شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كورسات التثقيف الجنسي... هل تنقذ العلاقات الحميمة من الجفاف والنفور؟

كورسات التثقيف الجنسي... هل تنقذ العلاقات الحميمة من الجفاف والنفور؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الخميس 5 سبتمبر 202409:29 ص

بعد مرور أقل من عام على زواجها، كثرت الخلافات الزوجية بين رانيا وشريكها، وبدأ شعور بالإحباط والتعاسة يسيطر عليهما، كونهما غير قادرين على التفاهم والتواصل بشكل جيد ومصارحة بعضهما البعض باحتياجاتهما العاطفية وتفضيلاتهما الجنسية. تحولت علاقتهما الحميمة إلى مجرد أداء شكّل عبئاً نفسياً على الشريكة، التي تعاملت مع الجنس كأداة لإرضاء الشريك، والذي لم يكن سعيداً بافتقاده متعة التواصل الحميم مع شريكته، وبات يشعر بنفورها من العلاقة ويشك في كونه يعاني من مشكلة تتعلق بالأداء الجنسي، فقصد عيادة طبيب لكنه تأكد أن المشكلة ليست عضويةً، فسأل زوجته صراحةً هل هي تعيسة معه وترغب في الطلاق؟

"تقضية واجب"

"كغالبية البنات في مجتمعنا الشرقي اللي اتربّت على ثقافة العيب، كنت خام معرفش حاجة عن الجنس، وقبل الزواج أخدت شوية معلومات من مواقع ومنتديات على الإنترنت ومن كلام صاحباتي المتزوجات، وبعد ما اتجوزت بقيت برتبك وبخاف وأتكسف من موضوع العلاقة ومش بعرف أتبسط بيه، ومع الوقت جوزي حسّ إني بعمل كدة تقضية واجب، ووصل له انطباع إني مش بحبّه ومش سعيدة معاه وعايزة أتطلق، وأنا ما كنتش عارفة أشرح له ومش فاهمة المشكلة فين"؛ هذا ما تقوله رانيا لرصيف22.

في الحقيقة، رانيا متعلقة بشريك حياتها وغير راغبة في الانفصال عنه، وكانت المشكلة بينهما تتمحور حول شعورها بالخجل من العلاقة الحميمة والبوح بمشاعرها واحتياجاتها العاطفية للشريك، وهو ما جعلها تواجه صعوبةً كبيرةً في الوصول إلى النشوة الجنسية من ناحية، وإثارة وإشباع الشريك من ناحية أخرى.

"الكورس خلّاني أكتشف جسمي من جديد وقدرت أتخلص من خجلي وخوفي من العلاقة وأكون على طبيعتي وأعبّر لجوزي عن احتياجاتي والحاجات اللي بحبها أو ما بحبهاش وأسأله عن اللي بيحبه واللي مش بيحبه، وعلاقتنا الزوجية اختلفت كتير وتغيرت للأحسن"

وبينما كان الزوجان يقفان على حافة الانفصال، اطّلعت رانيا على منشورات وتعليقات لسيّدات متزوجات، داخل مجموعات نسائية على فيسبوك، يتحدثن فيها عن تجاربهن مع كورسات التثقيف الجنسي والعلاقة الحميمة التي حصلن على بعضها، وكيف خلّصتهن من الروتين والبرود والنفور في العلاقة الحميمية.

عندها، تواصلت مع إحدى المدرّبات في مجال العلاقات الزوجية الأسرية للتسجيل في كورس أونلاين تقدّمه للسيدات، حول العلاقة الحميمية والتثقيف الجنسي، كمحاولة لإنقاذ حياتها مع شريكها الحميم، لتفاجأ بوجود عشرات من النساء غيرها، يفتقدن الثقافة الجنسية ولا يزلن يجهلن الكثير من الأمور حول أجسادهنّ وطبيعة العلاقة الخاصة مع أزواجهنّ، برغم مرور سنوات على زواجهنّ.

