تُعدّ موسيقى البوب العربية ظاهرةً عالميةً، حيث تجاوزت حدود الوطن العربي، ووصل صداها إلى مختلف بلدان العالم، وباتت موسيقى معتمدةً في الحفلات والسهرات والنوادي الليلية في تلك البلدان. يعود ذلك إلى شعبية أغاني وأعمال فنانين أمثال شيرين عبد الوهاب، وميريام فارس، وعمرو دياب، وغيرهم من الفنانين العرب. كما أن انتشار الجاليات العربية في الغرب ووسائل التواصل الاجتماعي، ساهم أيضاً بشكل كبير في ارتفاع شعبية الثقافة العربية بشكل عام، خاصةً ما يتعلق بالموسيقى العربية.
تُعدّ فرنسا من أكثر الدول التي استقبلت هذه الموسيقى، إذ يتفاعل الشباب الفرنسي بشدة مع الإيقاعات العربية الحيوية، مع أن أكثرهم لا يفهمون كلمات الأغاني بالكامل. ربما تحمل هذه الموسيقى في طياتها شيئاً من السحر والجاذبية للشباب الفرنسي، فهي تمثّل لهم متنفساً للهروب من الروتين اليومي واكتشاف عالم جديد ومختلف.
شغف اكتشاف العالم الغامض
من بين مئات النوادي الليلية في باريس، التي يمكن سماع موسيقى البوب العربية في أكثرها، يُعدّ "ديسكو الدبكة" الأشهر، حيث تأسس على يد الفرنسيَّين من أصول لبنانية ميشال سمور ويوسف مالا، ولكليهما الذوق نفسه والاهتمامات عينها، بما أنهما مفتونان بموسيقى البوب العربية، خاصةً موسيقى التسعينيات، فهما يعتقدان أن عدد النوادي الليلية الممتلئة من الشباب الفرنسيين المفتونين بهذه الموسيقى كبير جداً.
تُعدّ فرنسا من أكثر الدول التي استقبلت موسيقى البوب العربية، إذ يتفاعل الشباب الفرنسي بشدة مع الإيقاعات العربية الحيوية، مع أن أكثرهم لا يفهمون كلمات الأغاني بالكامل
بدأ ميشيل ويوسف عملهما بتنظيم حفلات خاصة لموسيقى البوب العربية في الحانات والنوادي في باريس، وبذلك لم يستقطبا الشباب العربي الذي يعيش في فرنسا فحسب، بل لقيا استحساناً كبيراً من قبل الجمهور الفرنسي، ومن خلال هذا تمكنا من نشر شهرتهما بشكل أكبر، إذ تعاونا مع معهد بيروت للاستعراض الكهربائي (Beirut Electro Parade)، الذي ينظم فعاليات وحفلات كبيرةً في بيروت وباريس ودبي وقطر، ولديه جمهور كبير من جميع الفئات والجنسيات.
حول هذا الموضوع، يقولان: "من الطبيعي أن تكون للّبنانيين حصة الأسد بين جمهورنا، لكن عدد الجمهور من سائر الجنسيات كبير أيضاً، ونتلقى دائماً العديد من رسائل الود المليئة بالأمنيات الجميلة بعد الحفلات والسهرات، وهذا الأمر يحفّزنا أكثر لمتابعة عملنا وتطويره". الهدف الوحيد لميشيل ويوسف في الوقت الحالي، هو إنشاء فروع أخرى لـ"ديسكو الدبكة" في مدن غربية أخرى، وذلك لتعريف المزيد من الناس بموسيقى البوب العربية.
في محادثة مع شبان فرنسيين، يمكن ملاحظة اهتمامهم بموسيقى البوب العربية، حيث يعتقد كثرٌ منهم بأن الاستماع إلى هذه الموسيقى والمشاركة في حفلات الملاهي العربية مثل "ديسكو الدبكة"، هما الطريقة المثلى والأسهل لاكتشاف تاريخ وثقافة الشرق الأوسط والتعرف عليه.
بغض النظر عن صحة هذه القضية، فإن ما هو واضح هو تزايد فضول هؤلاء الشباب ورغبتهم في التعرف على ثقافة الشرق الأوسط. ومع ذلك، ففي بعض الأحيان لا يمكن التمييز بين ما إذا كانت ثقافة الشرق الأوسط الغنية هي التي جعلت هؤلاء الشباب مفتونين بهذا النمط من الموسيقى، أو أن الموسيقى هذه هي التي خلقت الرغبة في اكتشاف تاريخ وثقافة الأراضي العربية لدى الشباب الفرنسي.
