شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
آن للعصفور أن يخرج من القفص

آن للعصفور أن يخرج من القفص

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الاثنين 19 أغسطس 202408:56 ص

النبي محمد يقول: استفت قلبك. أمي تقول: "اتبعي خطاي واستفتي قلبك". أخي يقول "إني أراقبك، فاتبعي خطى أمك ولا تستفتي قلبك فأنت المخطئة على الدوام".

بدأ اختراق مساحتي ووضعي تحت المايكروسكوب منذ ولادة أخي الذي أكبره بثلاث سنوات.

أنت الأخت الكبرى، القدوة، لا تصرخي في وجه أخيك ولا تزعجيه، ولا بأس إن ضايقك قليلاً.

يقولون إن المعاناة تزداد مع كثرة الذكور في العائلة، فماذا عن وجود ذكر إضافي مدلّل، يعتبرونه الصغير الذي لا يجب إزعاجه، ولكنه الكبير بما يكفي ليراقب أفعال أخته الكبرى؟

الغيرة على العرض

كبرت وكَثُر عدد الإناث في أسرتي، فأصبح لدى أخي، إناثاً غيري. هناك الصغيرة المدلّلة والوسطى التي أصبح يزعجها على الدوام. أمي وأبي يعزّزان شعوره بذكوريته وغيرته على عرضه، فيجب أن ننصاع جميعنا كفتيات لأوامره في التحكّم فيما نرتديه وما نضعه في وجوهنا، وحتى موعد دخول وخروج كل منا.

"يقولون إن المعاناة تزداد مع كثرة الذكور في العائلة، فماذا عن وجود ذكر إضافي مدلّل، يعتبرونه الصغير الذي لا يجب إزعاجه، ولكنه الكبير بما يكفي ليراقب أفعال أخته الكبرى؟"

عدت من عملي وجلست في غرفتي أتحدث لشخص كان حبيبي، عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وغلبني النعاس فأغلقت حاسوبي وخلدت إلى النوم، لأستيقظ على صراخ يحيط بي. اعتقدت أنها القيامة، ولكنها كانت قيامتي وحدي. أخي كان يعبث في حاسوبي، فقرأ المحادثات التي بيني وبين ذلك الشاب. اقتصّ ذلك من رجولته الهشّة، لينهال عليّ السباب والتلطيش بالأيدي والكثير من التهديد والوعيد.

لم تكن تلك قيامتي الأخيرة، إذ توالت نهاياتي وكأنني قط معذب بكل أرواحه التي تكثر السبعة.

أتذكر الآن ذلك اليوم، حين ذهبت إلى كليتي وكنت أعتزم الذهاب مع صديقاتي إلى السينما، ولكن كانت لديهن خطط أخرى، رغم اتفاقنا وتأكيدنا في اليوم السابق ولمست حماستهن.

في نهاية ذلك اليوم فاجأني اتصال أمي الغاضب، لتخبرني بالعودة فوراً ولا مجال للسينما اليوم.

عوقبت يومها لمجرّد فكرة كانت قيد التنفيذ ولم تنفّذ، ولكن العقاب الأكبر كان مراقبتي على الدوام، إذ يجب أن أقسم بكل الأرباب لأثبت عدم ارتكابي الخطيئة، ولكنني لم أنج.

الكتابة جرم كبير

ضُربت كثيراً لمجرد الأفكار، حتى أني عوقبت ذات مرة لتدويني أغاني أم كلثوم في المرحلة الثانوية، أتذكر اليوم الذي أخبرتني فيه أمي أننا ذاهبات لمنزل صديقتي لأنها تعاقب بسببي، حين وجد والداها دفتر تدوين يحوي جملاً من أغاني أم كلثوم التي اعتقدت أمي وأمها وأبوها أنها محرّمة علينا، لأننا لا نزال صغيرات في السن، فمنعت كلاً منا من محادثة الأخرى، وأخبرني الأصدقاء المشتركون بيننا أن الكتابة جرم كبير، وإن أحداً لن يكشف خطيئتنا ما دامت غير مكتوبة.

كثرة المراقبة تجعل المرء مهزوزاً، يسمع أصواتاً لا يعي مصدرها، أهو محدثها أم مراقبوه؟ يكبر ويدرك أن معاناته كانت فقط لترضي غرور الآخرين لا أكثر.

"ضُربت كثيراً لمجرد الأفكار، حتى أني عوقبت ذات مرة لتدويني أغاني أم كلثوم في المرحلة الثانوية، أتذكر اليوم الذي أخبرتني فيه أمي أننا ذاهبات لمنزل صديقتي لأنها تعاقب بسببي، حين وجد والداها دفتر تدوين يحوي جملاً من أغاني أم كلثوم التي اعتقدت أمي وأمها وأبوها أنها محرّمة علينا"

من الآن يكترث إن كتبت آلاف الجمل من أغاني أم كلثوم؟ أو حتى لو ذهبت لكل السينمات؟ وإن تحدثت إلى رجال العالم؟ لن يكترث المراقبون حينها، لأنها لم تعد تعزّز ذلك الشعور المحدث سلفاً، حيث وجدوا أشياء أخرى تلهيهم عن تلك الفتاة التي كانت الأخت/ الابنة الكبرى، فلمن يهمه الأمر، لم يعد للأمر أهمية.

اليوم ورغم اقترابي من الثلاثين عام، ما زلت أخشى ترك هاتفي أو حاسوبي مفتوحاً، أشعر دائماً بأنني سأعاقب، أنا المخلصة كالمسيح، أشعر بالعيون في كل حياتي تراقبني، ولا نهاية لها وأصواتهم في عقلي ما زالت تزعجني.

أسعى دوماً للكمال ولا أحصده، ورغم سكوت أصواتهم إلا أن صداها يهشّم رأسي، وذلك المحزن في الأمر حقاً، ولكن مشاعري تجاه الأمر باتت واضحة الرؤية، ما يجعلني أستمر بالمحاولة كي لا أستسلم لتلك الأصوات.

أيها العصفور الجميل، اعتد القفص، ولكن بإمكانك الآن أن تخرج منه وتحلق عالياً، لن يراقبك أحد بعد الآن. بوصلتك هي قلبك فاستفته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image