وتعليقاً على هذه النقطة، تقول رانيا: "كوننا ستات والمدرّبة ست، ده كسر حاجز الخجل، وأسلوبها كان عصري ولطيف مش بتدّينا محاضرة بمادة علمية وخلاص، الكورس خلّاني أكتشف جسمي من جديد وقدرت أتخلص من خجلي وخوفي من العلاقة وأكون على طبيعتي وأعبّر لجوزي عن احتياجاتي والحاجات اللي بحبها أو ما بحبهاش وأسأله عن اللي بيحبه واللي مش بيحبه، وعلاقتنا الزوجية اختلفت كتير وتغيرت للأحسن".

رواج كورسات التثقيف الجنسي للنساء

قبل ثلاث سنوات، قررت أخصائية الإرشاد الزواجي والباحثة في الصحة النفسية، تغريد إحسان، التي كانت تكتب مقالات للتوعية الجنسية للنساء على مجموعات نسائية عبر موقع فيسبوك منذ العام 2016، إطلاق كورس تثقيفي للسيدات، عبر الإنترنت، تحت مسمّى "لعبة الحب" وهو أحد الأجزاء الثلاثة لكورس تثقيفي للنساء المتزوجات والمقبلات على الزواج، وينقسم إلى نفسي وزواجي وحميمي، وذلك لإيمانها بأن معظم السيدات في مجتمعاتنا العربية لا يتربين على التوعية الجنسية، ويتزوجن من دون أن يعرفن ماهية العلاقة الجنسية، وهو ما دفع الكثير من النساء للبحث والتساؤل عبر المجموعات النسائية عن التفاصيل الحميمية؛ فبدأت تغريد بكتابة مقالات عن التوعية الجنسية وفنون الدلال الأنثوي والإغراء.

الكورس يتضمن معايير اختيار شريك الحياة والقبول الجنسي والمداعبات والتهيئة لممارسة العلاقة الزوجية، بالإضافة إلى شرح الأعضاء الجنسية لدى الجنسين وأنواع غشاء البكارة والأوضاع الجنسية والأورغازم، وأهمية المصارحة بالرغبات بين الزوجية واستخدام المداعبات اللفظية والمغازلات والقبلات

تشرح إحسان خلال الكورس الفوارق بين سيكولوجية الرجل والمرأة ومفهوم الأنوثة وطبيعة الجسد الأنثوي وماهية الأورغازم والمفاهيم المغلوطة حول الجنس، والإغراء الأنثوي عبر نظرة العين وطبقة الصوت والإيحاءات والمداعبات الجريئة والرومانسية وصولاً إلى الـdirty talk، أي فن الحديث المثير بين الأزواج، والذي يحبه البعض خلال العلاقة الحميمية.

وتبيّن إحسان لرصيف22، أن كورسات التثقيف الجنسي انتشرت بشكل كبير بين النساء، وتحول الأمر بالنسبة لبعضهن إلى حالة من الهوس لجذب انتباه الرجل وإرضائه بأي شكل خوفاً من أن يتطلع إلى غيرهن، ويقمن بتطبيق أي فكرة يتلقينها حتى لو لم تكن مناسبةً لهنّ ولأزواجهنّ، مما يخلق مشكلات زوجيةً، لافتةً إلى كون الوعي الجنسي للنساء لا يكفي وحده لعلاقة حميمية سعيدة مع أزواجهن، إن لم يكن الرجال مقبلين هم أيضاً على العلاقة ويعملون على تحسينها، ويكون بين الزوجين ود وتواصل جيد ومراعاة لرغبات واحتياجات الآخر.

افتقاد الوعي الجنسي

بدورها، لاحظت المدربة سمر عادل زكي، الحاصلة على دبلوم إرشاد زواجي، خلال جلساتها الاستشارية، أن الكثير من النساء لا يمتلكن الوعي الجنسي والمعرفة بالأعضاء التناسلية ولديهن معلومات مغلوطة ويخجلن من الحديث عن الجنس، ويعتقدن أن دورهنّ بعد الزواج ينتهي بالإنجاب وتربية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية، متجاهلات الاحتياجات العاطفية والجسدية للزوجين، وهو ما دفعها لإطلاق كورس "سحر الحب"، للتوعية الجنسية للنساء.

