تُعدّ إجازة الأمومة حقاً أساسياً للأمهات الجديدات، حيث توفر لهنّ الوقت اللازم للتعافي من الولادة ورعاية أطفالهنّ حديثي الولادة. في الدول المتقدمة، تتفاوت إجازات الأمومة في طولها وشروطها، لكن معظم هذه الدول تقدّم سياسات سخيةً لدعم الأمهات والعائلات خلال فترات الولادة ورعاية الطفل.
السؤال الملحّ هنا: ما وضع هذا الحق في الدول العربية؟ وهل تحظى الأمهات العربيات الجديدات بإجازات أمومة؟ هذا ما نناقشه في هذا المقال من خلال إجراء مقارنة بين إجازات الأمومة في كلّ من العراق ولبنان وفلسطين.
في العراق… مواد قانونية غير مفعّلة
في العراق، يخضع الموظفون في الدولة لقانونَين مختلفَين حسب نوع التوظيف. القانون الأول هو قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل، الذي يشمل الموظفات العاملات في دوائر الدولة على الملاك الدائم (العمل الحكومي الثابت). أما الصنف الثاني، فيشمل الموظفات على الملاك المؤقت والأجور اليومية، اللواتي يخضعن لقانون العمل رقم (37) لسنة 2015 النافذ.
تُعدّ إجازة الأمومة في العراق وتحديداً في القطاع الحكومي الأطول مدةً بين الدول الثلاث، وتشترك الأنظمة في الدول الثلاث في عدم أحقّية جهة/ صاحب العمل في فصل المرأة العاملة أو إنهاء عقدها بسبب الحمل و/ أو الولادة. كما تمنح الدول الثلاث ساعات رضاعة مدفوعة الأجر لمدة سنة من تاريخ الولادة
أما بالنسبة إلى إجازة الأمومة، فقد أُدرجت في قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (882) لسنة 1987، الذي لا يزال سارياً. وتُمنح الأم الموظفة بموجبه إجازةً لرعاية طفلها الذي لم يتجاوز السنة الواحدة، لمدة سنة. تُقسَم هذه الإجازة إلى قسمين: 6 أشهر براتب تام، والمدة الباقية بنصف راتب. وفي حالة ولادة توأم، تُمنح الأم إجازةً براتب تام لمدة سنة كاملة.
أما في القطاع الخاص، فيمنح بعض أصحاب العمل إجازةً مدتها شهران فقط، تبدأ قبل أسبوعين من موعد الولادة، ثم يمنحون شهرين أو ثلاثة أشهر إضافية دون أجر. نتيجةً لذلك، اضطرت العديد من النساء إلى ترك وظائفهنّ أو تمديد إجازاتهنّ، وتقدّمن بشكاوى أمام محاكم العمل، وفقاً للمحامي محمد جمعة، الذي يؤكد لرصيف22، أن هناك حالات كثيرةً شهدها خلال عمله في المحاماة.
"يشهد القطاع الخاص تمييزاً كبيراً ضد النساء في ما يتعلق بالحمل والزواج. العديد من أرباب العمل يشترطون في مقابلات العمل ألا تحمل المرأة في أثناء فترة العمل، والبعض منهم يشترطون عدم الزواج خلال فترة العمل، بينما لا يتعرّض الرجال لمثل هذه الشروط"، يوضح جمعة، مردفاً: "على الرغم من أن المواد القانونية التي تكفل حقوق المرأة في العمل موجودة، إلا أن التمييز ضد النساء يستمر في بيئات العمل بسبب أن هذه المواد غالباً ما تكون غير مطبّقة، كما أنها غير كافية".
قانون العمل العراقي الساري على القطاع الخاص ينصّ أيضاً في المادة 89 منه، على منح إجازة أمومة لمدة عام كامل من دون راتب، وهي إجازة مشروطة بمنع الموظفة الأم من العمل عبر الإنترنت، أو الحصول على أي دخل إضافي خلال فترة الإجازة، وإلا ستتعرض للفصل.
"واحدة من الشروط الغريبة التي وضعتها وزارة المالية في تعليماتها الخاصة بالخدمة المدنية في الفقرة التاسعة، هي منع الموظفة من السفر خلال فترة الإجازة من دون راتب، وهو أمر يُعدّ شكلاً من أشكال الاستعباد، حيث يُنظر إلى الإجازة كأنها 'منّة' أو امتياز لا كحق أساسي، وكأن الإجازة لمدة سنة من دون راتب هي نوع من العقاب على الحمل"، يقول جمعة.
وبخصوص فترات الرضاعة المحددة في القانون، يقول جمعة إن أكثر من 90% من المؤسسات الحكومية أو الخاصة لا تكفل فترات الرضاعة، وأكثر من 80% منها لا توفر أماكن مخصصةً لرعاية الأطفال في مكان العمل في أثناء دوام الأم، برغم أن القانون ينصّ على ضرورة وجود هذه التسهيلات.
سلوى محمد (34 عاماً)، موظفة حكومية في وزارة التخطيط في محافظة بابل، تقول لرصيف22، إن الحضانات الحكومية، التي تعمل تحت إشراف وزارة العمل، لا تؤدي دورها بشكل فعال، حيث تنتهي ساعات عملها عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً، بينما دوام موظفات القطاع العام يمتد حتى الساعة الثالثة عصراً. هذا الأمر يجبرها وأمهات أخريات على وضع أطفالهنّ في حضانات خاصة تعمل ساعات أطول، لكنها في الوقت نفسه أكثر كلفةً.
"بالنسبة إلى فترات الرضاعة في المؤسسات الحكومية، حتى لو كانت الأم قادرةً على إحضار طفلها إلى مكان العمل، فإن هناك تحدّيات كبيرةً، إذ لا توجد أماكن مناسبة للأمهات للرضاعة، حيث تكون المكاتب مزدحمةً لا خصوصية فيها والحمامات صغيرةً و/ أو غير نظيفة"، تضيف محمد.
وضع آخر في لبنان؟
في لبنان، تخضع إجازات الأمومة لقانون العمل اللبناني رقم 136 لسنة 2014 الساري على القطاعين العام والخاص، وتُمنح بموجبه المرأة العاملة إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة لا تزيد عن 10 أسابيع، في مخالفة صريحة لاتفاقية منظّمة العمل الدولية التي نصّت على "حق المرأة في الحصول على إجازة أمومة لا تقلّ مدّتها عن أربعة عشر أسبوعاً". تبدأ إجازة الأمومة في لبنان قبل الولادة بأربعة أسابيع، وتستمر بعد الولادة لمدة تناهز ستة أسابيع. يمكن تمديد الإجازة في حالة الولادة المتعسرة أو إذا كانت الأم بحاجة إلى رعاية إضافية.
ووفقاً للقانون، يحقّ للمرأة العودة إلى الوظيفة نفسها أو إلى وظيفة مماثلة بعد انتهاء فترة الإجازة، كما يُمنع فصل المرأة العاملة أو إنهاء عقدها بسبب الحمل أو الولادة. تُمنح المرأة ساعات رضاعة مدفوعة الأجر لمدة سنة من تاريخ الولادة.
رشا (اسم مستعار، 28 عاماً)، أمّ لبنانية تعمل في إحدى شركات القطاع الخاص في بيروت، تروي لرصيف22، أنها طلبت إجازة أمومة من إدارة الشركة قبل الولادة بثلاثة أسابيع فقط، نظراً إلى أن فترة الإجازة لم تكن قابلةً للتمديد حسب شروط التوظيف في الشركة. لكنها تفاجأت بعد عودتها من إجازة الأمومة التي استمرت شهرين، بأنها قد فُصلت من عملها دون إبلاغها، وأن موظفاً جديداً شغل مكانها. تقدّمت رشا بدعوى قضائية ضد الشركة، ولا تزال القضية قائمةً منذ عام 2022 وحتى الآن.
"يشهد القطاع الخاص تمييزاً كبيراً ضد النساء في ما يتعلق بالحمل والزواج. العديد من أرباب العمل يشترطون في مقابلات العمل ألا تحمل المرأة في أثناء فترة العمل، والبعض منهم يشترطون عدم الزواج خلال فترة العمل، بينما لا يتعرّض الرجال لمثل هذه الشروط".
وفقاً لمحامية متخصصة في القانون المدني في لبنان، تحدّثت إلى رصيف22، مفضّلةً عدم ذكر اسمها، فإن الدوائر الحكومية تمنح إجازة أمومة لمدة 10 أسابيع كاملة. أما القطاع الخاص، فتكثر مخالفة القانون فيه حيث تعتمد مدة إجازة الأمومة على النظام الداخلي لكل شركة/ مؤسسة. وتستغلّ الشركات الخاصة عادةً جملةً في القانون تنصّ على أن الحد الأقصى للإجازة هو 10 أسابيع، دون تحديد حد أدنى. ونتيجةً لذلك، تحدد بعض الشركات إجازات قصيرةً قد تصل إلى شهر واحد فقط، وفق المصدر نفسه.
"في الدوائر الرسمية، يعود منح الإجازة إلى تقدير رئيس الدائرة، إلا أن الدولة تلتزم بفترة الـ10 أسابيع"، تضيف المحامية.
ماذا عن فلسطين؟
أما في فلسطين (غزّة والضفة الغربية المحتلة)، فتُمنح الأم الفلسطينية العاملة في القطاع الحكومي إجازةً براتب كامل لمدة 90 يوماً متصلةً قبل الوضع وبعده، وفقاً لقانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 والتعديلات التي أجريت عليه عام 2022. كما يمنح القانون الموظفة المرضعة الحق في الانصراف من العمل قبل موعد انتهائه بساعة واحدة لمدة سنة من تاريخ ولادة الطفل/ ة، ولها الحق في إجازة دون راتب لمدة عام كامل.
أما في القطاع الخاص، فتخضع إجازات الأمومة لقانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، حيث تتمتع المرأة العاملة بإجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 10 أسابيع فقط. يبدأ احتساب الإجازة من تاريخ الولادة، مع إمكانية بدئها قبل الولادة بموافقة صاحب العمل. يحقّ للمرأة العودة إلى الوظيفة نفسها أو إلى وظيفة مماثلة بعد انتهاء فترة الإجازة. لا يجوز فصل المرأة العاملة أو إنهاء عقدها بسبب الحمل أو الولادة. كما تُمنح ساعات رضاعة مدفوعة الأجر لمدة سنة من تاريخ الولادة.
أيّ من هذه الأنظمة أفضل للأمّ؟
تُعدّ إجازة الأمومة في العراق وتحديداً في القطاع الحكومي الأطول مدةً بين الدول الثلاث، وتشترك الأنظمة في الدول الثلاث في عدم أحقّية جهة/ صاحب العمل في فصل المرأة العاملة أو إنهاء عقدها بسبب الحمل و/ أو الولادة. كما تمنح الدول الثلاث ساعات رضاعة مدفوعة الأجر لمدة سنة من تاريخ الولادة.
بحسب منظمة العمل الدولية، فإن منح الأم إجازة أمومة لمدة لا تقلّ عن 14 أسبوعاً، يستند إلى أدلة علمية تدعم أهميتها لصحة الأمّ والطفل. أولاً، تحتاج الأم إلى وقت كافٍ للتعافي الجسدي بعد الولادة، خاصةً إذا كانت الولادة صعبةً أو قيصريةً، ويقلل هذا الوقت من مخاطر اكتئاب ما بعد الولادة، مما يعزز الصحة النفسية للأم. هذا لا يتوفّر للأمهات في لبنان والعراق وفلسطين
وبحسب منظمة العمل الدولية، فإن منح الأم إجازة أمومة لمدة لا تقلّ عن 14 أسبوعاً، يستند إلى أدلة علمية تدعم أهميتها لصحة الأمّ والطفل. أولاً، تحتاج الأم إلى وقت كافٍ للتعافي الجسدي بعد الولادة، خاصةً إذا كانت الولادة صعبةً أو قيصريةً، ويقلل هذا الوقت من مخاطر اكتئاب ما بعد الولادة، مما يعزز الصحة النفسية للأم. ثانياً، تشجع هذه الإجازة على الرضاعة الطبيعية، التي توصي بها منظمات صحية كالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ومنظمة الصحة العالمية. كما يسهم وجود الأم خلال الأسابيع الأولى في تعزيز التطور النفسي والعاطفي للطفل، ما يساعد على بناء علاقة آمنة مع الأم ويعزز من تطور الدماغ والجهاز العصبي. كما أن إجازة الأمومة الطويلة تقلل من مستويات التوتر والإجهاد لدى الأم، وهو ما يعزز صحتها العامة ويسهم في عودتها إلى العمل بأداء أفضل وإنتاجية أكبر.
وبرغم التقدم الملحوظ في قوانين إجازات الأمومة في العراق وفلسطين ولبنان، إلا أن هناك تحديات تتعلق بالتطبيق العملي لهذه القوانين في بعض القطاعات، إذ قد تواجه المرأة صعوبات في الحصول على إجازتها كاملةً، أو في ضمان عودتها إلى وظيفتها بعد الإجازة. لذلك، يُعدّ تعزيز الوعي بحقوق المرأة ومراقبة تطبيق القوانين من الأولويات الضرورية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 5 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 15 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع