شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"طلعت قصير زيّ أمك"... عندما يدمّر تنمّر الأهل حياة الأولاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الجمعة 30 أغسطس 202410:29 ص

قبل فترة، أطلّت النجمة أسماء جلال، عبر أحد البرامج التلفزيونية، وراحت تحكي عن طفولتها وكيف كانت سعيدةً إلى أن بدأت والدتها تتدخل في اختيار ملابسها، وتنعت ساقيها بال"وحشة"، وذلك كي تجبرها على ارتداء ملابس محتشمة تغطّيهما.

تقول أسماء، إن حديث والدتها عن ساقيها، ولّد لديها "عقدةً" جعلتها حتى وقت طويل ترفض ارتداء ملابس قصيرة، خوفاً من أن تبرزهما.

تمنّيت أن تنشقّ الأرض وتبتلعني

في الحقيقة، الكثير من الأشخاص يتعرضون للتنمر من أقرب الناس إليهم، وهو ما يترك أثراً في داخلهم برغم مرور الأعوام.

تقول رانيا سعيد (33 عاماً): "منذ أن بدأت أعي معنى الكلام، وأنا أسمع والدتي تتنمر على لون بشرتي، وتصفني دوماً بأنني لست بيضاء مثل أخي، وبأنني ورثت البشرة السمراء من عائلة والدي، وكنت أسمعها دوماً تقول إنني لست جميلةً مثل أخي ولكن ‘دمي خفيف’ على حد قولها".

"أعترف بأن حديث والدتي جعل لدي عقدةً من لون بشرتي، وحتى الآن أنفق نصف راتبي على كريمات ومستحضرات تفتيح البشرة"

وتضيف رانيا لرصيف22: "ذات يوم كنت أرتدي بلوزةً باللون البني، فسخرت مني والدتي وقالت لي: ‘البسي لون فاتح يليق عليكِ إنتِ لابسة بلوزة بلونك’". أتذكر أنني وقتها كنت في الرابعة عشرة من عمري، وكنت أرتدي تلك البلوزة في العيد بعد أن أهدتني إياها جدّتي، ولكن حين سمعت كلمات أمي تظاهرت بالقوة وبأن حديثها لم يؤثر فيّ، ولكنني دخلت غرفتي وظللت أبكي بشدة، ثم خلعت تلك البلوزة وقمت بتمزيقها وإلقائها من شرفة غرفتي".

وتتابع: "برغم أنني أحاول دوماً أن أبدو أمام والدتي قويةً، غير أن تنمّرها عليّ في أثناء طفولتي جعل بيني وبينها حاجزاً نفسياً من المستحيل أن أتخطاه. كنت أكذب عليها أحياناً، وأخبرها بأن شاباً قام بمعاكستي وأثنى على جمال لون بشرتي، ومع ذلك أعترف بأن حديث والدتي جعل لدي عقدةً من لون بشرتي، وحتى الآن أنفق نصف راتبي على كريمات ومستحضرات تفتيح البشرة".

"عود القصب"

بدورها، تقول علياء (30 سنةً)، لرصيف22: "حين كنت طفلةً، كنت لا أحب الطعام وكنت نحيفةً جداً، ما جعل والدتي تتعمد إحراجي أمام أي شخص حيث كانت تناديني ‘عود القصب’، ظنّاً منها بأنها تقوم بتحفيزي لأتناول الطعام فيزداد وزني. نادتني بذلك الاسم أعواماً طويلةً حتى أن أصدقائي راحوا ينادونني بالاسم نفسه. أتذكر وقتها أنني ذهبت إلى والدتي لأشكو لها من أصدقائي فسخرت مني وقالت: ‘أحسن علشان تاكلي وتتخني’".

وتضيف: "في الحقيقة، ما قامت به والدتي آذاني نفسياً للغاية، فالجميع كانوا يسخرون مني بسببها وبسبب اللقب الذي نعتتني به أو بالأحرى وصمتني به، وبرغم مرور الأعوام إلا أنني لم أستطع مسامحتها على أنها كانت السبب في أن يسخر مني الجميع وكانت تسمعهم وتضحك بدلاً أن تصدّ عني تلك السخرية".

"حين كنت طفلةً، كنت لا أحب الطعام وكنت نحيفةً جداً، ما جعل والدتي تتعمد إحراجي أمام أي شخص حيث كانت تناديني ‘عود القصب’، ظنّاً منها بأنها تقوم بتحفيزي لأتناول الطعام فيزداد وزني"

عانت علياء من النهم العصبي، وكانت تأكل من دون وعي، وفق ما تشرح: "لم أستطع نسيان قسوة كلامها وهي تقول لي إن الملابس لا تليق بجسدي النحيل، وإنني لست جميلةً، وعندما أكبر لن أجد رجلاً يتزوجني، لأن الرجال لا يحبون النحيفات وفق قولها، حتى عانيت بسببها مما يسمى بالنهم العصبي ‘بوليميا’، حيث كنت آكل بنهم كي يزداد وزني ثم أتقيّأ، وظللت كذلك فترةً طويلةً وما زلت أشعر بالتوتر كلما ارتديت ملابس قصيرةً تكشف جسدي".

من جهته، يعاني رامي (40 عاماً)، من التنمر بسبب قامته، ويقول لرصيف22: "طوال حياته، كان والدي يتعمد إهانتي والسخرية مني. أتذكر حين كنت في الصف الثالث الثانوي، وقام بضربي بالقلم على وجهي من باب الدعابة، قائلاً: ‘ذاكر علشان تعرف تدخل كلية طب، كان نفسي تكون طويل وأدخّلك كلية الشرطة لكن طلعت قصير زيّ أمّك’. وقتها تمنيت أن تنشقّ الأرض وتبتلعني، خاصةً أن أصدقائي باتوا يضحكون على كلماته التي مزّقت قلبي، وبعد أن غادر أصدقائي توجهت نحوه لأعاتبه على فعلته وعلى كلامه، فأصيب بنوبة شديدة من العصبية وراح ينهرني ويهينني أكثر فأكثر".

ويضيف رامي: "عند اقتراب موعد الامتحانات، قررت أن أمزّق قلبه وحلمه بأن أكون طبيباً وتركت أوراق الإجابات خاويةً تماماً، فلم أكتب سوى اسمي برغم أنني كنت أعرف إجابات الأسئلة إلا أنني شعرت بلذة غريبة وأنا أفعل ذلك، وبالطبع رسبت في ذلك العام وحرمته من لذة نجاحي أو دخولي كلية طب كما كان يتمنى. كنت أشعر بسعادة بالغة برغم أنه قام بضربي وطردي من المنزل، إلا أنني لم أشعر وقتها بآلام الضرب بل كان شعور النشوة والنصر يهيمنان عليّ بشدة".

ويختم: "للأسف، برغم مرور الأعوام إلا أنني لم أستطع مسامحته على التنمر عليّ أمام أصدقائي، وحتى الآن يطاردني ذلك الموقف في أحلامي".

نتائج كارثية

لطالما تحدث علم النفس عن تأثير تنمّر الوالدين على أبنائهما، وهو ما ذكرته دراسة أُجريت في جامعة أكسفورد لفحص العلاقة بين المقاييس الاجتماعية والعاطفية ومدى استجابة المراهقين للأمراض النفسية بسبب انتقاد الوالدين لهم بشكل لاذع. شارك في تلك الدراسة 44 شاباً تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاماً، وتم رصد استجاباتهم العصبية في أثناء قيامهم بسماع مقاطع صوتية لانتقادات والديهم لهم. كانت أبرز تلك الاستجابات شعورهم بالتهديد الاجتماعي، والعصبية المفرطة، والاكتئاب المزمن أيضاً.

تعليقاً على هذه النقطة، يقول الدكتور هشام ماجد، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، إن تنمّر أحد الوالدين على الطفل يؤدي إلى نتائج كارثية سواء نفسية أو اجتماعية: "بطبيعة الحال، فإن الأب والأم هما مصدر الأمان والدعم بالنسبة للطفل وتنمّرهما عليه يُعدّ بمثابة كارثة".

التنمّر قد يدمّر حياة المرء، فكيف إذا كان صادراً من أقرب الناس ومن أشخاص من المفترض أن يكونوا من أشد الداعمين للشخص المعني، وسيفاً في وجه الألسنة التي تثرثر من دون انقطاع؟

ويضيف ماجد لرصيف22، أن الطفل الذي تتم السخرية منه أو انتقاده بشكل عنيف يواجه صعوبات في تكوين صداقات، ويرجع ذلك إلى انخفاض ثقته بنفسه وانخفاض احترامه لذاته أيضاً، ما يجعله يتحاشى الدخول في صداقات أو ممارسات اجتماعية، كاشفاً أن تنمّر الوالدين يؤدي إلى دخول الشخص في نوبات غضب، ويجعله أكثر عرضةً للاكتئاب الذي قد يقود بدوره إلى الانتحار: "هناك العديد من الحالات لأطفال انتحروا سواء في مصر أو خارج مصر بسبب ذلك التنمّر"، مردفاً أن الأمر لا يتوقف على ذلك فحسب، ولكن الشخص الذي يعاني من انتقاد عنيف وتنمّر من قبل أبويه أحياناً يحاول الهرب من واقعه وتالياً يسقط في مشكلة تعاطي المخدرات".

ويختم ماجد حديثه قائلاً: "يجب أن ينتبه الأهل إلى الطريقة التي يعاملون بها أبناءهما/ بناتهما، لأن كل ما يتم زرعه في الطفل يتم حصده عند الكبر".

في الختام، التنمّر قد يدمّر حياة المرء، فكيف إذا كان صادراً من أقرب الناس ومن أشخاص من المفترض أن يكونوا من أشد الداعمين للشخص المعني، وسيفاً في وجه الألسنة التي تثرثر من دون انقطاع؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image