شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
العلاقات السرية بين إسرائيل والصومال… هل تصبح رسمية تحت مظلة اتفاقات أبراهام؟

العلاقات السرية بين إسرائيل والصومال… هل تصبح رسمية تحت مظلة اتفاقات أبراهام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بدأت إسرائيل إبرام "اتفاقات أبراهام" للتطبيع مع عدد من الدول العربية، لبسط نفوذها في المنطقة، وتأمين وجودها ولتعزيز أمنها القومي تحت دعوى نبذ التطرف ونشر السلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، ونظراً لموقع الصومال الإستراتيجي، وعدائها المعلن لإسرائيل والذي يتمثل في عدم الاعتراف بها كدولة، وتصويتها ضدها في المحافل الدولية، كان لإسرائيل محاولات عديدة للتقرب من الصومال في عهد حكومات متعاقبة.

ويبقى السؤال الملح هنا: لماذا تسعى إسرائيل إلى ضم الصومال لمجموعة الدول العربية المطبّعة معها؟ هذا ما يسعى تقريرنا إلى الإجابة عنه من خلال عرض مراحل تطور العلاقة تاريخياً بين إسرائيل والصومال، ومستقبل العلاقة بينهما في ظل اتفاقات أبراهام وكذلك التطورات الأخيرة لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

خلفية تاريخية

يعود تاريخ العلاقات الإسرائيلية الصومالية إلى ما قبل استقلال الصومال، حيث بدأت محاولات إسرائيل لفتح قنوات تواصل مع القيادة الصومالية في أواخر عام 1959. في ذلك الوقت، التقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير مع محمد جيو، أحد قادة المقاومة الصومالية آنذاك، في ليبيريا، وعرضت عليه مساعدات اقتصادية وعسكرية مقابل إقامة علاقات رسمية علنية مع إسرائيل. على الرغم من أن هذه المحاولات لم تثمر عن نتائج ملموسة في ذلك الوقت، إلا أن العلاقات الأمنية والاستخباراتية بدأت تتبلور في حزيران/ يونيو 1960 عندما زار مسؤول الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، راحاميم تيمور، العاصمة مقديشو والتقى رئيس الوزراء الصومالي حينذاك عبد الله عيسى ومحمد جيو، وحاول الإغراء بتقديم المساعدات الاقتصادية مرة أخرى ولكن تكرر رفض العرض، ثم بعد حصول الصومال على الاستقلال، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق بن تسفي بإرسال رسالة إلى الحكومة الصومالية للاحتفال بالاستقلال واعتراف إسرائيل بجمهورية الصومال، لكن الحكومة الصومالية لم تتجاهل هذه الرسالة فقط، بل تبنت الصومال خطاً قومياً معادياً لإسرائيل وانضمت إلى جامعة الدول العربية. 

نظرياً، الصومال دولة فقيرة اقتصادياً ويظهر ذلك جلياً في الميزان التجاري بين الصومال وإسرائيل والذي يظهر اعتماد الأولى بشكل أكبر على الواردات من الثانية. لكن عملياً إسرائيل في أشد الحاجة للتطبيع معها. لماذا؟

مرّت المحاولات الإسرائيلية لاستدراج الصومال نحو التطبيع بمنعطفات كثيرة شهدت حالات من المد والجزر، لكنها مؤخّراً بدت أميل إلى التقارب، وشواهد ذلك اللقاءات المتعددة وإن كانت سرية ومن خلال وسطاء. وكان تسريب أخبار هذه اللقاءات، التي كان من المفترض أن تكون سرية، للصحافة مقصوداً لقياس الرأي العام الصومالي حيث لا توجد علاقات رسمية بين الصومال واسرائيل ولا تعترف الأولى رسمياً بالثانية كدولة.

وفي تموز/ يوليو 2016، مُرّرت في الإعلام الإسرائيلي أخبار عن لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "سراً" الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في العاصمة الكينية نيروبي. لم ينفِ الصومال هذه الأخبار بينما ذهبت صحيفة تايم أوف إسرائيل إلى رواية أخرى مختلفة الدلالات، إذ ذكرت أنّ نتنياهو، التقى الرئيس الصومالي والوفد المرافق له في "تل أبيب" وليس في نيروبي. وعقب إعادة انتخاب حسن شيخ محمود، في 15 أيار/ مايو 2022، عادت الصحيفة إلى نشر خبر اللقاء في "تل أبيب" مرة أخرى.

وفي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، على هامش لقاء حظي بتغطية إعلامية جيدة بين نتنياهو والرئيس الكيني أوهورو كينياتا في نيروبي، التقى نتنياهو وفرماجو بناء على طلب نتنياهو، ثم عاودا اللقاء في شباط/ فبراير 2020 إذ عقد الرئيس فرماجو اجتماعاً سرياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، بالقدس المحتلة - وفق الإعلام الإسرائيلي - حيث ناقشا إمكانية إقامة علاقات بين البلدين. ولكن  تردد أن هذه الجهود لم تكن مدعومة من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، الذي لم يرغب في إدراج الصومال ضمن اتفاقيات أبراهام.

وفي عام 2023، عاودت إسرائيل عن طريق إيدي كوهين محاولات التقارب مع الصومال، وإدخاله في دائرة التطبيع، وتجنيدها للحشد لدعم إسرائيل في الهيئات الدولية،ً حيث التقى مقربين من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد لوضع أسس إقامة علاقات بين البلدين. نتائج هذا اللقاء ليست واضحة.

ميزان مغاير للعلاقات التجارية

على الرغم من أن الصومال لا يعترف بإسرائيل، وكانت لا تعقد أي لقاءات رسمية بين الطرفين، فإنّ العلاقات التجارية بين الطرفين رُصدت معاملات بأرقام كبيرة حيث وصلت ذورتها حسب آخر ييانات متاحة، في عام 2022، إلى 13 ألف دولار صادرات من الصومال إلى إسرائيل، في مقابل 7.13 مليون دولار واردات من إسرائيل إلى الصومال. وشهدت هذه العلاقات تطوراً على مدى الثماني سنوات الأخيرة، فقد زادت صادرات إسرائيل إلى الصومال بمعدل سنوي قدره 130%، من 9 آلاف دولار في عام 2014 إلى 7.13 مليون دولار في عام  2022.

كان الصومال الطرف الأكثر حرصاً على سرية العلاقات مع إسرائيل، فقد قام الصومال بمحاولات لاختبار الرأي العام الصومالي حول مدى تقبل وجود علاقات رسمية مع إسرائيل ولكن النتائج لم تكن مرضية، فعندما قامت سفيرة الصومال بسويسرا بناء على تعليمات من الرئيس فرماجو، لأول مرة بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعام 2019، والذي يدين إسرائيل بسبب مرتفعات الجولان، لاقى هذا القرار هجوماً كبيراً وصلت لتهديدات داخلية وخارجية، مما أرغم فرماجو على استدعاء وزارة الخارجية للسفيرة إلى الصومال، ومعاقبتها لامتصاص الغضب وتهدئة الرأي العام.

يعود تاريخ العلاقات الإسرائيلية الصومالية إلى ما قبل استقلال الصومال، حيث بدأت محاولات إسرائيل لفتح قنوات تواصل مع القيادة الصومالية في أواخر عام 1959. في ذلك الوقت، التقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير مع أحد قادة المقاومة الصومالية في ليبيريا، وعرضت عليه مساعدات اقتصادية وعسكرية مقابل إقامة علاقات رسمية علنية مع إسرائيل

وفي هذه الأثناء، وعلى خلفية امتناع الصومال عن التصويت ضد إسرائيل، قام عبد الله دول وهو دبلوماسي صومالي كبير، بالإعلان  عبر منصات أحد مواقع التواصل الاجتماعي عن دعمه علناً إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. على الفور، تم فصله بعد مسيرة دبلوماسية استمرت 35 عاماً، لحقها فراره من البلاد حفاظاً على حياته وحياة أسرته نتيجة التهديدات التي تلقّاها، ما يعكس وجود رأي عام قوي معارض لأي علاقات رسمية مع إسرائيل.

أهمية العلاقات المتبادلة

نظرياً، الصومال دولة فقيرة اقتصادياً ويظهر ذلك جلياً في الميزان التجاري بين الصومال وإسرائيل والذي يظهر اعتماد الأولى بشكل أكبر على الواردات من الثانية، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تتلقاها من المؤسسات الدولية عامة والأمريكية خاصة، أما سياسياً فهي دولة غير مستقرة تعاني من سيطرة جماعة الشباب الجهادية  المصنفة جماعة إرهابية، مما يجعل الصومال بحاجة إلى إسرائيل للحصول على الدعم الاقتصادي والأمني.

ولكن عملياً، إسرائيل هي من في أشد الحاجة للصومال، حيث أنه تجارياً هناك واردات ثابتة من الصومال تعتمد عليها إسرائيل سيّما من الحيوانات والأسماك والمحاريات، والذي وصلت إلى ذروتها في عام 2022 عند 13 ألف دولار.

وإستراتيجياً، يوفر موقع الصومال برج مراقبة للملاحة في المدخل الجنوبى للبحر الأحمر لمنع التهديدات المحتملة للملاحة الإسرائيلية، وللتحكم في أي محاولات لتزويد حركة حماس الفلسطينية بأسلحة من إيران، كما تعتقد إسرائيل، ولاستخدامه كنقطة ارتكاز لنشر غواصات تستهدف أي تحركات تهدد أمنها، وبرزت أهمية الصومال لإسرائيل خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 وتبعاتها، خاصة بعد تعرض الكثير من السفن الأجنبية وخاصة الإسرائيلية إلى الاستهداف من جماعة الحوثيين لمنع وصول أي امدادات عسكرية أو مواد غذائية إلى إسرائيل تضامناً منها مع الشعب الفلسطيني، حسبما تقول.

هذا بالاضافة إلى إمكانية منع الصومال من التصويت التقليدي ضد إسرائيل في الهيئات الدولية خاصة بعد الإدانات التي واجهتها جراء ارتكابها المجازر بحق الشعب الفلسطيني. 

أعادت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة مستقبل العلاقات الرسمية الإسرائيلية الصومالية إلى المربع صفر مرة أخرى، بعد ثماني سنوات من التقارب. لكن من المتوقع أن يتم التلويح باستخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط ضدها في حالة إعاد محاولة إسرائيل التقرب إلى الصومال أو طرح الانضمام إلى اتفاقات أبراهام

ما إمكانية انضمام الصومال لاتفاقات أبراهام؟

مهّد انضمام الإمارات والمغرب والبحرين، ولاحقاً السودان، إلى اتفاق أبراهام وجميعها دول عربية وإسلامية، الطريق ورفع الحرج قليلاً عن الدول الأصغر والأقل قوة في الاتجاه للتطبيع سيّما في ظل حاجة دولة كالصومال إلى الدعم المالي والعسكري الإسرائيلي والأمريكي، وهو ما قد يعطيها مبرراً منطقياً إن قررت التطبيع.

لكن مخطط اتفاقات أبراهام تعرّض لبعض العراقيل التي أخّرته عن التوسع، حيث جرائم إسرائيل المستمرة في حق الشعب الفلسطيني، دائماً ما تقف كحجر عثرة في طريق التطبيع الكامل. وقد أدى إعلان الحكومة الإسرائيلية إجراءات تسريع البناء في مستوطنات بالضفة الغربية المحتلة بالإضافة إلى أعمال عنف نتج عنها سقوط نحو 20 قتيلاً، غالبيتهم فلسطينيون، إلى تأجيل القمة الثانية للدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام  والتي كان من المقرر أن يستضيفها المغرب في صيف 2023. وبعد شهور قليلة، ومع بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، أصبح الأمر أكثر تعقيدأً خاصة مع زيادة العنف من الجانب الإسرائيلي والإدانات الرسمية الدولية التي حصلت ضدها، والذي أدى إلى إعلان دولة الصومال رسمياً تأييدها ودعمها لحركة حماس، وإدانة الإسرائيليين، كما أصدرت حركة الشباب الأصولية بيانًا يدعو إلى شن حرب شاملة على إسرائيل ويهدد بالانتقام من المصالح الأمريكية في شرق أفريقيا.

هذا ما أعاد مستقبل العلاقات الرسمية الإسرائيلية الصومالية إلى المربع صفر مرة أخرى، خاصة من الجانب الصومالي حيث أن مسار القضية الفلسطينية هي المحرك الرئيسي للطرفين، فإن الجانب الصومالي لن يقبل، على ما يبدو، الحديث عن أي روابط رسمية  مع إسرائيل، وعلى الجانب الآخر حيث ذكر نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي أنه يتطلع إلى ضم أطراف جديدة إلى اتفاقات أبراهام، والتي من المتوقع أن تضم الصومال، وباعتبار الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرسمي لاتفاقات أبراهام وهي أيضاً صاحبة النصيب الأكبر من المساعدات المقدمة للصومال والتي قد لعبت هذه المساعدات دوراً هاماً في تلبية الاحتياجات العاجلة للشعب الصومالي، وخاصة الأطفال، فمن المتوقع أن يتم التلويح باستخدام المساعدات كورقة ضغط ضدها في حالة إعاد محاولة إسرائيل التقرب إلى الصومال أو طرح الانضمام إلى اتفاقات أبراهام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image