وصحيح أن موسيقى بلدان الشرق الأوسط الناطقة بالعربية تخطر في بال الأشخاص عند التحدث عن الموسيقى العربية، إلا أن لدى دول مثل المغرب والجزائر مساهمةً كبيرةً في هذا النقل الثقافي؛ على سبيل المثال موسيقى "الراي" (بوب الراي) التي نشأت في الجزائر وتحديداً منطقة وهران، مشهورة ومحبوبة جداً في فرنسا، فهذا الأسلوب من الموسيقى قد جلب شهرةً واسعةً لموسيقى البوب العربية.
الموسيقى العربية على منصات التواصل الاجتماعي
وخلال العقد الماضي، أثّرت منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية على سلوكيات الاستماع الموسيقي بشكل كبير، حيث بات نجاح الأغنية مرتبطاً مباشرةً بمدى انتشارها وتداولها عبر هذه المنصات، فمن الطبيعي جداً أن تنتشر أغنية قديمة فجأةً وتصبح ترنداً على نطاق واسع.
على سبيل المثال، أغنية "كلام عينيه" للمطربة المصرية شيرين عبد الوهاب، التي صدرت عام 2018 ضمن ألبوم "نساي"، لم تحقق الشهرة الواسعة إلا بعد سنوات، عندما قام مستخدمو تطبيق "تيك توك" بتحويلها إلى تراند من خلال إنشاء مقاطع فيديو متنوعة باستخدام الكوبليه الكورالي فيها، وأدى ذلك إلى طفرة في عدد مستمعي هذه الأغنية على منصة "سبوتيفاي"، من ثلاثة ملايين إلى ثمانية وعشرين مليون مستمع خلال ثلاثة أشهر فحسب.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك أغنية "قومي" للمغنية ميريام فارس، حيث أطلقت ميريام تحدياً على منصات التواصل الاجتماعي من خلالها، وشجعت الجمهور على استخدام هذه الأغنية في مقاطع الفيديو الخاصة بهم، وتسبب هذا التحدي في زيادة عدد مشاهدات الفيديو كليب الخاص بالأغنية على منصة "يوتيوب"، وجلبت بهذا نحو أربعة وثمانين مليون مشاهدة.
الهجرة ودورها في نشر الموسيقى العربية
لعبت الهجرة العربية إلى أوروبا وأمريكا دوراً مهماً، في انتشار الموسيقى العربية في هاتين القارتين، فالجاليات العربية تعمل على نشر ثقافتها وفنونها وعاداتها وتقاليدها هناك، والموسيقى ليست بمنأى عن ذلك. فاختلاط أبناء العرب مع المجتمعات الغربية أدى إلى تبادل ثقافي، حيث تبنوا بعض العادات الغربية ونقلوا جزءاً من ثقافتهم العربية إلى المجتمع المضيف.
لفهم هذا الأمر بصورة أوضح، يمكن ذكر أن في جنوب فرنسا توجد جالية مغربية جزائرية كبيرة، ويكون التفاعل بين هذه الجالية والمجتمع الفرنسي كبيراً هناك، وشارك هذا التفاعل في نشر الموسيقى العربية بين الشباب من الفئتين. تُعدّ الموسيقى العربية بالنسبة للكثير من الشباب العربي المهاجر وسيلةً للتعبير عن هويتهم والحفاظ على ارتباطهم بجذورهم، كما أنها تمثل جسراً للتواصل مع المجتمع المضيف.
من بين مئات النوادي الليلية في باريس، التي يمكن سماع موسيقى البوب العربية في أكثرها، يُعدّ "ديسكو الدبكة" الأشهر، حيث تأسس على يد الفرنسيَّين من أصول لبنانية ميشال سمور ويوسف مالا
ولعل من أبرز الأمثلة على تأثير الموسيقى العربية على الثقافة الغربية، انتشار أغانٍ مثل "ديدي" للشاب خالد، و"نور العين" لعمرو دياب، و"يا رايح" لرشيد طه، إذ أصبحت هذه الأغاني جزءاً لا يتجزأ من المشهد الموسيقي في العديد من الدول الغربية.
مستقبل موسيقى البوب العربية
ينبئ التطور الحالي الحاصل للموسيقى العربية، بمستقبل واعد لهذه الموسيقى وعلى وجه الخصوص البوب، فمع تطور التكنولوجيا الرقمية، من المتوقع أن تحتل هذه الموسيقى مكانةً متميزةً ضمن المشهد الموسيقي العالمي، ويتوالى ظهور فنانين شباب بأعمالهم الفنية التي تجمع بين الأصالة والتجديد، بدمجهم العناصر الحديثة بالموسيقى العربية التقليدية، وجذب شريحة واسعة من المستمعين حول العالم، وبهذا من المتوقع أن تصبح الموسيقى البوب العربية عنصراً أساسياً في الثقافة العالمية، وأن تحتل مكانةً بارزةً بين مختلف الأنواع الموسيقية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...