شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نقابة الصحفيين المصريين... الجنّة الموعودة بعد سنوات جهنّم

نقابة الصحفيين المصريين... الجنّة الموعودة بعد سنوات جهنّم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 6 سبتمبر 202410:16 ص

يقولون إن "الغاية تبرر الوسيلة"، لكني أرى أنه من الصعب تبرير صرف نحو عشر سنوات من العمر، بين القلق والقهر والطرد والتسلّط والفقر، من أجل الوصول إلى "كارنيه نقابة الصحفيين"، ولولا أن تلك المهنة ممتعة، رغم مشقتها، لوضعت كل زملائي الساعين لهذا الكارنيه في مصاف المجانين.
شخصياً، قرّرت منذ مدة طويلة بأن مشوار الالتحاق بنقابة الصحفيين لا يناسبني، أولاً لأنه يحتاج لصبر مملّ في مكان واحد قد لا أرغب بالبقاء فيه مدة طويلة، وثانياً لأني أعلم بأن انضمام حاملي الشهادات الأخرى، غير الإعلامية أو الصحفية، إلى ذلك السباق نحو سلم النقابة سيجعل الأمور كالغابة، بسبب العدد غير المحدود الذي سيتنافس على تلك الكارنيهات، وأنا لم أحصل على شهادة الإعلام والصحافة، لذا ارتضيت بأن أزاول جزءاً من المهنة دون خوض هذا الصراع.
أظن بأن هذا القرار جعلني شاهداً مثالياً على "عصر الكارنيه"، وهكذا يمكن أن أبدأ بسرد بعض فصول حكاية آلاف الزملاء، بلا غرض أو ضغينة.

دخيل أغرته أضواء صاحبة الجلالة

عدد لا بأس به من الصحفيين في مصر يُمكنك سرد قصّة كل منهم كالتالي: درس الإعلام والصحافة حباً في سطوع نجمه واكتساب صفة اجتماعية مرغوبة في المحافظات البعيدة عن العاصمة، تلك الصفة التي توازي إلى حد ما التحاق آخرين بالكليات المسمّاة بكليات القمة، كالطب والهندسة، فلقب "إعلامي" أو "صحفي" له بريق في تلك المناطق، يجعله مغرياً بلا شك.

يقولون إن "الغاية تبرر الوسيلة"، لكني أرى أنه من الصعب تبرير صرف نحو عشر سنوات، بين القلق والقهر والطرد والتسلّط والفقر، من أجل الوصول إلى "كارنيه نقابة الصحفيين"، ولولا أن تلك المهنة ممتعة، رغم مشقتها، لوضعت كل زملائي الساعين لهذا الكارنيه في مصاف المجانين
ما أن انتهى من الدراسة حتى بدأ في التدرّب لدى إحدى المواقع الصحفية غير المشهورة بدون مقابل، لا لشيء إلا لنشر عدد من الموضوعات باسمه تجعل اللقب المنتظر قيد التشغيل، ثم يطول أمد التدريب المجاني لشهور، وربما عام بالكامل، فيرحل إلى موقع آخر أفضل نسبياً، وعندها يستطيع الحصول على أول راتب له في حياته العملية، والذي يتراوح بين الـ 500 والـ 1000 جنيه في أفضل الأحوال، حتى تمرّ سنة أو أكثر، فيُمكنه حينها أن يطالب بأجر أفضل يتراوح بين الـ 2000 والـ 3000 جنيه، وانتظار قرابة خمس سنوات أو أكثر حتى يستطيع تقاضي ما يغنيه عن أي معونات عائلية ترسل له على هيئة أموال أو حقيبة أكل، في تلك المرحلة قد يصل الراتب إلى 4000 جنيه، وفي أشهر الأماكن لن يتخطى الـ 6000 جنيه، وهي قيمة الحد الأدنى للرواتب التي حدّدتها الحكومة المصرية، أي أن الوصول إلى أدنى مراتب الأجور في مصر يتطلب من الصحفي العمل لأكثر من خمس سنوات كاملة.

كيف يتخطون رحلة الصبر

تلك المراحل التي ذكرتها، قد يراها بعض الزملاء متفائلة بدرجة كبيرة، فبعضهم انتظر لثماني أو تسع سنوات للحصول على راتب لا يبلغ الحد الأدنى للأجور أصلاً، لكن في كل الأحوال، فإن آليات الصبر التي تساعد الصحفيين في مصر على تجاوز تلك المراحل متشابهة إلى حد كبير، فالبعض يبدأ في العمل لدى أكثر من موقع أو جريدة، بالإضافة إلى ساعات عمل إضافية لدى قناة فضائية ما، أو البحث عن مواقع تدفع لهم مقابلاً زهيداً للغاية لقاء موضوعات عامة دون الإشارة لأسمائهم فيها، وهناك بالطبع من رأى أن العمل الصحفي والإعلامي فقط لن يُمكنه من توفير نفقاته، فذهب للعمل في مهنة أخرى إلى جانب عمله الإعلامي.
لكن ذلك وحده لا يكفي للصبر الطويل هذا، إذن فلم الصبر؟ الإجابة هي حلم جنة نقابة الصحفيين الموعودة، فمن ارتضى بالعمل لقاء 500 جنيه ثم ألف جنيه تضاعفت بالكاد، صبر لأنه تلقى وعداً، أو أكثر، من مالك لجريدة صغيرة، أو أكثر أيضاً، بمساعدته على الالتحاق بنقابة الصحفيين وامتلاك "الكارنيه المنتظر"، حينها سيستطيع الحصول على بدل، والذي هو عبارة عن مبلغ مالي يبلغ 4000 جنيه تقريباً يصرفه من النقابة، وبالطبع هذا البدل يعني بالنسبة له الكثير، إذ إنه يمثّل بالنسبة لمعظم الصحفيين ما يماثل قيمة رواتبهم في مواقعهم وجرائدهم أو حتى أكثر، ويُمكنك مشاهدة فرحة غير الموفقين في دخول جنة النقابة والممزوجة بالحزن عند مباركتهم الصادقة والحماسية لمن نجح في الوصول إلى جنة الصحفيين، حينها يبدو الأمر مشابهاً لأصدقاء يودعون صديقهم المهاجر إلى الخارج هرباً من جحيم الداخل، ثم الذهاب لاستكمال ما تبقى من هذا الجحيم عسى أن يلحقوا به قريباً.

الاستثمار في الجنة

للأسف، تلك الجنة الموعودة يسبقها حياة عملية غالباً ما تكون أشبه بجهنم، بداية من سنوات فقر طويلة، ومروراً بتسلط ملاك الجرائد ورؤساء التحرير مستعينين بقوة كارت النقابة، ووصولاً إلى القلق الذي رصدته بكثرة، والذي يرافق الصحفي بعد معاناة طويلة في مزاولة المهنة، بأن يمر العمر بعد كل تلك التنازلات دون دخول الجنة أصلاً. سنوات يُمكن وصفها بالقلقة، المضطربة، الصعبة، غير المستقرة والضاغطة بقوة على نفسية من يعيشها.
شاهدت بنفسي بعض رؤساء التحرير يعاقبون الصحفيين بمحو أسمائهم عن موضوعات أنجزوها بالفعل وتم نشرها، وذلك العقاب تحديداً أكبر مما يبدو عليه، فالموضوع لا يتوقف عند سرقة وهدر مجهود الصحفي، لكنه يمتدّ إلى حرمانه من تكوين أرشيف مناسب، وهو الشرط الأبرز للانضمام إلى النقابة يوماً ما.
وهناك جانب من الزملاء الذين تحدثوا عن مطالبة بعض الجرائد لهم بدفع مبالغ مالية من أجل إرسال أسمائهم للجنة اختيار أعضاء النقابة الجدد، أي أنهم أصبحوا يصرفون من أموالهم على المهنة بدلاً من التربّح منها، كل ذلك من أجل مجرّد وعد بحجز مقعد داخل جنة البدل والكارنيه.

تلك الجنة الموعودة يسبقها حياة عملية غالباً ما تكون أشبه بجهنم، بداية من سنوات فقر طويلة، ومروراً بتسلّط ملاك الجرائد ورؤساء التحرير مستعينين بقوة كارت النقابة، ووصولاً إلى القلق الذي رصدته بكثرة والذي يرافق الصحفي بعد معاناة طويلة في مزاولة المهنة

لنجعل حياتهم أصعب

وكأن الأمور ليست سيئة بما فيها الكفاية، وكأن عدم استقرار المجال الصحفي في مصر والذي جعل غَلْق المواقع بسبب خسائر مادية أمر متكرّر، وفَصْل المئات دفعة واحدة ممارسة معتادة، لا يكفي لإشعال نار جهنم في حياة الصحفيين العملية، فأُضيف إلى ذلك وضعهم في حالة خطر مستمرّ أثناء القيام بعملهم، لأنهم لا يستطيعون التعريف عن أنفسهم بأنهم صحفيون، نظراً لعدم امتلاكهم كارنيه النقابة، ما يجعل تواجدهم في بعض الأماكن لتغطية الأحداث خطراً قد ينتهي بهم بالتعدّي عليهم دون استطاعتهم الرد أو أخذ حقهم بشكل قانوني، أو القبض عليهم لانتحالهم صفة "الصحفيين" مثلاً.

المواطن الصحفي

منذ سنوات عديدة، ابتعدت عن العمل داخل أروقة المواقع والجرائد الصحفية، لأسباب مادية أولاً ولأنني لا أستطيع الكتابة بحرية في أي منها، ولأنني أحب هذه المهنة كثيراً، حاولت تكرار التجربة، لكني لم أفلح أبداً في موازنة متعتي مع مسؤولياتي، لذلك فلا بد أن أوجه التحية لكل زميل ما زال متمسّكاً بالعمل في هذا المجال لشجاعته على مواجهة حياة صعبة وخطرة ومقلقة بهذا الشكل، فمن الصعب أن تكون في مصر مواطناً، فما بالك بأن تصبح مواطناً صحفياً أيضاً، ومن يريد أن يلقّب الصحافة في مصر بـ "صاحبة الجلالة" فليفعل، ومن يريد أن يصفها بـ "السلطة الرابعة" فليفعل، لكن الصحفيين أنفسهم لم يمتلكوا من تلك الجلالة والسلطة إلا قدراً ضئيلاً، معظمه ولد في نفوسهم من اعتزازهم بالعمل في المهنة لا من مكتسباتهم منها، وسلام عليهم جميعاً.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard