شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
خرافات وسيم السيسي... تحالف الدجل والإعلام المصري في صناعة

خرافات وسيم السيسي... تحالف الدجل والإعلام المصري في صناعة "نخبة زائفة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأربعاء 4 سبتمبر 202401:24 م

"ابننا وسيم السيسي يبدع في مدحي، ويحكي عنى حكايات حدّ الله ما حصلت، لكن هذا المشهد يؤكد عدّة حقائق وهي: أن خطتي في ضرب الذاكرة والوجدان المصري قد نجحت، وأن النخبة المصرية وصلت إلى طريق الجنون والتخريف، أن ما بدأته في أول عهدي من تشويه وتضليل وصل إلى مستويات لم أكن أحلم بها لو أتصورها في خيالي".

كاتب تلك الكلمات هي صفحة ساخرة باسم السادات يتكلم، وهي صفحة يلعب صاحبها دور  محمد أنور السادات، معلّقاً على الأحداث الجارية بنغمة كلام الرئيس الراحل، حيث يرد كل فساد إلى جذور اللحظة الساداتية".

في الفيديو يدعي د. وسيم السيسي، أستاذ المسالك البولية، والذي يقدّم نفسه كباحث في تاريخ مصر القديمة، أنه، أثناء وجوده في إنجلترا وفي اليوم الأول لوصول السادات إلى الحكم، جاء المانشيت الرئيسي لمجلة التايم: Now the Black fox in Power والمقصود بـ "الثعلب الأسود" هنا أنور السادات.

يعطيك ذلك التصريح المفبرك نبذة عن طريقة أداء د. وسيم السيسي، أن ينطق اسم مرجع ما بالإنجليزية، بثقة تامة، حتى وإن لم يكن هذا المصدر حقيقياً، وهو ما يكفل له الحديث في كل شيء، من التاريخ إلى السياسة، ومؤخراً ملف المهاجرين السودانيين، والأخطر مسألة الصحة، إذ تفتح له القنوات أبوابها، ليروّج خرافاته غير المستندة إلى مصادر علمية، إلا التي ألّفها في وقت شحّ فيه الدواء في مصر؛ بسبب سياسات الدولة تجاه الدواء في مصر، والتي تعجز عن توفيره، أو تصدره حلاً لأزمة الدولار، وكذلك ترويج نظريات المؤامرة، ومن بينها ظهور الكائنات الفضائية في أمريكا وأسيوط، وتكتّم الحكومة الأمريكية على مركبات فضائية لا تستطيع القنبلة الذرية نسفها، وهي أطباق طائرة، بحسب وسيم السيسي، تدور في الفضاء تمهيداً لاحتلال الأرض، ولا يفوته أن يقول: "طبقاً لعلم الأطباق الطائرة مجهولة الهوية".

طريقة أداء د. وسيم السيسي، أن ينطق اسم مرجع ما بالإنجليزية، بثقة تامة، حتى وإن لم يكن هذا المصدر حقيقياً، وهو ما يكفل له الحديث في كل شيء، من التاريخ إلى السياسة، ومؤخراً ملف المهاجرين السودانيين، وتفتح له القنوات أبوابها، ليروّج خرافاته غير المستندة إلى مصادر علمية

*****

استطاع وسيم السيسي أن يبني شعبية هائلة ساهم فيها الإعلاميون، وللأسف من بينهم الإعلامي محمود سعد، الذي فتح له باباً لنشر خرافاته التي تخلط الرطانة العلمية بالدجل الواثق، كما فعل مع الطبيب حسام موافي الذي يخلط بين الخرافة والطب والدين، في أحاديث مشوّقة.

نجح وسيم في أن ينتزع لقب عالم مصريات دون شهادة علمية واحدة، عبر حكايات مسلية عن حضارة مصر القديمة، تداعب الشوفينية المصرية وذكرى الأمجاد الغابرة، فأصبح له جمهور بالملايين يصدقون خرافاته، رغم أنه ليس أكثر من طبيب مسالك بولية، شهرة بنيت على ما يعرف باسم "العلم الزائف".

كان تصريحه الأخير الذي لم يعتمد على أي دليل، هو أن المبالغ الضخمة التي يؤجّر بها السودانيون وحدات سكنية في مصر، تدفعها الصهيونية العالمية، كي تبلع بعدد اللاجئين في مصر ما يسمى "الكتلة الحرجة"، حيث قال نصّاً في بودكاست خمسينة:

"السودانيون يتلقون أموالاً أيضاً. إحداهن طلبت من مستأجرةٍ منها شقةً بمبلغ 3000 جنيه، فكان رد المستأجرة: سأؤجرها لإحدى السودانيات مقابل 25 ألف جنيه. قالت لها: هل تودين أن أزيد لكِ الإيجار؟، ردّت: مهما زدتِ، سأظل أدفع 25 ألف جنيه. من أين يأتي المال؟ من إسرائيل، من الصهيونية العالمية. كل هذا يحدث بهدف أن يتمكنوا من الوُجود هنا في مصر ليصلوا إلى النسبة الحرجة. ولكنني سعيد جداً بأن الدولة بدأت تستفيق، وآمل أن يُقَيَّد العدد، وأن يتم ترحيل كل من ليس لديه إقامة شرعية. نحن لا نرغب في تكرار تجربة الهكسوس هنا في مصر، حيث سنصبح جميعاً، بما فينا الحكام المصريون، تحت رحمة هؤلاء".

*****

في أوقات الفقر التي يعانيها المصريون، من الطبيعي أن تجد من يلقي أذناً للوم المهاجرين على الأزمات الاقتصادية، هكذا تلقّف مثل هؤلاء، (التيارات اليمنية المتطرّفة التي تتبنى العلم الزائف كـ "الكميتين"، والمعروفين بشوفينتيهم التي تدّعي نقاء السلالة المصرية، عدائهم لكل ما هو غير مصري واحتقارهم لكل ما هو عربي أو أفريقي) تلك التصريحات التي تتسم بالدجل. المأساة أن الجانب المنحط من الإعلام المصري، المساق أمنياً، يصرّ على دفع وسيم السيسي وأمثاله إلى الواجهة، بتصريحات ستكون نتيجتها أزمة تهدّد الأمن القومي، إذا ما اندلعت اشتباكات حقيقية بين المصريين واللاجئين.

ما يحدث هو أن الجهات الأمنية حريصة على دفع "النخبة الزائفة" إلى الواجهة، لأنها تعطّل أي نقاش حقيقي حول مستقبل مصر، وتخدم أهدافها، فمصر مازالت لها "نخبتها" الحقيقية، لكنها إما مقموعة أو مسجونة أو معطلة بكل هذا التشويش والصخب الذي تثيره نخبة زائفة.

نجح وسيم في أن ينتزع لقب عالم مصريات دون شهادة علمية واحدة، عبر حكايات مسلية عن حضارة مصر القديمة، تداعب الشوفينية المصرية وذكرى الأمجاد الغابرة، فأصبح له جمهور بالملايين يصدقون خرافاته، رغم أنه ليس أكثر من طبيب "مسالك بولية"

وحسنا فعلت صفحة "متصدقش" عندما نشرت قائمة بأكاذيب وسيم السيسي، ثم صحّحتها، لعل ذلك يقلّل، ولو شيئاً ضئيلاً، من أثر الضباب الذي يعمد أمثاله إلى نشره، وأول تلك الأكاذيب هي أكذوبة علاقة اللاجئين السودانيين في مصر بالصهيونية العالمية، إذ لم تعلن الحكومة المصرية، أو أي جهة رسمية أو موثوقة، أن المهاجرين واللاجئين السودانيين المقيمين في مصر يتلقون تمويلاً من دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو من الحركة الصهيونية.

يحصل السودانيون المقيمون في مصر على دخلهم المادي من خلال دعم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في حال كانوا مسجلين لديها كلاجئين، أو عبر تلقي تحويلات من أقاربهم ومعارفهم بالخارج، أو من عملهم في مصر وتجارتهم في مهن مختلفة، ولا يوجد ما يثبت غير ذلك.

تُقدّم "المفوضية" للاجئين وطالبي اللجوء الأكثر احتياجاً مساعدات نقدية محدودة لتغطية الاحتياجات الأساسية، إما بانتظام مرة كل شهرين، أو مرة واحدة خلال أشهر الشتاء، بناءً على معايير محدّدة تضعها "المفوضية"، بحسب موقعها الرسمي. ويشير الناشط المجتمعي السوداني أيمن عبد الله، في تصريحات سابقة لموقع قناة "الحرة"، إلى أن العديد من الأسر السودانية في مصر لا تواجه مشكلات في الإعاشة أو السكن، نظراً لحيازتها قدراً كبيراً من الأموال التي جلبتها قبل فرارها إلى مصر، أو لاعتمادها على تحويلات تصل من أقربائها في دول أخرى.

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، فإن أكثر من 70% من المهاجرين في مصر يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، وأشار الدكتور أيمن زهري، الخبير في دراسات الهجرة والدراسات السكانية، في تصريحات سابقة لـ "متصدقش"، إلى أن نسبة أخرى، ممن لا تعمل في وظائف ثابتة، تعمل في القطاع غير الرسمي، حتى لو كانت في وظائف بسيطة. وقد نقل كثير من المهاجرين ممتلكاتهم وثرواتهم إلى مصر، وباتوا يمتلكون آلاف الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي توظف مئات الآلاف من العمال. ومنذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/أبريل 2023 وحتى آب/أغسطس 2024، تواصل نحو 700 ألف سوداني مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر للتسجيل لديها.

*****

أما الأكذوبة الثانية التي حققتها صفحة "متصدقش" فكانت كالتالي: "من المعروف أن السادات عندما كانت إثيوبيا ترغب في بناء سد (على النيل)، اتصل بجيمي كارتر أو كينيدي، وسأله عن السد، فرد عليه الرئيس الأمريكي قائلاً إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، وأرجو أن تتأكد قبل أن تتصل بي. فأمر السادات مبارك، قائد القوات الجوية حينها، بنزع العلامات المصرية عن 6 طائرات والذهاب لضرب السد. بعد ذلك اتصل كينيدي بالسادات، وسأله عما حدث، فأجابه السادات: ماذا فعلنا؟ أنت قلت إن الأمر لا وجود له، وأرجوك يا سيادة الرئيس أن تتأكد قبل أن تتصل بي".

هذه القصة مفبركة ولم تحدث، كما أن الرئيس محمد أنور السادات لم يعاصر الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي خلال فترة رئاسته، فقد نفى اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالمخابرات الحربية، في تصريحات صحفية سابقة، صحّة هذه القصة، وأكد أن الحديث عن قيام الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بضرب سدود إثيوبية ليس إلا "نكتة هدفها تعميق الأزمة الحالية". والأمر نفسه أكده سفير مصر الأسبق في إثيوبيا، روبير إسكندر، إذ سبق وصرّح بأن إثيوبيا لم تحاول إنشاء سدود على النيل إلا في عام 1992 (بعد وفاة السادات بـ 11 سنة)، وكان وقتها سفيراً لمصر هناك. عاصر الرئيس السادات خلال فترة رئاسته الرؤساء الأمريكيين: ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان، ولم يعاصر الرئيس جون كينيدي الذي اغتيل في عام 1963.

*****

أما الأكذوبة الثالثة، فتخصّ صحّة المصريين، إذ قال وسيم السيسي في لقائه مع الإعلامي تامر أمين: "سمعت أنه بحلول عام 2025، سيُمْنَع استخدام العلاج الكيميائي في العالم كله، لأنهم اكتشفوا أنه بلا فائدة، بل إنه يسرع من موت المريض".

هذا الكلام غير دقيق ومضلل. لم تعلن أي جهة طبية عالمية عن وقف استخدام "الكيماوي" لعلاج مرض السرطان. يشير مصطلح "العلاج الكيميائي" إلى استخدام أدوية وعقاقير لعلاج مرض السرطان، وهناك عدة أنواع منه، ولا تعمل جميعها بالطريقة نفسها.

الجهات الأمنية حريصة على دفع "النخبة الزائفة" إلى الواجهة، لأنها تعطّل أي نقاش حقيقي حول مستقبل مصر، وتخدم أهدافها، فمصر مازالت لها "نخبتها" الحقيقية، لكنها إما مقموعة أو مسجونة أو معطلة بكل هذا التشويش والصخب الذي تثيره نخبة زائفة

هناك النوع المعروف بـ"الكيماوي" الذي يقتل الخلايا السرطانية وبعض الخلايا الطبيعية، وهناك "العلاج الموجّه" و"العلاج المناعي" اللذان يركزان على أهداف محدّدة في الخلايا السرطانية. يستخدم "الكيماوي" في تقليص حجم السرطان، وعلاجه، والتحكم في نموّه وانتشاره، وتخفيف الأعراض. وعلى الرغم من الآثار الجانبية المحتملة، فإن "الكيماوي" يُعد علاجاً فعالاً وموثوقاً به للسرطان لعقود من الزمان، ويمكن أيضاً أن يجعل العلاجات الأخرى، مثل جراحات الاستئصال أو العلاج الإشعاعي، أكثر فاعلية، بحسب موقع Medline Plus التابع للحكومة الأمريكية وهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية NHS.

*****

أما الأكذوبة الرابعة في البرنامج نفسه، فجاءت كالتالي: "أقل بلد فيها سرطان بروستاتا هي مصر، وأقل بلد فيها سرطان عنق رحم في العالم هي مصر. أرجو أن تذهبوا إلى كتاب جينيس، للتأكد من ذلك".

لم يذكر كتاب "جينيس" للأرقام القياسية، أن مصر سجّلت أقل نسبة في حالات سرطان البروستاتا أو سرطان عنق الرحم في العالم، وبحسب الإحصائيات العالمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان، تأتي مصر ضمن قائمة الدول الأعلى في العالم في أعداد المصابين بسرطان الكبد وسرطان المثانة. لم تُسجّل مصر نسبة منخفضة عالمياً بالنسبة لسرطان البروستاتا أو سرطان عنق الرحم، حيث تأتي مصر في المرتبة 101 عالمياً في عدد حالات سرطان البروستاتا، وفقاً لإحصائيات Globocan لعام 2020. وحول نسبة الإصابات بسرطان عنق الرحم، تضع الإحصائيات الدولية مصر في المرتبة 146 عالمياً من أصل 185 دولة شملتها إحصائيات عام 2021.

*****

يتضح من التصريحات أعلاه عدم وجود أدلة موثوقة تدعمها. هكذا يروّج وسيم السيسي لنفسه، بين الملايين من متابعيه من الناس، بأنه شخصية أكاديمية وعلمية، وإن ربط هذا الظهور بتصريحات طبية قد تضرّ بوعي الجمهور إذا لم يتم تمحيصها وتدقيقها بشكل مناسب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image