في مقدمة كتالوغ معرضها "ملمس الماء" (The Texture of Water)، كتبت الفنانة ريم الجندي: "ليس للماء ملمس بصريّ. هو مخادع، يستعير ملمس الأشياء التي تحيط به ليخترع ملمساً وهمياً. أعرف هذا. أعرف أن ملمسه وهم، ولهذا السبب تحديداً ذهبت إليه [...] هنا أستطيع أن أضع يدي عل الملمس الوهميّ للماء". فمن هي الفنانة ريم الجندي؟ هيا نتعرف على سيرتها، في سطور:
وُلدت ريم الجندي في العاصمة اللبنانية، عام 1965.
تحمل شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة، من الجامعة اللبنانية الأمريكية "LAU" (1991). تم الاعتراف بها من قبل لجنة التحكيم في بينالي، في الإسكندرية (1997). حصلت على دبلوم دراسات عليا في الفنّ المقدس، من جامعة الروح القدس-الكسليك (2007 - USEK). كما نالت زمالة مثلث الفن من مركز فيرمونت Vermont Center في الولايات المتحدة، وبرعاية مؤسسة فورد (2005 - Ford Foundation).
في مقدمة كتالوغ معرضها "ملمس الماء" (The Texture of Water)، كتبت الفنانة ريم الجندي: "ليس للماء ملمس بصريّ. هو مخادع، يستعير ملمس الأشياء التي تحيط به ليخترع ملمساً وهمياً"
من بين معارضها الفردية والأخيرة: "الحقيقة العارية" - Naked Truth (متحف الآثار في الجامعة الأمريكية في بيروت مع صالح بركات، 2024)، "صديقي باخوس" - My Friend Bacchus (دار المصوّر، 2018)، "القيامة" - Resurrection (غاليري جانين ربيز، 2015)، "شجرة العائلة" - Family Tree (غاليري جانين ربيز، 2012)، "الرجال" - Men (غاليري جانين ربيز، 2010)، و"طريق المطار" - The Road to the Airport (غاليري جانين ربيز، 2008).
أما من بين المعارض الجماعية التي أقيمت داخل لبنان وخارجه، فشاركت ريم في "مشهد الحديقة الحميمة" - Intimate Garden Scene (متحف سرسق مع أشكال ألوان، بيروت، 2023)، "قصر الصنوبر" - Palais des Pins (بيروت، 2022)، "سيريآرت SIRYART (مركز معارض بيروت، 2013)، "فن باريس" مع صالح بركات (باريس، 2024)، "فن أبو ظبي" مع غاليري جانين ربيز (أبو ظبي، 2009؛ 2011)، و"فن دبي" مع غاليري جانين ربيز (دبي، 2010، 2011، و2012).
حالياً، تعيش وتعمل في بيروت.
وعن الافتتاح، في غاليري "أجيال" Agial الحمرا، ليلة الأول من آب/أغسطس الجاري، أي الليلة التالية لليلة اغتيال القائد العسكري لدى حزب الله فؤاد شكر، في عمق الضاحية الجنوبية (حارة حريك)، إثر غارة نفّذها الجيش الإسرائيلي، كتبت ريم على صفحتها، على فيسبوك: "كانت الطرقات تفرغ من البشر [...] بالأمس. كانوا جميعاً مذعورين من احتمال اندلاع الحرب في أي لحظة. قلت في نفسي: "ربما سأكون واقفةً وحدي بين تلك اللوحات التي عملت عليها لمدة ثلاث سنوات". ثم لم أعرف كيف بدأ الناس يتوافدون، حتى امتلأت بهم القاعة. كمية الحب التي عشتها اليوم سوف تكفيني لعشر سنوات قادمة. يبدو أن الهامش الذي أنتمي إليه، في هذه المدينة، ما زال موجوداً".
هيا نحاورها:
1- على الأرجح أنّ كل من شاهد معارضك الثلاثة خلال السنوات التسعة الأخيرة، أو تابع أعمالك عن بُعد خلال هذه الفترة، قد لاحظ فيها بعضاً من مشاهد حياتك الذاتية، وسط عائلتك الصغيرة ومع عائلة أخرى صديقة. هل هذا صحيح؟ ولماذا؟
إن وجود مشاهد من حياتي الشخصية داخل لوحاتي لا يقتصر على آخر ثلاثة معارض فقط. ولطالما شكّل الجانب الذاتي جزءاً من أعمالي، منذ البداية، أي منذ كان موضوع اشتغالي هو إعادة تشكيل المعجونة بعنف تلقائي، يشبه إلى حد بعيد ذاك الذي واجهته كفتاة من جيل الحرب.
أستطيع القول إن أول تغيير حدث في أسلوبي، كان بعد إصابتي بالمرض، أي حين اختلفت فجأةً نظرتي إلى الأمور، فأصبحت أكثر واقعيةً وتفكيراً في الوسائل، وتحولت علاقتي مع جسدي ومع حياتي ومع الموت... وصولاً إلى الهجرة وما تلاها من البحث عن الهدوء، وهي المرحلة التي أعيشها الآن. باختصار، كل ما يطرأ على يومياتي داخل المدينة، من ثقل أو اضطرابات، يؤسس مسبقاً لنوع موضوعاتي في مشاريعي الجديدة. تشبهني لوحاتي في هذا المعنى غير الثابت.
2- هل باستخدام الكانفس الكبيرة (متر ونصف المتر * 90 سم) تماري مع شكل حوض السباحة الكبير والمستطيل، في الموتيل وبين المبنيين، حيث وُلدت فكرة هذا المعرض؟
عملياً، لا ألتزم بحجم واحد للكانفاس، بل يتغير الأمر وفق مزاجي وحسب المواد التي أستخدمها. لقد استغرق التحضير من أجل هذا المعرض نحو ثلاث سنوات، لاحقت على مدارها تقلبات مشاعري وأحاسيسي. هكذا خرجت بعض اللوحات على مساحات صغيرة، وأخرى على مساحات متوسطة وأخرى أكبر بعد. أما الفكرة بحد ذاتها، فوُلدت من مكان إقامتي الذي انتقلت إليه.
3- استخدمت في المعرض السابق طريقة الشك بالخرز على الكانفس، ما بدا مثيراً للاهتمام، ساحراً لأعين الرائين مباشرةً وشكّل إضافةً جديدةً على هويتك البصرية المعروفة. أما الآن، فنرى استخدامك للجوت الخشبي (wooden jute) كما يشير الكاتالوغ. أخبرينا أكثر عن هذه المادة وعن ارتباطها بثيمة البحر؟
تلك كانت أول مرة أستخدم فيها الخرز. ولقد استعملته بمثابة مكوّن غير تزييني، يؤلف اللوحة ويتصل بموضوعها من ناحية تمرين النفس على الصبر والتحمل. لقد عبرت بواسطة الخرز عن حالتي النفسية، خلال فترات حجر كورونا وسفر ابني الوحيد… إلى حين عودته.
لقد كانت أياماً وليالي مليئةً بالمستجدات غير المسبوقة ولا المتوقعة. أما عن "الجوت"، فهو عبارة عن كرات ملفوفة من خيوط كتان ومصيص، باللونين الأبيض الفاتح والبني المغمّق قليلاً.
4- أيضاً بالحديث عن الهوية البصرية التي صنعتها ريم الجندي، مع مرور السنوات: يبدو أن لا مفرّ من الأيقونات ولا اللون الذهبي.
لست متأكدةً تماماً إن كنت أبحث عن هوية بصرية محددة، بل أسعى باستمرار إلى تطوير أدواتي، كي تساعدني على التعبير عن خصوصيتي. أما عن الاستلهام عبر الأيقونات (في طريقة إدخال ورق الذهب، واعتماد رموز ذات دلالات روحانية وغيرها)، فالسبب يعود إلى دراستي للفن المقدّس بالأساس، وهو اختصاص ترك أثراً كبيراً في وجداني. لطالما سحرتني الأيقونات العتيقة وذات الطابع البدائي والأصيل. أقصد تلك التي يعود تاريخها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بعد الميلاد.
5- أخيراً سؤال عام: هل المعاناة الخاصة والعامة شرط من شروط رفع المعاناة والألم إلى منتج فني وإبداعي؟ أم أيضاً البحبوحة والسلام قادرتان على تحريك مكنونات مختلفة لدى الفنانين والمبدعين؟
لا يوجد سبب محدد يدفعني إلى القيام بالرسم. أفعل ذلك لأنني أحبه، تماماً مثلما يستطيع أي إنسان أن يحب شخصاً ما، من دون القدرة على التفسير. أنقل سعادة الحياة وتعاستها على حد سواء، معتمدةً غالباً على لقطات خزّنتها في ذاكرة طفولتي ولا يمكن نسيانها، كما على صور فوتوغرافية التقطتها بعد أن أصبحت أمّاً في عائلتي، ووسط اللقاءات بأصدقائنا المقربين.
تقول ريم الجندي: "أنقل سعادة الحياة وتعاستها على حد سواء، معتمدةً غالباً على لقطات خزّنتها في ذاكرة طفولتي ولا يمكن نسيانها"
ومن بين الحضور، التقى رصيف22، بالسيدة نوال مدللي (رئيسة جمعية "سوا" للتنمية)، التي تقول: "تتناول ريم في جميع لوحاتها موضوع انتقالها إلى عمشيت (إحدى بلدات قضاء جبيل، في محافظة جبل لبنان). إنها تنقل لنا تجربتها مع البحر كجزء من الطبيعة، كما تعيد تصوير جلسات المتعة بالاسترخاء مع الأصدقاء، عند حافة حوض السباحة وهرباً من ضجيج بيروت والوباء في آن". تضيف: "يدلّ عملها على شغفها بمشاركتنا جماليات حالة الاستقرار التي انبثقت آنذاك". وتختم: "لقد لفتني اختيار ريم للألوان القوية كالأحمر والأصفر مثلاً، كذلك اعتمادها تدرّجات الأزرق المتنوعة ما أضفى بعداً حركياً ومائياً على سطح القماش".
يُختتم معرض "ملمس الماء" في آخر هذا الشهر، حيث يستعيد البلد في الرابع منه الذكرى الرابعة لجريمة تفجير المرفأ، بلا تحقيق أي عدالة بعد، لا لصالح الضحايا ولا لأهاليهم.
لقد أصبح الفن التشكيلي في لبنان، وفي ظل الكوارث المتتالية، واقفاً عند تقاطع معقد ومؤلم بين ما هو إبداعي وأوتو-بيوغرافي من جهة؛ وكمركب أساسي للذاكرة الجماعية من جهة ثانية. هكذا، صار يتجاوز مجمل نتاج الفنانين المحليين اليوم الدور الإستاتيكي، لتغدو كل قطعة شهادةً حيّةً على الصمود، مشبعةً بندوب الفقدان غير المرئية وترافقها رغبة في استعادة الحياة. إنه إذاً حوار مفتوح بين الدمار والنهوض، يدعونا كلنا إلى التأمل في هشاشة الإنسان وقوته معاً. عساه، أخيراً، يكون وسيلةً للتشافي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...