شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ماذا نعرف عن حركة

ماذا نعرف عن حركة "الأمر 9" الإسرائيلية؟ وكيف تساهم في تجويع الغزيين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Starvation as warfare: What do we know about the Israeli ‘Tsav 9’ movement and how it helps starve Gazans?

منذ أن قال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت جملته التي غدت كأنها العصى التي دقت طبل الحرب الأول: "لا كهرباء ولا طعام ولا غاز، كل شيء مغلق، نحن نقاتل حيوانات بشرية"، فرضت إسرائيل حصاراً محكماً على قطاع غزة.

ومنذ تلك اللحظة، لا يتوانى الوزراء الإسرائيليون عن إصدار تعليماتهم بوقف جميع أشكال المساعدات الإنسانية. فأصدر وزير الخارجية يسرائيل كاتس أوامر بوقف جميع إمدادات المياه عن القطاع.

تبعه وزير الأمن القومي بن غفير، حين صرّح: "علينا أن نتوقف عن تقديم المساعدات لهم، نريدهم أن يزحفوا إلينا ويستجدوا الصفقة"، ثم وزير المالية الذي قال إنه "قد يكون من الأخلاقي تجويع مليوني غزي".

فجاءت هذه العقوبات كسلاح من قبل الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين، في مخالفة واضحة وصريحة للقوانين الدولية والإنسانية.

ويبدو أن ثمة من يقف منفّذاً، بجسده، هذه السياسات أمام المعابر الإسرائيلية التي تدخل منها المساعدات الإنسانية. حركة "تساف 9" (الأمر 9) هي المجموعة الأبرز التي تطالب بمنع وصول المساعدات إلى قطاع غزة.

وتضم "تساف 9" في صفوفها جنوداً إسرائيليين من تشكيلات الاحتياط الذين شاركوا في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وتعمل من خلال التحرك الميداني والتوجه نحو المعابر من أجل إيقاف الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية، ومنعها من العبور إلى غزة.

"إن الدعوة الى تجويع أهالي قطاع غزة وتهجيرهم هي دعوة متواترة في إسرائيل، سواء من جانب الحكومة أو من جانب مجموعات وأفراد ومسؤولين وعسكريين سابقين ومؤثرين، باعتبار ذلك وسيلة للضغط على المقاومة الفلسطينية، ورسم ملامح ما يسمى بـ"اليوم التالي" للحرب"، يشير الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية أنطوان شلحت في حديثه لرصيف22.

ويضيف: "تؤكد هذه الأصوات صباح مساء على أن الحصار خلال الحروب ليست أسلوباً مشروعاً، بل هو أسلوب مفضّل؛ تجويع العدو حتى الموت".

من هي حركة "تساف 9"؟

وفقاً لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية فإن حركة "تساف 9" تأسست بمبادرة من الزوجين "ريعوت ويوسف بن حاييم" وهما إسرائيليان يعيشان في بلدة "نتيفوت" في منطقة النقب جنوب إسرائيل.

وانطلقت المجموعة تحت شعار "لا مساعدات حتى يعود آخر المختطفين". وتزامن انطلاقها بعد تظاهرة بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2024، بالقرب من معبر كرم أبو سالم، وهو المنفذ الذي تدخل منه المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وأفادت مؤسِّسة الحركة، في مقابلة مع صحيفة "معاريف"، أنها عندما كانت تتجه إلى معبر كرم أبو سالم لتوقف الشاحنات، أدركت هي وزوجها بأنهما غير قادرين على القيام بذلك وحدهما. فقاما "بتجنيد النشطاء الإسرائيليين ليصبحوا مجموعة قادرة على التأثير والعمل"، بحسب ادعائها.

وتضم الحركة نحو 15 ألف شخص. لكن أعضاءها يتوقعون أن العدد في الواقع أكبر من ذلك، فقد دعم وشارك في أعمال مرتبطة بالحركة منذ انطلاقها نحو 300 ألف إسرائيلي.

ويشير شلحت إلى "أن "تساف 9" أو "الأمر 9" هو أمر التجنيد الفوري لجنود تشكيلات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. وفحواه موثق في البند رقم (9) من قانون الخدمة العسكرية في تشكيلات الاحتياط ومن هنا اشتق اسمه.

