شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نظيفة وآمنة ومراعية للنساء... رحلة البحث عن دورة مياه صديقة للحيض

نظيفة وآمنة ومراعية للنساء... رحلة البحث عن دورة مياه صديقة للحيض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 16 يوليو 202412:21 م

كانت ندى قد تجاوزت عامها الثالث عشر ببضعة أشهر، حين تدفقت دماء الحيض بين فخذيها مخلّفةً بقعةً حمراء داكنةً على الجزء الخلفي من تنورتها المدرسية. زميلاتها نبّهنها فاضطرت إلى استئذان المُدرّس لتذهب إلى دورة المياه، وهي تشعر بالخجل من زملائها الذكور في الصف، بسبب البقعة التي خلّفتها دورتها الشهرية الأولى.

حالة طارئة

لم تعرف ندى ما يمكنها فعله في هذه الحالة الطارئة، خاصةً أن حمام التلميذات في المدرسة يخلو من الفوط الصحية والمناديل وحتى الصابون. كان أقصى شيء يمكنها فعله هو خلع تنورتها ومحاولة تنظيف البقعة بالماء، لكن الوضع ازداد سوءاً، كما أن مناديلها الشخصية لم تكن كافيةً لامتصاص الدماء ومنع تسربها، كما تفعل مستلزمات الحيض.

"ما لاقيتش حلّ غير إني أدخل لأوضة المدرّسات عشان يساعدوني. مُدرّسة منهن إدّتني فوطة صحية كانت في شنطتها، بس ما لاقوش حل لتنضيف هدومي اللي بقت مبلولة والبقعة واضحة فيها، ولأني كنت ساكنة قريب من المدرسة، استأذنوا لي من الإدارة عشان أروح قبل ما اليوم الدراسي يخلص"، وفق ما تقول لرصيف22.

"ما لاقيتش حلّ غير إني أدخل لأوضة المدرّسات عشان يساعدوني. مُدرّسة منهن إدّتني فوطة صحية كانت في شنطتها، بس ما لاقوش حل لتنضيف هدومي اللي بقت مبلولة والبقعة واضحة فيها"

بنهاية العام الدراسي، انتقلت ندى من مدرستها الخاصة إلى ثانوية حكومية للبنات في القاهرة، لكن الوضع صار أسوأ، فحمام المدرسة لم يكن نظيفاً، وكانت معظم مراحيضه أرضيةً (بلدي)، أو من حمامات القرفصاء، ولا يوجد مصدر مياه، ولا يوجد أكثر من مرحاضين إفرنجيين، فتقف التلميذات في طابور طويل حتى يأتي دور كل منهن للدخول: "المدرسة كثافتها كانت عاليةً وكانت من 3 أدوار، وما فيش غير حمام واحد للطالبات موجود تحت في الدور الأرضي، جنب الحوش، وجوة الحمام 2 تواليت إفرنجي مش نضاف عشان السيفون بايظ، و4 تواليتات بلدي مقرفة جنبها حنفية صغيرة غالباً بتكون الصدا واكلها وبايظة أو سايبة على الفاضي، ومفيش صندوق زبالة؛ فالبنات كانت بتدخل تغيّر الفوط اللي غرقانة دم وترميها على الأرض، المنظر والريحة كانت لا تطاق، خلت سنوات الثانوي جحيم بالنسبة لي".

في ظل تلك الظروف غير الإنسانية كانت ندى وكثيرات من زميلاتها يتجنّبن دخول دورة مياه المدرسة، لكيلا يتقيأن أو يُصبن بالأمراض، وخلال فترة الدورة الشهرية كن يضطررن إلى التغيب والبقاء في المنزل، لا سيما خلال الأيام الثلاثة الأولى، وإذا صادف وجود امتحانات خلال عادة إحداهن الشهرية، فإنها تضطر إلى المكوث خلال فترة الدوام المدرسي كاملةً دون تغيير الفوطة الصحية، وإذا كان النزيف شديداً يلجأن إلى وضع فوطتَين ليتجنّبن تسرّب دماء الحيض إلى زيّهن المدرسي.

لم تعرف ندى وزميلاتها في المدرستين الإعدادية والثانوية، في ذلك الوقت، أن هناك ما يُعرف بدورات المياه الصديقة للحيض، لكنهن شعرن بحاجة ماسة إلى وجود الصابون والمناديل وصندوق قمامة له غطاء، وفوط صحية للطوارئ في حمامات المدارس، لتجنّب الكثير من المعاناة والإحراج.

البحث عن حمام

الحاجة نفسها شعرت بها ياسمين التي عملت لبضعة أشهر، بائعةً في محل ملابس صغير في محافظة الجيزة، وكانت مدة دوامها 12 ساعةً، لتتمكن من إعالة نفسها، دون أن يتوافر حمام داخل المحل، تقضي فيه حاجتها وتنظف يديها، وأصبحت فترة العادة الشهرية بالنسبة لها كارثيةً.

تقول ياسمين لرصيف22: "كنا بنتين شغالين في محل ملابس أطفال في شارع جانبي من ميدان الجيزة، بنشتغل من 10 الصبح لـ 10 بالليل، بنفضل واقفين على رجلينا فترات طويلة طول ما في زباين أو صاحب المحل موجود بيفضل يشغلنا نشيل ونحط هدوم ونرصّها، وكان لينا استراحة الساعة 5 لمدة نص ساعة لكل واحدة فينا بالتناوب، بنستغلها في إننا نروح نجيب غدا، كشري أو سندوتشات على حسابنا، وندخل الحمام في المطعم، لأن مفيش حمام في المحل".

كانت ياسمين وزميلتها مضطرتين إلى حمل الفوط الصحية والصابون والمناديل وثياب داخلية في حقيبتيهما الشخصية، وارتداء فوطة عند اقتراب موعد الدورة الشهرية، تحسباً للطوارئ، لكن هذه الإجراءات الاحترازية لم تكن كافيةً للحيلولة دون إصابة إحداهما بنزيف مهبلي أو اضطرابات في الحيض تجعل عادتها تأتي قبل موعدها: "لما كانت الدورة الشهرية تيجي لواحدة فينا كانت تضطر تمشي مسافة لحد ما توصل لمطعم عشان نضيف وفيه حمامات للستات منفصلة وفيها مناديل، لأن المحلات اللي حوالينا مفيهاش حمامات غير حمام القهوة وده مشترك ومش نضيف، وفيه حمام في محل الكشري مافيهوش باسكيت ولا مناديل، وأحياناً تكون الصابونة خلصت... طبعاً ما بنقدرش نعمل ده أكتر من مرتين تلاتة بالكتير في خلال الدوام، ونلبس الفوطة لفترة طويلة وتيجي لنا التهابات، لأننا بنكون محرجين ندخل حمام المطعم كتير، ولو اتأخرت واحدة فينا وصاحب المحل عرف هيهزقها أو يخصم لها، وبيفضل يقول هو إنتوا في حضانة، كل شوية حمام، امسكوا نفسكوا شوية، أنا بدفع لكم مرتبات عشان تقضوا الدوام في الحمام".

تهميش احتياجات النساء

ترى الناشطة النسوية آية منير، صاحبة مبادرة "سوبر ومان"، أن المراحيض العامة في مصر والحمامات في المصالح الحكومية ودور العبادة والمؤسسات التعليمية، غير نظيفة وغير صالحة للاستخدام لا سيما للنساء، فهي لا تراعي الفوارق الجندرية والاحتياجات البيولوجية للإناث، مبيّنةً أنه لا يتم تسليط الضوء على حاجة النساء في مصر إلى مراحيض صديقة للحيض، أو توفير الفوط الصحية فيها؛ حيث لا يزال يتم الحديث عن الدورة الشهرية بعدّها "حدثاً نادراً".

وتؤكد منير أن النساء في مصر يفتقدن وجود حمامات آمنة ونظيفة على الطرق السريعة وطرق السفر، تكون مؤهلةً لاستخدامها لتغيير الفوط الصحية خلال فترة الحيض؛ حيث عادةً ما تنقطع المياه عنها، ولا تتوافر فيها أدوات نظافة، مشيرةً إلى أن فترة الدورة الشهرية لها طبيعة خاصة تحتاج إلى نظافة عالية وخصوصية، وهي أمور لا تتوفر عادةً في دورات المياه العامة.

"المراحيض العامة في مصر والحمامات في المصالح الحكومية ودور العبادة والمؤسسات التعليمية، غير نظيفة وغير صالحة للاستخدام لا سيما للنساء، فهي لا تراعي الفوارق الجندرية والاحتياجات البيولوجية للإناث"

وتشير مي صالح، استشارية النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي، إلى أن مشكلة افتقاد النساء الحمامات الصديقة للحيض تتضح بشدة في المدارس والجامعات وأماكن العمل المزدحمة كمجمعات مصانع الاستثمار، التي لا تراعي سياسات النوع الاجتماعي في التشغيل، ما يخلق عبئاً إضافياً على النساء؛ فيضطررن إلى تقليل عدد دخول دورة المياه وزيادة عدد ساعات ارتدائهنّ الفوط الصحية مما يعرّضهن لمضاعفات، ويؤثر سلباً على تركيزهن وراحتهن وأمانهن، أو يلجأن إلى التغيّب عن الدراسة خلال فترة الدورة الشهرية، أو التغيب عن العمل ويأخذن إجازةً غير مدفوعة الأجر، مضيفةً أن توفير الفوط الصحية في أماكن العمل والدراسة ما زال يُنظر إليه على أنه رفاهية، ويتم تحميل عبء توفيرها للنساء، باستثناء أماكن محدودة تراعي الجندر.

وترى صالح أن ثقافة مراعاة الفوارق الجندرية واحتياجات النساء في دورات المياه، لا تنفصل عن تهميش الأدوار الإنجابية، وعدم مراعاة احتياج الأمهات إلى مكان مخصص لتغيير حفاضات الأطفال، عند إنشاء معظم الحمامات، مبينةً أن غالبية المدارس لا توفر صناديق قمامة آمنةً وصابوناً، وأن دورات المياه على الطرق السريعة حالتها متدهورة للغاية، لا سيما الخاصة في وجه قبلي، وأن بعض الحمامات العامة تكون مشتركةً وهو ما يُشعر النساء بالقلق من فكرة تغيير الفوط الصحية.

مضاعفات صحية

في حديثها إلى رصيف22، تؤكد الدكتورة آية البحقيري، المعالجة الجنسية والمتخصصة في الصحة الجنسية، أن معظم الحمامات العامة في مصر مصممة للذكور فقط، وأن النساء بشكل عام يعانين لإيجاد حمام داخل محطات مترو الأنفاق والقطارات والأماكن العامة والشوارع والمقاهي، وأن المعاناة تزداد لدى مريضات داء السكري والمسنّات، فيضطررن إلى حبس البول خلال فترة وجودهن في الشارع، ما يخلق لديهنّ مشكلات صحيةً في الكلى وحصوات والتهابات في المسالك البولية.

وترى البحقيري أن هناك حاجةً ماسةً لدى النساء في مصر تتمثل في وجود حمامات صديقة للحيض، تحتوي على فوط صحية داخل الجامعات والمدارس وأماكن العمل ومحطات القطار والأماكن العامة، لتجنيبهنّ الإحراج والأزمات النفسية والاجتماعية الناتجة عن الوصم الاجتماعي المتعلق بالأفكار المغلوطة عن الدورة الشهرية، بالإضافة إلى المشكلات الصحية التي يتعرضن لها نتيجة ارتداء الفوط الصحية أو الأقمشة كما تفعل النساء الأكثر فقراً، لساعات طويلة دون أن يتمكنّ من تغييرها، ما يصيبهنّ بالالتهابات المهبلية والتهاب الجلد المحيط بالفرج والتهاب مجرى البول، وقد تصل إلى التهابات الرحم.

وتعدّ الدكتورة ماريا أرميا، أخصائية أمراض النساء والتوليد، أن مصر لا تزال بعيدةً عن تحقيق مفهوم دورات المياه الصديقة للحيض: "الكثير من النساء يمتنعن عن دخول الحمام في الأماكن العامة لأسباب تتراوح بين الخوف من التقاط عدوى لقلة النظافة، أو الشعور بالإحراج وغياب الخصوصية عند وجود حمام مشترك يستخدمه الرجال والنساء، كما يحدث في كثير من أماكن العمل، ويتسبب عدم دخولهن إلى الحمام لفترات طويلة في إصابتهن بالتهابات المسالك البولية والمثانة، بالإضافة إلى أن ارتداءهنّ الفوط الصحية لساعات عدة يتسبب لهنّ في الالتهابات الجلدية في المنطقة الحساسة".

وتؤكد أرميا لرصيف22، ضرورة تخصيص حمام للنساء فقط، داخل المؤسسات والشركات، لمنحهنّ الشعور بالخصوصية والأمان، بالإضافة إلى توفير فوط صحية وأكياس سوداء للتخلص من الفوط المستعملة، وتجنيبهنّ الإحراج المتعلق بإلقائها أمام زملائهن الرجال، منوهةً ببعض المقاهي والمطاعم والأماكن الراقية التي أصبحت تراعي احتياجات النساء المتعلقة بدورات المياه.

كيف تصبح حماماتنا صديقةً للحيض؟

في كل يوم، تحيض نحو 800 مليون امرأة وفتاة حول العالم، وينطبق ذلك على النساء في المزارع ومواقع البناء، والمكاتب، والمنازل، والمدارس والجامعات، ويحتجن جميعهن إلى مساحة خاصة لغسل وتغيير منتجات الدورة الشهرية، بأمان وصحة وكرامة. هناك العديد من الأماكن التي يجب أن تحتوي على مستلزمات النظافة الصحية ومستلزمات الحيض، وهي: المدارس وأماكن العمل والمستشفيات والأماكن العامة والمواقع السياحية ومحطات الطرق السريعة والسجون ومخيمات اللاجئين.

وتمثّل المراحيض في بعض الأماكن العامة والمؤسسات التعليمية وأماكن العمل تحدياً للنساء في مصر، لا سيما خلال فترة الدورة الشهرية، نظراً إلى كون المراحيض العامة نادرة، وسيئة الصيانة والنظافة، ولا يتم تخطيطها أو تصميمها أو إدارتها بطريقة تجعلها صديقةً للحيض ومراعيةً للفوارق الجندرية، ما يسبب الإحراج والمعاناة وأضراراً صحيةً للنساء.

تمثّل المراحيض في بعض الأماكن العامة والمؤسسات التعليمية وأماكن العمل تحدياً للنساء في مصر، لا سيما خلال فترة الدورة الشهرية، نظراً إلى كون المراحيض العامة نادرة، وسيئة الصيانة والنظافة، ولا يتم تخطيطها أو تصميمها أو إدارتها بطريقة تجعلها صديقةً للحيض ومراعيةً للفوارق الجندرية

ويجب أن يحتوي الحمام الصديق للحيض على الصابون والمياه الجارية، والضوء، وخطّاف أو علّاقة، ومرآة، وسلة للنفايات، ومنشفة نظيفة، ومزلاج أو قفل مناسب، ونافذة للتهوية، وصحف أو أكياس سوداء لتغليف الفوطة المستعملة، ودلو صغير، وفرشاة تنظيف المرحاض، وآلة بيع تحتوي على مستلزمات الحيض، مثل السدادات القطنية والفوط الصحية والمناديل.

في الختام، ترتبط المراحيض الصديقة للحيض بمصطلح "كرامة الدورة الشهرية" أو "فترة الكرامة"، والتي تشير إلى الوصول الخالي من الخجل وبأسعار معقولة إلى كل ما تحتاجه الحائض لإدارة الدورة الشهرية وصحتها، بدءاً من منتجات الحيض وصولاً إلى الحلول الصحية للتخلص من نفايات الدورة الشهرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image