شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"ليه الأطفال يتعذّبوا وهمّا مش بيحاربوا؟"... كيف نشرح لأطفالنا عن الحروب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الثلاثاء 15 أكتوبر 202402:04 م

تتصاعد أحداث العدوان الإسرائيلي يومياً على كلٍّ من غزّة ولبنان، وهو ما يجعل الجميع في حالة من الترقب ومتابعة الأخبار باستمرار. ومع انتشار الهواتف المحمولة بين الأطفال، باتوا بغالبيتهم يشاهدون الأخبار وصور الضحايا بكل سهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويسألون عمّا يحدث، وما أسباب تلك الحروب، وكيف وصل الحال بأقرانهم الأطفال إلى هذا الوضع المرعب؟

اكتئاب أطفال

للأسف، إن الكثير من الأهالي لا يجدون الطريقة المناسبة للإجابة عن الأسئلة التي تدور في فلك الحرب، بصورة سلسة تصل إلى أذهانهم بسهولة ووضوح، حتى أن عدداً كبيراً من الأمهات كشفن أن أطفالهنّ دخلوا في حالة نفسية سيئة.

في هذا السياق، تقول المصرية لينا صالح (36 عاماً)، وهي مسؤولة علاقات عامة، لرصيف22: "أنا وزوجي نتابع يومياً أخبار غزّة ولبنان ويتابع ابني البالغ من العمر 10 أعوام الأخبار معنا، ويسألنا باستمرار عن أسباب الحرب، ونحاول أن نقدّم له إجابات مفادها أن الصهاينة هم أعداء العرب وأن الأطفال في فلسطين ولبنان أبطال، ونحاول أن نقدّم له إجابات منطقيةً قدر استطاعتنا".

وتضيف لينا: "فاجأني ابني ذات يوم بعد عودته من المدرسة، وسألني بكل براءة: ‘هو ليه الأطفال في غزّة اللي بيموتوا رغم إنهم أصحاب الأرض والحق وأطفال العدو مش بيحصل لهم حاجة رغم إنهم مش أصحاب الأرض ولا ليهم حق؟ وليه الأطفال يتعذبوا وهما مش بيحاربوا أصلاً؟’".

وتتابع: "أحاول قدر الإمكان أن أقدّم له معلومات صحيحةً حتى لا يضطر إلى أن يستقي معلوماته من خلال الإنترنت، خاصةً أن هناك العديد من المواقع التي تتعمد تشويه الحقيقة وتقديم معلومات مغلوطة للأجيال القادمة، فطفلي مثل جميع الأطفال يمتلك هاتفاً محمولاً ولديه فضول لأن يعرف ماذا يحدث ولماذا؟ وهو أمر طبيعي، فجميع الأطفال لديهم الفضول نفسه، لذلك أحاول جاهدةً أن أجيب عن جميع الأسئلة التي يقوم بطرحها".

"فاجأني ابني ذات يوم بعد عودته من المدرسة، وسألني بكل براءة: ‘هو ليه الأطفال في غزّة اللي بيموتوا رغم إنهم أصحاب الأرض والحق وأطفال العدو مش بيحصل لهم حاجة رغم إنهم مش أصحاب الأرض ولا ليهم حق؟ وليه الأطفال يتعذبوا وهما مش بيحاربوا أصلاً؟’"

بدورها، تقول يارا عمار من سوريا (42 عاماً): "قبل سبعة أعوام، فقدت والدتي وشقيقي إثر الأوضاع السياسية في سوريا، وبعدها قررنا المكوث في مصر. ابنتي عمرها 12 عاماً، وبرغم مرور وقت على ما حدث في سوريا إلا أنها ما زالت متأثرةً بفقدان جدّتها وخالها ومتأثرةً بانتقالها من وطننا وحرمانها من مدرستها وأصدقائها والعيش هنا".

وتضيف يارا، التي تعمل أخصائيةً اجتماعيةً في مدرسة خاصة، لرصيف22، أنه منذ تصاعد الأحداث الأخيرة في غزّة وتوتر الوضع في لبنان، وحالة القلق لدى ابنتها باتت في تطور ملحوظ: "تصحو من النوع بفزع، وأحياناً تصرخ بشدة من دون أسباب، وتسألني باستمرار متى سوف ينتهي كل ذلك؟ ومتى سوف يعود الأمان إلى الدول العربية وأولها سوريا؟ للأسف أحاول أن أشرح لها الوضع برمته، وكيف أن العدو سواء في غزة أو لبنان واحد، ويجب أن يتكاتف العرب حتى نستطيع مواجهته. هذا كل ما أجيب به عن أسئلتها، كما أحاول أن أشتت انتباهها عن متابعة الأخبار السلبية ولكنها تتابع كل شيء عن طريق هاتفها المحمول".

وتضيف يارا: "نحن الكبار نتأثر بشدة حين نرى صور الشهداء والضحايا فما بالك بالأطفال؟ حين سألت متخصصاً عن حالة ابنتي أجابني بأنها تعاني من اكتئاب أطفال، وهذه الحالة للأسف انتابتها منذ تصاعد الوضع السيئ في غزّة، وقد طلب مني الطبيب أن أخفي عنها أي شيء يذكّرها بأحداث سوريا وفقدان والدتي وشقيقي".

في سياق متصل، يقول زين عبد الله (35 عاماً)، لرصيف22: "لدي ولدان أحدهما في التاسعة من عمره والآخر في الثالثة عشرة، وفي الحقيقة أقع في حيرة من أمري بين أن أشرح لهما كل ما يحدث في غزّة ولبنان وأعرض عليهما صور الضحايا لأعزز في داخلهما كراهية العدو وترسيخ فكرة العداوة بين العرب واسرائيل، وبين ألا أضغط عليهما خاصةً أن لديهما هواتف ذكيةً ويتابعان الوضع من خلالها".

ويضيف عبد الله: "قبل فترة دخلت في نقاش حاد مع معلم الرسم الخاص بابني الأصغر، حيث قام بشرح العدوان على غزة ولبنان بطريقة تحمل عنفاً كبيراً من خلال جعل الطلاب يقومون بتجسيد الحرب وتمثيل سقوط ضحايا، وهو ما أثّر سلباً على نجلي وظل يخشى الذهاب إلى المدرسة لأيام عدة".

العنف الإلكتروني يُعلّم الأطفال التنمّر

في الواقع، هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن مشاهدة العنف على الشاشات التلفزيونية هو بمثابة تهديد حقيقي للصحة النفسية للأطفال والمراهقين/ ات، ويقلل من شعورهم/ نّ بالتعاطف مع غيرهم/ نّ، بل يزيد من شعورهم/ نّ بالعدوانية، فقد أفادت 24 دراسةً مشتركةً من كندا، هولندا، سنغافوة، ألمانيا، الولايات المتحدة واليابان، أُجريت على 130 ألف مشارك، بأن الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة العنف الإلكتروني يزيد من شعورهم بالتنمّر تجاه الآخرين، وأفادت أيضاً بأن شعور الأطفال بالعنف يزداد حينما يشاهدون عنفاً على الشاشة أو يلعبون ألعاباً عنيفةً على الهاتف.

تعليقاً على هذه النقطة، يقول الدكتور هشام ماجد، استشاري الصحة النفسية وعلاج الإدمان، لرصيف22: "في البداية تجب مراعاة عمر الأطفال، فالطفل الذي يقلّ عمره عن ستة أعوام من الصعب أن يستوعب مثل هذه المعلومات، لذا يجب أن يكتفي الأهل في تلك المرحلة بتقديم معلومة مبسطة بأن هناك حرباً بين الدول وبأن الأحداث هي نتيجة لتلك الحرب، أي أن تكون المعلومة مجردةً وسطحيةً لا يوجد فيها أي تعمّق، وذلك لأن الوظائف المعرفية لدى الطفل لم تتكوّن بعد في تلك المرحلة".

ويضيف الدكتور ماجد، أنه في المرحلة العمرية التي تتراوح من 6 أعوام حتى 12 عاماً، يمكن أن يقوم الأهل بشرح المعلومة عن الوضع سواء في فلسطين أو لبنان بشكل مبسط أيضاً، ولكن مع بعض المعلومات الإضافية، كالقول مثلاً بأن الإسرائيليين احتلوا فلسطين، أما فوق عمر الـ12 عاماً فيمكن شرح الوضع بشكل مكثّف ووافٍ وتقديم معلومات أكثر غزارةً.

كما ينصح الدكتور هشام ماجد، الأهالي بأن يحجبوا صور الشهداء والضحايا عن أطفالهم، لأن هذه الصور قد تسبب لديهم القلق والتوتر والخوف من كل شيء: "هذه الأعراض النفسية عادةً تظهر على الأطفال في صورة أعراض جسدية مثل الألم في البطن، والبكاء من دون أسباب، وعدم النوم".

الطفل لا يستطيع تمييز العنف

في حديثه إلى رصيف22، يقول الدكتور مصطفى رجب، العميد السابق لكلية التربية في جامعة سوهاج، إن الطفل حين يرى صوراً وفيديوهات لضحايا وشهداء غزّة ولبنان يتأثر سلباً: "الطفل لا يستطيع تمييز العنف لصالح من وضدّ من، ولكنه يعتاد على مشهد العنف ويألف الضرب والقتل".

"تصحو من النوع بفزع، وأحياناً تصرخ بشدة من دون أسباب، وتسألني باستمرار متى سوف ينتهي كل ذلك؟ ومتى سوف يعود الأمان إلى الدول العربية وأولها سوريا؟"

ويضيف رجب: "حين يعتاد الطفل على مشاهدة القتل، لا نعلم بعد ذلك إلى من سوف يوجه طاقة العنف بداخله والتي قد تخرج ضد أقرانه في المدرسة".

ويختم رجب حديثه بالقول: "التربية الأسرية هي الأهم في ترسيخ المعتقدات وليست التربية التلفزيونية".

إذاً من الضروري للغاية مراعاة أعمار الأطفال والانتباه جيداً إلى ما يشاهدونه على الشاشة من صور حروب وأحداث دامية، نظراً إلى انعكاس كل ذلك على صحتهم النفسية والجسدية حتى، فالطفل قد يعاني لسنوات من تبعات ما يشاهده.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image