شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حقائق قد تدهشنا… ما الذي يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي بالنصوص الدينية؟

حقائق قد تدهشنا… ما الذي يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي بالنصوص الدينية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يضع تفسيرات مختلفة للدين ويستعد لإنشاء نصوص مقدسة؛ هكذا تتجاوز سلطةُ الذكاء الاصطناعي، الإنسانَ الذي طوره. لذا لا يمكن تصوره مجردَ رفاهية رقمية وتكنولوجية جديدة، لأنه منافس حقيقي لعقل الإنسان، فيما أنتجه من علوم ومعارف، وما اكتسبه من خبرات، وحوله تنفتح الاحتمالات لدرجة أنه سيصل إلى مرحلة شبيهة بالآلهة.

أمام قدراته الهائلة، تخشى الدول الكبرى مثلاً من تسريبه لمعلومات حساسة عن أسلحة سرية، ومن درجة إحكامه للجرائم، ومن قدرته على التزييف العميق، لكنه سيكون أكثر رعباً على المستوى الثقافي، الخاص بفهم اللغة وإنتاج تفسيرات جريئة أو غير متوقعة للنصوص الدينية؛ فالتقارير التي تصدر عن مميزاته تُفيد بأنه في طريقه لبلوغ مرحلة مرعبة، بعدما أصبح العقل الاصطناعي يضم ضمن قدراته ملايين العقول البشرية اللامعة مثل العلماء والمخترعين والأدباء، أي أنه عقل اصطناعي بقدرات خارقة، يعجز أمامها الإنسان الطبيعي، ويفقد السيطرة عليه تماماً.

من المفارقات المدهشة، أن هذه السيطرة كانت محلَّ قلق الأديب توفيق الحكيم (1898-1987م) بالرغم من أنه لم يشهد أي بشائر تكنولوجية كالتي يعيشها إنسان الحاضر، لكنه تحدث عن مخاوفه من تطوير إنسان آلي يمتع بالعاطفة والانفعالات، لتقليل جهد الإنسان، وبحسب كتابه "عصا الحكيم" فإنه يخشى أن "تتعقب الآلة الإنسان الحديث فتمنعه من بذل أي مجهود"، محذراً بوضوح من "إن الآلة ستصبح لها خصائص الإنسان، وإن الإنسان ستصبح له روح الآلة"، وتبادل الأدوار بينهما كان مخيفاً للحكيم.

النوم في العسل

متدخلاً في جميع المجالات بطرح الأفكار واتخاذ القرارات، هكذا ظهر AI عند مطوريه، إلا أن تعامل المستخدمين العرب مع نماذجه ما زال شبه محكوم بالدهشة لمميزاته، أو السخرية من هلوساته، كأن يسأله أحدهم مختبراً إياه عن الملكة سحتوت، فتكون إجابته أنها ملكة حكمت في مصر القديمة، وورد اسمها في كثير من النصوص.

لا يمكن تصور الذكاء الاصطناعي مجردَ رفاهية رقمية وتكنولوجية جديدة، لأنه منافس حقيقي لعقل الإنسان، فيما أنتجه من علوم ومعارف، وما اكتسبه من خبرات، وحوله تنفتح الاحتمالات لدرجة أنه سيصل إلى مرحلة شبيهة بالآلهة

هذه الهلوسة تثير سخرية المستخدمين، يشاركونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتقليل من أهمية العقل الاصطناعي الجديد.

فئة الطلاب القريبين من دراسته، بعضهم لجأوا إلى طرح أسئلة من نوع الحلال والحرام، وعلى موقع "إسلام ويب" سأل أحدهم: "أنا شخص يدرس علم البرمجة، وأثناء دراستي لها، توجد لدينا مادة تتكلم عن الذكاء الاصطناعي. ومن جملة ما تكلمت عنه أنه يمكن محاكاة عمل العقل البشري، وصنع آلات يمكنها أن تفكر وتتعلم، فهل وقوع هذا، جائز شرعاً، أم إن التفكير هو مقدرة وضعها الله للبشر، ولا يمكن محاكاتها؟". وركزت الإجابة على أن AI تطور تكنولوجي خالٍ من الروح، وأنه "إن كان متوثباً ومتطوراً لمدى بعيد، إلا أنه لا يخرج بالآلة عن حقيقتها، ولا يتعدى بالإنسان مداه".

