شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أن يتحول التطوير إلى كارثة… آمال ومآسي مسجد أبو العباس المرسي

أن يتحول التطوير إلى كارثة… آمال ومآسي مسجد أبو العباس المرسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الاثنين 12 أغسطس 202402:03 م

"أبو العباس المرسي" مسجد ذو طراز خاص، بُني على غرار مسجد قبّة الصخرة في فلسطين، لكن خطة تطويره كادت تطمس معالمه وتحولت إلى كارثة.

ارتبطت كلمة "المرسي أبو العباس"، بالثقافة الإسكندرانية منذ سنوات قديمة، واستخدمها البعض دلالةً على الأصل الإسكندراني للأفراد، بالإضافة بالطبع إلى كلمات أخرى كـ"أيوووه" و"أحّيه" و"بنحبّوه" و"جني"، وغيرها من الكلمات التلقائية التي لا ترمز إلى أي دلالة "قبيحة" كما يظن البعض من ذوي الثقافات الأخرى، إذ يتعجبون من هذه الألفاظ عند سماعها لأول مرة، خاصةً أنها تُذكر دائماً في الأعمال الفنية من مسرح وتلفزيون وسينما، كي تُعبّر عن الأشخاص الإسكندرانيين، مثل "ريا وسكينة"، ومؤخراً فيلم "الإسكندراني".

يعود استخدام كلمة "والمرسي أبو العباس" إلى وجود أقدم وأشهر المساجد المميزة في منطقة بحري غرب مدينة الإسكندرية، والذي يشتهر بقبابه المميزة الشكل، وهو من أهم مقاصد السياحة الدينية الإسلامية في هذه المدينة.

مسجد أبو العباس المرسي

يُقام في شهر تموز/يوليو من كل عام مولد خاص بالمرسي أبو العباس، يستمر لمدة أسبوع، تحتفل فيه الطرق الصوفية في ساحة المسجد ويحضره عدد كبير من مريدي الشيخ المرسي أبو العباس من كل مكان. كما يُعدّ المسجد المكان الرئيس لإقامة الاحتفالات الدينية الرسمية بحضور قيادات وزارة الأوقاف والقيادات التنفيذية في محافظة الإسكندرية.

يرجع تاريخ المسجد إلى عصور إسلامية قديمة، ويضمّ ضريح الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجى الأنصاري المرسي، الذي يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة، وكان جدّه الأعلى قيس بن سعد بن عبادة، أميراً على مصر في زمن الإمام علي بن أبي طالب.

يرجع تاريخ المسجد إلى عصور إسلامية قديمة، ويضمّ ضريح الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجى الأنصاري المرسي، الذي يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة

وكانت تُعرف تلك المنطقة قديماً باسم مقبرة "باب البحر"، وذلك نسبةً إلى موقعها جهة الشمال، بين ميناء الإسكندرية الشرقي ومينائها الغربي حيث توجد شبه جزيرة الفنار، وكان هذا الجزء من شبه الجزيرة، والذي يتوازى مع أرض المدينة الحديثة، مخصصاً فقط لتقام فيه مقابر للمسلمين.

وتظهر هذه المقابر على خرائط علماء الحملة الفرنسية بواسطة خطوط صغيرة سوداء، وممتلئة بالمدافن الخاصة بالعائلات، وغالبية الأضرحة فيها من الرخام الأبيض أو الحجر الجيري، وبُنيت ببساطة تتفاوت درجة تزيينها بالرسوم والكتابات، ولقد أطلق الرحالة على هذه المقبرة اسم "مقبرة الإسكندرية" لكثرة من دُفنوا فيها من أعلام المدينة وعلمائها وشيوخها، ومنهم أحد أعلام التجار الإسكندرانيين، وهو محمد بن عبد اللطيف البرلسي الإسكندراني، الذي توفي عام 881هـ/1476م، وأخيراً أبو العباس المرسي الذي توفي عام 685هـ/1287م، وأُطلق اسمه على هذا المسجد.

مسجد أبو العباس المرسي

تُمثّل منطقة ميدان المساجد أهم مناطق التراث الإسلامى في الإسكندرية، حيث تضم مسجد "المرسي أبو العباس"، و"سيدى ياقوت العرش"، و"البوصيري"، و"سيدي نصر الدين"، وتلك المساجد جميعها لها قيمة تاريخية كبرى، والاسم الصحيح للمسجد هو مسجد "أبو العباس المرسي"، بينما الدارج ذكره وسط أهل الإسكندرية هو جامع "المرسي أبو العباس".

أسس المسجد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجي الأنصاري المرسي، الذي وُلد في مدينة مرسية في الأندلس عام 1219م، ومنها حصل على لقبه المرسي، ثم انتقل إلى تونس ليتلقّى العلم الشرعي على يد الإمام أبي الحسن الشاذلي، وأصبح تلميذه. وفي عام 1244هـ، رأى الشاذلي في منامه أن النبي يأمره بالانتقال إلى مصر، فخرج من تونس ومعه أبو العباس المرسي وأخوه عبد الله وخادمه أبو العزايم ماضي، قاصدين مدينة الإسكندرية في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب.

مسجد أبو العباس المرسي

توفي الإمام أبو العباس المرسي عام 686هـ، ودُفن في الإسكندرية، وكان هذا الموضع وقت وفاته جبّانةً يُدفن فيها الأولياء، وقد بُني عام 706هـ. ومدفنه يتَميَّز عن باقي القبور من حوله، وبمرور الوقت صار هذا البناء مزاراً، ثم أصبح مسجداً صغيراً بناه زين الدين القَطَّان، وأُعيد بناء المسجد وتمّ ترميمه وتوسعته عام 1189م.

ثم أمر الملك فؤاد عام 1943، ببناء ميدان المساجد، بعد تحديث مدينة الإسكندرية وتوسيع شوارعها، ونقل مقابر باب البحر التي كانت تتواجد حينها في موقع ميدان المساجد الحالي إلى مقابر المنارة. ويتخذ المسجد شكل المساجد المعلّقة، حيث يرتفع عن الأرض ويتم الصعود إليه ببضع درجات، وذلك بسبب تواجد مقابر ومقامات الأولياء أسفله، حيث دُفن أسفل المسجد 11 من الأولياء مع المرسي أبو العباس، أبرزهم أبناؤه والشيخ الفكهاني والشيخ أبو شامة وغيرهم.

مسجد أبو العباس المرسي

وقد قام ببنائه وزخرفته المهندس الإيطالي ماريو روسي، وهو معماري شهير، شُغف ببناء المساجد، وهو أول مسجد يُبنى على هذا الطراز في مصر، أي على غرار مسجد قبّة الصخرة في فلسطين، ولقد بُني على مساحة 3،000 متر مربع، وتم افتتاحه عام 1945، واليوم هو أكبر مساجد الإسكندرية، ومكانة هذا المسجد خاصة جداً ليس فقط في قلوب أهل الإسكندرية، لكن في قلوب الصوفية ومحبّي مساجد وأضرحة آل البيت والأولياء، ويُعدّ قبلةً لأبناء الإسكندرية للصلاة وتلاوة القرآن والتعبّد، وأيضاً متنزهاً للأطفال، بسبب امتلاء الشوارع المحيطة به بكل أشكال وأنواع الألعاب و"المراجيح".

خطة تطوير ميدان المساجد

منذ سنوات، طالت يد الإهمال منطقة ميدان المساجد التي لم تصلها يد التطوير والمتابعة والاهتمام منذ عام 1943، بالرغم من وفود السائحين إليها من كل حدب وصوب، وقد تحدث العديد من المسؤولين التنفيذيين المتعاقبين بمرور السنوات عن وضع خطط لتطوير المنطقة، ولكن لم يحدث شيء، هذا إن لم تزدد المنطقة إهمالاً.

وأخيراً في شهر آذار/مارس من العام الماضي 2023، أعلنت الأجهزة التنفيذية في محافظة الإسكندرية عن إطلاق إشارة البدء بأعمال تطوير المنطقة بتكلفة مبدئية تصل إلى مبلغ 271 مليون جنيه، في إطار خطة رفع كفاءة وتطوير المواقع والميادين التاريخية فى المحافظة، على ألا تتجاوز مدة التطوير 24 شهراً من بدء الأعمال، وأوضح البيان الرسمي أن مشروع التطوير يشمل ترميم "الجراج" الأرضي نظراً إلى تصدع السقف والحوائط نتيجة تسرب المياه الجوفية، بالإضافة إلى تطوير الساحة العلوية وساحة المقامات، وحديقة ميدان مسجد أبو العباس المرسي ومسجد البوصيري.

صورة من داخل مسجد أبو العباس المرسي

كما تم التأكيد على أن الأضرحة بالكامل ستظل في أماكنها، ولن يكون هناك أي مساس بها، وإنما سيتم تطوير المنطقة المحيطة بها فقط، ويُذكر أنه تمت إضافة آخر ضريح في المنطقة في عام 2019، وهو ضريح الشيخ أبو الإخلاص الزرقاني، الذي تم نقله من منطقة كرموز خلال أعمال إنشاء محور المحمودية في الإسكندرية.

وكانت المفاجأة في بداية العام الجاري 2024، أي بعد مرور ما يقرب من 10 أشهر على الإعلان عن بدء تطوير منطقة ميدان المساجد وساحة مسجد أبو العباس المرسي، حين ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة باستياء شديد لما يتعرض له مسجد أبو العباس المرسي من طمس معالمه الأثرية والتاريخية وتغيّر ملامحه العامة، ما أثار وسائل الإعلام لعرض واستحضار أهمية هذا المكان الدينية والتاريخية.

وعلى الفور أوقفت محافظة الإسكندرية الأعمال كافة في المسجد، وأصدرت بياناً رسمياً لتوضيح ما حدث في المكان وتهدئة الرأي العام، ذكرت فيه "أن المقاول أجرى أعمال الترميم بسقف المسجد دون الرجوع إلى الفنّيين والمختصّين في أعمال ترميم المنشآت التراثية". وأضافت إدارة التراث في المحافظة حينها، أن قرار إيقاف الأعمال جاء بهدف مراجعة أعمال المقاول كافة وأعمال الترميم التي تمت مع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه أي مخالفات في هذا الشأن.

يعود استخدام كلمة "المرسي أبو العباس" إلى وجود أقدم وأشهر المساجد المميزة في منطقة بحري غرب مدينة الإسكندرية، والذي يشتهر بقبابه المميزة 

ومن جانبها، قامت لجنة من الإدارة العامة للشؤون الهندسية في ديوان عام وزارة الأوقاف ومديرية أوقاف الإسكندرية، بزيارة إلى مسجد "أبو العباس المرسي"، بعد الذي تم تداوله حول تعرّض المسجد لخسائر معمارية خلال عملية الترميم نتج عنها تحطيم الزخارف التاريخية في سقف المسجد، وحصرت اللجنةُ الأعمالَ كافة استعداداً لعملية التطوير الشاملة للمسجد وإسنادها إلى إحدى الشركات المتخصصة التي سيكون من بين مهامها إعادة الشيء إلى أصله بالزخارف ذاتها.

داخل مسجد أبو العباس المرسي

وقد فسرت مديرية أوقاف الإسكندرية الأمر قائلةً إنه نظراً إلى تساقط بعض الزخارف الجبسية في قبة المسجد نتيجة ما أصاب حديد سقف القبة من تآكل لتشبّعه بمياه الأمطار مما يُشكل خطورةً داهمةً على حياة المُصلّين، وحفاظاً على أرواح المصلّين، تم إسناد عملية درء الخطورة العاجلة إلى المقاول السنوي للمديرية، ثم تم وقف أعماله فور درء الخطورة، وجارِ عمل اللازم لإسناد عملية التطوير الشاملة للمسجد إلى إحدى الشركات المتخصصة، مشددةً على أن هذا الملف قد أُحيل إلى التحقيق تمهيداً لإحالة الموضوع برمّته إلى النيابة.

وبعد انتهاء هذه الضجة على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، توقفت تماماً كل أعمال التطوير في المنطقة منذ شهور! وعادت يد الإهمال لتطال ساحة المساجد والحدائق المُحيطة بها، في انتظار من يحنو عليها لإعادة رونقها القديم بالطراز التاريخي نفسه دون طمس ملامحها.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard