شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
زينب ووالدها الغاضب... علاقة الحسينيات بتعنيف النساء في العراق

زينب ووالدها الغاضب... علاقة الحسينيات بتعنيف النساء في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والنساء

الأربعاء 7 أغسطس 202412:45 م

"تمسحين برنامج الإنستا من تليفونك"... هذه العبارة التي كانت بانتظار زينب (24 عاماً) من النجف، لدى عودتها إلى المنزل، بعد أن ذهبت ووالدتها إلى أحد مجالس العزاء التي تقام في شهر عاشوراء الجاري في بيت جدها.

تقول زينب لرصيف22: "فوجئت أن والدي كان ينتظرني في غرفة الجلوس، حتى أنه لم يكلف نفسه رد تحيتي، وكان حاد المزاج وتفوه بعبارته السامة التي اعتدنا عليها، وهي في مجملها حول تهديدي بحرماني من الجامعة أو استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي".

وتتابع: "غمزت لي والدتي بطرف عينها وحاجبها بأن أغادر المكان، وهي إشارة بيننا حين يكون والدي ليس على ما يرام، ففتحت باب غرفتي وجلست أفكر بالطريقة التي يعاملني بها أبي، ما هي أسبابها؟. وإذا بشقيقتي الصغرى تفتح باب الغرفة وتطلب مني أن أسلّم هاتفي المحمول بسرعة، تنفيذاً لطلب أبي. وبعد تسليمي الهاتف عادت مرة أخرى لطلب كلمة السر، وأنا منصاعة لرغباته، فرفض تنفيذ الأوامر نتيجته التعنيف والتشكيك بالشرف".  

عاشوراء

الخطيب يحرّض أبي ضدي  

تخبر أنه بعد انتهاء هذا السيناريو الذي يعتبر معهوداً بين فترة وأخرى، والذي يصحبه تفتيش في الهاتف وإهانات تدور حول كون "البنات يجلبن العار" و"قريباً بسبب الإنترنت ننفضح بين الناس"، تتعرف على الأسباب صباحاً من والدتها بعد الجلسة الليلية التي تقضيها مع والدها. 

"تمسحين برنامج الإنستا من تليفونك"... هذه العبارة التي كانت بانتظار زينب لدى عودتها ووالدتها من أحد مجالس العزاء التي تقام في عاشوراء، حيث كان والدها ينتظرها غاضباً في غرفة الجلوس، بعد عودته من خطبة تحرّض على مراقبة الفتيات والتشدّد معهن 

وتقول: "أخبرتني أمي صباحاً عن حقيقة الأمر الذي جعل والدي منزعجاً، وأن هاتفي سيظل معه لأيام تحت المراقبة، ومن ثم سيعيده لي لأن الملا في مجلس العزاء أخبر الرجال أن من واجب الحسينيين أن يراقبوا بناتهم ويتابعونهم خوفاً من الانحلال".

وتختم: "والدي مبرمج على الإصغاء لتحريضات رجال الدين، ولست أنا الوحيدة التي أعيش هذا الواقع، بل جميع النساء في هذا المجتمع".

يحضر المجالس الحسينية التي تقام كل سنة في شهر محرم جمع غفير من الناس في المحافظات الشيعية، ويُقام مأتم العزاء في البيوت للنساء، وفي الحسينيات للرجال، ويترأس هذه المجالس الخطيب أو الملا، حيث يتناولان في قصائدهما المشاكل الاجتماعية -من منظورهما- التي كثيراً ما تحرّض على النساء بشتى الطرق وتصدر خطاب الكراهية ضدهن.

عادة ما تكون هذه الانتقادات موجّهة إلى أسلوب النساء في الحياة اليومية، مثلاً استخدامهن لمواقع التواصل الاجتماعي، أو طريقة اتباعهن الموضة، أو استخدام المكياج، وهكذا.  

الحسينيات الشيعية

"ماكو رقابة من الأبو" 

وقد ثارت ضجة في شهر محرم الجاري بسبب قصيدة الرادود زيد بقر الشام التي انتقدت الفتيات اللواتي يستخدمن برنامج الإنستغرام وَوضعت اللوم على الأم بالدرجة الأولى، وعلى ذويهن لعدم مراقبتهن.

وكلمات القصيدة "على الانستا بتها تسهر للصبح تبعث رسايل ماكو رقابة من الأبو ولا غيرة من الأخو، من تنصحه يعتبرك عدو"، واعتبر الرادود أن استخدام الفتيات للبرامج في مواقع التواصل الاجتماعي هي هجمات من الشيطان. 

يحضر المجالس الحسينية آلاف الشيعة سنوياً، ويُقام مأتم العزاء للنساء في البيوت، وفي الحسينيات للرجال، والتي كثيراً ما تحرّض على المرأة وتصدر خطاب الكراهية ضدها.

في حديث لرصيف22، تقول إحدى المدافعات عن حقوق المرأة والتي فضلت عدم ذكر اسمها أن من ينتقد السلطة الدينية حالياً يتم تلفيق التهم له من كل حدب وصوب، ويواجه خطاب كراهية المجتمع، إضافة إلى المساءلات القانونية.

تضيف: "المنابر الحسينية تنتقد النساء في المواسم بصورة لاذعة، وتحرّض على تعنيفهن باستخدام أولياء الأمور كأداة، كما توجههم لكيفية ممارسة طرق العنف عن طريق تغذيتهم بخطابات معادية لعمل المرأة وحريتها وحركتها".

وقد أنتجت هذه الخطابات حرمان النساء هذه السنة من المشاركة في تأدية الطقوس الحسينية في المواكب في عدة محافظات ومنها النجف.

وتشير إلى أن هذه الطقوس مهمة في المحافظات الشيعية للنساء، إذ تعد المتنفس الوحيد لهن، فالفتيات ينتظرن قدوم عاشوراء من السنة إلى السنة التي تليها، ليتمتعن بجزء صغير من المساحة والحرية وتجمع الأقارب الذي يخلق أواصر اجتماعية مهمة. 

الملا

"الملا"... زوجوا بناتكم للخلاص من المسؤولية

فاطمة (33 عاماً) من محافظة كربلاء، اسم مستعار لها، ترى بأن المجالس الحسينية التي تقودها "الملا" أو الملاية أي الخطيبة المرأة متأثرة بأحاديث وطريقة الخطيب الرجل، "في مجلسنا الذي نعقده في العشرة الثانية من محرم والثالثة، تأخذ مساحة من المحاضرات الدينية والتعليمية بعكس العشرة الأولى من محرم حيث يسود وقتها الصراخ والعويل".

تتناول "الملا" المرأة في مواضيعها خطابات مساندة لأحاديث رجال الدين بالعنف ضد المرأة، بل هي مستنسخة من أفكارهم، فعلى سبيل المثال تنصح النساء بالسعي لتزويج البنات القاصرات وتوقيف مسيرتهن الدراسية، وتنتقد طالبات الجامعة بحجة أن الفساد والسفور منتشر بسسهن.

وتنقل فاطمة عن لسان "الملا" قولها: "زوجوا بناتكن للخلاص من المسؤولية، وحجبوهن في سن التاسعة أي بعد بلوغ البنت سن التكليف في المذهب الجعفري".

وتضيف فاطمة أن المجالس التي تقام في البيوت لكل عائلة "ملا" لا يجوز تغييرها، لأن المعتقد السائد أنه إذا تغيرت ملا الدار سوف يُصاب صاحب البيت بمكروه ما، وهذا الأمر يساهم في تجديد خطاب الكراهية كل عام في موسم عاشوراء، وأن "الملا" ذاتها في بداية مجلسها الحسيني تبلغ صاحبة المنزل القائمة على المجلس أن تغييرها بملا تحل محلها سوف يحل عليها غضب فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وبها تضمن بقاءها لأعوام.

هذا التصرف يضمن للـ"الملا" وجودها في عدة بيوت، والنتيجة أن هذه الأفكار السامة التي تبثها تترسخ في عقول النساء، فلا نستغرب من حين توجه نقداً لاذعاً بين حضور المجلس لإحدى الفتيات التي تضع بعض السيروم الذي يجعل بشرتها لامعة بحجة أنها لا تخجل من فاطمة الزهراء، وتعتبر هذا التصرف هو النهي عن المنكر. 

"الملا" هي الخطيبة المرأة في بيوت عزاء النساء، ولكل عائلة "ملا" لا يجوز تغييرها، مما يساهم في تجديد خطاب الكراهية في كل عاشوراء، و"الملا" ذاتها تبلغ صاحبة المنزل القائمة على المجلس أن تغييرها بأخرى سوف يحل عليها غضب فاطمة الزهراء بنت الرسول

وتختتم فاطمة حديثها لرصيف22، عن مدى تأثير "الملا" على حياتهم اليومية وتقول: "شقيقاتي ووالدتي متأثرات بالطريقة التوجيهية التي تطرحها الملا، ففي تربية الصغيرات التعنيف والضرب هما الوسيلة التأديبية بدلاً من المناقشة، وشقيقتي تعنف بنتها الصغيرة لأن الملا قالت لها: قبلي ابنتك من خد واصفعيها بالآخر، ووالدتي زوّجت ابنة شقيقي الشهيد بعمر ال12 عام لأن الملا قصت حكاية زواج فاطمة الزهراء بعمر صغير".

تتفق زهراء من محافظة بابل (35 عاماً) مع هذا الحديث، وتقول: "الاعتراض على أحاديث وروايات الملا المملوءة بالجهل والتحريض ضد النساء يعتبر في مجتمعنا اعتراضاً على أهل البيت، لأن الملا والقارئ ... الخ هم خدام أهل البيت، وكل واحدة منهن امتهنت هذه المهنة بطلب من الزهراء حيث زارتها في المنام بحسب الروايات التي يطرحنها في مجالسهن".

تقول: "في أيام عاشوراء من كل سنة كان في دار أهل زوجي مجلس عزاء، ومحاضرة خاصة بالنساء يسبقها وليمة عشاء، فعمتي والدة زوجي تفعل هذه العادة كل عام كإرث من عمتها".

قبل المأتم دارت أحاديث حول الموظفات وطريقة لباسهن، وأن النساء في هذه الفترة يتمتعن بمساحة من الحرية لم تحدث من قبل، وأن طريقة الحجاب التي ترتديها النساء مغرية للغاية تثير الرجل، ولربما كانت بعض الحاضرات غير مقتنعات بالحديث، ولكن مشاركتهن واتفاقهن بالرأي من أجل أن يكسبن احترام الجميع ولتتويجهن على قائمة الشرف والعفة".

وتكمل: "وجدت أن هذه الآراء تمس بكيان المرأة، فقاطعتهن بانزعاج، ووجّهت لهن عدة أسئلة، مثل: "هل يضر شرف المرأة إذا ظهرت بملابس لائقة؟ أو نشرت يومياتها على حساباتها الشخصية؟ أو استخدمت جلاية الصحون؟ أو لوّنت أظافرها بطلاء الأظافر؟".

في تلك الجلسة ظننت أن من واجبي توضيح وجهات النظر وتقريبها، وخاطبت عقول مختلفة الطبقات والتفكير من الحاضرات، وكان من بينهن جامعيات وموظفات".

وبحسب حديثها فقد انقلبت الجلسة ضدها، تقول: "سمعت اتهامات غريبة جداً، مثلاً أن عقلي مغسول بالأفكار الشيطانية التي تريد أن تنال من الشيعة، وهذه مؤامرة ضدنا من أجل لا ننصر الزهراء، وتعليقات أخرى، كان خطئي الوحيد الاستمرار بالنقاش، بالنسبة لهن أنا صاحبة دماغ مغسول المتغذي بالأفكار الغربية، وبالنسبة لي هنّ ضحية للتجهيل الديني".

تقول: "اختتمت الجلسة بأن (الملا) رفعت سماعة المايك وقالت لي: بأمر من الزهراء اخرجي من المجلس. هذا الموقف أنهى حياتي الزوجية لعامين متواصلين، وكان سبباً بنبذي من قبل عائلة زوجي، ومنعي من حضور المجالس الحسينية الأخرى في بيوت أقاربي". 

الطقوس الشيعية

"منابر الفتنة والتحريض"

تصف الناشطة والمدافعة عن حقوق المرأة هبة النائب المنابر الحسينية بمنابر "الفتنة" و"التحريض".

وتضيف في حديثها لرصيف22: "حين تبدأ المرأة بالتطلع إلى مستوى معيشي أفضل، وتنغمس في سوق العمل بحثاً عن الاكتفاء الاقتصادي تظهر الخطابات الانتقامية من السلطة الدينية التي تستخدم أدواتها التحريضية ضدها، من خلال المنابر الحسينية التي يُفترض أن يكون خطابها تثقيفياً إرشادياً". وتتساءل: "لا أعرف ما الضير في أن تتمتع المرأة بمساحة من الحرية والاستقلالية؟" 

بسبب اعتراض زهراء على حديث الملاّ حول قمع المرأة، طردتها الأخيرة من المجلس "بأمر من فاطمة الزهراء"، وانقطعت علاقتها  بزوجها لعامين كاملين، ونبذتها عائلة زوجها. 

وترى النائب أن السلطة السياسية الدينية هي المتضرر الأول من تطوير المرأة، لأنها إن تثقفت فسوف تسحب البساط من تحت أقدامهم وتتجه للمطالبة بحقها في السلطة، والدليل أن بعض السياسيين يدفعون المال إلى رجال الدين ويهيئون "للخطيب" الجلسات التي تتميز بالطعام الفاخر والجمع الغفير من الرجال، ومعظم حديث هذه المجالس يور حول المرأة العاملة والسياسية وربة البيت وانتقاد تصرفاتهن.

"الملا هدفها مادي"

تشير إيناس (33 عاماً) من النجف من قضاء الكوفة، إلى أن "الملا" في الوقت الحالي هدفها الأول هو المادة، فعلى سبيل المثال تطلب صاحبة المجلس التي تقيم العزاء في دارها أن تنتقد "الجناين" أي الكناين وهي جمع كنة أي زوجة الابن، وهي لفظة باللهجة العامية العراقية تُطلق على زوجات الأبناء، كما يحدث في منزلنا كل عام لأن زوجها وإخوته يسكنون في بيت مشترك.

تضيف: "عمتي أم زوجي تتصدر المجلس وتعطي إشارة "للملا" وتبدأ الأخيرة بانتقادنا على أتم وجه وعنوان حلقة الانتقاد (الفرق بين الجنة الحالية والجنة في الأعوام الماضية)، فإن الحالية تصحى في وقت متأخر، والقديمة كانت تستيقظ من الفجر وتصنع الخبز في تنور الطين… وغيرها من الأمثلة التي تقول بأن علينا أن نشقى في الحياة ونتذوق مرار العيش، فقد منعت عمتي زوجي عن شراء غسالة الملابس الأوتوماتيك وخيرته بين رضاها وبين الغسالة بحجة أن (الملا) ذكرت تلك الأمثلة وأن علينا أن نبتعد عن حياة الرفاهية ونعيش في الزهد مثل حياة الزهراء بنت الرسول التي كانت مملوءة بالمشقة.

وتشير إيناس إلى أن "الملا" في مجالسها تتحدث بروايات من تأليفها. فمثلاً "إذا ابتسمنا في شهر محرم سوف تغضب الزهراء"، وعلينا أن نلتزم السواد طوال شهرين متتاليين ومن ترتدي الألوان تعتبر من المبغضين لأهل البيت.

فيما توضح المستشارة المجتمعية إخلاص جبرين خطورة "الملا" غير المتعلمة على عقول النساء، وتحدد نقطة ارتفاع تلك الخطورة في المناطق النائية والفقيرة مقارنة بالمناطق المأهولة التي قد لا تتأثر بحكم أن فيها الكثير من العقول المتنورة، ولكن الأمر يزداد خطورة في المناطق الفقيرة التي لم تحظ بالتعليم والتأهيل، حيث المجلس الواحد الذي تقوده "ملا" به ما لا يقل عن سبعين امرأة.

وتضيف جبرين لرصيف22: "من المفترض في هذه المهنة تكون محصورة بين فئة معينة تتمتع بمستوى عالٍ من الثقافة والاطلاع الواسع وقوة المنطق، وأن تواصل في المسيرة العلمية لأنها تؤثر في جميع طبقات المجتمع ابتداءً بالجاهل وانتهاءً بالمهندس والطبيب. إن متطلباتنا تبقى مطالب وأمنيات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image