قبل أكثر من عامين، اتخذت منال التونسية وزوجها المصري أحمد قراراً مصيرياً بتغيير حياتهما كلياً، فبعد سنوات من العيش في دبي، حيث عملا في مجال الإعلام، بدأت تساؤلاتهما تتزايد بشأن مستقبل ابنهما يوسف.
دبي رغم رفاهيتها ومستوى المعيشة المرتفع الذي قدمته لهما، لم تمنحهما الأمان الاجتماعي والاقتصادي الذي كانا يسعيان إليه لمستقبل أسرتهما. منال تعبر عن هذا الشعور بقولها: "بعد إقامتنا فترة طويلة في دبي، أدركنا أننا لم نحقق الاستقرار الذي يضمن مستقبلنا ومستقبل ابننا".
بدأت رحلة أحمد ومنال بالبحث عن بديل يوفر لهما الاستقرار والأمان على المدى الطويل، خلال نقاشات طويلة، اتضح لهما أن الانتقال إلى أوروبا قد يكون الحل الأمثل، كانت دولة فنلندا الوجهة الأولى التي خططا لها، إذ كان شقيق منال يعيش هناك، لكن الظروف قادتهما إلى البرتغال.
يصف أحمد كيف اكتشف البرتغال عن طريق الصدفة: "كنت أتصفح الإنترنت ووجدت فيديو يتحدث عن سهولة الحصول على إقامة في البرتغال، لم نكن نعرف الكثير عنها، لكن قررنا أخذ الخطوة بعد بحث مكثف دام 24 ساعة فقط". وبعد تغيير مفاجئ في خططهما، وصلا إلى البرتغال، البلد الذي سيصبح وطناً جديداً لهما.
التحديات الأولية في البرتغال
منذ اللحظة التي وصلا فيها إلى البرتغال، واجهت الأسرة تحديات عدة، كان العثور على سكن مناسب مادياً وجغرافياً من أبرز تلك التحديات. تقول منال: "لقد وجدنا أخيراً منزلاً، لكن المالكة كانت مترددة في تأجيره لنا لأننا كنا جدداً في البلاد ولم نملك كل الوثائق اللازمة، أذكر أنني قلت لمالكة هذه الشقة التي نعيش بها الآن إننا لا نملك ضمانات كثيرة سوى كلمتنا معك، وبالفعل صدقتنا وأعطتنا الفرصة أخيراً".
قبل أكثر من عامين، اتخذت منال التونسية وزوجها المصري أحمد قراراً مصيرياً بتغيير حياتهما كلياً، فبعد سنوات من العيش في دبي، حيث عملا في مجال الإعلام، بدأت تساؤلاتهما تتزايد بشأن مستقبل ابنهما يوسف. وبعد بحث دام 24 ساعة فقط قررا الهجرة إلى البرتغال
رغم كل الصعوبات، وجدا نفسيهما يندمجان بسرعة مع المجتمع البرتغالي، يضيف أحمد: "كنت أعتقد أن الاندماج سيكون أصعب، لكن الناس هنا قريبون للغاية من ثقافتنا المصرية والعربية". وتشير منال إلى أن العائلة في البرتغال لها مكانة مهمة، مثلما هي في العالم العربي، و"هذا ما جعلنا نشعر بالتقارب مع المجتمع البرتغالي، الأسرة هنا هي محور الحياة".
إطلاق "بسبوبة" لسهولة الاندماج مع المجتمع
لم يكن الانتقال إلى البرتغال مغامرة فقط للبحث عن حياة أفضل، بل كان أيضًا بداية لمشروع جديد: "بسبوبة". الاسم الذي يجمع بين الحلوى المصرية الشهيرة "بسبوسة" والطموح الكبير لمنال وأحمد، هو مشروعهما الجديد. قررا أن يجعلا من هذه الحلوى علامة تجارية مميزة في البرتغال.. يقول أحمد: "اخترنا البسبوسة لأنها تجمع بين ثقافتنا المصرية والحب الذي نحمله لهذه الحلوى".
بدأت الفكرة عندما كانت منال تحاول إتقان صنع البسبوسة في المنزل، بعد عدة محاولات فاشلة، نجحت أخيراً في إعدادها بشكل مثالي، كما قال عنها زوجها مبتسماً: "عندما تذوقت أول قطعة، شعرت وكأنني عدت إلى مصر".
بدأ الزوجان مشروع "بسبوسة"، والذي يهدف لصناعة وبيع الحلوى المصرية الشهيرة هناك، وساعدهما صديقهما البرتغالي على تصميم هوية بصرية للمشروع.
هكذا ولدت فكرة تحويل البسبوسة إلى مشروع، تطورت فكرة "بسبوبة" عندما أحضرت منال صينية بسبوسة إلى حفل صغير، وكانت ردود الفعل من الأصدقاء من مختلف الجنسيات إيجابية بشكل كبير. أحد الحاضرين، وهو برتغالي الجنسية، سأل منال هل تفكر في بيع البسبوسة، وبهذه اللحظة بدأت الفكرة تتبلور، منال وأحمد وجدا دعماً كبيراً من أصدقائهما، الذين ساعدوهما في تصميم هوية بصرية للمشروع بشكلٍ احترافي وسريع، يقول أحمد: "لقد قدم لنا صديقنا البرتغالي مساعدة كبيرة في تصميم الشعار والألوان وحتى بطاقات العمل، وكانوا متحمسين للغاية لفكرة المشروع".
مواجهة السوق البرتغالية
لم يكن الانتقال من فكرة مجرد صنع صينية بسبوسة إلى واقع تجاري سهلاً. كانت أول تجربة لمنال وأحمد في بيع البسبوسة في أحد الأسواق المحلية في البرتغال، وكانت تلك التجربة محفوفة بالمخاوف، تقول منال: "كان الطقس بارداً، لم يكن هناك الكثير من الناس في البداية، لكن بعد ظهر ذلك اليوم، بدأ الإقبال يتزايد بشكل ملحوظ، ونجحنا في بيع كل ما أحضرناه".
في ذلك اليوم استخدمت منال مهاراتها في التحدث بالبرتغالية لشرح المنتج للزبائن البرتغاليين، إذ كانوا في البداية مترددين، لكن بمجرد تجربتهم للبسبوسة، كانوا يعودون لشراء المزيد، "كنت أشرح لهم أن البسبوسة حلوى مصرية، ومع مرور الوقت أصبح لديهم فضول لتجربتها، وكانت ردود فعلهم إيجابية جدًا".
اليوم، يواجه الزوجان تحدياً جديداً: كيفية نقل حبهم للبسبوسة إلى قلوب البرتغاليين. تقول منال: "نعلم أن الأمر ليس سهلاً، لكننا نؤمن بأن البسبوسة ستحقق نجاحاً هنا كما في مصر"، ويضيف أحمد: "يمكن أن تصبح البسبوسة مشهورة عالمياً، مثل السوشي الذي بدأ كطبق ياباني وأصبح اليوم معروفاً في كل أنحاء العالم. هدفي أن يصل طبقنا إلى كل أنحاء العالم، وأن تصبح رمزاً للحلوى المصرية".
الآن، يخطط الزوجان لفتح متجر خاص بهما في البرتغال، وأن يكون مخصصاً لبيع البسبوسة وغيرها من الحلويات المصرية. ويعتقدان أن افتتاح متجر خاص سيسمح لهما بالتوسع بشكل أفضل وتقديم مجموعة متنوعة من الحلويات المصرية التي قد تجذب الجمهور البرتغالي بشكل أكبر، تقول منال: "سنبدأ بالبسبوسة، لكن نطمح لإضافة المزيد من الحلويات المصرية إلى قائمتنا، وسنستمع إلى ما يريده الزبائن".
"بسبوسة" سفيرة مصرية في البرتغال
تتحدث منال بشغف عن حلمها في أن تصبح البسبوسة المصرية معروفة في البرتغال مثلما هي "بشتيل دي ناتا" البرتغالية الشهيرة. تقول: "عندما يأتي أحد إلى البرتغال، يخبرونه بأن عليه تجربة بشتيل دي ناتا، نحن نطمح لأن يكون للبسبوسة السمعة نفسها". هذه الرؤية تتطلب جهداً كبيراً، لكن الزوجين مقتنعان بأن هذه الحلوى تستحق أن تكون معروفة ومحبوبة في كل مكان.
في سياق آخر، يتحدث الزوجان عن فكرة إدخال لمسات برتغالية على البسبوسة، مثل استخدام الكريمة المشهورة في الحلويات البرتغالية. بحيث يتم تقديمها بطرق متنوعة، مثل إضافة توبينغ من الشوكولاتة أو الفواكه، أو حتى تقديمها مع الآيس كريم، مما يتيح للعملاء تجربة جديدة ومبتكرة.
التحديات ليست غائبة، يشير اليكساندر، صديق العائلة البرتغالي والداعم للمشروع، إلى أن السوق البرتغالية ليست سهلة بالنسبة للأطعمة الأجنبية، إذ يوضح أن نجاح المطاعم يعتمد بشكلٍ كبير على تميزها وتفردها، يقول: "في البرتغال قد يكون من الصعب جذب الناس لتجربة شيء جديد تماماً مثل البسبوسة، خاصة إذا لم يكن لديهم معرفة مسبقة بها، لذلك يحتاج الأمر لخطة واستعداد لتقبل تقلبات مزاج البرتغالين وانتمائهم لأطباقهم التقليدية وكيفية التعامل مع هذا الأمر بحكمة ودقة".
التحديات ليست غائبة، فبالإضافة إلى العثور على ألذ الوصفات وطريقة صنعها، وأنسب مكان لافتتاح المحل، تبقى السوق البرتغالية ليست سهلة بالنسبة للأطعمة الأجنبية
لذلك، يدرك الزوجان أهمية اختيار موقع مناسب لافتتاح متاجرهما الأول، وفي هذا السياق، دار نقاش ثلاثي بين اليكساندر وأحمد ومنال التي تقول: "هل نختار مكاناً في وسط المدينة حيث يمر الناس بشكل يومي، أم نركز على موقع في منطقة معروفة بتجمعاتها العائلية؟" هذه الأسئلة كانت محورية في النقاش، مع إشارة اليكساندر إلى أن الموقع يجب أن يكون قادراً على جذب الزبائن الذين لديهم الوقت لاكتشاف شيء جديد وتجربته وليس مجرد عابرين أو موظفين يريدون فقط احتساء قهوة صباحية دون النظر إلى تجربة شيء جديد.
يأمل الزوجان أن يتوسع مشروع "بسبوبة" إلى مدن أخرى في البرتغال، وربما إلى بلدان أوروبية أخرى مثل إسبانيا. تقول منال: "يمكننا في المستقبل التفكير في تقديم البسبوسة في مدينة بورتو شمال البرتغال، وهي مدينة سياحية ذات تنوع ثقافي كبير، إذا نجحنا هناك، يمكننا التفكير في التوسع إلى دول مجاورة".
حلم منال وأحمد ليس مجرد حلم بمشروع صغير، بل هو رؤية لتقديم ثقافة كاملة من خلال حلوى مصرية تقليدية. مشروع "بسبوبة" قد يكون البداية لمسار طويل من النجاح، إذ يسعى الزوجان إلى تقديم البسبوسة ليس فقط كمنتج غذائي، بل كسفيرة للثقافة المصرية في البرتغال وخارجها. الوقت وحده سيكشف لنا ما إذا كانت "بسبوبة" ستحقق طموحاتها وتصبح علامة تجارية معروفة في كل أنحاء البرتغال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم