شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
إيمان خليف وفوزها المنقلب على السائد

إيمان خليف وفوزها المنقلب على السائد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الثلاثاء 13 أغسطس 202411:48 ص
Read in English:

Imane Khelif and her defiant victory over the norm

"مسترجلة"... تلك الصفة البغيضة التي تطلق من قبل البعض على أي فتاة ببنية جسدية ضخمة، أو أي فتاة تتصرّف خارج الأنماط المعتادة لمفهوم الفتاة السائد. من منا لم تسمعها، (أو لم تستخدمها) يوماً؟ من سمعتها منا وكسرت شيئاً داخلها، وجعلتها تنسحب من فعل شيء كانت تحب فعله؟ ماذا لو انسحبت إيمان خليف من مسابقة الأولمبياد إثر تعرّضها لكل تلك الانتقادات التي طالت "أنوثتها" أو "رجولتها"؟

يعلق شخص على بوست يتناول الهجوم على إيمان خليف: "ولكنها تشبه الرجال"، وفي ذهنه أن الرجال على هيئته، أو هيئة أبيه، المنقوصة، التي تتعلّق بالكروموسومات، ثم فازت إيمان خليف بالميدالية الذهبية في مسابقة الأولمبياد لملاكمة السيدات، لتكون أول امرأة عربية تفوز بهذه الميدالية في الملاكمة، إلى جانب الجزائرية أيضاً كيليا نمور، أول لاعبة جمباز أفريقية وعربية تفوز بميدالية أولمبية.

كراهية متواصلة بين الشرق والغرب

الكراهية التي قوبلت بها إيمان خليف، الملاكمة الجزائرية، امتدت من إعلام الغرب نحو إيمان، إثر سياسات متداخلة انطلقت شرارتها من قبل رئيسة الوزراء الإيطالية نحو فرنسا، وكادت أن تنتهي بمجلس الأمن، لكن ترامب حملها عبر الشاشات لتصل من الغرب للشرق، تحت عنوان "عابر جنسي يشارك بملاكمة السيدات".

إيمان التي تعرّضت لانتقادات مطولة، من الشرق والغرب، اختارت شكل المرأة التي تريد، منتصرة بذلك على الصورة النمطية التي تُجبر على تبنيها النساء. تلك الصورة التي تتدخّل سياسات تجارية وخطابات سياسية وتوجّهات استهلاكية مطوّلة في صناعتها.

إيمان التي تعرّضت لانتقادات مطوّلة، من الشرق والغرب، اختارت شكل المرأة التي تريد، منتصرة بذلك على الصورة النمطية التي تُجبر على تبنيها النساء. تلك الصورة التي تتدخّل سياسات تجارية وخطابات سياسية وتوجّهات استهلاكية مطوّلة في صناعتها

لم تنسحب إيمان، بل أرادت تحدي كل المفاهيم المتعلقة بممارسة الفتيات للعبة الملاكمة، كما أرادت استحقاق الفوز من مجتمع عربي ينظر لها كفتاة ببنية ضخمة فقط، تمارس رياضة قاسية خارج العرف السائد، ومن مجتمع غربي ينظر لها كفتاة مسلمة، قادمة من ضواحي الجزائر.

من بيتها المتواضع في ريف الجزائر، وبظروف صعبة، عملت إيمان بثبات وعزيمة، متحدية الانتقادات الملازمة للنساء اللواتي اخترن الرياضات القاسية. من مجتمع محافظ مصاب بالهوموفوبيا، يطلق أحكاماً متنوعة على النساء والرجال، وكل خارج عن العرف والسائد، لينقلب أمام سياسات الاستعمار التي مسّت امرأة "مسلمة" جزائرية، فانقلبت بدورها الاعتبارات، وتراجعت الصور النمطية للمرأة العربية الهيفاء الخيلاء، وتحولت إيمان بكلية جسدها كأداة فوز أمام سياسات عالمية اختبأت وراء الألعاب الأولمبية.

 والغريب هنا الانقلابان اللذان حصلا: انقلاب المجتمع الغربي إلى مجتمع يختار معياراً أنثوياً متبدّلاً بتبدل سياساته، يحارب الهوموفوبيا في مجالات مختلفة ولكن في الأولمبياد يقف أمام السيدات اللواتي يتمتعن بقوة بدنية عالية أو القادمات من مجتمعات مغايرة بالدين واللون والثقافة، مستخدماً سياسات دولية ليقول لهن: "من أنتن؟"، وانقلاب المجتمع العربي الذي فجأة تخلّى عن رفضه للتحول الجنسي والصورة النمطية للنساء، ودافع عن "ابنته"، لأنها مسلمة ربما أو نكاية فحسب، أو لأنه رأى في انتصارها انتصاراً له بكليته.

كانت المشاركة النسائية في أولمبياد باريس 2024 هي الأولى من نوعها من حيث التوازن بين الجنسين بنسبة 50%، إلا أن عدّة لاعبات تعرّضن لهجوم كاسر ضمن أولمبياد باريس 2024 تحت مسمى "لسن أنثويات كفاية"، وبما لا يتوافق مع المعايير النمطية السائدة للأنثى، كلاعبة الركبي الأميركية إيلونا ماهر، والتي وصفت بـ"العابرة جنسياً" بعد فوز فريقها بالميدالية البرونزية، والسبّاحة الأمريكية كيتي ليديكي، التي فازت بالميدالية الذهبية وقيل إنها "رجل عابر جنسياً"، كل هذا الكره المحمول بحقد ثقافي نحو النساء عقب فوزهن المشرّف، واجهته اللاعبات أثناء المباريات، ما عمل على تعريضهن لتحديات مضاعفة. ولم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرّض فيه السيدات إلى الهجوم الأولمبي، فلطالما كانت النساء محل انتقاد.

كفاية أنثوية

تسارع فتيات اليوم إلى عمليات التجميل والمكياج، وعمليات تغيير في الوجه والجسد، في الخصر، في الأنف، في الأوراك والأرداف والصدر، بينما تقف نساء أخريات معارضات لكل هذه المثالية المتوهّمة، محدّدات لأنفسهن نمطاً خارجاً عن كل المألوف، مكتفين بممارسة "كفايتهن الأنثوية" على طريقتهن الخاصة، وبمعايير خاصة.

باختلاف نزاعاتنا العربية التحرّرية التي تبدأ من تحرّر فلسطين إلى تحرّر الخصر، ألا نتفق جميعاً على ضرورة الحرية الشخصية؟ فمن يحدّد ماهية المرأة إلا المرأة نفسها؟ ومن يحدّد هدف وحلم الشخص إلا هو ذاته، وعلى اختلافه؟

وعلى اختلافنا بين الصفين، وعلى اختلاف نزاعاتنا العربية التحرّرية التي تبدأ من تحرّر فلسطين إلى تحرّر الخصر، ألا نتفق جميعاً على ضرورة الحرية الشخصية؟ فمن يحدّد ماهية المرأة إلا المرأة نفسها؟ ومن يحدّد هدف وحلم الشخص إلا هو ذاته، وعلى اختلافه؟

المعاير الأنثوية أساساً متباينة، وإن كان القطاع التجميلي اليوم قائماً على فكرة المثالية، حيث يفرض صفات جسمانية محدّدة ويروّج لأنماط نسائية في قوالب معيارية تفرضها سياسات مجتمعية متغايرة ورؤوس أموال وإعلام، مستخدماً آليات لا تنتهي، تدخل النساء كسلعة ضمن صراع مادي متسارع، إلا أنه في مجتمعات الصحراء القديمة على سبيل المثال، كانوا يفضلون القامة الطويلة والخلقة الضخمة والشعر الفاحم الطويل والساقين الممتلئتين، ما يتعارض تماماً مع معايير اليوم السائدة، وفي موريتانيا على سبيل المثال يحبّذون السمينة ويعتبرون النحافة ظاهرة سيئة، ولا أدري حالهم مع الجمال الفرنسي الذي تبجّحت فيه مجلات الموضة لوقت طويل، والقائم على جوع غالب في سبيل بلوغ نحافة مثالية، وما يظهره كل هذا التباين أن المشكلة لا تنحصر بمعيار أنثوي محدّد، بل هي عنصرية جاءت من صراع أبعد وأعمق.

لنساء اليوم حرية اختيار الذات، والشكل والهيئة، حرية اختيار الجندر، حرية اختيار المهنة والحلم والدافع، حرية اختيار الفوز الذي يرغبن به لأنفسهن، فمن ممارسة هذه الحرية الذاتية يأتي الإبداع الذاتي. إن إيمان خليف، وبأسلوبها الخاص في ممارسة الملاكمة، هي أول امرأة عبر التاريخ العربي والأفريقي لتحصد ميدالية ذهبية في الأولمبياد الدولي، حيث تقوم بدراسة الخصم لأسبوعين عبر الفيديوهات، على حد قولها، كما تتمتع بالمناورة الجيدة أثناء المبارزة، ويغلب على طابعها الهجوم عن الدفاع، وبقبضات سريعة وشرسة تنهال على خصمها.

خليف، ومثيلاتها من الملاكمات العربيات، كخديجة المرضي وإكرام كروات وغيرهن من النساء القلائل، يساهمن عبر المشاركات الدولية في تطوير ملاكمة السيدات في العالم العربي، ويعبرن عن مثال حي على قدرة المرأة على المثابرة ونيل مرادها، عن امرأة ترسم طريقها بيدها وتحدّد مصيرها بنفسها، مصير إيمان الذي توّج بميدالية ذهبية جزائرية، وكأنها تذكّر فرنسا والعالم بذهب أفريقيا التي عملت كل سياسات العالم على نهبه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image