عشرات الأسماء، وتاريخ طويل غير قابل للحصر... هذا هو أبسط تعريف بالنسبة لي حينما نأتي على ذِكر الراب النسائي في مصر. تاريخ مواز لمشهد صنعه نجوم منفردون، بعيداً عن المجال الصناعي والتجاري للموسيقى في مصر، ولكنه تاريخ هامشي، مليء بالإقصاء والحكايات الجانبية التي لا يرويها أحد.
سؤال الهامش والمتن
مفردة RAP هي اختصار للإيقاع والشعر في شكل ممتزج Rhythm & Poet، وهذه المفردة نشأت مع ظهور كتابة غربية مختلفة عن السائد، في سبعينيات القرن الماضي في أمريكا الشمالية حيث الاضطهاد والعنصرية. في مصر، ظهر الراب مع بدايات الألفية، مشهد يسعى أفراده لخلق حالة تشبه الحكايات التي يتم تقديمها في قوالب الراب الأمريكي الأشهر عالمياً. يخلق كل كاتب أو شاعر في كل بلد حالة تُحاكي مشكلات عصره، أزماته الخاصة، ومدى معارضته لمجتمعه، بلا قيود وبلا التزام أكاديمي. يكتب بأسلوب خاص، مباشر وواضح، ولكنه في نفس الوقت مُلتبس ومُركب.
في الوقت الذي ظهر فيه فريق MTM في مصر وقدّم أغنية "أمي مسافرة"، كانت هناك فرق أخرى قيد الظهور، وكانت هناك أيضاً شابات يردن خوض التجربة بكل جمالياتها، وقسوتها، في محاولة لكسر الهيمنة الذكورية السائدة، في مجتمع شرقي مازال حتى وقتنا الحالي يتعامل مع المرأة باعتبارها نصف إنسان ومع الذكر باعتباره نصف إله.
ميام محمود
في أكتوبر 2013 ذاع صيت اسم ميام محمود، في المواقع الإلكترونية وبرامج التوك شو، بعد الوصول لنصف النهائي في برنامج المواهب الأشهر "Arab's Got Talent". لم يكن سر ذيوع هذه الشهرة هو حجم الموهبة الكبيرة التي تتمتع بها الكاتبة والشاعرة ومؤدية الراب فقط، ولا تفرّدها في تقديم لون موسيقي غير رائج، ولكن السبب الأشهر كان ارتداؤها الحجاب الذي تمّ النظر إليه باعتباره فعلاً متناقضاً مع الغناء، وذلك يحدث فقط في مجتمعات تنظر للمرأة بنظرة دونية، وتنظر إلى الفنان والفن بنظرة احتقار.
عايزين قانون يخلي
المتبعتر يتلم
عايزين القانون اللي يبعد عن بناتنا كل الهم
هتقولي في قانون
هقولك فين يا عم؟
عدم التفعيل مع الوجود زي الشخص الأصم
لم يكن سر ذيوع شهرة ميام محمود هو حجم الموهبة الكبيرة التي تتمتع بها الكاتبة والشاعرة ومؤدية الراب فقط، ولكن السبب الأشهر كان ارتداؤها الحجاب الذي تمّ النظر إليه باعتباره فعلاً متناقضاً مع الغناء
على اليوتيوب، وبمجرد كتابة اسم "ميام"، ستظهر عشرات الفيديوهات التي تضيف كلمات: "الحجاب/ الراب/ يمنع/ نظرة..." وغيرها من الكلمات التي تقولب الفنانة التي كتبت الشعر في سن العاشرة وظهرت أمام الجمهور للمرة الأولى في عمر الثامنة عشر. بالاستماع للأغنيات التي قدمتها "ميام" نجد تمازجاً مبهراً بين الشِعر والإيقاع، كتابة حية عن موضوعات حقيقية تخصّ المرأة في المجتمع المصري، وكسر صريح لحدود الجسد الذي يتم التعامل معه باعتباره "تابوه" لا يمكن الاقتراب منه فنياً أو في السياق العام. تقول ميام ما لا يقوله أحد الآن في ظل اخصاء متعمد لكل الفنون.
يوكا شاهين
يوكا واحدة من أوائل مغنيات الراب في مصر، حيث بدأت في 2010 متأثرة بنجوم المشهد العالمي، مثل ايمنيم وتوباك. تعيش الآن في الدنمارك بعد تجارب بداية متعثرة ومليئة بالمشاحنات داخل المشهد الغنائي الخاص بالراب في مصر.
خمس سنين فاتوا
قالولي بلاش راب ده أنتي بنت، غني
دلوقتي بيسألوني في الأنبوكس رأيي الفني
تتحدث يوكا، الفتاة السكندريّة، عن بدايتها للغناء مع بدايات الربيع العربي وثورة 25 يناير المصرية التي رغبت في إزالة نظام دكتاتوري. تكتب في البداية عن الثورة والحلم، وتغني عن واقع اجتماعي متشابك. في الفيلم الوثائقي القصير "Who can stop me"
المنشور على صفحة مؤسسة "Rapolitics" الدنماركية، تتحدّث عن اللحظة التي غيّرت حياتها، تتحدث عن الحياة في الدنمارك. البلد الذي عرفته للمرة الأولى في 2013، حينما وصلتها دعوة للسفر والتعرّف على المدن وحضور ورش فنية عديدة وجولات فنية مع عدة فنانين من مختلف الدول.
"يوكا" واحدة من أوائل مغنيات الراب في مصر، حيث بدأت في 2010 متأثرة بنجوم المشهد العالمي، مثل ايمنيم وتوباك. تعيش الآن في الدنمارك بعد تجارب بداية متعثرة ومليئة بالمشاحنات داخل المشهد الغنائي الخاص بالراب في مصر
"كتبت أغنية عن حادث إرهابي في مدينة سيناء المصرية، كنت في الدنمارك، أعمل مع موزع موسيقي دنماركي حينما حدث هذا، وبعد نشرها وانتشارها بشكل واسع، تم حذف كل حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي وتم حذف الأغنية.
وصلتني مكالمة واحدة من مصر تُشير بتهديد أمني وأنه لا يمكنني العودة في الوقت الحالي. كان يتبقى لي في فيزا الإقامة يومان فقط، شعرت بأن حياتي انتهت".
بعد ذلك بعام ونصف، نجحت يوكا في توفيق أوضاعها في الدنمارك والاستقرار هناك، وتعمل حالياً على مشروعاتها الغنائية بالعربية والإنجليزية.
بيري عمر الحريري
تُعرف بيري كواحدة من أبرز أعضاء "المكسيك"، الفريق الغنائي الذي أسسه أبيوسف مع "أبو الأنوار" والمنتج الموسيقي "ليل بابا"، وهو فريق غنائي تعاون أعضاؤه معاً في عدة أغنيات منفردة جمعت اثنين من الأعضاء أو أكثر في كل أغنية، أشهرها "أغنية باشا أعتمد" و"مملكة".
بيري هي العضو النسائي الوحيد في الفريق ولكنه عضو حيوي، بنفس مستوى جودة كتابة الأب الروحي للراب المصري "أبيو" ونفس قوة بطل جولات الراب "أبو الأنوار".
في حوارها مع سميرة إبراهيم، على إذاعة مونت كارلو الدولية في برنامج هوى الأيام تقول بيري عن طفولتها في الحوار المسجل بتاريخ 8 سبتمبر 2020: نشأت في بيت يتحدث الفرنسية واللهجة المغربية نسبة لأصول عائلة أمي. درست في الجامعة الأمريكية في مصر وأكملت دراستي في إنجلترا. هذا المناخ كان صحياً وتسبب في خلق قاموس لغوي حي. أما بالنسبة للغة العربية ففي خلال سنوات دراستها بمدارس الليسيه الفرنسية، فكانت هي اللغة الرابعة بعد الفرنسية، الإنجليزية، والإسبانية على الترتيب، لذلك واجهت صعوبات في بدايات الكتابة وغناء الراب، ومن ثم تأخير في ظهور منتجها الفني الذي بدأ مع أغنية "شيجلا" في 2019 التي كانت Diss - Track على أغنية تميم يونس التي اعتبرتها أغنية مسيئة للمرأة.
بيري هي أصغر أبناء الفنان والممثل المصري الراحل عمر الحريري، وابنة الفنانة المغربية رشيدة. نشأت في بيت فني، وفي سنواتها الأولى، وقبل دخول عالم الراب، اعتادت على سماع هذا اللون باعتباره المفضل لديها، ومن كل البلدان لذا فإن كل هذا، بالإضافة لخلفيتها الفنية العائلة، سبب هذا الانفجار الفني والحضور الكبير على مستويات الكتابة والإنتاج.
لا تتسبب الموهبة فقط في جودة المنتج الفني لبيري عمر الحريري، ولكن الدراسة أيضاً ساهمت في تنمية موهبتها الفنية، حيث درست الهندسة الصوتية والأداء المسرحي
لا تتسبب الموهبة فقط في جودة المنتج الفني لبيري، ولكن الدراسة أيضاً ساهمت في تنمية موهبتها الفنية، حيث درست الهندسة الصوتية والأداء المسرحي. تأتي بيري من طبقة اجتماعية مرتاحة مادياً ولكنها في النهاية فنية بامتياز، ما يمحي أي عراقيل اجتماعية لدخولها عالم الراب، ولكنها في النهاية امرأة في عالم ثالث، ما يحصر منتجها الفني لدى البعض باعتباره منتجاً ضعيفاً أو سيئاً رغم النجاحات الكبرى التي وصلت إليها في فترة قصيرة.
بنظرة سريعة على تعليقات اليوتيوب أو الصفحات الفنية على مواقع التواصل الاجتماعي، سنجد تعليقات مكرّرة، مليئة بالتنمّر والكراهية تجاه المرأة مهما كان موقعها، وحينما تكون الفنانة مغنية (مغنية راب تحديداً) فإن هذا يجعلها هدفاً للعديد من المرضى الذين يتجاهلون المنتج الفني ويصوبون سهامهم على صاحبته بلا أي حجة سوى أنها امرأة.
بتجر رجلي ببيتزايا و حمام بتكيف
و تزووم و تبرق و بتعمل قال يعني مخيف
طب اهدي حبيبي تعالي صارحني و متخبيش
حصل ايه في طفولتك خلاك طبقي مريض و عنيف
دارين سلامة
في المشهد الحالي، وبتصفّح سريع لمواقع التواصل الاجتماعي والبحث عن نجمات الراب في مصر، ستتصدر دارين البحث، ضمن أقليات نجحن في التواجد والاستمرار داخل المشهد المصري. من الإسكندرية، مهد الفن المستقلّ، بدأت دارين المولودة في 15 آب/أغسطس 2002، الراب في عمر 15 سنة فقط! رحلة بداية ملهمة لفتاة تحلم بالتعبير عن نفسها كما يفعل كل أبطالها المفضلين في عالم الراب. وبالتعاون مع "L5VAV - محمد صبري" النجم السكندري الذي دائماً يُشير إليه أغلب نجوم الراب، القادمين من الإسكندرية بالتحديد، على أنه الداعم الأول، سجّلت دارين أول أغنياتها "دراما كوين".
وقالت دارين (21 عاماً) لوكالة فرانس برس: "في الإسكندرية، نحن نصنع الفن، لكن في القاهرة، إنها صناعة بأكملها".
تقول دارين في حوار سابق مع "صوت بودكاست" إنه بالإضافة لعقبات إقناع الأهل ومحاولة التوفيق بين الغناء والدراسة، فإنها ما إن تنجح في كتابة وتسجيل أغنية جديدة لها وتنشرها، تجد محاولات الاغتيال المعنوي ممثلة في تعليقات ذكورية مكرّرة، أبرزها جملة "مكانكم المطبخ" وغيرها من التعليقات التي يعتبرها بعض الذكور المصريين وسيلة للنيل من أي امرأة مصرية موجودة في المجال العام بأي صورة.
تسعى "دارين سلامة" في أغنياتها للتعبير عن نفسها. تغني أحياناً عن تضخّم الذات بنبرة تفاخر، تسعى ككل مغنيين الراب للتقليل من شأن الخصم، ولكن على عكس الراب الرجالي، فإن الخصم المخاطَب هو ذكر يسعى للتقليل من المرأة
تسعى دارين في أغنياتها للتعبير عن نفسها. تغني أحياناً عن تضخّم الذات بنبرة تفاخر، تسعى ككل مغنيين الراب للتقليل من شأن الخصم، ولكن على عكس الراب الرجالي، فإن الخصم المخاطَب هو ذكر يسعى للتقليل من المرأة، تنتشر تعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أغنيات نجمات الراب على اليوتيوب، تختلف شخصيته من رجلٍ لآخر، ولكن مضمون تعليقه دائماً غير موجّه للمحتوى الفني ولكنه موجه لشخص الفنانة، لذا فإن دارين وغيرها فقط حينما يكتبن عن قدرتهن على قهر الخصم، فإن الصورة الأبرز لهذا الخصم تبدو واضحة، وحينما يكتبن عن حق حرية الجسد والأفكار فأنهن يوجهن أصابع الاتهام لمجتمع غارق في الأفكار الرجعية، مازالت أغلب الممارسات الفنية فيه للرجال فقط.
ما الراب؟
تتحدث دارين عن رأيها في مشهد الراب النسائي حالياً لرصيف22 وتقول: "المشهد في تطور ملحوظ جداً، والراب النسائي بدأ في التطور وأخذ منحنى تصاعدياً بظهور العديد من الفتيات يسعين لتقديم فن حقيقي". بينما تقول "فاتي"، مغنية الراب الصاعدة، عن أوجه الاختلاف بين المشهد الموسيقي في الوقت الحالي وبين المشهد في بدايته: "في البداية لم يكن عدد المغنيات كثيراً، بالإضافة لعدم ظهورهن بشكل كاف خوفاً من التعليقات السلبية، ولكن منذ 3 أو 4 سنوات بالتقريب، بدأنا في الظهور بشكل أكبر وأقوى، وبدون خوف من التعليقات السلبية، لأن وجودنا في حد ذاته نجاح".
وتُضيف: "اختلاف جندر المؤدي عامل فارق جداً في الانتشار وجودة المحتوى. مغنيات الراب نجحن بالأعوام الأخيرة في صنع أجواء مختلفة، مُفاجئة ومبهرة، بالإضافة لعدم خوفهن من التعليقات السلبية غير الفنية وردود الأفعال العدوانية التي توجّه لمغنيات الراب، بالرغم من خفوت هذه النبرة عن السابق -في البدايات مثلاً- إلا أنها موجودة. حالياً فتيات الراب يبتعدن عن الهامش ويقتربن من المتن، وخلال سنوات قليلة سيظهر جهدنا للعلن من خلال مشاريع نسعى جميعاً لخروجها بشكل بأفضل وأكثر اختلافاً للتعبير عن الراب المصري".
تتفق "شروق الزغبي" مع رأي زميلاتها من حيث تطور المشهد الغنائي للراب النسائي في مصر عن الماضي، ولكنها تؤكد على أنه ليس قوياً بما يكفي بالطبع مقارنة بالراب الذكوري في مصر أو في العالم، وتُضيف: "نوعية المستمع مختلفة ولها تأثير كبير، موضوعاتنا النسائية قد لا يسعها الراب".
أما عن المنافسة وقدرة مشهد الراب النسائي المصري على الوصول للعالمية، فتقول "شروق الزغبي" التي بدأت غناء الراب باللغة الإنجليزية في عام 2017: "يمكن لمغنيات الراب في مصر الوصول بالمشهد إلى العالمية، حينما تتنوع الموضوعات وتصبح مرتبطة بالواقع النسائي الشرقي أكثر". وتقول "دارين": "المشهد في مصر يزدهر، ومع المزيد من التعاون سيصبح المشهد أكثر انتشاراً". أما من حيث التصنيف، فتقول "فاتي"، صاحبة أغنيات "صفي حسابك" و"بالقلم": "يمكن تصنيف الراب النسائي المصري باعتباره الأول عربياً، ولكن بالتأكيد يجب أن نسعي لمزيد من التطور خلال الفترة القادمة لتأكيد هذه المكانة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع