شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مهنة جديدة تفرضها الحرب وتبعاتها... ماذا نعرف عن غسل وتجفيف القات في اليمن؟

مهنة جديدة تفرضها الحرب وتبعاتها... ماذا نعرف عن غسل وتجفيف القات في اليمن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأحد 11 أغسطس 202412:02 م

يتجه فاروق حنش إلى مغسلة ابن علوان في شارع هائل يومياً بعد عودته من عمله ليغسل أوراق القات، مخصصاً ثمانية آلاف ريال (15 دولاراً) من مبلغ تسعين ألفاً (170 دولاراً) لهذا الأمر، من إيجار الشقتين اللتين يعيل بإيجارهما عائلته المكونة من تسعة أشخاص.

كل هذا وسط أزمة معيشية واقتصادية خانقة، وانقطاع للرواتب، وتفشٍ للبطالة، إلا أن شجرة القات في المقابل، تلك النبتة التي يمضغ اليمنيون أوراقها، توفر فرص عمل لآلاف اليمنيين الآخرين.

موطن شجرة القات الأصلي شرق أفريقيا، وتحديداً في منطقة "هرر" شرق إثيوبيا، ولها 22 اسماً من بينها "الشاي الحبشي"؛ كما كان يطلق عليها "تشاد"، "توهاي"، "كجيتي"، "جومبا"، "جيمي"، قبل أن تزرع الشجرة في اليمن، وتمضغ وتسمى بـ"شاي العرب".

يجني المزارع اليمني محصول شجرة القات الدائمة الخضرة كل أيام السنة؛ وذلك لتوفر الظروف المناخية والتربة. رغبة في مضاعفة الربح، فقد يستغني من يتناولون القات يومياً عن شراء الفاكهة والخضروات.

تصدير القات

القات

تحتل نبتة القات معظم المساحة المزروعة رغم الظروف المعيشية، والفقر المائي والغذائي، وتصدّر أوراقها لدول القرن الأفريقي بعد تغليفها بأوراق شجرة الموز لتبقى طازجة، كما يتم تهريبها إلى الدول التي أدرجت القات كأحد المنشطات أو كبهارات عشبية.

وتمضغ أوراقها "لخصائصها المنشطة نفسياً" إلا أنها قد تتسبب بفقدان الشهية والأرق والغضب كأعراض لاحقة، ويفضي طول فترة استخدامها إلى حدوث مخاطر صحية تصل حد السرطان أو تلف الكبد أو السكتة الدماغية. 

تمتد جلسات القات في اليمن من فترة بعد الغداء إلى حين أذان المغرب فيما يسمى "المقيل" أي المكان الذي يجتمع فيه الرجال لمضغ هذه الأوراق. 

ويعدّ القات قانونياً في بريطانيا، وممنوعاً في أمريكا، ومادة تخضع للرقابة في كندا، وسلوكاً اعتيادياً في دول شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية كاليمن، وكينيا، وإثيوبيا، وإريتريا، والصومال، والسعودية. وقد انتشرت عادة مضغه مع حالات الهجرة واللجوء إلى دول شرق آسيا و أوروبا، لكنه في اليمن يمثل مصدر دخل لآلاف الأسر التي تتضاعف أعدادها بسبب تفشي البطالة، فبعد أن كان اليمني يزرع البن والحبوب والفواكه والخضروات، ويزرع القات في بعض أرضه لتناوله أو بيعه على نطاق ضيق، أصبحت تجارة القات مصدر الدخل الثابت ذي المردود الاقتصادي المرتفع.

القات مهنة من لا مهنة له

غسل القات مهنة جديدة في اليمن

تتجاوز فرص العمل التي يوفرها القات زراعته، وجني محصوله، وبيعه، حيث يرتبط تناوله بشراء الحلوى الشعبية "الهريسة" ومشروبات الطاقة أو المشروبات الغازية، وتوجد محلات لخلط المشروبات لمضاعفة مفعولها بعد خلطها ببعض الأدوية خِفية، ومحلات أخرى لبيع الثلج كمياه للشرب، ومحلات لبيع ثلاجات حفظ المياه مبردة، وأصبح لدى بعض من يبيعون القات "خدمة توصيل " قبل أن يفكر أحدهم بغسل القات وتجفيفه للزبائن.

فالقات وطقوسه ومستلزمات المقيل "جلسة القات" هي أهم ما في أيام بعض اليمنيين لما يحدثه من حالة استرخاء ونشاط ذهني، ومشاركة للهموم قبل أن يتسيد الميل للصمت الأجواء.

ولاقت فكرة تغسيل القات وتجفيفه رواجاً حد افتتاح عدة مغاسل داخل كل سوق قات تتنافس فيما بينها على جذب الزبائن.

وتسعى مغاسل القات لجذب الزبون بتوزيع القرنفل والنعناع وعود الأسنان والمنديل والكيس البلاستيك مع القات المغسول والمجفف. وأصبحت المغسلة تحمل اسماً، ولديها فروع تحمل شعار الخدمة من قبيل "اغسل قاتك... يطيب مقيلك"، و"غسل قاتك.. وريح بالك" على أن هذا العمل يبدو أنه يتطلب "السرعة، النظافة، الأمانة".

مغاسل القات امتداد لغسالة البيوت

غسل وتجفيف القات في اليمن

قد تناول بعض اليمنيين القات دون تغسيل، ومع التوعية بخطورته قبل عقود صاروا يضطرون لغسله في المنزل بالمياه، ووضعه في مكان التجفيف في غسالة الملابس بعد لفه في قطعة قماش، ثم وضعه في الهواء ليجف تمامًا، حيث لا يمكن تناول وريقاته مبللة لما يحدثه من صعوبة في المضغ.

خلال الحرب، توقفت الكهرباء الحكومية لسنوات قبل أن تعود حكومية وتجارية بسعر مرتفع، لذلك لجأ غالبية اليمنيين لشراء منظومة شمسية والاكتفاء بتشغيل الإضاءة والتلفزيون، ما يعني أن القات سيستغرق وقتًا أطول ليجف دون نشافة الغسيل. 

بسبب المبيدات والحشرات الموجودة في أوراق الشجرة، لاقت فكرة تغسيل القات وتجفيفه رواجاً حد افتتاح عدة مغاسل داخل كل سوق، تتنافس فيما بينها. والتي تسعى لجذب الزبون بتوزيع القرنفل والنعناع وعود الأسنان والمنديل والكيس البلاستيك مع القات المغسول والمجفف 

وهنا تكمن المشكلة إذ يحرص بعض اليمنيين على تناول الغداء بسرعة ليتناولوا القات الذي يمتد اللقاء من ساعتين إلى ست ساعات، وقد يجتمعون في بيوت تعارف عليها أنها تحتضن أجواء القات والدخان، ما يفرض السرعة في تناوله خلال جلسات المقيل، وقبل غروب الشمس -عادةً- حيث الاستعداد لتأدية صلاة المغرب.

واليوم، صارت الكثير من المشاكل الأسرية التي قد تصل حد الطلاق بسبب القات لعدم تحضير وجبة الغداء سريعاً أو للتأخر في تغسيل القات أو لعدم تجفيفه جيداً.

وعن أسباب نجاح مشروع غسيل وتجفيف القات يقول عثمان مجلي أحد العاملين في مغسلة الأمانة في صنعاء لرصيف22: "وضعنا صنابير للمياه، وأقمشة، ونشافة ملابس، ومراوح هواء، وبمبلغ 200 ريال، (أقل من نصف دولار)، وعملنا يعتمد على السرعة، وإعطاء الزبون قاته دون أن تتلف أوراقه؛ لذلك لا نكدس الأكياس، ولكل كيس رقم ويعطى للزبون كرتاً يحمل الرقم ذاته، فالقات أنواع ولكل ثمنه، ولكل نوع تأثيره على المخزّن (ماضغ القات). إنها أمانة".

وعن التجربة يقول أحد الزبائن عبد الخالق الجبري لرصيف22: "تغسيل وتجفيف القات أهم من حاجتي للذهاب إلى مغسلة الملابس، بسبب السرعة، وضرورة تنظيفه من الحشرات وبيضها الذي يعلق في أوراق القات".

ويضيف ضاحكاً: "زوجتي لن تستطيع سرقة القات عند غسله أو افتعال مشكلة معي حول مصروفه بسبب عدم شراء احتياجات البيت التي لا تنتهي".

ولم تعد الغسالات الكهربائية متاحة إلا في بعض البيوت، وبعد انتشار كورونا حاولت الحكومة إغلاق بعض أسواق القات حيث الأيدي لا تفارقه لفحص جودته وكميته وتناول وريقات معينة منه، كما أدمنت بعض النساء القات بعد تجربته عند غسله وتجفيفه بعد أن كان هو والدخان مرتبطين بالرجل. 

يقول عبد الخالق عن تفضيله لمغسلة القات: "زوجتي لن تستطيع سرقة القات عند غسله أو افتعال مشكلة معي حول مصروفه بسبب عدم شراء احتياجات البيت التي لا تنتهي". 

ومن قبل، كان القات مرتبطاً بالمناسبات الاجتماعية والطبقة الحاكمة أو المقتدرة مالياً وعند الحاجة للسهر أو البقاء يقظاً قبل أن يغزو البيوت اليمنية على حساب الغذاء، مما ساهم في زيادة الوضع النفسي المتأزم في سنوات الحرب".

مبيدات بنكهة القات

دفع الإقبال على شراء القات المزارعين إلى الجشع ورشه بأنواع المبيدات بما في ذلك المنتهية والممنوعة دولياً وخلط المبيدات بـ"الخلطة الشيطانية" لتسريع نمو شجرة القات واخضرار أوراقها.

لا توجد إحصائية بعدد مساحة القات المزروعة أو عدد أسواق القات، لكن مغاسل القات تشهد تسارعاً في النمو، دون أن يُعلم عددها أو أول من نفذ الفكرة كونها مشاريع تلبي حاجة مجتمعية، وبسيطة لا تتطلب ترخيصاً.

ورغم مساوئ القات المعروفة، فهو يشكل مصدر دخل آلاف الأسر في بلد فقير يعاني أبناؤه من الجوع وسوء التغذية، ويستعمل كمضاد للشهية؛ ما يفرض وضع معالجات حقيقية للإجابة على سؤال لماذا لا يمكن منع القات دون إيجاد مصادر دخل بديلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image