الكورس المؤلف من مادة فيديو مسجلة وثمانية لقاءات مباشرة أونلاين يتم تقديمها على مدار شهرين، يتضمن معايير اختيار شريك الحياة والقبول الجنسي والمداعبات والتهيئة لممارسة العلاقة الزوجية، بالإضافة إلى شرح الأعضاء الجنسية لدى الجنسين وأنواع غشاء البكارة والأوضاع الجنسية والأورغازم، وأهمية المصارحة بالرغبات بين الزوجية واستخدام المداعبات اللفظية والمغازلات والقبلات، لافتةً إلى كون متلقيات الكورس يتنوعن بين الشابات المقبلات على الزواج والسيدات المتزوجات الراغبات في تجديد العلاقة، وينتمين إلى بيئات مختلفة.

في سياق متصل، وخلال سنوات عملها كمدربة إرشاد أسري، التقت الدكتورة عزة أحمد، وهي حاصلة على الدكتوراه في الصحة النفسية والإرشاد الأسري، الكثير من السيدات المتزوجات اللواتي يقصدنها للحصول على الاستشارات الزوجية، لكونهنّ يعانين من مشكلات زوجية سرعان ما تكتشف أن العلاقة الحميمية هي سببها، وأن الكثير من النساء لا يجدن الإشباع العاطفي مع أزواجهنّ وهو ما يدفعهن للهروب النفسي إلى وسائل أخرى للمتعة كالإفراط في تناول الطعام، أو الخيانة الزوجية، مما دفعها للحصول على كورسات في الصحة الجنسية وإطلاق كورس للتثقيف الجنسي للنساء المتزوجات والمقبلات على الزواج.

وفي حديثها إلى رصيف22، ترى المدربة أن 80% من المشكلات الزوجية سببها العلاقة الجنسية وعدم الرضا عنها لدى الطرفين، أو شعور الزوجة بأنها آلة لإشباع رغبة الزوج ومجبرة على ممارسة الجنس من دون رغبة منها، مما يخلق إحباطاً وغضباً وتربّصاً بالطرف الآخر.

لسن أقلّ أهميةً

تؤكد الدكتورة منى صلاح، وهي معالجة نفسية جنسية، على أهمية التثقيف الجنسي للزوجين الذي يجعلهما واعيين إلى كونهما متساويين في الحقوق والواجبات وأولوية إشباع الاحتياجات الحميمية واختيار الأوضاع الجنسية والتعرف على التغيرات الجسمانية بدءاً من الإثارة وصولاً إلى النشوة، ويمنع الملل داخل العلاقة والذي ربما يقود إلى الخيانة الزوجية أو الطلاق.

وتوضح صلاح لرصيف22، أن "النساء يجب أن يدركن أنهنّ طرف لا يقلّ أهميةً داخل العلاقة الجنسية عن الرجل ولسن أداةً أو وسيلةً لإشباعه، لكن قلة التثقيف الجنسي لدى بعض الرجال تجعلهم يغضبون من وعي زوجاتهم وتعبيرهن عن احتياجاتهن، ويتهمونهن بمشاهدة أفلام البورنو أو قلة الأخلاق".

إلا أن الدكتورة منى تلفت إلى كون تجاربها مع مريضاتها اللواتي توجّهن إلى كورسات التثقيف الجنسي التي تقدّمها بعض المدربات أو الكاتبات غير متخصصات في العلاج الجنسي، أظهرت أنهن يلقين بعبء نجاح أو فشل العلاقة الحميمة على النساء، ويقنعن المتلقية بأنها غير سعيدة في العلاقة لكونها مقصّرة في استخدام أنوثتها وغير قادرة على إسعاد الزوج، كما يخبرنهنّ بالأفعال التي يجب القيام بها للزوج لإسعاده: "الإرشاد الجنسي يجب أن يتم إعطاؤه للجنسين وليس لطرف واحد، وإلا ستكون السعادة الحميمية مؤقتةً وسرعان ما تدرك الزوجة أنها تحولت إلى أداة لإسعاده"، على حدّ قولها.

العلاقة الحميمة لا يحكمها قانون موحد

ترى الدكتورة رضوى فرغلي، وهي محللة نفسية واستشارية علاج نفسي متخصصة في العلاقات الزوجية واستشارات ما قبل الزواج، أن التوعية والتثقيف الجنسي للزوجين أو المقبلين على الزواج يشكلان فارقاً إيجابياً في علاقتهما الزوجية، لكون التفاصيل الحميمة للعلاقة غالباً ما تكون مصدر إحراج عند الحديث عنها، وكونها "ترمومتر" العلاقة الزوجية ومؤشراً قوياً على التناغم بين الزوجين. لكنها ترى أن التثقيف الجنسي للنساء يجب أن يتم عبر معالج نفسي متخصص في العلاقات الزوجية والصحة الجنسية كي لا يتحول إلى مجرد نقل لخبرات شخصية من المدربة غير المختصة إلى المتلقيات دون خبرات إكلينيكية ومهنية وعلمية، فالعلاقة الحميمة لا يحكمها قانون موحد أو خطوات محددة أو نصائح معلبة للسعادة الزوجية، مبيّنةً لرصيف22، أن "كل حالة هي حالة فردية لا يمكن تعميمها"؛ وميزة اللجوء إلى المعالج المتخصص هي أنه يكون موضوعياً لا يتحيز لطرف ضد آخر، ولا يفرض قناعاته وآراءه وتجاربه الشخصية على الأزواج ولا يحكم عليهم بل يساعدهم على إيجاد الحلول المناسبة لهم وفقاً لطبيعة شخصياتهم والعلاقة بين الطرفين في إطار مهني وسرّي وآمن.

وتشرح فرغلي: "من الشائع أن يدور النقاش في الجانب الحميم بين الأزواج في الجلسات الجانبية بين النساء، وبين الرجال، لكن السوشال ميديا سهّلت وصول المعلومات، ما أدى إلى وفرة في المعلومات العشوائية مع الغياب النسبي لأهل التخصص من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".

وتتابع: "وفي ظل احتياج الناس إلى المعلومات المتعلقة بالصحة الجنسية لمعالجة علاقتهم أو تحسينها خصوصاً مع الضغوط المجتمعية والاقتصادية التي يتعرضون لها والجفاء العاطفي بين كثير من الأزواج والخرس الزوجي والطلاق النفسي، فإنهم يلجؤون أحياناً إلى العلوم الزائفة ويدفعون المال للحصول على نصائح عشوائية من غير المختصين، ويسمحون لهم بالاطلاع على أسرارهم الحميمة وإدارة أجسادهم وحياتهم الخاصة".

"النساء يجب أن يدركن أنهنّ طرف لا يقلّ أهميةً داخل العلاقة الجنسية عن الرجل ولسن أداةً أو وسيلةً لإشباعه، لكن قلة التثقيف الجنسي لدى بعض الرجال تجعلهم يغضبون من وعي زوجاتهم وتعبيرهن عن احتياجاتهن، ويتهمونهن بمشاهدة أفلام البورنو أو قلة الأخلاق"

وتلفت فرغلي إلى أن النساء اللواتي يحصلن على كورسات التثقيف الجنسي من غير المختصين، يلجأن إلى تجربة ما تعلمنه في علاقتهن الحميمية مع أزواجهن، وقد ينجح الأمر أو يفشل، محذرةً من أن تتحول العلاقة إلى سرابية، نتيجة السعي المستمر من الزوجة مثلاً للحصول على رضا الزوج، وإيهامها بأنها الطرف الوحيد المسؤول عن إنجاح العلاقة الزوجية، في حين أن أي علاقة لا تقوم على بذل طرف واحد مجهوداً لإسعاد وإرضاء الطرف الآخر.

وتختم: "الزواج علاقة انسجام تفاعلية مشتركة يجب أن يبذل الطرفان جهداً لإنجاحها وإسعاد شريكه، بالإضافة إلى كون العلاقة الحميمية شديدة الحساسية لأي عوامل خارجية متراكمة مثل المشكلات الزوجية، وهي تعتمد على التواصل والاحترام والود واللطف بينهما، وإلا تحولت إلى شيء جاف  يؤدي إلى النفور مع الوقت".

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard