شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الراب الفلسطيني... حكايات الهموم اليومية والحرب

الراب الفلسطيني... حكايات الهموم اليومية والحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الجمعة 27 سبتمبر 202412:11 م

كيف نهرب من الحرب؟ سؤال برأسي منذ الطفولة. نشاهد في عصرنا الحالي حروب وثورات، إبادة جماعية ومحاولات محو البشر من على الأرض بصمتٍ وتواطئ عالمي، وكأننا أتينا لهذا العالم في وقتٍ غير مناسب. ماذا نفعل في وقت الحرب والحصار؟ الإجابة هي أننا بالتأكيد لن ننتظر الموت، ولأن سُبل المقاومة مختلفة والغاية واحدة، اخترع الإنسان الفن كي لا يموت من الحقيقة، بحسب نيتشه، ولأننا ومنذ السابع من أكتوبر 2023 نشعر بالعجز بسبب الحرب التي تدور بواسطة كل قوى العالم ضد الفلسطينيين، أكتب هنا عن فن الشارع، موسيقى "الراب" في زمن الحرب.

ابن اللد: ابن الـ 48 راجع إلى البيت

بداية فن الراب في فلسطين كانت مع "تامر نفار" المولود في 6 يونيو عام 1979. يحمل تامر جواز سفر إسرائيلياً بحكم الميلاد في زمن الاحتلال، ولكنه يعرف نفسه بأنه فنان فلسطيني، وفي وقت الحرب فقط يقول عن نفسه إنه فلسطيني قبل أن يكون فناناً. في حواري مع تامر عدنا بالزمن إلى الخلف، وبدأنا من حيث بدأ. يقول تامر عن البدايات: "بدأت أكتب من 1997 ولكن أول تسجيل رسمي تم 1999 باستديو بيافا، مش بسبب البطئ أو عدم ثقة ولكن لنقص الأدوات فيما يخصّ الهيب هوب، ما كان في كتير ستوديوهات، لم يكن هناك إنترنت بعد، وكانت الاستوديوهات بدائية وشرقية كلاسيكية، كنت تحتاج تحكي ساعة بالاستوديو بس ليعرفوا ايه هو الهيب هوب". يستعيد "تامر نفار" ذكريات أول تسجيل ويقول: "هذا كان أسوأ شيء سجلته بحياتي، ولكنه كان البداية". أما عن سؤال لماذا الراب فيجيب: "ليش لأ! هو كان الكاريزما، تفتح التليفزيون تلاقي توباك. احنا اتربينا وتعلمنا ورأينا نجوم الشاشة، أبناء طبقة أرستقراطية من فئة اجتماعية عالية، بس لما تشوف توباك اللي هو جاي من الشارع وهو بيشبه بيتي وبيشبه حارتي، ويعبر عن غضبه وبيلاقي الطريقة التي يستطيع بها أن يوصف حياته، وفجأة بيلمع بالمجوهرات وبيشوفه كل الناس مثل ما نفسنا أحنا يشوفونا ويمشي على السجادة الحمراء بيحدث هذا الشيء الذي يجعلك تؤمن بأنك كمان بتقدر".

ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الإبادة الجماعية على غزة بالمنشورات والصور التي تنقل الموت بالصوت والصورة، ولكن مع الوقت نجح الإعلام الدولي بالتعاون مع الاحتلال الصهيوني في تحويل الإبادة والموت والمذابح إلى خبر يومي هامشي. ظهرت بعض المشاريع الفنية لنجوم عرب يعلنون دعمهم لفلسطين مثل "تلك قضية" لفريق "كايروكي" وأوبريت "راجعين" بتعاون 25 فنان عربي وغيرها، ولكن في ظل كل هذا تم اتهام المشاهير الفلسطينيين بالاختفاء التام والتعاون مع إسرائيل -التصهُين- للتعتيم على الإبادة.

- عن الحرب، ما قدرت تسجل شيء إلا بعد 5 شهور تقريباً، ما هو شعورك وأنت تكتب وتغني في محاولة منك لإيصال صوتك للعالم في وقت الحرب؟

"لما تشوف توباك اللي هو جاي من الشارع وهو بيشبه بيتي وبيشبه حارتي، ويعبر عن غضبه وبيلاقي الطريقة التي يستطيع بها أن يوصف حياته، بيحدث هذا الشيء الذي يجعلك تؤمن بأنك كمان بتقدر"... الرابر الفلسطيني تامر نفار

"وضعنا في الـ 48 -أي في فلسطين الداخل- مختلف، حدثت أشياء عديدة تخليك تغير مسارك بطريقة أو بأخرى، واحدة من الأشياء اللي حدثت هو الهجوم الذي حدث على دلال أبو أمنة اعتقلوها خمسة أيام، وميساء عبد الهادي، صديقاتي اعتقلوهن، اللي انتبهت إليه أنه عالم السوشيال عليه مليون عين، وهناك الخطورة. إذا كتبت بوست هل بحرّر حد، ولا بس سيكون بالنهاية أني بكتب؟ ولذلك تمسّكت بجملة أحبها لبروس لي: Be Water my Friend إذا بيسدّوا عليك النفق المياه بتلاقي طريقها للعبور. كان لازم ألاقي Format مختلف كان في رأيي أهم من السوشيال ميديا، قرّرت أروح على المقالات والمقابلات، وبدأت أكثف كتابتي في الجارديان وجريدة +972 وكنت أكتب هآريتس Haaretz بالعبري. الناس تعتقد أن جزء من السكان الأصليين بفلسطين بعد 1948 تخاذل -نخّ- لأن اليهود يطالبوننا بالسكوت، ولكني كنت أكتب بالعبري، وهذا في رأيي سباحة في قلب الخطر نفسه. وكنت أفكر في أيه أكتب، كنت أريد التعبير عن الغضب، كل شيء كان سريع من بعد السابع من أكتوبر ولم يكن لدي القدرة للمرور إلى الاستوديو لتسجيل أغنية أو اختيار موسيقى وإيجاد ميكس ولحن، وإذا كنت بسجّل مثلا يوم 1 وأنشر يوم 15، كان مليون شيء بيحدث خلال هذه الفترة. في الصبح حينما يحدث أي شيء كنت اكتب وابعت للجارديان، أخدت كتير وقت لأني أردت أطلع شيء مختلف لأن كل الأغاني اللي كانت تطلع كانت كتير حزينة".

- أنت تكتب الراب، الرواية، والسيناريو، أيهم أقرب لتامر وأي لون بيعبر عنك؟

"كأنك تسألني أي ولد مفضل عندي! كلهم طبعاً. الراب أصبح DNA. أنا بقدم راب من 25 سنة تقريباً. بقدر أقول كلهم بس مقدرش أكون معاهم أكتر من ساعة أو ساعتين.

حينما أدخل الاستوديو ما بقدر أقعد أكتر من ساعة أو اتنين أو تلاتة ثم بزهق، ثم أفتح الرواية ساعة أو اتنين وبعدين أزهق، أنا زي الألعاب النارية، سرعان ما بضوي سرعان ما بطفي. بس الإثارة موجودة في كل لون. في الراب بقعد أتخيل مين بيغني الجملة دي معايا وأي جملة راح تعلق مع الناس في الاستوديو وفي العرض بتخيل أي جملة بتخلي الناس تصيّح أكتر. في الراب يوجد الإثارة والـ punch السريع والحركة. في الروايات التي أعمل عليهم كل واحدة فيهم لها جمالها الخاص بالنسبة لي، لا أعرف رأي القارئ بعد لسة ما خلصت، في الرواية الأولى بكتب بحرية، لا يوجد محرّر، ما في حدود وبعمل اللي بدي أياه. الرواية الثانية كلاسيكية شوية. أنا بكتب وآخر يرسم كوميكس، هي رواية بنظام ديكتاتوري. في السيناريو يوجد عنصر جسدي مسرحي. كل شيء في إبداع وفي إثارة وكل شيء مختلف عن الثاني".

نشأ الراب من تمازج الشِعر مع الإيقاع Rhyme and Poetry وسمته الأساسية هي عدم الالتزام بالقواعد، سواء أكاديمية أو أخلاقية، الراب هو ارتجال حر من الفنان في الساحة ولكل بلد واقعه الإجتماعي والسياسي والثقافي لذلك لكل فنان سماته الخاصة، ولكل بقعة جغرافية همومها الخاصة التي تظهر في نفخة الغضب المدعوة بالمقطع الصوتي -Track- بلا أي صفة موسيقية!

يفتح نفار قلبه ويعلن عن غضبه فيما يخص المشهد الموسيقي العربي للراب.

- هل الراب مسموع في فلسطين كلون موسيقي حداثي، وفي رأيك أين موقع الراب الفلسطيني من الخريطة العربية، هل هو متصدر، يقترب، أم أنه معزول عن المنطقة لأسباب اجتماعية وسياسية؟

"الراب جزء لا يتجزأ من فلسطينيّ الداخل، الفلسطيني بشكل عام. الراب أصبح موجود في كل مكان. في أعوام 97, 98 كان الناس يفسّروا ما هو الراب. الآن بقالنا 10 سنين. الأجيال الجديدة على سبوتيفاي ويوتيوب بتقدر تعرف الطريق. الراب جزء من ال Mainstream. حتى بين سكان ال 48 وقت حفلات الكريسماس الخاصة والعائلية لازم يكون في مغني راب، الراب أصبح من النسيج الإجتماعي بمجتمعنا، ولكن بشكل عام الهيب هوب الفلسطيني مظلوم من ناحية الانتشار العربي، لأسباب سياسية واجتماعية ولأسباب جواز السفر الذي يحمله المغني. أتحدّث عن حالي. جواز السفر الإسرائيلي الذي أحمله هو عائق كبير، ويمكن كلماتنا كمان عائق لأنه أكثر راب سياسي وضد السلطة وضد القوادة وضد الاحتلال وضد القوانين الاجتماعية التي نرفضها هو الراب الفلسطيني. بالإضافة لتجاهل الميديا العربية للمُنتج الفني الفلسطيني، على مواقع التواصل يسارعون في إعادة نشر أي شيء ينشره أي مغني راب، حتى لو كان مجرد مادة دعائية، ولكن هذا لا يحدث مع مُنتج الفلسطينيين الفني".

"كنت أكتب بالعبري، وهذا في رأيي سباحة في قلب الخطر نفسه. وكنت أفكر في أيه أكتب، كنت أريد التعبير عن الغضب، كل شيء كان سريع من بعد السابع من أكتوبر ولم يكن لدي القدرة للمرور إلى الاستوديو لتسجيل أغنية أو اختيار موسيقى وإيجاد ميكس ولحن"... الرابر الفلسطيني تامر نفار

يسرد تامر أحد المواقف الصعبة التي تعرض لها: "في العام الماضي بوقت أحد عروضي، طلعت على المسرح الشرطة الإسرائيلية حتى توقف العرض وأنا رفضت، كنت أمام خمسة آلاف مشاهد، ورغم تصوير هذه الحادثة لم تهتم بها الميديا ولا الصفحات التي تزعم اهتمامها بالراب العربي، في الوقت الذي ينقلون فيه أحداث تافهة في حفلات مغنيين بعينهم".

وفي الوقت الذي انتشرت فيه صور فنانين من كل دول العالم بعلم فلسطين، أنا كنت أصور (ابن اللد) وأطوف بالعلم بين المستوطنات الإسرائيلية وأنا أصور أغنيتي، ولكن لم ينشر هذا أحد بس لأني فلسطيني".

التجاهل يحدث لأسباب اجتماعية وسياسية بالإضافة لأنه الميديا هي لعبة زر الإعجاب ليس إلا، ورغم ذلك مازال الراب الفلسطيني يحافظ على هويته القوية.

للاشتباك مع رجل لم يفعل شيء في مسيرته الفنية الطويلة أكثر من الاشتباكات مع الصراعات حول ماهية الراب وماهية الجنسية وحول مفهوم الوطن.

هل الراب بيعبّر طول الوقت عن تامر ولا عن القضية الفلسطينية بس؟

"الراب بيعبر عن تامر، واحدة من صفاتي أني فلسطيني، أوقات بكون بحب، أوقات بكون غضبان أوقات أكون متمرد على فلسطين. أنا بشكل عام بحب أحط شعوري الصريح قبل كل شيء. في الفترة الحالية، فترة الإبادة إحنا من وقت ما بدأنا عروض نحن نعرف حالنا أننا فنانين قبل ما نكون فلسطينيين، إذا بستحق الكفاءة بستحقها لمجهودي، أنا ما اخترت أكون فلسطيني أنا اتولدت فلسطيني ولكني أخترت أكون فنان، ولكن من وقت ما بدأت منذ 25 عام أنا الآن بوقت الإبادة أنا فلسطيني من قبل ما أكون فنان لأن المعركة الحالية معركة بقاء وفي خطر كبير على حياتنا، خطر على حياة شعب بحاله. بيهمني الآن فلسطين، فلسطين كإنسان، كحق، كبيت مش خيمة مش بس كعلم وكنشيد هذه الأشياء لا تعني لي هي بس بترمز للأشياء، مش صح بالوقت الحالي يكون في فنان ومش سياسي، هذا امتياز تحصل عليه إذا كنت مولود بلندن ليس في وقت شعب كامل يتعرض للإبادة. البيت المكوّن من حجارة وسقف ويحمي من البرد والشمس عندي أهم من بيت شعر. مليون ونص الآن مشردين وقت ما بيعودوا على البيوت بقدر أكون فنان قبل أي شيء ولكني الآن فلسطيني قبل كل شي.

بلاتنم: محاولة الاشتباكات مع الواقع اليومي

في عام 2015 تأسست "بلاتنم"، شركة فلسطينية للإنتاج الفني بقيادة "الناظر/محمد مسروجي" وهو المنتج الموسيقي، و"شب جديد/عدي عباس"، الكاتب والمؤدي الرئيسي، و"شب موري/أحمد زغموري". يعرف أغلب الناس "شب جديد" بسبب أغنية "إن أن" الأغنية الأشهر لفرقة "بلاتنم" التي صدرت وقت أحداث "الشيخ جراح" في أبريل 2021 مع العضو الأحدث للفريق محمد كركي المعروف باسم "ضبور".

يمكن أن يعرف أغلب المهتمين بالسينما المستقلة "ضبور" و "شب موري" لأنهما ظهرا في الفيلم الفلسطيني "علم" والذي حاز على جائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة الجمهور، وجائزة أفضل ممثل دورة عام 2022.

"الهيب هوب الفلسطيني مظلوم من ناحية الانتشار العربي، لأسباب سياسية واجتماعية ولأسباب جواز السفر الذي يحمله المغني. جواز السفر الإسرائيلي الذي أحمله هو عائق كبير، ويمكن كلماتنا كمان عائق لأنه أكثر راب سياسي وضد السلطة وضد القوادة وضد الاحتلال وضد القوانين الاجتماعية"... الرابر الفلسطيني تامر نفار

لا تعرف الموسيقى لغة ولا لهجة، والراب تحديدًا هو فن الشارع الذي يمزج الحكاية العادية في الحياة اليومية بالموسيقى المُرتجلة، ورغم ذلك يمكن أن يظهر لك اسم "شب جديد" في محركات البحث مصحوب بعناوين مثيرة للجدل بعيدة عن الغناء، بسبب خلافات عديدة بينه وبين مغني راب من مصر، وذلك إثر أزمة شهيرة حدثت في حفلة المنارة بشهر أكتوبر عام 2021، حينما استبدل "شب جديد" كلمات ابتهال شهير للنقشبندي باسم مروان بابلو، مغني الراب المصري، ما سبب أزمة كبيرة وقتها مع نقابة المهن الموسيقية المصرية، أدت لصدور قرار بمنع حفلات مروان بابلو لفترة ومنع تعامل متعهديّ الحفلات في مصر مع "شب جديد".

الخلاف الذي ظل قائماً على مواقع التواصل لفترة طويلة ثم أختفى تقريباً، عاد من جديد بعد ظهور ألبوم "سلطان" في فبراير 2024، حينما ظهرت أغنية "طوفان" والتي بدأت بنفس نبرة الصوت في الحفلة التي أثارت الجدل وحملت جملة اعتبرها المُعلقين من دول الجوار، في الشام وفلسطين، إشارة مدح، واعتبرها المصريين سبّة، ما تسبّب في غلق التعليقات على الأغنية من فريق "بلاتنم".

"كثر الحكي يجيب وجع راس

لازم تختصر عشان تنتصر

بنختصرش حد

آخر مرة رحت نكت اخت مصر

دواوين خلط

دواوين خلط

دواوين خلط

كنت منيك بس بطلت"

في لقاءه مع "سردة" يتحدّث "شب جديد" مع ميديا عازوري ومعين جابر، عن الصورة النمطية للمُنتج الفني الفلسطيني ويقول: "أنا لم أذكر فلسطين ولا مرة بأغنياتي، ولا حتى إسرائيل، أنا بحكي عن الواقع اليومي. الصورة النمطية الفلسطينية في الفن غير مسؤول عنها الفلسطيني ولا فلسطين، فلسطين ما فيها تصور حالها. أول 100 فيلم طلع بدعم أوروبي، أول ألبوم طلع بدعم فرنسي. هذا يُشير لأجندة واضحة، أما أنه الفلسطيني يستنجد بغيره وبيقول لأجل الله أحمونا يا أما لا يكون له أي ظهور بالحياة. إحنا (بلاتنم) لا نأخذ دعم من أحد، مدعومين من الله وبنقول ما نريده.

"الصورة النمطية الفلسطينية في الفن غير مسؤول عنها الفلسطيني ولا فلسطين، فلسطين ما فيها تصور حالها. أول 100 فيلم طلع بدعم أوروبي، أول ألبوم طلع بدعم فرنسي. هذا يُشير لأجندة واضحة، أما أنه الفلسطيني يستنجد بغيره وبيقول لأجل الله أحمونا يا أما لا يكون له أي ظهور بالحياة"... الرابر الفلسطيني "شب جديد"

اللقاء الذي تمت إذاعته قبل الإبادة العرقية التي تتعرّض لها غزة، وتحديداً في أيلول/سبتمبر 2023، بعد حفل ناجح لبلاتنم في بيروت، يكشف فيه عدي عباس عن نفسه وعن مضمون كتابته، بطلاقة وخفة وأحياناً بسخرية من الوضع المأساوي للبلاد. يفتح قلبه ويضع كل مُتلقي في الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني.

"إحنا وطن، كل شبر ليه قضية. مقسمة البلد -كنتونات- كل بلد له مداخلها ومخارجها، مش جدار وهمي، جدار حقيقي بتليفون بتتقفل البلد. رام الله عليها 4 مداخل، كل مدخل عليه حاجز بيتسكر وقت اللزوم. كل مكان ليه ثقافة، سسيولوجي، فسيولجي، مع أن البلد صغيرة بس كل مكان ليه صفاته. يعني بين قالبينية وجنين في اختلاف جدلي، بين جنين ونابلس اللي هم تحت بعض دول كوكب. رام الله بتاخدك لسويسرا، جبال، شلالات، رانج روفر. القدس كوكب موازي محدش بيعرف عنها شيء، بتروح على الخليل… مثلاً أنا ما بعرف شيء عن الخليل.

في حوار سابق مع صحيفة "الجارديان" البريطانية رد "شب جديد" على السؤال النمطي الذي وجّهه له الصحفي عن طابع أغنية "كحل وعتمة" التي يسرد فيها تعسف قوات الاحتلال تجاهه يومياً، هو وسكان بلدته، حينما يمرون من الحاجز، رد على السؤال بسؤال، بطريقة ندية جداً: "كيف تشعر أنت بالعيش تحت الاحتلال؟.

لقد وُلدت هنا. تعودنا على ذلك. يمكن للجنود الإسرائيليين القدوم هنا، والبدء في إطلاق النار، ولن نوقف المقابلة حتى. الأمر مثل حركة مرور مكدّسة في لندن. الأمر مزعج للغاية، لكننا لا نسأل: ما شعورك عندما تعيش في حركة مرور مكدّسة؟".

بمقابلة يقول "شب جديد": "ليش ما منتمسكن؟ لأنه عيب الواحد يتمسكن، والإنسان الفلسطيني فخور بطبعه لكونه فلسطيني، يعني زمان كان الراب كله يتمحور حول القضية لأنه فش مجال لإشي تاني. ماحدش حيسمعك بس الأجانب حيدعموك. لازم تعيط إحنا مش مضطرين نعيّط سيدي، هَيانا عيطناش ومشيت معانا".

يرفض "شب جديد" التعامل مع منتجه باعتباره شيء مقدس، يقول: "أنا مش فنان، أنا طابعة"، ليبتعد أكثر عن الصورة النمطية عن الفنان البوهيمي الذي ينتج بوحي إلهي

يخرج المُنتج الخاص بالراب من فلسطين للتعبير عن الذات، يعبّر كل فنان عن حاله، لا يحكي مصطلحات كبرى، لا يبكي ولا يستنجد، يتوعد للعدو بالهلاك والموت ولكن في هذه الحالة هو يذم عدواً حقيقياً عكس كل أعداء مغنيين الراب المُتخيلين في أغلب الأحيان. يأتي الراب هنا من عمق الأزمة، من قلب الموت والحرب لينقل كل جملة كُتبت في سياق خيالي إلى أرض الواقع، وليتحوّل الراب في هذه الحالة من فن الشارع إلى فن مقاومة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard