تزدهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي المزادات العلنية التي تُعقد لبيع الأغنام وشرائها في سوريا (خِراف، وكِباش)، بأسعار مرتفعة جداً، وأحياناً خيالية وغير متوقّعة بالنسبة للمواطنين الذين يقطنون داخل البلاد حيث فوجئوا بشرائها بأسعار تناهز في بعض الأحيان آلاف الدولارات للرأس الواحد على خلاف أسعار السوق المحلية التي قد لا يتجاوز فيها سعر الكبش الواحد من نوع العواس 350 دولاراً.
وفي حين تغيب لحوم الأغنام عن موائد الكثير من المواطنين نتيجة الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع أسعارها مقارنةً بدخولهم، يتساءل كثيرون عن أسباب ارتفاع أسعارها والإقبال الكبير على شرائها سيّما في دول خليجية وأوروبية رغم صعوبة نقلها خارج البلاد.
ووفق الإحصائية الرسمية المعلنة، فإن عدد الأغنام في سوريا حتى عام 2011 بلغت 18 مليون رأس، بينها 11 مليوناً و800 ألف غنمة حلوب. وفي عام 2015، انخفض العدد إلى 13 مليوناً و700 ألف رأس. وفي إحصائية رسمية معلنة، في تمّوز/ يوليو 2023، وصل عدد الأغنام في سوريا إلى 13 مليوناً و900 ألف رأس.
دماؤها "الصافية" وألوانها
المتخصّص في بيع وشراء الأغنام عبر مواقع التواصل في المنطقة الشرقية من سوريا، الوسيط دحام الفاعوري، تحدّث لرصيف22 عن صنف نادر من الأغنام السورية ازداد الطلب عليه منذ عام 2014 من خارج سوريا وخاصة في دول خليجية، بهدف تجنيسه مع أغنام أخرى من بينها النعيم حيث يباع بآلاف الدولارات حسب درجات الجمال، ويطلق على هذا الصنف "غنم الحروك".
تحدد أسعار الكبش أو الغنمة من نوع الحروك عدة عوامل من بينها درجات الجمال وعمرها، وكذلك إذا كانت عشاراً، ومدة الحمل، والحجم، واللون. وتراوح الأسعار ما بين 10 آلاف و 20 ألف دولار، ويبلغ سعر الفحل من الصنف الأول 20 ألف دولار، أما الغنمة فيراوح سعرها بين 3 آلاف و6 آلاف دولار
"صافي الدم" هي من عبارات الترويج التي يرددها ويتباهى بها التاجر خلال عمليات بيع "الحروك" سواء من أرض البازار - السوق الذي يباع فيه الغنم - أو في فيديوهات وصور تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعني أنه، وكما يبيّن الفاعوري، من النوع الأصلي لهذه السلالة، وهي أغنام عرب الحركية في بادية محافظة حمص السورية. ويُقصد بهذا التعبير أن يكون أب الكبش وأمه من النوع نفسه (الفحل حركي الأم حركية)، فجميعها من النوع نفسه ولا يختلط بهذه السلالة أي نوع من الأغنام الأخرى.
هذا علماً أن عرب الحروك أو "الحركية" هم أناس يقطنون غرب حمص وشرقها، وتنسب الأغنام لعشيرتهم، ومع أنّ سلالة الحروك منتشرة لدى مربي الأغنام عموماً، إلا أنّ النوع الأصلي القديم "صافي الدم" الذي لم تختلط معه أغنام من السوق، موجود حصراً عند أصحابها "عرب الحروك" في البادية السورية بمحافظة حمص.
ومع أن أغنام الحروك تمتاز بألوان مختلفة، إلا أن المطلوب والمرغوب للكبش أو الغنمة، بحسب الفاعوري، أن يكون ثلاثة ألوان للرأس الواحد، ويطلق عليها "وزرة" من الأمام عند الرأس حمراء، وفي الوسط بيضاء، ومن الخلف حمراء. هذا إضافةً إلى صفات أخرى تُميّز الحروك عن غيرها من أنواع الأغنام مثل: ارتفاع القوائم الأمامية، وارتفاع الصدر فهو يشعر بالشموخ، وأن يكون لديها خلف الرأس عند الكتف حدبة (مثل سنام الجمل)، وأن تكون ذات رقبة طويلة فيما يكون رأس الكبش ضخماً خلف القرون، وأنفه عريض مقوّس، علاوة على أن يكون فم الفحل أبيض أشيب مربع الشكل، وليّته مرتفعة، والأفضلية دائماً للفحل أو الغنمة ذوات الأرجل حمراء اللون.
وعلاوة على كل ما سبق، يُفضل وجود علامة مميزة - قلة قليلة من يعرفها - وهي خط أسود في منتصف القرون، وأغلب سلالة الحروك تنتج توائم، أما عن طعامها فالاعتماد الأكبر على مادة الشعير بنسبة 60%، في حين يتم إطعام الأصناف المميزة منها الأعلاف بشكل كامل مع التلقيح بشكل دوري، وهو ما يعني أن تربيتها مكلفة جداً.
الأسعار والثقة في التعامل
أما عن الثقة في عملية البيع والشراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيوضح الفاعوري أنّ العملية تتم من خلال الذهاب إلى المربي أو من خلال الوسطاء بين الطرفين، حيث يقوم طرف ثالث موثوق "الوسيط" باستلام المال من الشاري ومن ثم تسليمه الأغنام، ودائماً تقع على عاتق الوسيط مسؤولية فحص الأغنام واكتشاف أي عذروب "شيء مخالف لمواصفات الحروك المرغوبة"، وفي هذه الحالة يتم استرجاعه مباشرةً. ولم يخفِ الفاعوري حدوث بعض عمليات الغش، لكنه يؤكّد أن غالبية الوسطاء يحرصون على بناء السمعة.
بعد التأكّد من سلامتها، يقوم الوسطاء بإيصال الأغنام - عبر التهريب - إلى لبنان أو العراق ومن ثم إلى الخليج حيث لا تسمح الحكومة السورية بتصدير إناث الثروة الحيوانية. كما تُهرّب الأغنام إلى تركيا. وفي حال سُمِح بتصديرها، يقول الفاعوري إنه يمكنه تسويقها في جميع دول العالم لأنها مطلوبة وخاصة في أوروبا، وتركيا، والخليج، وأمريكا.
هذا علماً أن أغلب عمليات البيع والشراء تتم في الأسواق المحلية لعدم القدرة للتصدير إلى الخارج، والذي يحكم أسعار الكبش أو الغنمة هو درجات الجمال وعمرها، وكذلك إذا كانت عشار - أي في رحمها طليان - وكذلك مدة الحمل والمدة المتبقية لولادة الغنمة، وحجمها، ولونها، إذ تراوح الأسعار ما بين 10 آلاف و 20 ألف دولار، ويبلغ سعر الفحل من الصنف الأول 20 ألف دولار، أما الغنمة فيراوح سعرها بين 3 آلاف و 6 آلاف دولار.
أما الدرجة الثانية من السلالة، فيراوح سعر الفحل فيها من 7 آلاف إلى 10 آلاف دولار، وسعر الغنمة من 2500 إلى 5 آلاف دولار بينما أسعار الدرجة الثالثة منها يراوح سعر الفحل فيها بين ألفين و3500 دولار، وسعر الغنمة بين ألف و 2500 دولار. في حين أن الدرجة الرابعة يراوح سعر الفحل فيها بين 900 و1500 دولار، وسعر الغنمة بين 650 و1000 دولار. والدرجة الخامسة يراوح سعر الفحل فيها بين 600 و850 دولاراً، وسعر الغنمة بين 500 و700 دولار. أما أسعار الأغنام العادية من العواس في السوق المحلية داخل سوريا، فيبلغ سعر الكبش العادي 350 دولاراً، وسعر النعجة
في سياق متصل، يلفت الفاعوري إلى أنّ أغنام النعيمية تأتي في المرتبة الأولى من ناحية الجمال، وهي تُنسب إلى عرب النعيم في سوريا والخليج، ويُباع الرأس الواحد منها بأسعار باهظة جداً حيث بيع مؤخراً فحل واحد منها في مزاد علني في السعودية، تحديداً في منطقة حفر الباطن، بـ100 ألف دولار، بحسب الوسيط السوري.
إلى ذلك، ينوّه الفاعوري بأن الطلب على أغنام الحركية راهناً أكثر من غيرها، في وقت أصبح لدى دول الخليج سلالات مميزة من خلال تهجين أغنام النعيم مع الحركية، ويوجد كثير من الأسماء العريقة التي تشتهر بها سوريا ذات السلالات المميزة، ويطلق على أماكن تربيتها "مراح المربي فلان"، منها غنم الجملان في حماه وإدلب، وغنم الحروك في حمص، وغنم النعيم في حمص بالدرجة الأولى وهي من أفضل أنواع التهجين مع السلالات الأخرى، وغنم الهرموشية في دمشق، وغنم الغياث في ضواحي دمشق وهي حركية مهجّنة من السلالات العريقة، والنجدية في المناطق الشرقية من سوريا مثل دير الزور والحسكة، إضافة إلى غنم العواس المنتشرة في جميع المناطق السورية والتي تتميز بالتحمل والجوع والتأقلم مع كل الأجواء.
أغنام الحروك لا تعيش مثل غيرها على الرعي، فهي تتغذّى على الأعلاف أكثر من الحشائش، ويأكل الرأس الواحد منها ما يقارب حصة 3 رؤوس من الأغنام العادية في اليوم الواحد، وهي لا تقاوم الجوع مثل غيرها، ويجب أن تكون دائماً مشبعةً من الأعلاف أو المرعى في فصل الربيع
الحروك وتاريخ التسمية
يفخر تيسير أبو حمد الحركي، من عرب الحروك في محافظة حمص، بأنه لم يتخلّ عن تربية أغنام الحروك حتى اليوم. يحكي لرصيف22 عن عشيرته التي يُنسب تاريخها إلى فخذ الشراعبة من عنزة بني وايل، وتعود تسمية الأغنام نسبة لعشيرتهم إلى قديم الزمان فلم يكن أحد يمتلك هذه السلالة غيرهم، وتنحدر هذه الأغنام من سلالة النوع السوري العواس، لكنها تمتاز بخشونة حجمها وطولها، وكبر رأسها، وانعكاف خشمها (أي أنفها)، وتمتاز بكبر قوائمها، أما صوفها فهو أقصر من ناحية الطول مقارنةً بصوف الأغنام الأخرى، ولونه أدبس "أي الشقار".
لا يعرف أبو حمد تاريخ وجود هذه السلالة لدى عشيرتهم أو كيف وصلت إليهم، فهو ورثها عن والده الذي ورثها بدوره عن جده الذي ورثها عن جده ضاهر الملحم، وجميعهم كانوا يعيشون في قريتي الرضيفات والحربية في حمص. وهكذا تناقلت العائلة تربية هذه الأغنام والمحافظة عليها. لكن أبو حمد يأسف لعزوف الكثيرين عن تربية الأغنام حالياً إذ يقول إنه لم يبقَ إلا القليل من عرب الحروك الذين يحافظون على هذا الإرث لعدة أسباب منها عدم التمييز بينها وبين الأنواع الأخرى في توزيع المقنن العلفي من قبل المؤسسة العامة للأعلاف حيث أن 5 كلغ للرأس الواحد لا تكفي يومين فقط، إضافة إلى أن الأغنام لا تُباع جميعها بأسعار عالية إلى الخارج بل تُنتقى بعض الرؤوس من النوع الأول من السلالة التي تمتاز بمواصفات الحروك، والبقية تُباع بأسعار قليلة إلى السوق المحلية.
أما في ما يخص الإقبال على شرائها، فيذكر أبو حمد أنه وقبل 15 عاماً كانت تباع المواليد من الخراف والأغنام، ويتم ذبحها في الأسواق، حيث كان القصّابون يرغبون بشرائها للذبح إذ تحقق لهم الربح، كون أجسامها تختزن اللحم أكثر من الأنواع الأخرى، ومنذ 8 سنوات ازداد الإقبال على شرائها بدافع التصدير، إذ يتسابق التجار بين بعضهم لشراء الحروك وتصديرها.
لا ترعى الحشائش
وبعد أن ينتقي أبو حمد حاجته من المواليد المميزة يقوم ببيع الفائض بسعر السوق المحلية داخل سوريا أو أعلى منها بقليل، لافتاً إلى أنّ المستفيد الأكبر من تجارتها هم الوسطاء الذين يبيعونها بأسعار عالية جداً، ويعتبر أنّ الراغبين في شراء هذه السلالة هم النخبة التي لا ترضى إلا بالأفضل، وهو لا ينفي عمليات الغش التي تخضع لها هذه الأغنام عبر حقن بعضها بالبوتكس، وصبغ صوفها بألوان مشابهة لأغنام الحركية المرغوبة وبيعها للناس على أنها من النوع الأصيل.
أما عن تفاصيل تربيتها، فأغنام الحروك لا تعيش مثل غيرها على الرعي، فهي تتغذّى على الأعلاف أكثر من الحشائش، ويأكل الرأس الواحد منها ما يقارب حصة 3 رؤوس من الأغنام العادية في اليوم الواحد، وهي لا تقاوم الجوع مثل غيرها، ويجب أن تكون دائماً مشبعةً من الأعلاف أو المرعى في فصل الربيع، والصعوبات التي تواجه تربيتها تتمثل في ارتفاع تكاليف تربيتها وقلة المراعي، وفي سنين الجفاف يتعرض المربّون للخسارة وقد يضطرون إلى بيع جزء من ممتلكاتهم حتى يحافظوا على تربيتها.
الحروك في الرقة
كذلك، تنتشر تربية غنم الحروك في محافظة الرقة منذ عام 2003، بحسب المربي عادل الأحمد، من منطقة تل أبيض، بهدف تحسين الدخل والاتجار بها، كون أسعارها عالية جداً وإنتاجها من الحليب أعلى بنحو نصف كيلو من الغنمة العادية. مع ذلك، هو يشير إلى تكلفة تربيتها العالية جداً إذ تتغذّى على الأعلاف وتحتاج إلى الاهتمام، خاصةً أنها كلما ازداد الاهتمام بها ازدادت جمالاً.
على الرغم من الطلب على أغنام الحروك السورية وارتفاع أسعارها هناك العديد من الصعوبات التي تواجه تربيتها مثل ارتفاع تكاليف تربيتها وقلة المراعي، وفي سنين الجفاف يتعرض المربّون للخسارة وقد يضطرون إلى بيع جزء من ممتلكاتهم حتى يحافظوا على تربيتها
يتحدث الأحمد عن اختلاف أغنام الحروك عن الأنواع الأخرى بكبر رأسها المقوس، والكعام (كبر الرجلين)، وصوفها الكثيف القصير الذي يعطي جمالية المنظر ويسمى جراز، واللون المتعارف عليه الأحمر الأدبس والأسحم. علماً أن سعرها يحدد حسب درجات جمالها إلى نوع أول ونوع ثان ونوع ثالث. ويبلغ سعر الكبش الجيد في منطقته نحو 5 أو 6 آلاف دولار، بينما يبلغ سعر النعجة "الغنمة" من 400 إلى 2000 دولار حسب مواصفاتها وعمرها وحجمها.
مطالب ومقترحات
من جهته، يبيّن الباحث في مجال الإنتاج الحيواني، المهندس عبد الرحمن قرنفلة، لرصيف22، أن سلالة الأغنام السورية الرئيسية هي العواس وتفرّعت عنها الأنواع الأخرى عن طريق الانتقاء والانتخاب العفوي للأغنام من قبل العائلات التي قامت بتربيتها منذ مئات السنين وبالتالي سميت الأغنام نسبة لهذه العائلات.
لا يُخفي قرنفلة تأثير عدة عوامل بشدة على الأغنام السورية وفي مقدمتها الحرب وحصار بعض المناطق الذي أدى إلى صعوبة نقل قطعان الأغنام إلى الخارج والاكتفاء بتسويقها محلياً. إضافة إلى نقص المراعي وعدم القدرة على الرعي في البادية السورية نتيجة وجود العمليات العسكرية وأحياناً انفجار الألغام في بعض المربين، وارتفاع أسعار الأعلاف وانخفاض كمياتها ما اضطر بعض المربين إلى ذبح الإناث من الأغنام وبيعها في السوق، ما ترتب عليه تراجع أعدادها في البلاد.
إلى ذلك، يأمل بعض المربين أن يزداد الاهتمام الرسمي بالأغنام السورية والمساعدة في تحسين ظروف تربيتها من خلال تخفيض أسعار المقنن العلفي وتأمين اللقاحات بشكل دوري ومجاناً، في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات التربية وتكاليف التنقل المرتفعة إلى المراعي التي أصبحت قليلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...