حرب العصابات التي كانت تسود معظم أقطار هذه القارة آنذاك.
دور الجاليات العربية المهاجرة
وفي بداية الألفية الثانية اعترفت دول أمريكا اللاتينية بدولة فلسطين، باستثناء المكسيك وكولومبيا وبنما، والتي تربطها علاقات اقتصادية وعسكرية قوية بالولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء، حسبما يذكر عبد الناصر حسين الأعرج في دراسته "دول أميركا اللاتينية ودورها في دعم القضية الفلسطينية".
كانت باراغواي هي أولى دول أميركا اللاتينية التي تعترف بدولة فلسطين عام 2005 مع رجوع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وفي عامي 2008 و2009 انتهجت كوستاريكا وفنزويلا وجمهورية الدومينيكان نفس المسار.
وفي 2010، اعترفت أربع دول بفلسطين، وهي البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور، وفي 2011 توسعت القائمة لتشمل بيرو وتشيلي وغوايانا وبيرو وسورينام وأورغواي والسلفادور والهندوراس وسانت فينسنت، وبيليزي، ودومينيكا، وباربودا، وغرينادا، وفي عام 2013 غواتيمالا وهاييتي.
وبحسب الأعرج، كان للجاليات العربية في هذه الدول دور سياسي في دعم القضية الفلسطينية، ليس فقط على المستوى الشعبي، بل أيضاً على المستوى السياسي والدبلوماسي والثقافي، وظهر ذلك بعد أن تولت كثير من الشخصيات ذات الأصول العربية مناصباً سياسية رفيعة في دول أمريكا اللاتينية، مثل عبدالله بوكرم، وجميل معوض، وهما من أصول لبنانية، ووصلا إلى سدة الحكم في الأكوادور، الأول من 1996 حتى 1997، والثاني من 1998 حتى 2000.
ووصل ألبرتو فقوسة إلى رئاسة هندوراس في الفترة من 1998 حتى 2002، وهو من أصول فلسطينية، وكذلك طارق العصيمي ذي الأصول اللبنانية والذي شغل منصب نائب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إضافة إلى ماريو عبده بينيتيز، وهو من أصول فلسطينية، ووصل إلى رئاسة باراغواي عام 2018، وكان أول قراراته بعد وصوله إلى سدة الحكم أن أعاد سفارة بلاده من القدس إلى تل أبيب، وذلك بعد أن أقر الرئيس السابق للباراغواي هوراسيو كارتيس بنقلها في كانون الأول/ ديسمبر 2017.
وعودة إلى المواقف المتأرجحة
وخلال العامين 2017 و2018 تأرجحت موقف دول أميركا اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، وتم نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس في 14 أيار/ مايو 2018، بحسب فضل في دراسته المذكورة آنفاً.
وبناءً على ذلك، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2017 لرفض اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونال القرار تأييد 128 دولة حول العالم.
ويذكر فضل، أن دول أمريكا اللاتينية اختلفت حول هذا القرار، إذ صوتت 10 دول منها ضد قرار ترامب، وهي بوليفيا والبرازيل وشيلي وكوستاريكا وكوبا والإكوادور ونيكاراغوا والبيرو والأوروغواي وفنزويلا، فيما امتنعت عن التصويت 8 دول هي الأرجنتين وكولومبيا والسلفادور وهايتي والمكسيك وبنما والباراغواي والدومينيكان، بينما انحازت كل من غواتيمالا والهندوراس لصالح القرار الأمريكي.
غير أن الحراك الدبلوماسي الأمريكي الإسرائيلي أثمر عن إحداث تغيير في المواقف السياسة لصالح إسرائيل في ما بعد، حيث افتتحت غواتيمالا سفارة لها في القدس في 16 أيار/مايو 2018، أي بعد يومين من نقل السفارة الأمريكية، لتصبح بذلك الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ثم لحقتها الباراغواي حيث نقلت سفارتها إلى القدس بتاريخ 21 أيار/مايو 2018، إلا أنها غيرت موقفها بعد فوز الرئيس ماريو عبده بانتخابات الرئاسة في الباراغواي والذي أعاد نقل سفارة بلاده من القدس إلى تل أبيب في 5 أيلول/سبتمبر 2018.
كما صادق برلمان هندوراس على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس في نيسان/ أبريل 2018، وزار وفد من كبار المسؤولين إسرائيل في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2018 للتفاوض في عملية نقل السفارة، وبحسب فضل، اشترط الوفد عدة مطالب من بينها تعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأن تعمل إسرائيل على تحسين العلاقة بين هندوراس والإدارة الأمريكية آنذاك، وإعادة فتح السفارة الأمريكية في العاصمة الهندوراسة تيغوسيغالبا، إضافة إلى حصول الهندوراس على مساعدة إسرائيل في مجالات الفضاء السيبراني ومكافحة الجريمة المنظمة، وإرسال خبراء إسرائيليين بشكل دوري في مجالات المياه والزراعة. واُفتتح المقر الجديد في يونيو 2021.
لعبت الجاليات العربية وتحديداً اللبنانية والفلسطينية دوراً محورياً في تغيير سياسات الدول اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية، لا سيما مع دخول الجيل الثاني والثالث من أبنائهم للحياة السياسية.
أما الرئيس البرازيلي جائير بولسينارو فأعلن خلال حملته الانتخابية عام 2018 أنه يعتزم نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وذهب إلى أبعد من ذلك بقوله إنه ينوي طرد سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في بلاده، بادعاء أن فلسطين ليست دولة.
وفي ما بعد، أكد الرئيس البرازيلي أنه يتعرض لضغوط كبيرة من قبل رجال أعمال يخشون أن يتسبب قرار نقل السفارة البرازيلية إلى القدس في أضرار تقدر بالمليارات على عمليات التصدير والتجارة مع الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى خشيته تنفيذ هجمات إرهابية داخل بلاده، إلا إن نقل السفارة سيقع لا محال، وجوهر الأمر هو مجرد مسالة وقت.
المواقف من الحرب على غزة
اختلفت مواقف دول أميركا اللاتينية من الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث ساندت كل من الأوروغواي والباراغواي والسلفادور والإكوادور تل أبيب، بينما رفضت البرازيل وبوليفيا وهندوراس وكولومبيا وتشيلي والأرجنتين وفنزويلا وكوبا ممارسات إسرائيلية، فيما اتخذت دول أخرى موقف الحياد مثل المكسيك، وظهر ذلك على لسان رئيسها السابق مانويل لوبيز أوبرادور الذي قال "لا نريد أن ننحاز إلى أي طرف لأننا نريد أن نكون عاملاً في البحث عن حل سلمي"، وفق ورقة بحثية صادرة عن مركز المسار للدراسات الإنسانية بعنوان "دول أميركا اللاتينية وحرب غزة.. جذور المواقف وسياقات التحولات".
وتذكر الدراسة أن هناك أسباباً تقف وراء دعم بعض الدول اللاتينية للقضية الفلسطينية في هذه الحرب، منها الصراع التاريخي مع الاستعمار والإمبريالية، حيث أن شعوب أميركا اللاتينية عبارة عن خليط من السكان الأصليين (الهنود الحمر) والمهاجرين، وكلاهما تعرض لحروب استعمارية وأهلية في الماضي، وبسبب تجربتهما التاريخية المريرة فإنهم يجنحون للتعاطف مع عديد من القضايا الإنسانية.
وبحسب الدراسة، تتذكر شعوب أميركا اللاتينية إرث الحرب الباردة ودعم الولايات المتحدة للدكتاتوريين العسكريين في إخضاع دول القارة وقمع الحركات اليسارية، وقد عملت إسرائيل دوراً كوسيط رئيسي لنقل الأسلحة لهذه الأنظمة في أماكن مثل غواتيمالا والأرجنتين، بينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تدعم جماعات المقاومة تقنياً وحتى مالياً.
يضاف إلى ذلك أن بعض حكومات أميركا اللاتينية تربطها علاقات وثيقة بإيران، وهو ما يفسر جزئياً موقفها الناقد لسياسات إسرائيل، لذلك نظرت تل أبيب إلى قرار بوليفيا بقطع العلاقات الدبلوماسية معها باعتباره "استسلام للإرهاب ونظام آية الله في إيران".
وفي المقابل، اتخذت الحكومات اليمينية في كوستاريكا والباراغواي والأورغواي وبنما وغواتيمالا موقفاً لصالح إسرائيل. وتذكر الدراسة أن هذه الحكومات عملت خلال السنوات الأخيرة على توثيق علاقاتها مع تل أبيب كمدخل للتقارب مع الولايات المتحدة، وكذلك للحصول على المساعدات الأمنية وتعزيز التعاون في مجال نقل التكنولوجيا مع إسرائيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم