شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"الشماتة"، سلاح مصريين في مواجهة الفشل الأولمبي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الاثنين 12 أغسطس 202411:21 ص

كنت صغيراً، لا أستوعب "شماتة" خالي المتكرّرة مع كل خسارة للمنتخب المصري لكرة القدم، مهما كان اسم المنتخب المنافس لنا. كنت أعتبر شماتته ليست من الوطنية وحب مصر، لكن خالي، العاشق لكرة القدم والنادي الأهلي، كانت له أسبابه في التشفّي، فهو لسنوات طويلة، انتظر ظهور لاعب مسيحي في الملاعب المصرية ومنتخب بلاده بعد "هاني رمزي"، ولم يحدث ذلك الظهور، كأنه معجزة تحتاج العديد من القديسين.

كبرت وفهمت شعور خالي، ولا زلنا، أنا وهو ومصر كلها، ننتظر حدوث هذه المعجزة، والأهم أنني استوعبت شعور "التشفّي"، لدى خالي ولدى عدد كبير من مسيحيي هذا البلد، في فشل منتخب بلادهم، بسبب الإقصاء والتمييز ضدهم في اللعبة الأكثر شعبية في العالم.

لكن الأخطر من ذلك أن حالات التشفّي والشماتة بين المصريين ازدادت في كل مناسبات الفشل المتكرّر. ليس المسيحيون وحدهم هذه المرة، بل "مصريين" فقط، دون "ال" التعريف الدينية، ولا تقتصر الشماتة اليوم على كرة القدم أو الرياضة، بل تطال الميادين كافة. أذكر صدمة المصريين في حصول مصر على "صفر" في ملف مونديال 2010، وانزعاجهم من الفشل الواضح أمام العالم. شعرنا يومها بالحسرة، ولم يكن هناك مجال للتشفّي والسخرية. ولا أنسى فرحة الشعب المصري بإنجاز المصارع كرم جابر، بحصوله على ميدالية ذهبية في أولمبياد أثينا 2004، فرحة أشعرتنا يومها أننا لا زلنا نستطيع تحقيق الفوز والنجاح.

لسنوات طويلة، انتظر خالي ظهور لاعب مسيحي في الملاعب المصرية ومنتخب بلاده بعد "هاني رمزي"، ولم يحدث ذلك الظهور، كأنه معجزة تحتاج العديد من القديسين

خلال العقد الأخير تحديداً، تصاعدت حالة التشفّي مع كل إخفاق أو هزيمة للرياضة  المصرية. في البداية نسبها المسؤولون عن الإخفاق والفشل إلى الحملات الممنهجة للجان الإلكترونية، والأذرع الخفية لجماعة الإخوان على منصّات التواصل، وبحملات متكرّرة من التطبيل الإعلامي للرياضة والرياضيين المصريين وتبييض الوجوه و"الطرمخة" على القضايا والفضائح المتكرّرة.

قد يكون للإخوان بالفعل دور  في بعض الحالات، مثل الهجوم على بعض الشخصيات المؤيدة للنظام، سواء إعلاميين أو نجوم مجتمع ورجال أعمال، أو حتى من يهاجمون الإخوان بشكل عام، لكن اللجان الإلكترونية الإخوانية ليست سبباً هذه المرة، وذلك لا ينسينا أنهم (الإخوان المسلمين) أكثر من يستخدم سلاح التشفّي في السياسة ضد كل من يخالفهم، والتشفّي والشماتة في الوطن نفسه، إذا لزم الأمر.

لكن هذه المرة هناك أسباب واضحة وفضائح طافحة، تضاعفت لنصل إلى هذه الحالة العامة من "الشماتة" لدى قطاع كبير من المصريين، في فشل المسؤولين والاتحادات الرياضية المعبّئة بالفساد والمحسوبية عن آخرها. ربما لا تتضح الشماتة في التعبير عن الغضب بشكل جلي أكثر مما يحدث في المجال الرياضي، منذ منعت الجماهير من حضور المباريات، والفشل المتتالي للمنظومة الرياضية في مشاركات ومناسبات رياضية كبرى، نشهد فيها تفوّق لاعبي ولاعبات جيراننا من الدول الصغيرة مقابل فشل منجزنا الوطني الجلي. حتى التمثيل المشرّف لم نعد نحظى به، بعد فضائح التحرّش المتكرّرة من رياضيين مصريين وأخبارهم التي تملأ مواقع التواصل.

يمكن اعتبار التشفّي أو "الشماتة" والفرح في فشل الآخر، شعوراً إنسانياً نمرّ به جميعاً، فكم مرّة شمتنا وتشفينا في مدير مزعج عملنا معه، بعد أن تعرّض لموقف محرج، وكم مرّة شمتنا في العدو وقت الحروب والأزمات التي يتعرّض لها، فنحن أصلاً ندعي عليهم في كل صلاة.

حتى الشماتة في نجم شهير لا تعجبنا تصرفاته، بعد سقوطه أمام الكاميرات (مثلما حدث مع الممثل محمد رمضان) يمكن تفهّمه وتقبله، لكن هذا الشعور يتوقّف بالطبع عند حدّ الأذى للشخص المستهدف من الشماتة، وألا تكون الشماتة في الوطن نفسه، منعاً للدخول من هذا الباب. ففرحة خالي المسيحي في خسارة "منتخب الساجدين" من المغرب أو بوركينا فاسو، لا تتساوى أبداً بسجدة شكر الشيخ متولي الشعراوي بعد نكسة 1967، وليست هناك مصلحة لنا ولا نكنّ الكره لمصر بسبب شماتتنا هذه. فاللاعبون المصريون ورؤساء الاتحادات الرياضية ليسوا الوطن، وسخريتنا من فشلهم لا يعني أبدا فرحتنا بالخيبة القوية وإدماننا الفشل والانسحاق. ولكن نراه عدلاً إلهياً بعد كمّ الفساد في هذه المنظومة، التي وصلت لشبهة جرائم القتل، كما في ملفّ اللاعب الراحل أحمد رفعت، دون محاسبة أحد، والفشل المتكرّر في المسابقات دون إقالة لوزير الرياضة، أو حتى رئيس اتحاد إحدى الألعاب، أو مجرّد الاعتذار لدافعي الضرائب المصريين.

ربما من حسن حظنا عدم حصول منتخب كرة القدم أو اليد المصري تحديداً، على ميداليات أولمبية في باريس، فساعتها كان سيظهر فريق منافق مدلّس، يدعو للتغاضي عن الفساد والفشل بداعي فرحة الشعب المصري بفريقه والإنجاز التاريخي للرياضة المصرية

لأجل كل ذلك، توقع الجمهور هذا الفشل، وجاءت شماتته في محلها وليس بيده غيرها، أمام عدم الاعتراف بالفشل ومعاقبة المسؤول.
سخرية جمهور السوشيال ميديا المصاحبة لأخبار إخفاقات الرياضيين المصريين اليومية في بطولة الألعاب الأولمبية، المقامة حالياً في باريس، بدأت قبل أن تبدأ البطولة، مع الإعلان عن اسم لاعبة سباق دراجات لتمثيل مصر في أولمبياد باريس، كادت أن تقتل زميلة لها في إحدى السباقات السابقة، وعدم مشاركتها جاء بسبب الضغط الجماهيري فقط قبل المحفل العالمي.

وتتابعت أخبار الفضائح واحتلال لاعبينا المراكز الأخيرة في معظم الألعاب. لم يكن آخر هذه الفضائح الهزيمة المذلّة للمنتخب المصري لكرة القدم على يد شقيقه المغربي بنتيجة 0-6، بعد أن كان قاب قوسين من الميدالية البرونزية، أو القبض على لاعب مصارعة مصري بتهمة التحرّش بفتاة (أفرج عنه لاحقاً لعدم وجود أدلّة)، ولا زال القوس مفتوحاً لفضائح جديدة تضاف لملف البعثة الأولمبية المصرية، التي أنفقت أكثر من مليار جنيه مصري على هذه المشاركة الهزيلة.
في اعتقادي، ربما من حسن حظنا عدم حصول منتخب كرة القدم أو اليد المصري تحديداً، على ميداليات أولمبية في باريس، فاللعبتان هما الأكثر شعبية ومتابعة في ألعاب الأولمبياد بالنسبة للمصريين، وكانت منتخباتها الأقرب في الحصول على ميدالية بالفعل، ولو حدث، فساعتها كان سيظهر فريق منافق مدلّس، يدعو للتغاضي عن الفساد والفشل بداعي فرحة الشعب المصري بفريقه والإنجاز التاريخي للرياضة المصرية، وهو ما يحدث مع كل انتصار محلي أو قاري.

لكن اليوم، ومع الوضع الذي آلت إليه الرياضة المصرية، بكل كياناتها ورموزها، اتحادات وأندية ووكالات وإعلاميين ولاعبين، منظومة كاملة من الفشل، ربما يدفع إلى وضع "حصوة ملح في عين من خرّبوها ولسّه قاعدين على تلّها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image