شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لبنان... الحزن يتنامى فوق الأرض وتحت النار

لبنان... الحزن يتنامى فوق الأرض وتحت النار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الجمعة 18 أكتوبر 202409:51 ص

"هذا الصراع ليس الأول في المنطقة العربية ولن يكون الأخير، فهي مكان خصب للنزاعات منذ الأزل والسبب الأساسي في ذلك أنها مهد للأديان السماوية الثلاثة، وهنا تكمن مصيبتنا، فمعتنقو هذه الأديان يتناحرون في ما بينهم منذ أن هبطت إلى الأرض، ما يعني أن السلام في بلداننا هو هدنة بين حربين، وسيبقى التاريخ يكرر نفسه وتشتعل حرب بين الفينة والأخرى"؛ هذا ما يقوله علي، وهو شاب لبناني (25 عاماً)، لرصيف22، عن رأيه في الحرب الدائرة في لبنان.

بدورها، تقول مريم (اسم مستعار)، إنها تتمنى لو خلقها الله في الأصل خارج هذه البقعة الجغرافية: "الحظ في الحياة يلعب لعبته في انتمائك وخيارك ووطنك بمجرد ولادتك على أرض ما".

وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "يا ليتني لم أُخلَق هنا، أو على الأقل ليس في هذا التوقيت الذي يشهد كوارث إنسانيةً بسبب الحروب، فحب لبنان تعشَّقَ في قلبي ويؤلمني ما آل إليه اليوم بشدة. لا أستطيع النوم وأنا أتابع الأخبار، أو أسمع هدير القصف من بعيد. ألجأ أحياناً إلى تناول المهدئات كي أنام بهدوء".

هذه الحرب هزّت أرجاء البلاد، وبتنا نشهد كل يوم شهداء وجرحى ونازحين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين تركوا منازلهم بحثاً عن الأمان بعد استهداف اسرائيل أماكن عدة من البلاد، أبرزها جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، فكيف يحاول اللبنانيون/ ات والمقيمون/ ات في لبنان، لا سيما الشباب منهم، احتواء هذه الحرب ولملمة حزنهم/ نّ المتنامي يوماً بعد يوم؟

القلب لم يعد يحتمل

"لم تكن الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية في لبنان جاهزةً لاستقبال الناس المهجَّرين جراء ما حصل معهم بسبب الحرب، انتقلنا إلى حالة الطوارئ وما زلنا نحتاج إلى وقت للوصول إلى شرائح أكبر كي ندعم النازحين نفسياً ومعنوياً"؛ هكذا يجيب عمر، وهو يعمل في قسم الدعم النفسي في إحدى الجمعيات اللبنانية التي تُعنى باللاجئين.

وبينما كان الاهتمام مُنصَبّاً على اللاجئين/ ات السوريين/ ات والفلسطينيين/ ات المقيمين/ ات في لبنان، بات الاهتمام اليوم يتركز على الجميع بعد أن صار بعض اللبنانيين/ ات نازحين/ ات داخل بلدهم/ نّ.

"يا ليتني لم أُخلَق هنا، أو على الأقل ليس في هذا التوقيت الذي يشهد كوارث إنسانيةً بسبب الحروب، فحب لبنان تعشَّقَ في قلبي ويؤلمني ما آل إليه اليوم بشدة. لا أستطيع النوم وأنا أتابع الأخبار، أو أسمع هدير القصف من بعيد. ألجأ أحياناً إلى تناول المهدئات كي أنام بهدوء"

الوضع النفسي للمهجّرين/ ات يزداد سوءاً، ولم تعد تتسع قلوبهم/ نّ لتحمُّل هذا الوجع والتهجير في ظل الضعف الاقتصادي الحاصل في لبنان الذي لا يستطيع تحمُّل تبعات الحرب.

يتحدث الشاب اللبناني جاد (23 عاماً)، عن كيف ترك وأهله بيتهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، وغادروا في يوم وليلة بمجرد شعورهم بأن الخطر قريب. أخذوا أغراضهم المهمة وتركوا المنزل متجهين إلى جونية بحثاً عن مكان آمن، وهو يطمئن على بيته من خلال الجيران الذين يزورون الضاحية صباحاً بعد القصف الليلي، كما أنه ذهب مرةً إلى هناك وشاهد الدمار بعينه وعاد حزيناً.

يقول جاد لرصيف22، إنه يحاول أن يكبت مشاعره، فهو لا يستطيع البكاء برغم شعوره بحاجته إليه ويعتقد أن الصدمة هي من تسببت في ذلك وأن التروما قادمة لا محالة، وربما تظهر أعراضها عليه بشكل واضح مستقبلاً.

نزوح لا يعرف النهاية

تعاني دنيا، وهي شابة فلسطينية سورية تعمل مصوّرةً فوتوغرافية، منذ أشهر، من شروط الإقامة المعقدة في لبنان لمجرد أنها فلسطينية الجنسية؛ لا تستطيع الحصول عليها بأي شكل، وتلاحقها "لعنة" النزوح الفلسطيني التي لازمت أجدادها، لتجد نفسها مرةً ثانيةً محاطةً بالقصف الذي يستهدف محيط بيروت، فتهرع نحو طرابلس كي تكون في مأمن.

تقول دنيا لرصيف22: "الدخول إلى لبنان أو تحصيل إقامة فيه أشبه بمعجزة، حاولت في هذه الحرب التخطيط للذهاب إلى الإمارات، لكن قيل لي إنني لن أحصل على فيزا الدخول لمجرد أني فلسطينية".

لا تجد دنيا، أن العودة إلى سوريا خيار جيد حتى في الوقت الحالي، لأن البلاد تعاني على الصعيد الاقتصادي والخدماتي أكثر من لبنان نفسه، والعمل فيها أشبه بمضيعة للوقت، فالرواتب والأجور غير كافية لعيشٍ كريم، كما أن الخروج من لبنان قد يتسبب لها بختم "منع الدخول" إلى لبنان كونها لا تحمل إقامةً شرعيةً، وتالياً ستخسر أي فرصة للعودة إليه.

"عشنا مع اللبنانيين في الضاحية وفي مناطق أخرى كالإخوة، لم أواجه مشكلات مع أحد، كنا محبوبين وما زلنا، وعلاقتنا مع محيطنا طيبة جداً، وحتى في حالة النزوح هذه لم نشهد شخصياً على تصرفات عنصرية تجاهنا"

بدوره، ترك الشاب السوري محمد (اسم مستعار)، وأهله منزلهم في الضاحية الجنوبية لبيروت متجهين في نزوحٍ ثانٍ لهم -بعد النزوح من ريف إدلب- إلى منطقة أخرى، وفق ما يشرح لرصيف22: "لا يمكننا العودة إلى سوريا، فأنا وإخوتي الشباب مطلوبون للخدمة العسكرية الإلزامية، ومن المستحيل أن أبقى عالقاً في الخدمة الإلزامية في سوريا لسنوات، وأترك أهلي يواجهون مصيرهم، فلم تعد هناك مدة معينة للتسريح أصلاً، والحرب تهدد سوريا كما لبنان، ومنطقتنا في ريف إدلب غير مستقرة أمنياً ولا سياسياً، وبيتنا مدمّر منذ سنوات. إلى أين سنعود في ظل هذه الظروف؟... ‘ببقى بلبنان وبموت أحسن لي’".

وعن احتمالات مواجهة تصرفات عنصرية ضد السوريين في لبنان خلال هذه الأزمة، يقول: "عشنا مع اللبنانيين في الضاحية وفي مناطق أخرى كالإخوة، لم أواجه مشكلات مع أحد، كنا محبوبين وما زلنا، وعلاقتنا مع محيطنا طيبة جداً، وحتى في حالة النزوح هذه لم نشهد شخصياً على تصرفات عنصرية تجاهنا".

تعليقاً على هذه النقطة، يؤكد عمر أن المنظمات والجمعيات اللبنانية التي تعنى باللاجئين/ ات تقوم في الوقت الحالي بمساندة كل الجنسيات والطوائف دون تفرقة، فهي تقدّم خدماتها المادية والنفسية والمعنوية لكل محتاج بغض النظر عن جنسيته، وتحاول أن تغطي الاحتياجات في ظل هذه الفوضى التي حصلت بشكل مفاجئ.

القطاع الصحي اللبناني يتداعى

أعلنت منظمة الصحة العالمية في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أن 73 موظفاً في القطاع الصحي اللبناني استشهدوا جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وأوضحت المنظمة في منشور عبر صفحتها على منصة إكس، أن لبنان يواجه أزمةً صحيةً بسبب الهجمات الإسرائيلية عليه.

وعموماً، يعاني الاقتصاد اللبناني والقطاع الصحي من مشكلات شتى حتى قبل بدء الحرب، لكن اليوم يدخل هذا القطاع في تحدٍّ خطير يهدد وجوده وأمنه.

يؤكد جود، وهو ممرض لبناني يعمل في أحد المستشفيات في النبطية جنوب لبنان، أن الأوضاع المأساوية التي شهدتها البلاد لم يستطع القطاع الصحي اللبناني توقّعها: "تحولت الحياة بشكل مفاجئ من حياة طبيعية إلى حرب شبه شاملة والوضع الإنساني في لبنان يتدهور وسط ضربات متتالية للقطاع الصحي استهدفت المشافي والمستوصفات والمسعفين دون مبررات منطقية".

موت البشر في منطقة الشرق الأوسط بنظر القوى الكبرى المتحكمة بالعالم أو الفاعلة على الأرض، هو وسيلة ضغط على الرأي العام العالمي فقط، وكأن الغايات والمصالح أسمى من هذه الأرواح والذكريات والأحلام التي اندثرت في يوم وليلة

لكن كيف من الممكن أن يتعامل الأطباء والممرضون والمسعفون عملياً ونفسياً مع كل هذه الحالات والتهديدات التي يتعرضون لها؟ وكيف يمكنهم الفصل بين ما يرونه من مآسٍ وواجبهم المهني؟

يجيب جود: "من المؤلم أن تشاهد جرحى أو أشخاصاً مقطوعي الأيدي أو الأرجل أو الرؤوس، أو يموتون أمام عينيك، كل هذا لا يمكن إلا أن يتأثر به الممرض أو الطبيب نفسياً. شخصياً، حاولت الفصل بين مهنتي السامية ومشاعري تجاه المصابين، وإلا كنتُ سأنهار ولا أستطيع فعل شيء لهم".

ويتابع: "حالياً لا يمكنني الخروج من المستشفى، فهناك مرضى وجرحى في رقبتنا، لا يمكن أن نتركهم في وضع صعب كهذا برغم كل شيء".

يخشى محمد أيضاً، لأنه سوري، من أن يتعرض وأهله لإيذاء جسدي أو أن يحتاجوا إلى دخول المستشفى ويقول: "نحن غير قادرين على تحمل الأعباء المادية للعلاج، فليس لدينا المال الكافي ولا يغطينا أي تأمين صحي، ومفوضية شؤون اللاجئين أكبر كذبة، ففي كل هذه السنوات التي كنا موجودين فيها في لبنان حصلنا على مساعدات غذائية، ست أو سبع مرات فقط، والمشكلة أن كثيراً من اللبنانيين يظنون أننا نعيش على مبالغ هذه المساعدات، وهي فعلياً لا تكفي لمدة أسبوع، هذا في حال حصلنا عليها".

بات الوضع النفسي والصحي لكل من يقيم في لبنان صعباً جداً مع تنامي الصراع في البلاد، فالجميع ينتظر أن تنتهي الحرب بأقصى سرعة كي يعودوا إلى حياتهم الطبيعية، لكن المصير ما زال مجهولاً ولا أحد يعرف إلى متى ستستمر المأساة، فموت البشر في منطقة الشرق الأوسط بنظر القوى الكبرى المتحكمة بالعالم أو الفاعلة على الأرض، هو وسيلة ضغط على الرأي العام العالمي فقط، وكأن الغايات والمصالح أسمى من هذه الأرواح والذكريات والأحلام التي اندثرت في يوم وليلة.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image