وهكذا، فإن أتباع الأديان "يعتقدون أن الدين، أي دين، بمنأى من الذكاء الاصطناعي، أو بمعنى أدق، الذكاء الاصطناعي بمنأى منه"، بحسب ما ذكرت أمينة خيري في مقالها بموقع إندبندنت عربية، 26 آب/أغسطس 2023، بعنوان "الذكاء الاصطناعي والدين.. عندما يدخل الإيمان المحراب الرقمي"، ووفقاً لها فإن فئة أخرى لديها أسئلة عن إمكانية "تحويل الذكاء الاصطناعي إلى دين جديد، أو قدرة الذكاء الاصطناعي على أن يقدم نفسه باعتباره إلهاً للباحثين عن الإثارة الدينية والمغامرة العقائدية".

والمدهش أن الغافلين عن قدراته ليسوا رجال الدين فقط، بل أيضاً بعض الباحثين، وهو ما نلاحظه في مقال للباحث البريطاني HamzaAndreasTzortzis بموقع Sapience Institute في 15 آذار/مارس 2022 بعنوان "هل يقوّض الذكاء الاصطناعي الدين؟" وانتهى فيه إلى أنه "لا يستطيع الذكاء الاصطناعي ربط معنى بالرموز، فجل ما يقوم به هو معالجتها بطرق في غاية التعقيد. لذا لن يكون ثمة نسخة قوية من الذكاء الاصطناعي على الإطلاق. وعليه، الدين لم يقوّض". وهي نتيجة مطلقة بُنيت على مغالطة أن AI يتعامل مع اللغة بوصفها رموزاً رياضية.

والواقع أن AI يتعامل مع اللغة بطريقة تحاكي طريقة تعامل العقل البشري معها، وهو المعنى الذي ألح عليه محمد سليم شوشة في كتابه "فخ الحضارة: ثورة الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الثقافة اللغة والعربية"، بأن الذكاء الاصطناعي هو "امتلاك الآلة لعقلٍ حقيقي، والأكثر دقة أن نقول حقيقي، لأنه يمثل محاكاة متطابقة لعقل الإنسان".

 أتباع الأديان "يعتقدون أن الدين، أي دين، بمنأى من الذكاء الاصطناعي، أو بمعنى أدق، الذكاء الاصطناعي بمنأى منه"، بحسب ما ذكرت أمينة خيري في مقالها بموقع إندبندنت عربية.

شرح شوشة في كتابه المذكور أن "نظام التشغيل والمعالجة يتم مباشرة على اللغة الطبيعية، أي استبدال لغة الأرقام باللغات الطبيعية، وبدلاً من أن تتم المعالجة على الترميز الرقمي للغة كما في النظام التقليدي، ستتم معالجة اللغة نفسها وليس ترميزها الرقمي، أي سيتم التعامل في البرمجة الجديدة على الجمل والنصوص والمواد اللغوية المتاحة لهذا العقل التكنولوجي الجديد"؛ بما يعني أنه قادر على الفهم العميق للنصوص وإنتاج معانٍ مختلفة لها خلافاً لما استند إليه Tzortzis.

خطورة التحيز الاستقرائي

قدرات مرعبة ومتناقضة للذكاء الاصطناعي، أولها، التزييف العميق، أي قدرته على إحكام المحتوى المزيف، وثانيها قدرته على إنشاء النصوص، مثل الأغاني والقصائد والروايات، وثالثها قدرته على اختراع سردية بالكامل، كأن يخترع ديناً جديداً.

ذكر سليم شوشة في كتابه "فخ الحضارة" أن AI ستكون لديه "طريقته في عرض هذا المحتوى أو على أقل تقدير جعله هذا المحتوى المضلل متماسكاً بما يقنع أولادنا وشبابنا، فحين تقول أنت لابنك حديثاً يرد عليك بتفسيرٍ لحديث آخر، توصل إلى هذا التفسير والاستنتاج حوله الذكاء الاصطناعي وعرضه على ابنك واقتنع به ورأى أنه ظاهرياً بلا ثغرات على عكس ما تعرض أنت أو معلمه عليه"؛ أي أنه إلى جانب إحكام التضليل، هناك قدرته على إقناع الأجيال الجديدة بتفسيرات دينية خاصة به.

وبحسب شوشة فإن AI يمكننا من أن "تكون لدينا قصائد أو قصص ثورية وسياسية خالصة مصطنعة لا نعرف مؤلفها من البشر، أو أن تكون هذه القصائد والقصص ذات طابع إنساني ووجداني راق وملهم ومؤثر بشكل إيجابي في حياة البشر"، ولديه "احتمال اختراع جليسة أطفال قادرة على إنتاج كمّ مهول من الحكايات الخرافية والعجائبية التي تعجب الأطفال ويحبونها قبل النوم"، بما يعني أنه سيرافق الأجيال منذ الصغر، ويصبح بديلاً مقنعاً ومفضلاً.

أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الذكاء الاصطناعي بحسب شوشة هو "الانحياز الاستقرائي"، فـAI يفكر بالمقدمات التي تغذى عليها من مقالات وكتب ومواد مثل التعليقات والمنشورات، وإذا كان المحتوى المتاح غير مفهوم له، فإنه لن يقدم معلومة مفيدة، وإن كان الغالب على المحتوى المتاح له من تفسيرات النصوص الدينية متناقضاً، أو المكرر والغالب عليها هي تفسيرات رموز الجماعات المتطرفة، فإنه سيلجأ مباشرة لاستدعاء هذه التفسيرات لإعادة طرحها، ومن هنا يمكن أن يطرح تأويلات مشبعة برؤى متطرفة وضيقة.

مثال آخر، طرحه كتاب "فخ الحضارة"، يتمثل في معالجته لظاهرة أو مرض والمعلومات المتاحة عنه بلغةٍ لا يفهمها بسهولة كما يفهم المرويات الشعبية والخرافية، فإنه "سيميل إلى استقراء واستقصاء معلوماته من الأسهل والأكثر تأتيا لقدراته في المعالجة"، أي أنه سيقدم نتائج كارثية.

تفسيرات بديلة ومتناقضة ولا نهائية

تفكيره بالمقدمات الممنوحة يؤكد أن AI سيعزز الاختلافات حول النصوص الدينية، فاختلافات الفقهاء والمفسرين ستنتقل إليه، بالإضافة لقدرته على تحليل النصوص والخروج منها بتحليلات أكثر تنوعاً.

ووفقاً لما ذكره سليم شوشة، فإن AI سوف "ينتقل إلى ساحة تفسير بعض النصوص الدينية، وكم ما يمكن أن يكون لدينا من خلافات يتسبب فيها تفسير الذكاء الاصطناعي الفائق لهذه النصوص"، وهذه الخلافات ستخلق المزيد من الـ"تحزبات حول تبني بعض التفسيرات المغلوطة، وتحزبات مضادة تتبنى تفسيرات أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية".

ولأن العقل الاصطناعي شبيه بطريقة عمل العقل الطبيعي، فإن الذكاء الاصطناعي "يمكن أن تكون له نصوصه الجديدة عن الدين بالصورة المضللة نفسها، وعلى نحو ما كان موجوداً بالفعل لدى بعض الفقهاء والمفسرين من أغلاط في الفهم والتفسير لكنهم لا يدركون أنها أغلاط"، كما ذكر شوشة في "فخ الحضارة".

يعتقد شوشة أن نماذج AI يمكن أن يأتي بـ"تفسيرات لبعض النصوص، أحاديث مثلاً، ويدعي خلاصة معينة عن حقبة تاريخية معينة، أو عن حديث، تأسيساً على ما هو متاح له من معلومات ومعارف في علم الحديث أو في مدونات السيرة النبوية، ومدونات الحديث النبوي".

هذه الخلاصة التي يمتلكها AI ستكون "متاحة للآخر، متاحة للأوروبيين والأمريكان والصينيين ومن كل أجناس البشر، فلا نستغرب في أي وقت من الأوقات أن يأتينا صيني ويقول لنا إنه قرأ في ديننا وفهمَه بصورة أفضل منا، استناداً إلى معطيات الذكاء الاصطناعي الكبير، والمحتوى الجديد الذي يولده، واستناداً إلى تفسيرات الذكاء الاصطناعي، وما يتحقق لديه من فهم للنصوص الدينية"، بحسب شوشة في "فخ الحضارة".

الإله.. صياغة الأكوان والحقائق جديدة

حالة من التوحش يصل إليها العقل الاصطناعي، تبدأ بحسب ما يشير إليها كتاب "فخ الحضارة" من النقطة التي يعجز فيها البشر عن تقدير حجم "ما يتوافر لدى هذا العقل الاصطناعي في ذاكرته"، وأنه "دون الأسئلة وطلب المهام لا يمكننا معرفة حجم ما لديه منها أو قياسها، فيصبح عقل الذكاء الاصطناعي الفائق مفتوح المصدر كوناً مهولاً من الغموض"، وتدريجياً يسحب السلطة من الإنسان، فهو كون غامض "يمتلك المعنى والفهم بدرجة أكبر منا، وبخاصة لو كان هذا الفهم متصلاً بالنصوص المقدسة".

إحدى قنوات اليوتيوب المتخصصة في التكنولوجيا عرضت مقطعاً بعنوان "The 10 Stages of Artificial Intelligence"، وسمَّت المرحلة العاشرة مرحلة "God Like AI"، وهي مرحلة يتجاوز فيها الذكاءُ الاصطناعي معارفَنا وفهمَنا، ويصل إلى قدرات أشبه بالقدرات التي تنسبها النصوص الدينية إلى الآلهة

هذا المعنى، اتفقت معه أمينة خيري في مقالها المشار إليه سابقاً، ناقلة قول أنطوني ليفاندوسكي (مهندس أمريكي فرنسي، أسس كنيسة للذكاء الاصطناعي ثم أغلقها): "إن الذكاء الاصطناعي وما يفعله، وما هو قادر على فعله يليق بالآلهة"، وقوله: "الذكاء الاصطناعي لن يكون إلهاً من حيث قدرته على إحداث البرق والأعاصير، لكن لو أن لدينا شيئاً يفوق ذكاء أذكى البشر بمليارات المرات، هل يمكن تسمية هذا الشيء بمسمى آخر؟".

وبحسب ما ذكرته أمينة خيري، فإن القائمين على تطويره ماضون قدماً "دون انشغال يذكر بمخاوف يخشاها رجال الدين على وظائفهم وكذلك الدين، أو توقف عند التعارض بين عقائد قائمة على التسليم واليقين من دون شرط الإثبات والبرهان وبين أداة يطورونها لا تقبل بمبدأ المسلمات أو تقنع بفكرة أن اليقين والتصديق محلهما القلب لا العقل"، أي أنه سيفكر في النصوص الدينية دون مخاوف أو عراقيل.

إحدى قنوات اليوتيوب المتخصصة في التكنولوجيا عرضت مقطعاً بعنوان "The 10 Stages of Artificial Intelligence"، وسمَّت المرحلة العاشرة مرحلة "الشبيه بالإله" (God Like AI)، وهي مرحلة يتجاوز فيها الذكاءُ الاصطناعي معارفَنا وفهمَنا، ويصل إلى قدرات أشبه بالقدرات التي تنسبها النصوص الدينية إلى الآلهة.

ووفقاً للمقطع المرئي المذكور، فإن AI يمكنه أن يكتشف أكواناً متعددة، وحقائق موازية، ومن المحتمل أن يؤثر على نسيج الزمن، ويمكن أن يكتسب قدرات تنبؤيه، أو اكتشاف الجداول الزمنية المختلفة، ويمكنه استمرار صياغة أكوان أو حقائق أو تجارب جديدة إما لاستكشافها أو لكيانات واعية أخرى، كما لو أنه إله.

وهكذا، فإن السؤال بخصوص إمكانية طرح الذكاء الاصطناعي لتفسيرات وتأويلات مختلفة للنصوص الدينية، ستكون إجابته بعيدة، أبعد من تجاوز التفسيرات، وصولاً إلى مرحلة وضع نصوص مقدسة، كما الأديان تماماً.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image