ريعوت بن حاييم مؤسسة حركة "تساف 9"

وفي اعتراف لأحد النشطاء في الحركة لصحيفة "معاريف"، قال: "نحن الأشخاص الذين خرجوا من القتال في غزة ونعمل على إيقاف الشاحنات (شاحنات المساعدات الإنسانية) بأجسادنا. إننا نعتقد أنه لا توجد دولة في العالم تقدم الإمدادات لعدوها". 

وتعتبر الحركة، بحسب صحيفة واشنطن بوست، "من المنظمات الإسرائيلية المتطرفة التي ساهمت في تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير في قطاع غزة. حيث يواجه العديد من الناس المجاعة الحقيقية، مما أثار غضباً كبيراً لدى عدد من القادة الأمريكيين والعرب".

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، في حديثه لرصيف22 "أن حركة "تساف 9" انبثقت من أجواء التحريض والعدائية والكراهية لكل ما هو فلسطيني، والرغبة في الانتقام التي سادت المجتمع الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى".

ويشير منصور إلى أن العلاقة بين أعضائها ليست علاقة هرمية أو جامدة بل هي علاقة أفقية قائمة على القوة المنبرية. يقوم شخص بالنداء، فينضم له آخرون ويصبحوا تياراً.

"وعلى الرغم من أنه إطار فضفاض وخطوطه السياسية عريضة جداً، إلا أنه تتجه نحو وجهة واحدة وهي التطرف. وقد يصعب السيطرة عليها أو محاربتها، لأن كل شخص يعتبر نفسه مكوناً أساساً ورمزاً فيها"، يضيف منصور.

ووفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فبعد تظاهرات عديدة واعتداءات متكررة قامت بها الحركة على المعابر، دون تدخل أي من الجهات الرسمية لوقف تلك الاحتجاجات، أقام الجيش الإسرائيلي بعض الحواجز على الطرق المؤدية إلى معابر قطاع غزة وأعلنها منطقة عسكرية مغلقة للحد من تدفق المتظاهرين اليمينيين الذين يحاولون منع دخول الشاحنات وإحراقها وإتلافها.

علاقة مركبة بين أحزاب اليمين المتطرف وحركة "تساف 9"

"إن العلاقة بين الأحزاب اليمينية المتطرف وهذه الحركة هي علاقة مركبة وليست علاقة تنظيمية. إذ وفرت لها المناخ والحصانة والبيئة المتطرفة. فتجد مثل هذه المجموعات حاضنة واحتواء ومسايرة من الأحزاب الكبيرة وخاصة اليمين"، يقول منصور.

ويردف: "معظم أعضاء حزب الليكود يحاولون اليوم أن يتنافسوا على هذه الحركات. فيتسابقون للحصول على رضاها وكسب أصواتها، عبر توفير البيئة المناسبة للعمل والتغاضي عن المحاسبة ومنح الحصانة".

انبثقت الحركة من أجواء التحريض والعدائية والكراهية لكل ما هو فلسطيني، والرغبة في الانتقام التي سادت المجتمع الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى

يؤكد منصور على أن "مثل هذه المجموعة هي امتداد للحركات الكبرى، وخاصة اليمين المتدين، التي تتشكل بشكل قانوني، ولا تستطيع القيام بمثل هذه الأعمال الميدانية في الشارع، لذلك تعتبر مجموعة صغيرة مثل "تساف 9" الذراع التنفيذي لها ولسياساتها. العلاقة ليست علاقة وصاية أو نبذ، بل هي علاقة مركبة وتفاعلية".

بدوره، يشير الكاتب ياسر مناع في تقرير نشره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية إلى أنه "انطلاقاً من مكونات الحركة، تتجلى العلاقة بينها وبين أحزاب اليمين وعلى رأسها حزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه إيتمار بن غفير. وتتكون الحركة من بعض أهالي المحتجزين والمخطوفين وجنود من الاحتياط وسكان تم إجلاؤهم من مستوطنات غلاف غزة وأعضاء في الكنيست، مثل تسفي سوكوت من حزب الصهيونية الدينية"

وكان بن غفير قد طالب أكثر من مرة بوقف إدخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة تماهياً مع نشاط الحركة. كما كانت رسالة الدعم التي وجهت لها ولأعضائها من قبل حاخام صفد، شموئيل الياهو، دليل آخر على دعم اليمين المتطرف لها.

حركة "تساف 9" تغلق معبر كرم أبو سالم

كيف يستغلها نتنياهو لمواجهة من يطالب بالهدنة؟

"يعمل حزب الليكود والأحزاب القومية المتطرفة على مواجهة حركات إسرائيلية داخلية مناهضة للحرب وتنشط من أجل التوصل إلى هدنة وإطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين"، يقول شلحت.

ويتابع: "وعليه، فإن دعم هذه الحركة يعزز تأييد الحرب واستمرارها وتأييد السردية الليكودية التي أرساها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفحواها أن الضغط العسكري هو الضمان الوحيد لإطلاق سراح المخطوفين".

ويشير منصور إلى أن "نتنياهو يوظف تلك الحركات ويستفيد منها في محاولة منه للتهرب من ضغوطات يتعرض لها من الخارج فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية ووقف إطلاق النار".

"لكن أصبح نتنياهو يشعر أن هذه الحركات تحرجه مع حلفائه الأمريكيين والأوروبيين. فيحاول اليوم أن يحد من قوتها كونها تستقطب جمهوراً متطرفاً يمكن أن ينقلب عليه مستقبلاً"، يقول منصور مضيفاً.

الولايات المتحدة الأمريكية تفرض العقوبات

كانت قد فرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حسب صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 14 حزيران/ يونيو 2024 عقوبات على الحركة لتعطيلها القوافل الإنسانية المتوجهة إلى غزة.

فحمل المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن ضمان سلامة المساعدات وعدم التعرض لها. وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتسامح مع من يقومون بأعمال التخريب والعنف والنهب التي تتعرض لها تلك المساعدات.

واتهمت الحركة في حينه إدارة بايدن بأنها تتصرف ضد عائلات الرهائن، مؤكدةً أن "هذه المساعدات تذهب مباشرة إلى منظمة حماس الإرهابية"، حسب قولها.

وفي هذا السياق، أقرت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على قادة ونشطاء من بينهم شلومو يحزقيل وهاي ساريد، لقيامهم باعتراض قوافل المساعدات والاعتداء عليها.

دعم الحكومة الإسرائيلية لهذه الحركة يعزز تأييد الحرب واستمرارها وتأييد السردية الليكودية التي أرساها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض في وقت سابق عقوبات على حركة "تساف 9" بعد أن قامت بمنع شاحنات تنقل غذاءً ووقوداً وأدوية من الدخول إلى القطاع.

وبحسب صحيفة "تايم أوف إسرائيل"، فقد عملت وزارة الخارجية الأمريكية على تصنيف الحركة كمجموعة خاضعة للعقوبات، بعد أن أصدر بايدن أمراً تنفيذياِ يأمر إدارته بفرض عقوبات على الأفراد والجماعات "التي تقوض السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية".

وقال يوجين كونتوروفيتش، وهو باحث قانوني يقدم المشورة لأعضاء "تساف 9" إنه "يتوقع أن يرى العقوبات معروضة للطعن في المحاكم الأمريكية، كونها تحد من حرية الحق للإسرائيليين في التعبير السياسي والتجمع السلمي".

أسلوب حرب محظور

إن مهاجمة قوافل المساعدات الإنسانية ومنع دخولها الى قطاع غزة يشكلان انتهاكاً جسيماً للقواعد الآمرة للقانون الدولي الإنساني، لا سيما لاتفاقية جنيف الرابعة. إذ تقول المادة رقم (23) من الاتفاقية: "على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً إلى سكان طرف متعاقد آخر المدنيين، حتى لو كان خصماً. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس".

كذلك، يشكل منع وصول المساعدات انتهاكاً للبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، إذ تنص المادة رقم (75) على "حظر العقوبات الجماعية حالاً واستقبالاً في أي زمان ومكان، سواء ارتكبها معتمدون مدنيون أم عسكريون، وتجويع المدنيين".

ونصت المادة رقم (54) من نفس البروتوكول على "حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وتحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب". 

صحيح أن حركة "تساف 9" تقف بأجساد أعضائها لتغلق المعابر في وجه الشاحنات، إلا أن سياسة التجويع كأداة عقاب جماعية تُرتكب من المستوى السياسي والأمني الرسمي في إسرائيل.

وفي حين يحتاج قطاع غزة إلى 500 شاحنة يومياً في الأقل، تُدخل إسرائيل العدد الذي يروق لها والمساعدات التي تسمح هي بها، فتقف أحياناً شاحنات في طوابير لا نهائية على المعابر، منتظرةً إشارة من الإسرائيليين. 

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard