شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نحنا والحرب جيران

نحنا والحرب جيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 12 أكتوبر 202412:10 م

تصميم حروفي لكلمة مجاز

كما غنت الست فيروز "نحنا والقمر جيران"، ابتدعت نساء عائلة أبي عبارة  "إحنا والحرب توائم"، فما من حرب عالمية أو إقليمية أو أهلية اندلعت بالقرن الأخير إلا وقد شهدت ميلاداً لأحد أفراد عائلتنا، باليوم ذاته الذي قامت به الحرب، وكأننا أردنا أن يصبح سجلّ عائلتنا بمثابة تأريخ لفواجع البشرية.

ولد عم أبي الأكبر "صالح الكبير" في مدينة بورسعيد، بصيف العام 1914، وتحديداً بالثامن والعشرين من حزيران/يونيو، وهو اليوم الذي شهد اندلاع الحرب العالمية الأولى. تلقفته القابلة -التي لم يكن قد وصلها نبأ نشوب الحرب- وهي تهدهده وتغني له: "وش السعد ووش الخير، مطرح ما يخطي ترمحله الخيل".

استبشرت العائلة جميعها بمقدم الطفل الذي أزاح بميلاده قلقها من توابع الحرب، وتفرّغت للإعداد لحفل سبوع أول مولود ذكر للعائلة خلال خمس سنوات، وبينما انشغلت البيوت بتناقل أخبار الحرب وإشاعاتها، تفرّغ أهل بيت "صالح الكبير" للاحتفال بمجيئه على شرف حرب عالمية كبرى. انطلقت الزغاريد ووزعت الشربات على جميع الجيران، وعمّت الاحتفالات أرجاء الحي الإفرنجي.

عمّة يا عمّة يا زايحة الغمّة

كان من المفترض لجدتي أن تضع مولودتها الأولى "سهير" ببداية شهر نوفمبر للعام 1939، ولكن ضعف بنيان الأم وسوء نظامها الغذائي أديا إلى ولادة مبكرة قبل ذلك بشهرين. وُلدت عمتي الكبرى "بنت السبعة أشهر" في الأول من سبتمبر، وكما وضعت مصر كافة مواردها ومرافقها تحت تصرف بريطانيا في حربها العالمية الكبرى، وقدّمت للمجهود الحربي البريطاني كل ما لديها من أغذية ومحاصيل وموارد الطاقة والبترول والمواد الخام والعمالة، وضعت العائلة مواردها المتاحة للاحتفال بالمولودة الأولى للست "رزقة"، فذُبحت الديوك الرومية وصُنعت حلوى اللبن التقليدية، وأطلق الفرح نفيره العام في "حي المناخ" ليعلن عن ميلاد  توأمة غير متطابقة ومنفصلة عن شقيقتها؛ تلك الحرب الضروس التي تدور رحاها من مشارق الكرة الأرضية لمغاربها ولا تتشارك مع توأمتها في شيء سوى في الميلاد، فسهير مولودة من نور والحرب العالمية الثانية مولودة من نار، ولا زالت حتى الآن وفي كل عيد ميلاد لتوأمة المعركة الكبرى تصدح غرف بيت العائلة بصوت جماعي:-"عمّة يا عمّة يا زايحة الغمة". 

ما إن انهالت المباركات على رأس الأم بمناسبة حلول وليدها الذكر، حتى أذاع الراديو خبر تحوّل الحرب الأهلية بفلسطين الحبيبة إلى حرب عربية إسرائيلية شاملة بين عدد من الدول العربية والعصابات اليهودية المتطرفة... مجاز

الحرب من أول نظرة

بحلول ربيع عام 1948، كانت خالة أبي على وشك أن تضع مولودها الثاني، استشعرت "بهية" صعوبة ما هي مقبلة عليه، خصوصاً بعد أن صارت وحيدة بطولها في هذه الحياة، "فأبو العيال" قد خرج بلا رجعة، جذبه البحر وأغلق أحشاءه عليه، التهمه كما التهم أباه وعمه من قبل. قضت بهية شهور الحمل الأخيرة وهي منكفئة على ماكينة الخياطة لتؤمن لنفسها تكاليف الولادة وما بعدها، قامت بتفصيل أكثر من خمسين ثوباً للجيران، لتنتهي من العمل منتظرة حضور ولي العهد الذي سينتشلها هي وابنتها من وحدتهما المكثفة. ولد "عبده" بفجر الخامس عشر من مايو عام 1948، وما إن انهالت المباركات على رأس الأم بمناسبة حلول وليدها الذكر، حتى أذاع الراديو خبر تحوّل الحرب الأهلية بفلسطين الحبيبة إلى حرب عربية إسرائيلية شاملة بين عدد من الدول العربية والعصابات اليهودية المتطرفة.

لم تتغير استعدادت الأسرة، والتي قد أرسلت خيرة شبابها للتطوع في مرمى نيران المعركة. اعتبرت نساء العائلة أن الاستمرار في الاستعداد للاحتفال بالمولود هو صلب النصر وجوهر الغلبة. أتم "عبده" أسبوعه الأول في الحياة في أجواء احتفالية صاخبة لم يحضرها أبوه الذي ابتلعه " المالح"، ولم تسمع عنها توأمته الحربية التي لم تكتف مثله بخروف ذبح ليوزع على الأحباء والأصفياء، بل اختارت زينة أبناء خالاته كقرابين لنيرانها التي لم تنته حتى يومنا هذا.

يا أهل العرب أنا حالي انطرب

اضطر "صالح الكبير"، العم الأكبر لوالدي، الانتقال بزوجته الحبلى إلى بيت أمها الكائن بحي العرب، بعدما دُمّر منزلهما الذي كان موجوداً بالحي ذاته قبل أن تشنّ القوات الأنجلوفرنسية غارات مكثفة طالت منطقة الجمرك القديمة والكثير من العمارات السكنية، وبوسط كتل النيران المختلطة بقطرات المطر المنسكبة من سماء بورسعيد، ولد "طلعت صالح الكبير" بالخامس من نوفمبر بالعام 1956 بالحي ذاته الذي استقبل الحرب وتوأمها  البشري في يوم شهد امتزاج الدموع بالزغاريد. تكوّمت الجثث في عربات مجهّزة لتشييعها أمام منزل العائلة، بينما تكدّس البيت من الداخل بمختلف المهنئين الذين جاءوا  متشحين بالسواد ومحمّلين بالحلوى والهدايا احتفالاً بالمولود الجديد، ليستقبلهم "صالح الكبير" بأغنية ترحيبية يقول مطلعها: "يا أهل العرب" أنا حالي انطرب، الحي انكرب وقدومكم كفى ووفى وفاق الكرم"، وما إن خرج الجميع، حتى التحقوا بموكب تشييع شهداء الحي، وهكذا أتم "طلعت" شهره الأول بين أجواء احتفالية فدائية جنائزية، فالأسرة لم تتنازل عن توزيع علب "المِلبّس" على بقية المنازل المتبقية من الحي، كما اشتركت النسوة مع جدتي "رزقة" وجاراتها في إعداد وجبات منتظمة للفدائيين، وتحضير طبخات إلزامية لأهالي ضحايا العدوان الثلاثي في المدينة الباسلة. كبر طلعت وهو ليس ساخطاً على الظروف التي جعلت منه أخاً تؤاماً لحرب لا ناقة له، ولا لأهله، بها ولا جمل، وعرف حينما نضج أن ليس كل الإخوة يستحقون الانتماء لهم ولو كانوا توائم.

اقلب الحرب على فمها تطلع البنت لأمها

ذات ليلة صيفية قائظة لا يؤنس حرارتها إلا صوت الست  أم كلثوم وهي تصدح بأيقونتها "الأطلال"، وبينما يترقّب المصريون توافد الأنباء المبشّرة بنتائج المعركة المشتعلة على تخوم البلاد، ولدت العمة "سهير" ابنتها الوسطى "منال"؛ الفتاة الواعدة والتي جاء ميلادها بنسمات ربيعية منعشة، خفّفت من أجواء الرطوبة والترقب.

إنه الخامس من يونيو بالعام 1967، حيث الأخبار الطازجة والمتضاربة التي تنثال تباعاً من موجات الراديو، فبينما تتحدّث وسائل الإعلام الغربية عن ضربات موجعة ألمّت بالجيش المصري، تصرح الإذاعة المصرية بنصر ساحق وتلوح الجرائد  بهزيمة نكراء لجيش العدو الإسرائيلي. تتكوم الأنباء وتتكدّس مخلفة حيرة هائلة لدى المصريين عامة وأهالي مدن القناة خاصة، وقبل أن تجد في الأمور أموراً وهروباً من مصير التهجير الذي بات يقيناً مستقراً في صدور نساء العائلة، عقدت النسوة احتفالاً هائلاً كنوع من تشتيت الخطر المحدق.

بُسطت السجاجيد المركونة إلى الحائط ونُصبت الموائد وعُقدت الوليمة التي أريد لها أن تكون الأخيرة من نوعها، إذ لم يجتمع شمل هذا الجيل من العائلة ثانية في احتفال من هذا النوع، فمن مات قد مات، وهناك من أخذته الحرب كقتيل أو متطوع، وهاجرت البقية في شتات وزع على العديد من محافظات جمهورية مصر العربية.

إنه الخامس من يونيو بالعام 1967، حيث الأخبار الطازجة والمتضاربة التي تنثال تباعاً من موجات الراديو، فبينما تتحدّث وسائل الإعلام الغربية عن ضربات موجعة ألمّت بالجيش المصري، تصرح الإذاعة المصرية بنصر ساحق وتلوح الجرائد  بهزيمة نكراء لجيش العدو الإسرائيلي... مجاز

انتظار وانتصار

ست سنوات انقضت في انتظار مرير من أهالي مدن القناة الذين صبروا على مصير الشتات، وقع نصيب  عائلتي في مدينة "ميت غمر" كبقعة للعيش في أعقاب تهجير لا إرادي ومؤلم. استمسكت كل أفرع العائلة ببيت واحد من خمسة طوابق للسكنى، ما زاد من متانة أواصر الأسر المترابطة بطبيعة حالها. قبيل حلول خريف العام 1973 شعرت زوجة عمي "السيد" باقتراب آلام الوضع، الأمر الذي أربك الزوج المهموم بحالة اللا سلم واللا حرب الضبابية التي كانت تلف البلاد. لم تتردد نساء العائلة في التكفّل بالاستعدادت للولادة وما بعدها؛ إذ تم الاتفاق من قبل بعضهن مع طبيبة تتولى عملية التوليد،  فيما انخرطت البقية في إعداد وليمة استقبال المولودة، وبينما كانت تتم عمليات الطهي على قدم وساق في مطبخ البيت الرئيسي بالطابق الثالث، انطلق الراديو المركون أعلى رف منزوي بركن صغير بجانب شباك المطبخ بالبيان الآتي: "من إذاعة هنا القاهرة، إليكم أيها المواطنون البيان رقم 7 الذي صدر عن  القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية: بسم الله الرحمن الرحيم، نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس على طول المواجهة وتم الاستيلاء على منطقة الشاطيء الشرقي للقناة وتواصل قواتنا حالياً قتالها مع العدو بنجاح".

 انهالت الزغاريد تباعاً من جميع نوافذ البيت الكبير، وكأنه تدريب عملي على اختبار طبقات الصوت، وفي خضم هذا الفرح العارم انطلقت الآم الطلق لدى زوجة عمي، فجرى فتيان العائلة لإحضار الطبيبة في الحال، وقبل السابعة من مغرب السادس من أكتوبر للعام 1973 ولدت "انتصار الزمان السيد علي"، أول وليدة بعائلتنا تفخر لكونها شقيقة لحرب حملت معها بشائر النصر والعزة والكرامة، وظلت لوقت طويل تخلط المعايرة بالهذر وهي تذكرنا أنها التوأمة الوحيدة لحرب طال انتظارها، فكانت هي بمثابة مكافأة و"انتصار".

"أم الخدود"  تجيء في أم المعارك

لم تكن أمي تخطط للإنجاب بعد وفاة شقيقي الأكبر ومجيء شقيقتي الوسطى، اكتفت برعاية ابنتها ومتابعة عملها المرهق بين المستشفى والعيادة، لكن القدر كان له رأي آخر، حيث حملت بي بسهولة مذهلة، للحد الذي لم تصدّق به أنها حبلى سوى بعد إتمام تحاليل الحمل وظهور أعراضه المنغّصة عليها. كلفت أبي بطلب إجازة مرضية، إذ إن رحمها لا يسمح بالعمل والحمل في آن واحد، ثم لجأت إلى عملية ربط جنينها الذي سيصبح فتاة ذات وجنتين هائلتين فيما بعد.

كان أبي قد عاد من عمله كمهندس في السعودية ليكون بجانبها قرب الولادة القيصرية الشاقة، وما إن احتجزت أمي في المستشفى بعد منتصف ليل السابع من أغسطس للعام 1990، حتى اندلعت "أم المعارك" في الخليج العربي الذي اشتعل جراء وصول مئات آلاف الجنود الأميركيين، فيما اعتبُرت  هذه الخطوة أكبر عملية لنشر القوات الأمريكية منذ صراع جنوب شرق آسيا. بينما أرادت الولايات المتحدة ردع الرئيس العراقي صدام حسين وحماية المملكة العربية السعودية. تكفلت جدتي برعاية شقيقتي التي أصيبت بصدمة من فرط تعرّضها لنشرات الأخبار. حاول طبيب أمي حماية رحمها من خطورة انفجار المشيمة المتهالكة، استغرقت الولادة أكثر من سبع ساعات لأجيء أنا إلى العالم بوزن يزيد عن الثلاثة كيلوجرامات وتاريخ عائلي متجذر من الأخوّة  مع الحروب. لم يندهش أحد من العائلة من تزامن ميلادي مع تاريخ حرب إقليمية كبرى، حيث إننا كنا قد بلغنا موضعاً من الحميمية مع الحروب يجعل الاندهاش مرافقاً لمجيئنا إلى الحياة في أيام تخلو من المعارك. ألغي حفل السبوع المزمع، واكتفت أسرتنا بتوزيع "عقيقة" قوامها من كبشين، كي يتفرغوا لمتابعة أحداث عملية "درع الصحراء" التي ألقت بظلال حرائقها على كل الدول المجاورة، بمن فيها الأطفال وحديثي الولادة. 

من أم المعارك لغزو العراق: يا قلبي لا تفرح

أصيبت شقيقتي الكبرى بآلام الوضع قبل ميعادها المتفق عليه مع طبيبها بأسبوعين، الأمر الذي أربك الجميع، فلقد رتبت الأسرة أوضاعها على توقيت محدد لعمل عقيقة ولعقد احتفال كبير يليق بأول حفيدة لفرع أسرتنا شحيحة التزاوج والإنجاب، ذهبت أختي إلى مستشفى "هليوبوليس" برفقة والديَّ، اللذين تبادلا القيادة في شوارع القاهرة المظلمة قبيل الفجر، وبعد أكثر من اثنتي عشرة ساعة من "الطلق الحاد المستمر"، وضعت "سالي"، وليدتها الأولى والوحيدة "جنى" بعد عصر العشرين من مارس للعام 2003.

كانت قوات التحالف قد انتشرت براً في أرجاء العراق على خلفية مزاعم تخليصها من الإرهاب، ما أرسى شعوراً بالهزيمة على الشعب العربي عامة، وعلى أسرتنا بشكل خاص، إذ إن العراق يحتل مكانة كبرى في نفس والدي الذي عمل به لأكثر من عشرة أعوام. ألغيت حفلة السبوع المحضر لها منذ أكثر من شهرين، وعمل أبي على توفير أكثر من ثلاثة أضعاف الحفل للاشتراك في حملات إغاثة الشعب العراقي. أقيمت العقيقة بدون مراسم احتفال، ما خلف شعوراً بالفخر في نفس الصغيرة التي شبّت في كنف أسرة غلّبت المصلحة العامة على احتفال أسري لن يهنأ بانعقاده سوى عدد قليل من البشر ولعدد محدد من الساعات، هذا إن استطاع أحدنا الشعور بالهناء في هذه الظروف القاتمة والفارقة.

ما إن احتجزت أمي في المستشفى بعد منتصف ليل السابع من أغسطس للعام 1990، حتى اندلعت "أم المعارك" في الخليج العربي الذي اشتعل جراء وصول مئات آلاف الجنود الأميركيين... مجاز

آخر العنقود سكر معقود

أحبت ابنة شقيقتي "جنى" أن تخفّف عن حياتنا ثقل الأيام وصعوبة الأحداث المريرة التي تفتك ببقعتنا المنكوبة، فقامت بإهدائنا فتاة بارعة الجمال مثلها، لم نبذل جهداً كبيراً في الإتيان باسم للصغيرة التي جاءت ملابسات ولادتها متوافقة مع الظروف السياسية الطاحنة، بمساء الثالث والعشرين من سبتمبر للعام الحالي، وقبيل الانتظام بدراستها في الصف الأخير بكلية الآداب، شعرت "جنى" بانفجار المياه كالشلالات من بين فخذيها، ما جعلني أرتدي ملابسي وأوقظ أبي ليرتدي ما تيسر له من ملابس في أقل من عشر دقائق.

استقللنا سيارتنا القابعة في ركنتها الأزلية أسفل بنايتنا، أدرتُ الراديو تخفيفاً لأجواء التوتر لتنهمر منه أنباء الغارات الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة في وحشيتها على لبنان، انطلقت " جنى" بالصراخ مما جعلني أقوم بتغيير الإذاعة بشكل لا إرادي، تهادى إلى مسامعنا صوت فيروز المخملي الذي صاحبه توزيع جديد ابتدعته ابنة شقيقتي، وهي تضرب بقدميها في المقاعد الأمامية وتدق بيديها على النافذة بجانبها من شدة الألم. لم أتحمل كل هذا القدر من التشتيت، فاتني أن أنتبه لمطبّ عملاق ظهر كالعفريت فجأة أمامي، أخذته بمنتهى سرعتي ما أصدر أصواتاً حربية في محرك السيارة، عبرنا المطب وتوقفت السيارة تماماً. أصبنا جميعاً بدوار عنيف لم نفق منه إلا بعد ربع ساعة، التفت إلى الخلف لأجد عدداً قليلاً من البشر يساعدون ابنة شقيقتي ويحملون عنها صغيرتها التي سقطت من الرحم من قوة القفزة، ابتسمت سيدة مسنة إلىَّ وهي تسألني: "أنتِ جدتها؟ تتربى في عزك! حتسميها إيه بقى".

لم أفكر كثيراً، حضرتني الإجابة جاهزة من نغمات الراديو: "ريم، حسميها ريم".

ابتسمنا جميعاً بينما نتغنى مع صوت فيروز الآتي من الراديو؛ الشيء الوحيد الذي ظل يعمل في السيارة: "آخر أيام الصيفية، والصبية شوية شوية، وصلت ع ساحة ميس الريم، وانقطعت فيها العربية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image